|
دراسات نقدية
حمائم الكلمات البيض في أغاني الباز بدل رفو المزوري
عبدالكريم الكيلاني
حمائم الكلمات البيض النازفة تندرج في هذا البوح الانساني مرتدية ملاءاتها المزركشة بالالام والامال للخلاص من سواد ليل طويل خيم على نفوس عامرة بالحب والرقة والاصالة والتشبث بالارض صارت القصيدة قنديلا يضيء في الدروب نحو الحرية لتتحول الكلمات الى رصاصات تخترق قلوب السلاطين والساسة الذين يتحكمون بمصائر الشعوب ويسيرون البلاد نحو الظلامية تشبثا بالكراسي والمناصب على حساب الشعوب المقهورة .. وبين مطرقة الظلم وسندان العبودية تظهر الاصوات الثائرة لتزلزل عروش القهر وتدك أوكار الجبابرة بالعزف الصادق على اوتار الامل والتنبؤ بغد أكثر اشراقا ومن بين هذه الاصوات سمعنا بوضوح صوت الشاعر بدل رفو المزوري الصحفي العراقي والكردي الوحيد من الشرق والذي غطى نشاطات اوربا الثقافية لعام 2003 في مدينة غراتس النمساوية و شارك مع كبار الصحفيين العالميين في تغطية نشاطات عواصم اوربا لصحف الزمان اللندنية والاهالي العراقية وهو مازال يمنح جبال كردستان عصارة تجربته الشعرية بصمت ودون ضجيج في منفاه الذي لجأ اليه وفي مجموعته الشعرية ( أغاني الباز الكردي ) قصائد مترجمة من الكردية الى العربية تحكي بلغة شفافة الهم الانساني الكردي الذي سحق بصبره كل اشكال الظلم طيلة عقود من الزمان بشتى السبل فالحياة في كردستان لها طبيعة خاصة تتشكل لتضفي على الصباحات بريقا أخاذا مع تغريد الطيور وانتعاش النسمات الساحرة لتعكس هذا البريق على الازياء الكردية والدبكات التي لم تتوقف رغم نزيف السهول والجبال فيها والشاعر هنا يحاكي ضمائر العالم ليلتفتوا الى معاناة هذا الشعب بلغة شعرية متينة مكتملة الادوات ورصينة البناء طافحة بالصور والاستعارات والتشبيهات( أحمل وجعي وأسافر .. أتخبط تهيجا .. في رحاب المكابدات .. الافق .. تنتشلني ضحكات وابتسامات .. جريحة وأعشقها .. نسرد معا على أرصفة براغ وحاناتها .. قصصا وحكا .. من رحيق الماضي .. صاحبي يحتسي الخمرة .. وأنا أرتشف من ثغره أغان جبلية .. نرقص معا الشيخاني .. وترقص الدنيا معنا الفالس ..) فهو هنا يحمل بين جنبيه دموع الثكالى واليتامى ووجع الارض التي تنز دموعا من هول ماشهدته على مر السنين والشاعر هنا اجاد في كيفية نقل الصورة الشعرية من لغتها الاصلية الى لغة اخرى محافظا على البنية الشعرية وروح النص الاصلي وهذا مما يحسب له لان hالترجمة دائما تفقد النص شيئا من حلاوته وقوته التعبيرية وفي نصه ( قصائدي) نقرأ ( من حدقات العيون السرمدية .. أساطي هوى تتغنى .. وتتباهى بقامتك النرجسية .. قصائدي .. مزن حبلى وربيع .. استحالوا لاجلك قلادة أزلية .. أناشيد لأطفال الكرد .. وعشق كردستان ,, وصنوبر ) ينحى منحى يتسم بشفافية الوصف وامتزاج المعنى بالموروث من التاريخ فيعشق مابين ضجيج الماضي وانسكاب اللذة في الحاضر ليأخذنا الى جماليات صورية تتناسب وفعل الكتابة في هذه النصوص التي يتحلى بها قلم الشاعر وعندما ينشد .. مزن حبلى وربيع.. إنه يفتح النار على الماضي الهم ويطلق ربيعه في الحاضر وهنا كان موفقا في ابراز ملامح صورية و إن كانت خارجة عن الفهم المتداول الذي يتصوره البعض بأنه عندما تمطر السماء يأتي الربيع ولكن لو نتمحص بشكل دقيق أن الربيع عند الشاعر هو ميزة النقاء في داخله بعد هم من المزن الذي تدثر به طيلة أيام العذاب وهذا ما يروم الشاعر بثه عبر هذه الجملة التي تحمل الكثير من التأويل في فن شاعريته وفي نصه الاخر المترجم ( جرح السنين الغابرة ) يهيم بنا الشا عر في عوالمه حيث يقول (حين بدأت بكتابة السطر الاول .. هوى القلم من يدي في الحضيض .. ونظرت اليه بسخرية قاتلة ) وبقي يوصل الهم بالهم وينتظر بريقا يأتي من غير الكتابة ولكنه آثر على نفسه وبقي يؤسطر تاريخه الثقافي عبر هذه الترجمة .. هوى القلم من يدي في الحضيض .. وهنا يقصد القلم من خلال الفعل الكتابي سقط في الالم الداخلي للشاعر ولهذا بقي متحفظا من خلال سخريته الخانقة التي سيطرت عليه من خلال الالم الا انه انتصر لذاته واخذ يغور في احشاء الكتابة المؤلمة لكي يصل الى منافذ يطل بها على الحياة وفي نصه ( البارزاني ) يقول الشاعر (أشياء كثيرة ستظل خالدة الى الابد ... ملاحم العشق .. عجائب الدنيا السبع ..سبارتاكوس وحصان طروادة .. وأحلى مدن التاريخ ..روما .. أثينا .. نينوى ....... وستظل ملحمة البارزاني محفورة على أفئدة العشق وجوارح الكرد الى الازل) انها سونيتة جميلة تلك التي يعزفها الشاعر بدل في هذه المقطعة الشعرية فالفرائد الملموسة وافرة المعاني والدلائل الصورية التي يحتويها النص فهو هنا يربط بين البارزاني الذي وهب شعبه الدافع للحياة الحرة بمسيرته الحافلة بالتصدي والنضال من اجل ارجاع الحقوق المغتصبة للكورد وبين عظمة وجمال بعض العجائب والرموز الدلالية في شتى انحاء الارض فروما وأثينا ونينوى كل منها قد رسمت يوما ما لوحة الحرية بألوان فضفاضة وأشكال متعددة .. انه ديدن الحياة إذن .. فلابد للنخبة ان تتفرد بالاشادة كعلامات مضيئة في تاريخ الشعوب وهذا مانتلمسه هنا وما يريد الشاعر ايصاله للمتلقي .. إن تنقل الشاعر في المنافي ساهم في ضخه للمشاعر الانسانية بابهى صورها واقتناءه المفردات المشبعة بالدهشة والضاربة جذورها في أعماق النوازع البشرية دفاعا عن شعب عانى ماعانى من ويلات الظلم والاستبداد فأتت المجموعة الشعرية ( أغنية الباز ) صرخة مدوية في ضمير الانسانية وكتابا يفتخر المكتبة الادبية بضمها والاستشهاد بها وتصنيفها كمرجع ثقافي وكصوت من الاصوات الحقيقية في الادب الكردي الحديث ... نستطيع القول بأن ( أغاني الباز الكردي ) هي بمثابة هم وشجن نابع من الصراع مع اضطهاد السلطات للذات وهذا ما انسجم واغانيه المحلقة في مجموعته أغاني الباز ....
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |