شعر

 

 

انتظار

زاحم جهاد مطر

  

 أفتح دفتر ذكرياتي

وأُقلِّبُ الصفحات التي ما تزال تختزن الدموع

ونثار الورود

لتعود بي الى أيام هالكات ماضيات بلا رجوع

أو شروع من جديد

طوتها أيادي الاقدار في الظلام السحيق بلا شموع

مع صمت اللحود

الى حيث محطة القطار القديمة

والقطار البخاري المنهك يجثو مثل ثور جريح

أتعبه الطريق

يذفر البخار والدخان كأنه الحريق

وغمغمات الحاضرين وصخب الاصوات

تتعالى مع الايادي التي تومئ بالوداع او اللقاء

والاحضان التي تبكي الوداع بألم وآهات

والاحضان التي تبكي اللقاء بفرح دون انتهاء

والقطار ما يزال يتنفس ببطء ثقيل

ويشرب ماء الحي بشراهة ونهم

ويأتي الصفير كأنه الصراخ

كأنه عويل النساء

اعلان لحركة القطار

لبدء المسير

ويغيِّرُ البخار والدخان لون السماء

وترتعش الظلال والوان الأصيل

ويصيبها الشحوب

وتغيب .. كأنها الغروب

لحظات .. تخفو .. وتختفي .. ثم تسطع من جديد

ويتهيأ القطار للمسير

بصوت كانه الهدير

فترتفع الأيدي من جديد

لتودع الراحلين مع القطار الى المجهول

وتتبادل مع الأيادي الممتدة من نوافذ العربات

وهي تلوح بالمناديل

رسالة الفراق والوداع

ويختفي القطار في الافق البعيد

وتتفرق الجموع

وما يزال البكاء

وما تزال الدموع

بكاء الفراق والوداع

بكاء الفرح واللقاء

بكاء .. بكاء .. بكاء

والعمر كله بكاء في بكاء

وانا الغريب في محطة القطار

اجلس على الرصيف القديم المتهرئ من الرياح

بلا وداع .. بلا لقاء .. بلا بكاء

وأعود لتطوي قدماي الحائرتان

النيسم الترابي ببطء شديد

ولا يزال الأصيل

ينثر الدروب والانهار

بلون الأرجوان

ويتخلل بين أوراق الاشجار

ويخترق الضلال كالسهام

واسير ..

ويقترب الليل الثقيل

البارد كالثلج كالصقيع

كانه آت من الموت

ويجثو على الكون ..

وتذوب الاصوات والأنغام

وتتلاشى في نقيق الضفادع

وهي تنط في السواقي بين الطحالب

وفي نباح الكلاب وهي تصارع الاشباح

في الظلام

وفي عواء الذئاب وهي تبحث عن الحملان التائهة

عن القطيع

وفي غرفتي حيث الفانوس المعلق المرتجف

كنوره الذي يرتعش مثل عين طفل اتعبه النعاس

في حضن أمه يهتز

يضيئ وجه اوراقي الصفراء

وحروفي الحزينة التي تتنفس الألم

وانظر من النافذة

الى البيوت النائمة التي يكاد يخفيها الظلام

لولا نور القمر الذي يختلس النظر من بين الغيوم بخجل

ويعلو السطوح والنياسم الملتوية كالخيوط

وهي تربط البيوت والروابي والمزارع في ارتخاء

والطريق البعيد الخالي إلا من آثار المسير

وآه من ذلك الطريق

اتعب مقلتاي من الانتظار

كمحطة القطار

وعند الضياء

بعد رحيل الاشباح

سوف يجلس قلبي على ناصية الطريق

وينتظر القادمين بلهفة الغريق

ولكن مثل كل يوم

سوف يعود بلا لقاء

بلا بكاء

أيمضي العمر وانا في انتظار

الى متى الانتظار ؟

كأنه الاحتضار ؟

الشمس تغيب وتعود

والقمر يأفل ويعود

الطيور تهاجر وتعود

وايامي تمضي ولا تعود

والاحبة ترحل ولا تعود

حبيبتي ..

 التي لا تعود

اناديك ..

ارسلي طيفك المعهود

ارسلي خيالك المشهود

ليبكي معي

بكاء اللقاء

بكاء الفراق ..

بكاء الانتظار ..

بكاء الموت .. بعد الاحتضار

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com