خواطـر

كيلانيات.. زاوة والانتحار الشاهق 

 

عبدالكريم الكيلاني

الحب،تلك الكلمة الحارقة الخارقة،التي تحمل في ثناياها هواجس وخفايا تحيل لحظاتنا الى ثورات من القلق والسهد والترقب،هي كلمة واحدة ذات حرفين باردين لا حرارة فيه،ترمز الى الاعجاب بين شخصين ( رجل وامرأة )،أحبك بمعنى أريدك،أوجه الشبه فيها تكاد تكون واحدة في الثقافات والعصور والمجتمعات كافة،أي هي الكلمة التي تعبر عن حاجة الذكر للانثى وبالعكس،لإشباع غرائز تجذّرت في دواخلنا مع بزوغ شمس البشرية،تغنى بها الشعراء والكتاب والعشاق في مختلف الأزمنة،قتل بسببه المئات من المحبين،قامت من أجله الحروب وسقط القادة صرعى لمسبباته،عوائل كانت تنعم باستقرار تداعت وتفرّقت لأن هاجس الحب انساب الى أحد أفراده،قصص مختلفة سمعناها عن حوادث مؤثرة جلبت العار والهزيمة لأناس أثروا في تقدم وتطور عالمنا الصغير،يقول جبران خليل جبران عن الحب ( البعض نحبهم لكن لانقترب منهم  فهم في البعد أحلى وهم في البعد أرقى وهم في البعد أغلى والبعض نحبهم ونسعى كي نقترب منهم ونتقاسم تفاصيل الحياة معهم ويؤلمنا الابتعاد عنهم ويصعب علينا تصور الحياة حين تخلو منهم. والبعض نحبهم ونتمنى أن نعيش حكاية جميله معهم ونفتعل الصدف لكي نلتقي بهم ونختلق الأسباب كي نراهم ونعيش في الخيال أكثر من الواقع معهم والبعض نحبهم لكن بيننا وبين أنفسنا فقط فنصمت برغم الم الصمت فلا نجاهر بحبهم حتى لهم لان العوائق كثيرة والعواقب مخيفه ومن الأفضل لنا ولهم أن تبقى الأبواب بيننا وبينهم مغلقه... والبعض نحبهم فنملأ الأرض بحبهم ونحدث الدنيا عنهم ونثرثر بهم في كل الأوقات ونحتاج إلى وجودهم كالماء والهواء ونختنق في غيابهم أو الابتعاد عنهم والبعض نحبهم لأننا لا نجد سواهم وحاجتنا إلى الحب تدفعنا نحوهم فالأيام تمضي والعمر ينقضي والزمن لا يقف ويرعبنا بأن نبقى بلا رفيق والبعض نحبهم لان مثلهم لا يستحق سوى الحب ولا نملك أمامهم سوى أن نحب فنتعلم منهم أشياء جميله ونرمم معهم أشياء كثيرة ونعيد طلاء الحياة من جديد ونسعى صادقين كي نمنحهم بعض السعادة والبعض نحبهم لكننا لانجد صدى لهذا الحب في قلوبهــم فننهار و ننكسر و نتخبط في حكايات فاشلة فلا نكرههم ولا ننساهم ولا نحب سواهم ونعود نبكيهم بعد كل محاوله فاشلة ) أما شكسبير فيقول ( ماالحب الا جنون ) ويقول ايضا ( ما أقوى الحب ،فهو يجعل من الوحش انسانا وحينا يجعل الانسان وحشا ) .

نتخيّل أحيانا أننا نحب امرأة فنجدها في لا وعينا حسناء لا تملك جمالها إنسانة أخرى في هذا الكون حتى اذا ما عرفناها اكثر مع الايام نشعر باننا كنا على خط،فمحبوتنا إنسانة عادية جد،لها سلبيات كثيرة تؤثر في السعادة التي كنا نتمناها معها ،فنرجع ادراجنا خائبين محمّلين بخسائر فادحة ،تترك علامة واضحة في مستقبلنا لنلعن ذاك اليوم الذي احببنا فيه هذه المرأة أو تلك ،وكذا الأمر للمرأة التي تحب رجلا وتظن أن هذا الحب يقترب للكمال ،وانا هنا لا أقول بأن المحبة هي لعنة،فالمحبة بين الناس تختلف عن مفهوم الحب المعروف بين رجل وامرأة،المحبة هي أساس بناء المجتمعات السليمة،والتراحم والتعاطف والانتماء الى المفاهيم الانسانية أرقى ما نملكه كبشر ،الا ان الاتّشاح بالحب وارتدائه قناعا لأشباع رغباتنا العاطفية دون اللجوء للعقل أمر يبعث للخوف من العواقب الخفية التي تترصد المحبين،وتكيد لهم ولحياتهم السويّة ،فالحب على هذا الأساس وهم كبير نتنقل على جناحه من من فضاء الى آخر ومن زهرة الى أخرى،لنرتّق فشلنا ونمنحه وجها آخر،قد يكون شاحب،أو مخيف،أو مهلكا.

جبل زاوة ،شاهق،جميل،يطلّ على مدينة هادئة،مفعمة بالحياة،سخيّة العطاء ،يرتاده الناس لقضاء أوقات جميلة بعيدا عن اجواء العمل ،ومتاعب الحياة،الا انه أصبح في الاونة الاخيرة ملاذا لمنكسري القلوب والفاشلين في عالم الحب الواهم والعشق المخادع،والغريب ان الانتحار دائما يكون بالهبوط من سفحه بسيارة ،( هذا ما سمعته من الناس الذين يتلاقفون هذه الحكايا بسرعة الومض )،حين خلقنا الله عزوجل منحنا عقلا وتفكيرا سليمين،لعلّنا نلجأ اليه حين يمسسنا الكرب،وتضيق النفوس،لنجد مخرجا ملائما لما يصيبنا من عوائق حياتية ونفسية،فلا يمكن لنا ان نهرب من معارك الحياة بالقاء انفسنا من على جبل أو جسر ،أو أن ننهي حياتنا بإطلاقة من مسدس،فالحياة جميلة،أن بحثنا عن السعادة في أرجائها سنجدها لا محالة ،والارواح الطيبة تجد شبيها لها مع الايام،والقلوب العاقلة تحتفي بقرينتها ان مارسنا القناعة في تفاصيل ايامن،فلا القرارات السريعة تكون صائبة ،ولا العصبية تحل المشاكل،ولا التضحية بالنفس من أجل وهم رجولة ،فلنهرب من مشاكلنا الى زاوة نتأمل على سفحها جمال الحياة ،ولا نجعلها عتبة الى الآخرة ،المحبة تغمرنا والطرائق مختلفة للبحث عن السعادة ايها الانسان .

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب