|
دراسات نقدية
العبور الى زاوية الأقنعة في شعر ثامر سعيد آل غريب الدكتور صدام فهد الاسدي / البصرة تفنن الشعراء المعاصرون في انتقاء أقنعة تخنق زاوية الوضوح كي تميزهم عن غيرهم وتبعدهم عن دائرة مغلقة للصراع الفكري ,مبتكرين أقنعة بغية التستر اولا والاختفاء ثانيا ,فالشاعر الأمس غاب ظله ولم يغب دوره فعاش رمزه في ذهنية المتلقي وقد اسرع المعاصرون بلم الشظايا المفتتة من تلك الأقنعة وحفروا قرب الساقية قناعا يكفل لهم خوفا منشودا وذبحا على مقصلة السياف هاربين الى تاطير القناع ,وأولهم الشاعر يوسف الصائغ في قناعه(اعترافات مالك بن الريب) وثانيهم عبد الأمير الحصيري (مذكرات عروة بن الورد)وثالثهم محفوظ داود سليمان(يوميات طرفة بن العبد)ورابعهم حسب الشيخ جعفر(يوميات امريء القيس في بيزنطة)) وقد جسد بعضهم أفكاره في أكثر من قناع ولعلنا نقارب الصواب اذا قلنا يشتت أفكاره ويفقد النص قيمته الفنية التي تحيط بدائرة التوليف الفنيوالفكري ويشكل خللا على مستوى القناع,ومن الشعراء الذين أجادوا في رصد القصة التاريخية وتحويلها إلى رؤية فنية كقصيدة(خبر لديك الجن)للشاعر سامي مهدي والقناع الذي أراده سامي شخصية شاعر توفى 235ه واشتهر ديك الجن برثائياته لزوجه التي قتلها ظلما,قال الشاعر سامي مهدي: رأيت ابنتي في حلب خرجنا إلى السوق كانت معي قتلت ابنتي في حلب لقد كان في يدها وردتان ووجدنا الشاعر عبد الأمير الحصيري متأزما مع شاعره(قناعه)عروة حين اطلق قناعه على ذاته: أنا عروة الورد شيخ الصعاليك منذ ابتداء الزمان وقد اتكأ بعض الشعراء على شخصية ثالثة(طرفة بن العبد)قال الشاعر محفوظ(( أنا ربيب الكأس والندمان والفيافي اسكر في قصيدتي أنام في مطلعها أمزق القوافي في داخلي الآخر يستسقي الصدى يحاور الشيطان يخترق الجحيم والأعراف أو ينادم النيران أنا ربيب الكأس والندمان هومت في البيداء نلت ما يراد وربما يأتيك بالأخبار من لم تزود نرى الشاعر ينهل من لسان طرفة(ويأتيك بالأخبار ) وقد أفاد الشاعر ثامر سعيد آل غريب من تجارب هؤلاء فانتقى عنوانه(حدثني الملك الضليل)وهو امرؤ القيس الباحث عن ثأر أبيه (اليوم خمر وغدا أمر)ولعله يخفي رمزا مفاده من يملك السيف يملك السلطة موشرا على شخصيته(قناعه)حتى باتت لدى ثامر حالة البطش السياسي ولم تقف عند حد المروق بل الاختناق قائلا: وحدود الرمل لاتفتح إلا بجواز عبور يؤكد من خلال القناع مسارا بركانيا دالا على التمرد: فدماء أبي ما زالت تستصرخ في دمي الثأر ولم يكتف الشاعر ثامر بقناعه ألشاعري البطل النموذجي بل تعدى إلى رصف مجموعته بأقنعة منوعة منها الدينية(يوسف /قابيل/ ) والأسطورية(انكيدو/يانو/عشتا ر/بابل)والطبيعة(شط العرب/النوارس/النخل البصري) أيها النابع من قلبي والمسكوب فيه النوارس التي تعمد نفسها في مائك وادري أن القصيدة التي لا ترتوي منك تبقى ظمأى ولم يكن ثامر أول من اختار تلك الشخصية قناعا بل سبقه عام 1988مالشاعر حسب في قصيدته (يوميات أمريء القيس في بيزنطة)ضمن مجموعته الشعرية(حنو الزوبعة)ولم يكن ثامر أول من اختار شخصية يوسف فقد سبقه شاعر البصرة الفنان محمد سعيد الصكار في قصيدته (غيابة الجب )والذي انفرد به ثامر قضية الأداء الصوتي والمحاورة الفردية بل المنلوج الداخلي الذي يشخص شخصية الشاعر الأول المعني به ذاته,ولم يعتمد ثامر على تدوير قصيدته ضمن سردية أفقية بل استخدم أسلوبا تحقيقيا يفصل بين المقاطع(قد اغمض –قد طاش)ولعلي اذكر القاريء بقول اليوت((ان التراث اغلى ممتلكات الشاعر التي يجب ان يحافظ عليها ,والتي يستمد منها جزءا من نفسه وعليه ان ينمي بابتداعه لاسلوبه الفني الخاص ويكون سيد ما ابتدعه وخادمه في آن معا) ولا ادري ماذا كشف الشاعر بعد تلك الرؤى المعروفة عن الضليل الذي دفن قرب جبل عسيب) (اجارتنا ان المقام قريب واني مقيم ما اقام عسيب ولعل الرمز غاب نجمه فثمة شطحات قافزة هنا ولعل عين قلادة المجموعة قصيدة ضفافوكاني اشم رائحة مظفر النواب في مسارات افكارهوكذلك يوتوبيا ذي النون الاطرقجي (الترجل عن صهوة البراق)وثمة قشرة بنيوية تتسرب الى عالم القدحات السريعة التي انماز بها العصر السريعوثمة تشابهات وتناص بين الشاعر وفطينة النائب في ديوان (رسيس الحب)غة مصطفى جمال الدين(استف من الرمل)وثمة بداوة مرفوضة (ابحث عن خالي كليب)والعودة اليهاوكثرة الصدمات والتوجعاتومفاجاة المتلقي(الصياد يتشبث بالطير خائفا)وهذا مقلوب شعري جميل وقوله(حين تصير جبينا لقبلات الشمس التمزية)(يصير للشعر اظفارا من لهب)وثمة صور متحركة تتالف على المقلوبات (ان الشعر غزال,ارهقه العدو وراء غزالته) وهذا الايجاز في مجموعة شاعر بصري لا اقول انه لم يبدع ولكن اقول ان مجموعته القادمة ستكون ان شاء الله بريقا بصريا مبدعا يحمل لنا اهات ثامر سعيد ويقدمها لعشاق الشعر انشودة ش ومع كل تلك الاضاءات والبقع الجافة في بستان الملك الضليل أجدني معجبا بقصيدة واحدة عنوانها (ضفاف) التي حملت شعرا رائعا ومجازا غنيا بالابداع (للمرأة تاريخ وللطين جرح وللغابة قرابين وللارض لحم وللشرايين اعراق الهواء قداح وللغة نهر من رحيق) وما أروع هذا التشبيه البليغ في قوله (منقوش وجهك في قلبي نقش البسمة في الشفتين) . وقد استل الشاعر من المعري صورته الرائعة (ليلتي عروس من الزنج) حين قال (النار راقصة من الغجر في دروب الليل تنثر قلبها) وقد اخترق اليوتوبيا النازكية نازلا بها إلى الرصيف بغية التستر وكيف توصلت إلى تلك الصناعة اللفظية (الشعر غزال ، غزال الشعر) . (البنفسج حقل ، حقل البنفسج ) (رمل القلب ، قلب الرمل ) وقد أقول أخيرا بمسؤولية ناقد أن تلك النصوص تغامر لهاجس التحديث لا الشعر ذاته ولم تضع في الحسبان شرعية الشعر بوصفه نظما يخترق الوجدان ، أنها دحرجة من المفردات أفسدها الحبر وذبحتها السرعة ، فما زال البريكان بدون ديوان وهو الشاعر الأول ترى كيف نتاخم تلك المهمات المحسوبة على البصرة ، إلا تجدون فرقا بين النوعين ، فعلى الشاعر أن يطلق الكتابة على الأراجيح الهادئة الحبال.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |