|
مقالات
المرأة العراقية بين الدستور الديني والعلماني
د. لميس كاظم
بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، حملت الفئات المثقفة ”الأنتلجينسيا” العراقية الكثير من الأفكار التحررية للمرأة العراقية كذلك أحتلت تحرير المرأة مكاناً متميزا في نضال الكثير من الأحزاب العراقية العلمانية والليبرالية الوطنية، فنشأت معارك شرسة بين القيم الرجعية التي تحط من قيمة المرأة ككيان إجتماعي إنساني وبين القيم التقدمية الأنسانية النبيلة التي تهدف الى حصول على مكاسب إجتماعية تسمح للمرأة التحرر من السجن المظلم التي ترزح فيه.حاولت المراة العراقية أن تُثبت حضورها في المشاركة مع الرجل في النضال من أجل كسر قيودها وحصولها على إنجازات إجتماعية وسياسية. فقد شاركت في كافة أشكال المعترك السياسي والإجتماعي والمدني وانخرطت مع الرجل في المظاهرات ضد الأستعمار والرجعية والقهر الإجتماعي والسياسي وتعرضت الى الملاحقات والسجون والتعذيب وسقطت أول أمرأة عراقية شهيدة ، رافضة معاهدة بورتسموث عام 1948 ، إذ تقدمت الجموع والتفت بعبائتها السوداء لتقابل أزير الرصاص بشجاعة، فسقطت الشهيدة بهيجة وهي مضرجة بدمائها ولم تتراجع خطوة عن مسيرتها بل أختلط دمها بدم باقي الشهداء، شهيدة من أجل حرية العراق على جسر يربط بين الكرخ والرصافة، سمي بإسمها ، جسر الشهداء ، فسال دمها وتقطر عبر شبابيك الجسر ليمتزج مع أنسياب مجرى نهر دجلة ويصبغه بلون احمر قاني وعبق الديرم المميز للمرأة العراقية ، فحمله نهر دجلة وطاف به كل الحقول والبساتين ليرويهم من دم تلك المراة العراقية المقدامة. فكتبت الشهيدة بهجية مبكراً اول صفحات قانون الأحوال المدنية العراقي بدمها لتقدمه هدية لكل عراقية تواقه للحرية. وبالوقت نفسه كانت هناك قوى سميت القوى الرجعية ، لأنها أرادت أرجاع المجتمع الى عدة قرون مضت ، عودة لتلك الأزمنة المندثرة التي يراهنون على تطبيقها في في الوقت الحاضر، متناسين إن لكل زمان دولة ورجال، فكان خطابها تعسفي يرفض حق المرأة في العمل والمجتمع وإعتبارها مواطنة مستضعفة من الدرجة الثانية ضرورة أعالتها والتصدق عليها. مع تطور ثقافة الشعب العراقي وترسيخ مكتسباته المدنية في المجتمع ، ترسخت ضمنه إنجازات نسبية للمرأة العراقية ، تجلت في حقها في العمل والضمان والتقاعد ومساواتها في فرص التعليم وتطوير قانون الأحوال الشخصية والمحاولة في الغاء القوانين التي تهدر من دم المرأة العراقية كقانون العار الثار والزواج القسري والزواج المبكر وغيرها. دخلت المرأة العراقية معترك العمل وهي محصنة ببعض الإنجازات التي تحميها من الأبتزاز وباتت حقوق المرأة هو الفيصل والمنار التي تهتدي به كل مؤسسات المجتمع المدني. وبدلا من مضي النظام البالي قدما بزيادة أنجازاتها ، بالعكس أزداد شبقه ضد حرية المراة ، ولم يستوعب حقوقها فبدء بالأجهاز على كل الأنجازات التي نالتها المرأة العراقية ، فثقافة الزمرة الحاكمة كانت همجية في وعيها ولم تكن لهم اي علاقة بالمدنية والتحضر وتقف بالضد من مساوات المرأة . لقد تراجعت والغيت إنجازات وحقوق المرأة العراقية إسوة بالتدهور السلبي والتراجع القسري لعموم إنجازات المجتمع العراقي الذي فرضة النظام البالي ، أنه الغى كل أنجازات ونضالات المراة العراقية لعقود من الزمن . أن النظام القمعي وعلى مدى القرنين السابقين لم يستطع أن ينتج فنانة عراقية واحدة متميزة بالوقت الذي كانت الفنانات العراقيات في أوج إزدهارهن منذ الأربعينات من القرن المنصرم وهذا يدل على الهمجية الثقافية التي كان يتمتع بعا االنظام البائد. في العقد الثامن من القرن الماضي برز التأثير الديني واضحاً مع بروز الثورة الأيرانية وبروز تيارات وأحزاب دينية موالية للثورة الأيرانية بالأضافة الى نتائج الحرب العراقية الأيرانية الفاشلة وكذلك خلو الساحة العراقية من كل القوى اليسارية والتقدمية التي تحمي المنجزات الإجتماعية للمرأة، ونتيجة القسر والتمييز الديني والطائفي الذي مارسة النظام الصدامي ضد الطوائف الدينية والدعوات الإيمانية الكاذبة لتطهير المجتمع من الفساد، الذي هو أنتجه اصلاً، أتجة المجتمع برمته الى النزعة الدينية ، بدون تحزب ، كملاذ أمن ، مناهض للقمع والأبتزاز والأضطهاد الجنسي وكذلك نتيجة لسؤء معاملة الطغمة الحاكمة للمرأة العراقية والمحاولة الأستفراد بها والتعامل معها بجانبها الأنوثي فقط ملغي وظائفها الأنسانية الأخرى وخوفا من الأعتداء على أعراض الفتيات ،ادى الى زيادة ظهور النزعة الدينية والقبول بكل القيم التي تدعو الى التدين والتستر والحجاب ، كرد فعل معاكس، في سابقة لم يعرفها المجتمع العراقي سابقاً ، فالمجتمع العراقي لنهاية السبعينات كان متمدناً متعلماً والسافرات لهن الغلبة ولم يكن الحجاب الظاهرة المتميزة في المدن الغير دينية ، لكن اليوم الحجاب يشكل السمة السائدة في المجتمع. أن قبول المجتمع بالنزعة الدينية أعاد الى المجتمع عادات وتقاليد كان قد تخلص منها منذ عقود مضت.
أن
القوى الدينية منذ سقوط النظام البالي أستثمرت تلك النزعة الدينية وجائتها الفرصة
على طبق من ذهب لتكثف ولائها الديني إذ أن فتاوي المرجعية باتت هي القانون المنظم
لعادات وتقاليد لحركة المجتمع وبذلك تكون تلك القوى قد إستكملت من سطوتها على
ماتبقى من الإنجازات التقدمية للمرأة مستغلين إضطراب الوضع السياسي والاجتماعي
كعامل أضافي لزيادة قيودها على مدنية المجتمع العراقي وسجنه في أغلالها من خلال
اساليب غير ديمقراطية ومستفيدة من حالة الإنفلات الأمني كالخطف والقتل والأعتداء
على السافرات والتمدن ، الذي وّلد تخوف من الأقدام على أي خطوة نوعية في تطور
علاقات المرأة في المجتمع بالأضافة وطمس أي ظاهرة تدعو الى التحرر والتمدن
والحضارة ونحرها أن تطلب الأمر بالقوة كل هذه العوامل تساعد على بقاء النزعة
الدينية هي المسيطرة. فنحن اليوم عشية كتابة الدستور وحقوق المرأة العراقية منتهكة من قبل النظام البربري وهي الأن متأرجحة بين الدستور الديني صاحب الأغلبية والماضي في التغيير بإتجاه أفكاره الدينية ، وبين الدستور العلماني صاحب الأقلية والمعتمد على تراث وثقافة المجتمع العراقي قبل تخريبه وعلى افكاره النيرة في خدمة المجتمع، لذلك عند الحديث عن حقوق المرأة يجب ان لايدخل قانون الأكثرية والأقلية في تشريع تلك الفقرات وأنما يوخذ بنظر الأعتبار حاجة المجتمع وسير تطور ودرجة تلونه السياسي والديني والأنجازات السابقة لقانون الأحوال المدنية الذي هو أهم مكسب إجتماعي للمرأة العراقية. ان من الضروري إشاعة الديمقراطية الأجتماعية والمدنية في الشارع العراقي وفسح المجال أمام حرية العبادة والتحرر وحب التزين والتبرج والمودة حق من حقوق المرأة العراقية ، وليس غلق المطاعم وقتل أصحاب الصالونات النسائية والتجميل وتحريم كل مظاهر التمدن والحضارة وتروعيهم وغلق كل مظاهر الترف بالقوة بحجة إن المجتمع يرفض هذه العادات، فالمجتمع يستطيع رفض الظواهر الغربية والشاذة بدون ترويع وترهيب وقتل، أننا أمام ظاهرة العودة بالعادات وحرية المرأة الى الماضي القديم بالقوة وتحت شرعية ديمقراطية ودينية ، وهذا سر صعوبة التحرر من تلك القيود. اننا نعرف جميعا أن المجتمع العراقي هو فسيفساء عراقي متعدد الأديان والقوميات والطوائف فالذي يريد أن يشرع في كتابة الدستور علية ان يحترم هذا التنوع وحقوق المرأة من مختلف الأديان والقوميات، لذلك لايمكن أن يسود تشريع يلزم تطبيقه على كل نساء المجتمع العراقي ، المرأة العراقية هي صاحبة القرار المستقل في إختيار نمط حياتها وشؤنها الداخلية. أن أعادة دمقرطة البلد ومؤسساته المدنية سيخلق حالة الأستقرار الإجتماعي الذي يساعد على تقوية نشاطات المراة وتثبيت شرعيتها وحقوقها. أن المرأة هي الأكثر أستهدافا في هذا الدستور القادم فبمجرد تشريع قوانين الأحوال المدنية على أساس ان الدين الأسلامي( مع أحترامي للدين الأسلامي) هو المصدر الوحيد للتشريع نكون قد أسدلنا الستار على مدنية المجتمع وتحرر المرأة . اننا أمام دستورين كل منه في ضفة من شواطئ وادي الرافدين وهناك قبطانان يحاولان ان يبحرا سفينة الدستور بإتجاه أحد الشواطئ ، فهناك شاطئ الذي يؤمن الى إشاعة المجتمع الفحولي من خلال مفاهيمه ..الرجال قوامون على النساء وان للرجل حق الأنثوين.. وتعدد الزوجات ...ومبدء شاورهن وخالفهن ...وكذلك النساء ناقصات عقل ودين ...وأهجرهن في المضاجع ...والزواج في أعمار قبل النضج. أما الشاطئ الثاني الذي يقف الرجل الى جانب المرأة متساويين في الحقوق والواجبات والمرأة وشراعها عالي وهي ملوحة بقانون الأحوال الشخصية وحق العمل والتعليم والأمومة والتقاعد ونسبة تمثيلها على الأقل 25% في كل مؤسسات المجتمع المدني والحكومة. أن من غير الممكن لسفينة الدستور ان ترسي على أحدى الضفاف في الوقت الراهن لكن من الممكن ان تعوم السفينة وهي مقتربة من الشاطى الذي تراه المرأة العراقية مناسب لطموحها ،وتدريجيا ممكن أن ترسي سفينةالدستور العراقي الجديد مع مرور الزمن. لذلك فالمرأة العراقية هي الأكثر أستهدافاً من باقي الشرائح الأجتماعية في الدستور العراقي وسنشهد صراعات في الأجهاز على حقوق المراة بطرق قد تكرس ضمن الدستور.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |