شعر   

صحوة مصر


بقلم المرحوم علي الجارم


(هذه قصيدة نشرها المرحوم علي الجارم قبل أكثر من ستين عاماً وبالتحديد عام 1947، ولكننا عند قراءتها نجدها كأنها قيلت اليوم بحق ما يجري على ضفاف النيل، فإلى قراء موقعنا نضع أمام أنظارهم هذا الرائعة من الشعر الحي تحية لشعبنا العربي في أرجاء الوطن الكبير).

جماعة علماء ومثقفي العراق/ الأمانة العامة


لوّح الصبحُ بأعلام الرجاءْ
ومشت تخطر في الأفق ذُكاءْ
ونفى النومَ بشيرٌ لَبقٌ
لؤلؤيُّ الصوتِ خفّاقُ اللواء
دهمتنا سنواتٌ كلها
غممٌ سودٌ ويأسٌ وشقاء
وهمومُ بهمومٍ تلتقي
وعزاءٌ يتعزّى بعزاءْ
طال فيها الليلُ حتى نسيت
مصرُ شيئاً كان يُدعى بالضياءْ
ترتجي الصبحَ، وماذا ترتجي
من صباحٍ وجهُهُ وجهُ مساءْ
خطراتُ الشك عزمُ حائرُ
واحتمال الضيم جُبْنٌ ورياءْ
مسح الكهفَ عن العين الكرى
وتلقىَّ مستجيباً للنداء
وصحا النائمُ من رقدته
صارماً أسأمه طول الثواءْ
أرهفته حادثاتُ إن مضت
فلقد أبقت بحَّديْهِ المضاءْ
وبدا الحق على صفحته
قُدُسياً لم يُدّنس بدماء
كان ظلاً في حياةٍ ظمئت
في ظلالٍ من رُبَا مصرَ وماء
كان بين اثنين لا يعدوهما
وخزات القيد أو ذُل الإماء
كلما غنّت له حريةٌ
لفّتِ الجيدَ وأصغى للغناء
فإذا حاول أن يقنصها
لم يجد في كفه غير هواءْ
كان والسيفُ عليه مصلتُ
برزخاً بين وجود وفناءْ
فأنظر اليوم تجده شعلةً
تملأ الأرض شراراً والسماءْ
يطلب الحق جهيراً صوته
زجلاً يصدع أجواز الفضاء
خلق الناس سواءً، ما لهم
عند أهل الغرب ليسوا بسواء
نزلوا الشرقَ فياويحي له
كيف نامت عن حمى الشرق الدعاء
شرعة الأدغال في استعمارهم
شرعةُ الحقّ ووحي الأنبياء
إن أطالوا الحبل للقيد مضوا
يتغنون برفق الأوصياء
أين ما قد بشروا الأرض به؟
من مساواة وعدلٍ وإخاء؟
وعدوا الدنيا (بيوتوبيا) بها
يصبح الفيلُ كناساً للضباء
وأعّدوا للورى حريةً
نسجوها من خيال الشعراء
نصرةُ المظلوم قولُ يفترى
وحديث الأمن والسلم هُراء
سُمِّيُ السيفُ بحق فيصلاً
وقضاءُ السيف شرٌ وبلاء
وإذا ما الأقوياء انتصروا
فعلى الدنيا وأهليها العَفاء
قد حفظتِ اللوح يا مصر فكم
ألف مرتْ بماضيك وباء
وعرفت الخيرَ في الشر كما
تكمُن الصحةُ في مرّ الدواء
وبلوتِ الدهر في شدته
فانعمي اليوم بأنفاس الرخاء
أمل الأحرار دنياهم فإن
تذهب الآمالُ فالدنيا هباءْ
فإماماً لا تني أو تقتفي
ليس للغايات يا مصر انتهاء
لا تقولي إن قومي فعلوا
كل عصر بجهود وبناء
واملئي الدنيا ضجيجاً وابعثي
صيحةَ الحقِّ كما شئت وشاء
أمرك اليوم كَفّيْكٍِ فلا
تفتحي إلا بتحقيق الرجاء
قد لقيت الأُسْرَ في آجامها
وتلقيت دهاءً بدهاءْ
وجدالٍ هادئٍ متزن
ونضال مستحر وإباءْ
كلنا يا مصرُ حصنُ وحمِىً
وفداءُ لكِ إن عزّ الغداء
 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com