خواطـر

الحمامة التائهة والحية القاتلة

 

الدكتور السيد علاء الجوادي

حب الدنيا رأس كل خطيئة ورأس الحكمة مخافة الله

كان ابليس عدوا للانسان لكنه اظهر له المحبة ليخدعه

قد تظهر الدنيا حمامة اليفة وديعة وقد تظعر حمامة مرعوبة تائهة

وقد تنقلب بين ليلة وضحاها الى حية تخرق انيابها الاجساد وتشل سمومها العقول فيصير المغرور بها كعصف مأكول...تأملها وكان يقول:

ايمكن لحمامة جميلة ان تنقلب الى افعى فتّاكة؟؟ لقد حصلت هذه القصة العجيبة، وكان ما كان...وانكشف الحال عندما يتحول من يدعي انه مظلوم الى ظالم!!! انها قصة اغرب من الخيال، تنبئ عن مخفي الخصال، لكنها تتكرر عبر الاجيال.

جاءته حمامة مسكينة كسيرة لائذة به تطلب منه الامان والرحمة، احاطها بطاهر حنانه وافاض عليها من ايمانه... ولانه اعتقد بانها حمامة غنى لها اغنية الحمامة التائهة التي يجول النقاء في خضرة عينيها...

ولم تمضي سوى سبعة ايام...حتى كشّرت عن انياب مسمومة ورغبات محمومة ولؤم دفين...واذا بتلك الحمامة الوديعة حية خطيرة تسعى للتدمير...تريد ان تنهش لحمة وتسمم دمه...ولانه تألم كثيرا من نفاقها وخداعها فقد غنى اغنية القلب الملسوع عن الحية القاتلة التي يجول السم بين نابيها.

 

القسم الاول

الحمامة التائهة

يجول فـي خضرة عينيها

جميلة كأنها حورية من حوريات الجنان، لاذت على اغصان شجرته المباركة طالبة الاذن منه وهي تقول له: ما انا لا من هذه الشجرة يا منور المحيا وباعث الأمان.

 فتأمل فيها صامتا ونظر لها نظرة طويلة عجيبة، فهزتها من الاعماق دون ان تفهم مقاصده العجيبة، وكأنه من عالم اخر لا يستهوية كلام الادميين، او كأنه تذكر حواء عندما كانت تحاول ان تغري اباه.

كان وقورا كأنه من بقايا من نجا مع نوح أو كتبة شريعة حمورابي وسدنة معبد آتون وحكماء بابل أو أصحاب بوذا وبراهما وزوستر أو الأسباط والحواريين والعارفين.

كانت تلوذ به تطلب الخلاص من كائنات مرعبة تهددها ومن عالم اسود مجنون يرعبها والحت في طلبها. لكنه كان يعيش في بحر احزانه، وحتى عندما خاطبت مشاعره الرقيقة، كان لا يزال في غيبوبته يفكر بالاعزة الذين رحلوا عنه ولم يعودوا اليه. كانت كالعصفورة الهلعة من غربان تريد انتهاشها. قالت له: افتح لي قلبك حتى ادخل فيه فيحميني من الأغراب.

قال لها: وهل لي قلب فافتحه لك يا ايتها الفاتنة، فقد سلب الفراق قلبي فلم يعد لي قلب اضم به من يريد الامان، يا من عانيتي من القسوة والحرمان وخيانة الزمان. قالت فاسمح لي أن أكون قلبا لك قال: آه آه وهيهات هيهات!! قالت: يا ابن الإنسان، فهل تقدر أن تغني عن وحدتي والأحزان، في عالم الغدر والطغيان؟ فقال بعدما اجبره الحنان:

وقلت لما بان منها الهوى      يجول فـي خضرة عينيها

ما اجمل الحمرة منقوشة       تزيّن الوجـه وخـــــــديها

والذهب الإبريز شعر لها        يمتد حتى مــــس عطفيها

بهمسةٍ ردت أيا آسـري               كاتبةً ذاك برمشـــــــــيها

وارتعشت هائمةً روحها                فطوقت قلبي بنهــــديــها

وأحرفٌ بالحب قد طُرزت              من شفتيها بكــفافـيــها

راهبةٌ اسجد فـــي جنةٍ             وأنتَ محرابٌ غدا فيــها

وأردفت يا مَلَكا عاشقا          أ جئت كي تحي لياليـها؟

أم أنتَ حرزٌ لصـــباباتنا             أرسله الغيب ليشفــــيها؟

أم أنتَ روح مازحت روحنا     في عالمٍ خشنٍ ليرويها؟

أم أنتَ نسم هـب في أمة              يخنقها قهرا اعــــاديها؟

أم أنتَ نهرٌ مر في ارضنا   والرمل يسفي من صحاريها؟

أيتها الحسناء لا تسرحي               بعالم الأوهام تفنـــيها

فما أنا الا أنا غادتــي        إن الأنا للــروح تؤذيها

وليتني منها الى محوها        فيه فلا اعرف ماضيها

يا أنتِ يا لوحة فن بها          يسرح قلبي في معانيها

قالت: حبيبي أنتَ فنانها         تعزف بالخــلد اغانيها

بلمسة منكَ انال المنى          فتكسب النفس امانيها

ما أنتَ إلا الطيف ينتابني     واحتضنت جسمي ذراعيها

تعال نغفو لا نرى عاذلا         نهرب من قاسي مبانيها

يا فارسا اذوب في كفه         فامسك الفارس كفــيها

فقبلته بفـــــــــم ساحر              فتاه مجنونا يناغـــيها

 

القسم الثاني

الافـعـى الـقـاتـلـة

يجول في فاتك نابيها

قالوا ان حية جاءت تتلوى نحو طفل بريٍ بحركة خفيفة رشيقة وبمظهر ناعم جميل وكانت حية خضراء من اجمل الافاعي شكلا ومن افتكها سما.

فامسك بها الطفل وكان فرحا ليلاعبها ظآنا انها كائن اليف بري، ففتحت فاها لتلدغه لكن حارس البستان وهو جده اطلق نحوها صقره فخطفها ورمى بها بعيدا لانقاذ حفيده وحبيبه. هكذا كانت قصتي العابرة مع حية جميلة ممتلئة كل خلاياها بالسموم. فاستمعوا يا ألي الالباب.

انها قصة امرأة ارادت ان تخدعه، لها جمال ظاهر لكنه يخبئ خبثا باطنا يفوق الخبث باقبح صوره، نظر لها نظرة تنطوي على ريبة تخترق الاعماق، وقال متمتما: أهي الافعى التي تمظهر بها الشيطان ليخدع الانسان؟! وما كان يدري انها كانت كامرأة عزيز مصر عندما رمت يوسف بدائها وانسلت.

هتف الهاتف في عقله وقال: الحق والحق اقول ان بعض من يلبس ريش العصفور هو افعى ينهش الابرياء من الطيور.

قال وكأنه ملسوع: هيهات هيهات ان تخدعني الحرباوات المتلونات. لانه ما كاد ان يصدق كلامها حتى افترت وكذبت دعواها.

 فاليكم احبتي عبرة من العبر تكشف فساد سريرة من يتظاهر بالعفة وانه مظلوم من بني البشر!!!!!!!!

جاءت الى الدرويش في        خلوة تطلب منه ان يرقيها

بهمسها قالت أيا متقٍ           والدمع قد اغرق عينيها

يا اهل بيت رحمةٌ انتمُ          فكاد همسا ان يناديها

واقتربت من قلبه خلسة        تريد منه ان يناغيها

وعطفه قال: ترفق بها          غني على العود تـــواسيها

وانظر جمالا ما يرى مثله       في الناس واسرح في مغانيها

وكشفه قال: ارى حية          ملساء تغري من يحاكيها

وكاد أن يأسره سحرها         لولا خباثات بدت فيــها

ثم رماها قائلا: اننـــــــي              اسمى من الطهر ليثنيها

ومسرعـا مزبلةً عافـــها           لكــــــشفه كلَ مساويها

كالنبتة الخضراء في دمنة      تروي الشياطينُ امانيها

فلم تكن ما وصفت نفسها       وما طلته كان يخفـــيها

انيابها بالسُم قد كشــرت             تريــد ان تلدغ من فيها

وشعرها المصبوغ من سمها   صـــفرته كذب يغطيها

وأفصحت عن ذاتها حية                هبت لتــــؤذيه بنابيها

وابصرت عيناه الوانها          رقطاءُ صفراءٌ تخبيها

وفح منهـا نفـــس ابخـــر             وريحها النتن يجاريها

ومسرعا يهرب من سوئها     يـــؤلمه كذب دعاويها

يهرب من ذكرى خياناتها       وصورة كانت تواريها

منفــــلتا لقدسـه طاهـــرا            حقـــيقة يهوى معانيها

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com