دراسات نقدية

من تراث الراحل علي محمد الشبيبي/ رنين على الأجداث 2

 

محمد علي الشبيبي/ السويد

(رنين على الأجداث) هذا هو عنوان القسم الثاني من ديوان الوالد (أنا والعذاب). وهي مجموعة قصائد في رثاء الأهل والأحبة، ما عدا القصيدة الأولى والتي كانت في رثاء الملك غازي وقد وضح والدي ظروف وأسباب ودوافع الرثاء.

بعد رثاء الملك غازي أنقطع والدي عن كتابة الشعر عقداً كاملا! وهذا الأنقطاع أثر سلبا (وهذا مايؤكده والدي في أحد هوامشه)  على اسلوبه  وامكاناته الشعريه بعد مزاولة النظم مجدداً، وخاصة في قصائده الأولى في رثاء أخيه الشهيد. وبعد هذا الأنقطاع عاود النظم مجدداً (عام 1949)  في ظرف مؤلم وقاسي وذلك بعد إعدام شقيقه حسين الشبيبي (صارم). فنظم مجموعة قصائد في رثاء شقيقه الشهيد تناولت وصفا دقيقا، لمشاعره وأحاسيسه وماتركته هذه المأساة من ألم ولوعة في نفوس عائلته (ألأم والأب والشقيق)، كما يصف معاناة العائلة بسبب مضايقات الأجهزة الأمنية. 

كما نجده يؤكد في جميع قصائده في هذه المجموعة أو في غيرها من الديوان على إيمانه الشديد والمطلق بأنتصار إرادة الشعب على كل المستبدين في مختلف العهود. ويؤكد تعهده، المرة تلوى الأخرى بالتزامه بالمبادئ التي أستشهد من أجلها شقيقه. ومنذ أن وعيت كواحد من أبنائه عرفت الوالد أنساناً مخلصاً ومدافعا صلباً عما يحمله من فكر وطني تقدمي، وهو أول من زرع في قلوبنا حب الشعب والوطن والأخلاص لمبادئنا. ولم تكسر شوكته أساليب الأنظمة المستبدة لذلك عانى من الفصل، والأعتقال والتعذيب والسجن في مختلف العهود (منذ العهد الملكي وحتى وفاته عام 1997).

أرتأيت أن أنشر قصيدة (ننعاك غازي) في (رنين على الأجداث 1) منفصلة لأنها تمثل مرحلة زمنية من تفكير الوالد أولا، وثانياً أنها آخر قصيدة له تلتها فترة أنقطاع دامت عقدا كاملاً. حيث يبدأ حياته الشعرية بمرحلة جديدة فكراً وموضموناً وأسلوباً. أما القصائد التي في الحلقات (رنين على الأجداث 2 و 3 و4) جميعها في رثاء أخيه الشهيد حسين محمد الشبيبي (صارم). وفي الحلقات (رنين على الأجداث 5 و 6) رثاء للعلامة الجليل الشيخ محمد رضا الشبيبي، وشقيقه الأصغر محمد علي، وأبنه همام، وصهره علي عبد الحسين جعفر الكاظمي (ابو زينب). / ألناشر 

 

أحـباءنـا*

 أحـــباءنا طــالت علينــا ليــالينـا . . . . . . لنلقاكمـوا وأسـتنزف الوجد ما فينـا

رجـونا لكم عمـراً مديـدا نـراكـمـوا . . . . . . به فوق عرش النصر يزهو رياحينـا

صــداكم بهـذا الـجـو مازال داويـا . . . . . . يـجلـجل في الآفـاق للحـق يـدعـونـا

لشـلت يـد البـاغي عليكم سطـا بهــا . . . . . . ولابـد للـثـارات يـومـا تـوافـينـا

                                                 *                 *                 *

علينـا لكــم ديـن ســنوفيه في غـد . . . . . . فأن الــوفـاء الـحـر يحسـبه دينــا

مشــيتم أمام الــركب أخـلص قـادةٍ . . . . . . ومـارسـتموا درب الكـفـاح أفانينــا

أذل الـغـزاة الـطــامعــون بــلادنـا . . . . . . وقــد أوغـلت بالـذل فينـا أعـادينــا

فأشـرق نور الـفجــر منكـم مبشـرا . . . . . . بـأن على سـوح الـجـهـاد أمانينــا

ورحتم تشـدون الـصفـوف لبعضهـا . . . . . . لـدك حصون البغي بالوعي تحـدونـا

وهـال الـعـدى ما أنتم فيه من حجـى . . . . . . يشـع على الـدنيـا لكشـف مآسـينـا

                                                 *                 *                 *

لئن رفـعـوكم في الـمشـانـق عالـيـا . . . . . . فـقد كنتـموا فوقـا ومـا كنتمـوا دونـا

وكـنتم عـليهــا كالـنجـوم تألــقـت . . . . . . وعـانقـتمـــوهـا يـا أبـاة مـيامينــا

والـقـيتمــوا درســا يـعلمنـا الأبـا . . . . . . ويـرشــدنـا أن لا تســـالم أيـادينـا

عـــدواً أبى إلا الـــتمـادي بـغـيّـه . . . . . . وبث الشقا والبؤس في أرض وادينا

                                                 *                 *                 *

فـخــرنـا بـكم حـتى كأن مصــابـكـم . . . . . . تباشـير فــجر لاح للمســتضامينـا

نـعم. حيث يـوم الـظلم أصـبح دانيـا . . . . . . ومن ذاك الاسـتعمار أصبح مجنونـا

وأن عبـيد الـعجـل قــد حـان حينهم . . . . . . فـهـاجـوا فسـاداً في الـبلاد يعيثـونـا

                                                 *                 *                 *

سـيخضـرّعـود النصـر من عزماتكم . . . . . . ويـعشـب واديـنا وتـزهـو مراعـينـا

ويجـني الـثمـار الشعب بعـد إفتقـاره . . . . . . ويسـحـق بالـرجلـين تلك الثعـابـينا

ويعليّ تـماثيــلا لكم وسط سـوحهـا . . . . . . تـفوح حـواشـيهـا اقـاحـا ونسـريـنـا

                                                 *                 *                 *

عـليّ عــزيز يـا حســيـن بـأن أرى . . . . . . نـوادبك النسـوان أو نحــن باكـينــا

وأنـت الــذي مـازال للـعـين بـاديــا . . . . . . تـزمجـر يوم الـروع لا تعرف أللينـا

أصـالة رأي فـي صـــلابة ثـائـــرٍ . . . . . . على خصـمه يدري بما فـيه يأتـونـا

                                                 *                 *                 *

تمنـيت ذاك الــحفـل تـخـطـبنــا بـه . . . . . . لتسـمعنا ألآن الـجماهـير واعـونـا

جمـاهير ثكلى راعهـا الـخطب فجـأة . . . . . . وأخرسـها جــور العـتـاة المعـادينـا

أخي قم ألينا وأخطب الجمع حـاشـدا . . . . . . إذا قـلـت فـيه الــــحق ردد آمينــا

أخـي أن أمي لا يـقـــر قــرارهــا . . . . . . تـنوح كنـوح السـاجعات فتـشـجينـا

تســـأل بالايـمـاء أيـن حُســيـنهـا . . . . . . ترى أيعــود اليـوم أم سـوف يأتينـا

ومـاذا بـه من ذا الـذي قــد أعـاقـه . . . . . . وأبـعـده عـنـــا فـأوحـش نـادينـا

وهـذا أبي قــد أثقـل الـدهـر ظهـره . . . . . . فـيا بؤسـه شـيخا وقـد جـاز سـبعينا

يقـارع بالـصـبر الـخطـوب تـتابعـت . . . . . .  فـتـتلى بغـضـن الوجه منه عـناوينـا

                                                 *                 *                 *

فـداً لك -يـا من مـت أشــرف مـيتـة . . . . . . وأرفـعها- مـن فـاق بالـظلم فـرعونـا

فـدا لك من يقـوى بإضعـاف شـعبه . . . . . . ويـنعم في ظـل الـغــزاة ألـمذلـينــا

ومن كان ذا فـكـر يبـاع ويـشـتـرى . . . . . . وذا  قـلم في حـبره الســم يـسـقـينـا

ومن بـاع للـجانين أســرار حـزبـه . . . . . . كأن  لـه ثـأرا عـلـيـه يـقــاضـينـــا

سـيبقى لك الــذكر الجمـيـل مخلـدا . . . . . . على رغم من باعوا الضمائر والدينا

 

 ــــــــــــ

*- حين سمعت خبر الأحكام العرفية في نادي الموظفين في الناصرية، توجهت بعائلتي إلى النجف معتقداً إن الحكم سوف يبقى أياماً في محكمة التمييز، فلأحث أبي على السفر إلى بغداد علّه يستطيع مواجهة مسؤول ويخفف الحكم. فلما وصلت النجف واقتربت من البيت وجدته مطوقاً من قبل الشرطة، ودخلت فوجدت النوح والعويل.

وبعد أكثر من تسع سنوات قاطعت الشعر فيها، حيث كانت آخر قصيدة لي قبل المقاطعة، رثاء الملك غازي. فارتجلت هذه الأبيات (أحباءنا)، وكان نظمي لها على لحن عبرات أبينا الشيخ المحزون. كنت أنظم شبه ارتجال وأبي يجاوبني بالنوح والنحيب. لذا جاءت ركيكة بعد ترك طويل للنظم والشعر.

ملاحظة  في 10 شباط 1949 صدر حكم الإعدام بحق قادة الحزب الشيوعي الخالدين (يوسف سلمان يوسف –فهد-، وزكي محمد بسيم –حازم-، وحسين محمد الشبيبي –صارم-). وبعد أربعة أيام أي في فجري 14 و 15 شباط 1949 تم تنفيذ حكم الأعدام (في ساحات: باب المعظم، والمتحف، والباب الشرقي) دون أعطاء فرصة لتمييز الحكم ومنعت الأجهزة الأمنية عوائلهم من أجراء مراسم الفاتحة، ولم تسلم جثامينهم الطاهرة لعوائلهم، وتمادت أجهزة الحكم الملكي ولم تعلن عن مكان قبر الشهيد فهد!/الناشر

***     *   *   *   *         *         *         *   *   *   ****

 

                                  فـتـى التأريـخ*

  يـا فتى التـأريخ ألـهمني بيانـا . . . . . . وأعـرني منـك قـلبـا ولسـانــا

أنت أملـيــت على طــاغـوتـه . . . . . . أن كفَّ الحـق أعلى منه شـانـا

وتحـديـتَ قـــوى ســلطـانـه . . . . . . سـاخـراً منها فأذكاهـا عـوانـا

وهــززت الــظـلم مـن أركانـه . . . . . . فـتداعى الـبغي وانهــدّ كيـانـا

ودعوت الشعب فـالتف مجيبـا . . . . . . ثائـرا للحـــق يـغلي غـليـانــا

لم يـرعـك الموت من أعوادهـا . . . . . . وتـقـدمت شـجاعـا لا جـبـانـا

ولقـيت الـمـوت مـنهم بـاسـما . . . . . . حيث نور الفجر من عينيك بانا

                                      *                 *                 *

اطمأنوا؟ مذ غدوتم في الـثرى . . . . . . ابـــداً. هـذا محـال. ما أرانــا

نـدع الــقـوم هـدوءا وهـمـوا . . . . . . اُسَ بـلـوانا وأسـباب شـقـانـا

سـنريهـم مـا جـنت أيديـهـموا . . . . . . ونقـاضـيهم إذا دارت رحــانـا

                                      *                 *                 *

أيـهــا الســارون في حـالـكـة . . . . . . في حناياهـا طـوت عنا ألامانـا

وتـولى الـكــون مـنهـا رَهـبٌ . . . . . . جـنـدل الـعـدل ذلـيـلا ومهـانـا

ومـضى البـاطل في ســطـوته . . . . . . يـنذر الأحرار خسـفا وهوانــا

ومشـيتم لم تـهابــوا ظـالـمــا . . . . . . وتبـعنـاكم ومـا ضـل هــوانــا

                                      *                 *                 *

أيـهـا الهـادون حـلاً وارتحـالاً . . . . . . والمـجـدّون لكي تـمحو أسـانا

والمضحـون إنعـتاقاً واعـتقـالا . . . . . . ضـد خصم في أمانينا اسـتهانـا

من لذيذ العيش ماطـاب اجتناءً . . . . . . ولـه الآبـق قـد الـوى الـعنـانـا

أيها الماضون في الدنيا جـهادا . . . . . . تســتحثـونا وقـد نمنـا زمـانـا

طـاب مـثـواكم وطبتم أنفســـاً . . . . . . ترد الـمـوت وتأبى أن تـهـانـا

 

ـــــــــــــــــ

*- نشرت في العدد 18 من جريدة إتحاد الشعب سنة 1960.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com