القاص محمد سعدون السباهي يجعل الانسان يعيش حياة أخرى في عالم قصصه

 

قاسم ماضي – ديترويت

يقول عنه الناقد عبد الجبار عباس لقد حقق مستوى فني متجانس من خلال صفاء نظرة واسعة " ودفء ملمس نظيف "ورشاقة جسد جميل "مع لمح أنيق يوحي بالدلالة في همس راق عالجته أنامل فنان لتعطينا صورة قصصية مرسومة بالوان الاصيل الذهبية.

حين كنت أراه في مطلع الثمانينات في مقهى (حسن عجمي) وهو منشغل بقراءة الهم الجمعي للفرد العراقي رافضا ً الحرب الدائرة والتي تفتك بأبناء الوطن فاستشعر أن هناك ثمة اصوات تهاجم شراذم محبي الحروب مسلطين اقلامهم بهذا القدر من العذوبة المأساوية والايقاع الحارق.

 (كان القائد الضرورة بعد ان وضع أعلى رتبة عسكرية في جيوش العالم)

 على كتفيه ,فقد امر ليلة البارحة بغزو ايران وفي ليلة (هندس) ماطرة  عام 1982.ماتت أمي دون أن تخفف أمنياتها البسيطة المتمثلة في ان  تتعلم الابجدية على ايدي حفيدتها التي اودعتها بذلك حالما تنتهي الحرب

 (وتعود الى المستشفى لاجراء العملية)

القاص السباهي هو واحد من المبدعين العراقيين المفجوعين والمبتلين بالانظمة الدكتاتورية فقد اسهمت كتاباته القصصية بشكل فاعل ومؤثر في الوسط الابداعي.وهو يعمل على انساق جديدة في تطوير قصصه وهو يكتب بلغة مسرحية ويشتغل على أدوات تؤهله للولوج في عالم البيئة والشخصيات التي تصدح مخيلته الابداعية في ابتكارها ويستخدم المونولوجات القصيرة التي تؤجج فينا وتعيدنا الى ذكرياتنا مضيفا ً الينا عالم الغوص العميق من النفس معمقا ً احاسيسنا بما يدور حولنا من ظلم وقسوة.وفي أحدى الايام وضعونا في اقفاص وقادونا الى معسكرات الجيش الشعبي وكان يحدثني بتجربته الثرية عن المبدعين العظام الذين تركوا أعمالهم الخالدة ويشجعني في تقديم أعمال مسرحية تترك أثراً ً في نفوس المثقفين.

 (امتد اكثر من خمسة وثلاثين عاماً عجافاً.لو لم تفاجأ هذه المرة (بهندس)

 المقابر الجماعية (هندس) سرقة المليارات من ثروات الشعب والقيام بتهريبها

 الى الخارج.بعد ان بذر على نحو قرضي مايماثلها على تغليف جدران مقصورة

 وأدوات موائده.)

والسباهي غادر العراق في التسعينيات للبحث عن فضاءات جديدة وللتخلص من سلطة الرقيب وقمع النظام لأنه يجد في موهبته الكتابية القابلية الفنية للإشتغال على مفاهيم جديدة في القص العربي وحسب قوله يمتلك شجاعة ذاتية.بالرغم من قلة الانتاج.ولو رجعنا قليلا ً الى الوراء لوجدنا العديد من الكتاب تصالحوا مع الشيطان من أجل الوصول الى غاياتهم علما ًأن السباهي ظل موظفا ً بسيطاً ً في وزارة الصحة. منزويا ً عن الاضواء والشهرة بالرغم من منجزه الابداعي ، يقول عنه د.علي جواد الطاهر. يندر أن يكتب في العراق مثل قصته (الوصية) التي تمثل الحلقة المفقودة في التطور القصصي العراقي...يكتب بنمط عال ينبعث صادقا ً عن نفسه ,وعن موهبته وعن مكونات شخصيته ,لم يسع اليه سعيا ً ولم يتكلفه تكلفاً ولم يقلد فيه غربا ً أو شرقا.

وهناك الكثير من المثقفين والكتاب وفي كافة المجالات الأبداعية يلعنهم التاريخ والناس في مناسبة او غير مناسبة وهناك مثقفون ومبدعون عالقون في ذاكرة الناس لما دونوه للاجيال منذ القراءة الاولى في اعمالهم وفي أعتقادي هؤلاء نومهم في كل الاوقات مضطرباً ًلإحتدام الصور في مخيلاتهم وسجلوا في كتاباتهم أبلغ الجمل والمفردات.

والسباهي واحد من الذين اعتلوا صهوة الابداع لما قدمه في العديد من مجاميعه القصصية وهي رسالات احتجاجات ضد الموت والهمجية فجاءت مجموعته القصصية (ضباب كأنه الشمس) و (وادي الغزلان) و(طيور القيامة) وهو كالعادة يرنو الى أسراب الطيور وهي تصفق بأجنحتها ليظل طليقاً في عالم كثر فيه فحيح الأفاعي ، ويمكن القول أن تجربة القاص المذكور تتميز في أن حالة الكتابة الإبداعية الهادفة النابعة عن إبداع حقيقي هي هاجسه الأساسي وليست الكتابة الناتجة عن الصنعة والحرفية فقط ، لذلك نجده مقلا ً في طرح نتاجاته القصصية ذلك لأنه يبحث دوما ً عن النوع وليس الكم كما يفعل البعض من الكتاب الذين يطرحون سنويا ً العديد من المجموعات القصصية أو الروايات التي تخلو من الجديد والمشوٌق على مستوى الطرح والإشتغال والتعبير ، وتبرز الواقعية النقدية بوصفها الملمح البارز الذي يؤطر بنية بعض نصوصه بيد أن هناك بعض الصياغات التي تصل أحيانا ً إلى التجريد وربما يتم إستخدام تلك الآلية لإيصال معنى أو لتسليط ومضات على وقائع معينة ، ويبقى أسلوبه الفني العام ومعماره اللغوي هما العاملان الأبرز لنقاط تميز نصه الإبداعي.

لنتشجع فلن يأتينا أحد......انها مصيبتنا وحدنا.هكذا قالها السباهي في مجموعته القصصية (ضباب كأ نه الشمس).