شعر   

تحت قبة البرلمان


علوان حسين
 

تحت قبة البرلمان
رجال ٌ أنيقون يرتدون بدلات الجوخ
من القماش الإنكليزي الفاخر
ربطة العنق حريرية مصنوعة في باريس
الأحذية اللماعة مشتراة من إيطاليا
لتناسب الذوق الرفيع
وتوحي بالمهابة والعظمة .
ثمة النساء أيضا ً
بعضهن لها شكل بلاد ٍ مسنة
أخريات كأنهن ذاهبات إلى جنازة
والقليل منهن بهيات المنظر .
أستطيع ُ أن أرى تحت أقدامهن
تلك الجنة البائسة
النسوة ُ المحتشمات بَدَون َ وكأنهن جالسات
بين يدي رسول الله .
بعض النواب غط َ في نوم ٍ عميق
ربما لم ينم ليلة البارحة
كان يفكر ُ في رأس الحسين المحمول على الرمح
حمد َ الله َ في سره ِ
إن يديه غيرُ ملطختين بدم الحسين .
نائبة ٌ كانت تسرح ُ في خيالها بعيدا ً
فَرِحَة وهي تفكر ُ
في تغيير مجرى النهر
ودت لو كانت سنبلة ً
كل حبة ٍ فيها تكنز ُ لؤلؤة
ضحكت مع نفسها
وهي ترى الناس َ في خيالها
تتلاقف ُ رغيف القمر
بعدها غطت وجهها بالعباءة
رأت نفسها ربما أشبه ُ باللؤلؤة .
نائبة ٌ أخرى لم تصحو من أحلامها بعد
نائب ٌ خَرِف كان يمخط ُ في خرقة
يقول لزميله ِ الخَرِف مثله ُ
بأن شخصا ً ما كان يسرق ُ منه ُ أفكاره ُ
ثم يُذيعُها على الملأ دون إذن ٍ منه ُ
يقول بأن الجواهر َ لا تـُرمى أمام الحمير .
ود َ أن يعتزل َ السياسة َ
لولا خشيته أن تدخل َ البلاد ُ
في غيبوبة ٍ بعده ُ .
نواب ٌ أنيقون َ ظرفاء
يقلبون َ الوطن َ بين راحاتهم
يعجنونه ُ ويخبزونه ُ على نار الإنتظار
النعاس ُ يغشى عيونهم نصف المغمضة
ومن بين شفاههم
يسيل ُ نهر ُ الكلام .
يطبخون الأحلام المجففة
وأجنحة الفراشات المسحوقة
يحتسون دموع َ الأرامل
في جيوبهم تخشش ُ قصائد ٌ عصماء
وعلى صدورهم تعاويذ وتمائم
يتنشقون هواء المكيفات وقلوبهم تهفو لهواء الجبل
يحسدون الفقراء َ على حرية ٍ حُرموا منها
وعلى الصراخ ِ بصوت ٍ عال .
يغبطون العصفور َ والنحلة َ والصعلوك َ
على الليل والحقل وأرصفة الشوارع .
نواب ٌ هادئون َ وثقيلون َ كالتخمة
من وجوههم تشرق ُ الكآبة ُ
وعلى أهدابهم ينام ُ الذباب ُ
لا يعرف ُ القلق ُ بابا ً يُفضي إليهم
لكنهم ضجرون ..
يكرهون الشمس َ لأنها
لا تطلع ُ من بيوتهم
ولا تنام ُ فيها
القمر ُ هرب َ من شبابيك منازلهم
وحدائقهم لا تصلح ُ مأوى العصافير
الله لم يدخل قلوبهم قط
ولا يستدلون على رائحة ٍ
توصلهم إلى النعيم .
بيوتهم وقلوبهم مغلقة
كأنهم هبطوا من الجحيم للتو
بعضهم يتلصص ُ على بعض
قتلى بثياب القتل
قتلة يتنزهون بين الموتى
خائفون وسط المجزرة
لا أحد يمنحهم سلاما ً
يلتهمون لحم زوجاتهم في السر
كأنهم يمضغون أجسادا ً منهوبة
ساعاتهم تسير ُ إلى الوراء
يذهبون إلى الوطن
كما تذهب الضباع ُ الى فريستها .
قرر مجلس النواب
تحت قبة البرلمان
أن يقود تظاهرة
من أجل حق النساء
بزواج المتعة والإنجاب .
حرية الأطفال في شوارع
مفروشة ٍ بحصى وأوحال
حق الشيوخ في التثاؤب
والقطط في قيلولة ٍ تحت الشمس .
يطالب النواب بشقق
سكنية مريحة وفاخرة
لكل شاب ٍ وشابة
في الجنة التي عرضها السموات والأرض .
هم يواصلون السهر
في الليل وآناء النهار
كي تفتح المقاهي
أبوابها لقيلولة الصباح
كي ينضج البؤس
على الوجوه المجعدة
وكي يأتي الموت ُ
في غير أوانه .
خرج النواب في مظاهرة
لكن الشوارع كانت خالية ً
العصافير أضربت عن الغناء
الفقر ُ وحده ظل ضاحكا ً
الفقراء على بعد بوصة ٍ واحدة
من منجم الذهب المعلق
عناقيد َ في كروم السماء .
الوطن ُ الذي صار َ مقبرة
لا أحد يود ُ التأمل
أو يحدق ُ ولو بعشبة ٍ
أو جدار ..
ليس من أزهار ٍ ننثرُها
على موتانا الجميلين
لا موسيقى تصدح ُ
في أرجاء المكان
لا مسمار ندقه ُ على نعش البلاد
لا قمة ٌ هناك
ولا هاوية .
 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 


© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com