|
مقالات
باقـر الصدر الظاهرة اليتيمة
سلمان الشامي/ كاتب عراقي مقيم في سويسرا
لعل المفكروالفيلسوف الاسلامي الكبير ومرجع الدين الفريد السيد محمد باقر الصدر من اكثر المفكرين الاسلاميين الذين حظوا بالدراسة والبحث، لكنه ظل سرا مغلقا على الباحثيين على كثرتهم، فقد منحت شخصية الصدر الزاهدة بكل ما في الحياة من متع ابعاداً اخرى لم يألفها الباحثون والدارسون فقلما يصل المرء الى هذا المستوى من التمكن العلمي وعيا وتأليفاً، لكنه فضل رغم ذلك التضحية بنفسه وبعطائه العلمي في قمة نضوجه، وكأنه يمتحن نفسه وهو يردد امام طلابه "من منا عرضت عليه دنيا هارون الرشيد ورفضها؟". لكن حدسه المستقبلي قد صدق، اذ عرضت عليه الدنيا بكاملها فرضها، مفضلا ان يضيف اسمه الى سجل الشهداء لا الى سجل الاموات الاحياء ( العراق بحاجة الى دمي وليس الى ترجمتي)... واذا كان لابد من الحديث عن اشكالية العلاقة بين ظاهرة باقر الصدر المرجع الزاهد والمجاهد المنظر والمفكر والفيلسوف الشاب الكبير وظاهرة الحوزة المستقرة عبر التاريخ بعلمائها المنظوين تحت رؤية الاجتهاد في العبادات والتحفظ في المعاملات لاسيما الابتلاءات السياسية، فإننا في الوقت الذي نحترم فيه ما قد قدمته الحوزة من نتاج علمي عبر علمائها المعمريين فإننا ندرك ان الصدر قد اختصر الحوزة كلها تأليفا واضافة وابداعا واستشهادا. وهنا تجدر الاشارة الى عدة اضافات قدمها هذا العملاق لمسيرة الحوزة ولشخصية العالم الديني المسلم، ففي جانب الفكر السياسي الاسلامي خطا باقر الصدر خطوات هامة وخاصةً في الجانب العملي منها فكان تأسيسه لحزب الدعوة الاسلامية اضافة جديدة لم يدركها المجتهدون من قبله، اولائك المجتهدون الكبار الذين ظلوا يعيشون على امل ان يكتفي جمهور المسلمين بهم ولا يتطلعوا الى علماء الدين التنويريين ودورهم في المجتمع. ولم يكتف باقر الصدر بتأسيس حزب الدعوة الاسلامية والتنظير له، بل مضى الى ما هو ابعد من ذلك فقد حرم الانتماء الى حزب البعث يوم كان البعث هرم السلطة الذي لم يتجرأ احد على نقده فما بالك بتحريم الانتماء اليه! ولذلك كان رد فعل السلطة عليه خارج السياقات الطبيعية لعلاقة اي سلطة مع مفكر بحجم الصدر اذ رأت فيه البديل القادر على تقويضها فسارعت الى تغيبه عن المشهد كله، ذلك التغييب الذي وجد صداه الكبير لدى رواد الوعي في العراق وغيره غير انه من المؤسف ان بيئة الصدر الاساسية وهي الحوزة العلمية وزعامتها تعاملت مع تغييبه بشكل مرتبك منهزم خائف باستثناء ردة فعل الفقيه العادل الشجاع السيد عبد الاعلى الموسوي السبزواري. لقد تعامل باقر الصدر مع المشهد العراقي بصفة الاب لكل ابنائه وعلى الرغم من انه يعد على الاغلبية العربية الشيعية في العراق الا ان النظرة الابوية الجامعة قد طغت على فكره وعمله مما ضاعف من خطورته على السلطة انذاك وفي الذكرى الخامسة والعشرين لرحيله 9/4/1980م والثانية لسقوط قتلته 9/4/2003، يعاد اليوم اكتشاف باقر الصدر الرمز ويشار اليه بصفته رمز العراق وتلك مفارقة كبيرة اذ ان باقر الصدر كان ذاكرة عقيدة كاملة بنيت على علم محمد ودم علي وابنائه الاطهار واذا كانت هذه الذاكرة تومض لسماء العالم الاسلامي كله فانها تتركز افقا ناصعا في سماء العراق ويكون باقر الصدر الظاهرة قد اعاد العراق الى هويته البكر بمؤلفاته وبدمه.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |