|
دور الاعلام في البلاط الفرعوني علياء الانصاري
عايشت البشرية في مختلف ادوارها انماط الحكم المتباينة ، ومنها النمط الفرعوني الذي ترك آثاره ـ اكثر من غيره ـ على قسمات وجهها بكل وضوح وصدق. بل يمكن القول ان اكثر انماط الحكم شيوعاً ورسوخاً في التاريخ هو النمط الفرعوني ذي الصبغة الاستبدادية ذات اللون الاحمر القاني!! فلكل زمان فرعون ، ولكلِّ فرعون موسى وهارون وقيودٌ وسلاسلُ ودماءٌ وأشلاء ، انها سنةُ الله في الأرض ولن تجد لسنة الله تحويلاً. وللحكم الفرعوني سماتٌ ، كما له اساليبٌ يعتمدها لترسيخ حكمه وإطالة عمره خلوداً ومجداً ، وهي لا تتباين تبعاً لتباين الازمنة والامكنة ، فهي هويةٌ واحدةٌ لكيان واحد. وللطغيان جذورٌ ضاربةٌ في اعماق التاريخ ، فلهُ في كل الحضارات الانسانية ـ قديمها وحديثها ـ نصيبٌ وافر من الحياة ، فتكاد لا تخلو امة من وجود طاغية يستبد بها ويتحكم في مقادير امورها ، وقد جاء في محكم الكتاب المجيد: (ولقد بعثنا في كلِّ امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)[1] ، فقرن بين عبادته تعالى وبين اجتناب الطاغوت ، لاهمية الاجتناب ، الذي هو الابتعاد عن كل ما يوصل إلى الطاغوت من مقدمات ونتائج وآثار ، فهذا الاجتناب هو الذي يفتح الآفاق للعبادة الخالصة لله تبارك وتعالى ، فكيف يتسنى للمرء العبودية المطلقة لله وهو يعيش العبودية ـ ذات الوقت ـ للطاغية ؟ فهذه العبودية الثانية تقتل تلك الأولى ، ولا تسمح لها بالحياة والبقاء ، فان يكون الإنسان عبداً لله ، يعني ان يكون حراً ، يمارس حريتهُ في كل المجالات وعلى مختلف الاصعدة ، ليكون قادراً على تلقي النداء الإلهي: (اذهب إلى فرعون انه طغى)[2]. وكلمة فرعون في اللغة مشتقة أما من مادّة «فارع» ، بمعنى القتل والانتقام والغارة ، أو من «فرع» بمعنى الهرج وفقدان النظم[3] ، فكل متجاوز خارج عن الحدّ وظالم يكون فرعون. وفرعون هو المصطلح الذي اطلقه القرآن الكريم تعبيراً عن الطاغية في مختلف العصور. والقرآن الكريم قدم الطاغية المستبد الذي عاصر النبي موسى عليه السلام، في العديد من الآيات الكريمة كنموذج للفرعونية العالمية، وذكر في وصفه إرسال موسى عليه السلام الى فرعون زمانه: (ولقد ارسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعونَ وهامانَ وقارونَ فقالوا ساحرٌ كذّاب)[4] ، فهامان هو وزير فرعون ، الذي كان له التدبير والعمل والاجراء ، أي انه السلطة التنفيذية في الجهاز الحاكم ، وقارون[5] هو الذي قادته الثروة إلى الطغيان والفساد ، حيث كانت كنوزهُ يثقل حمل مفاتيحها على الرجال الاشداء. وهذا المثلث الطغياني يُعطي صورة واضحة عن دعائم الطغيان وركائزه ، فعرش الطاغية (فرعون) تمسكهُ قبضتان: الأولى قوةِ السيف وشدة التنكيل، والثانية سطوة المال وبريق الجاه. فبالسيف والمال يُشيد الطاغية دعائم مملكته ، وخير ما يستعين به في امره هذا هو وسائل الاعلام.
الاعلام . . . ضرورة حضارية في اللحظات القصيرة التي تلت خلق الإنسان ، بنت السماء جسر الارتباط بينه وبين العالم الخارجي الذي يحيط حركتهُ ويتفاعل معه ، ففي اللحظة التالية لخلقه ، علمه الرحمن جلّ وعلا اُسس الاتصال: (واذ قال ربك للملائكة اني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبحُ بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الاسماءَ كلها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين)[6]. وتباينت التفاسير لكلمة (الأسماء) ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام انه سُئل عن هذه الآية فقال: (الارضين والجبال والشعاب والاودية ، ثمّ نظر إلى بساط تحته فقال وهذا البساط مما علمه) ، وقيل انه سبحانه علم آدم جميع الاسماء والصناعات وعمارة الارضين والاطعمة والادوية واستخراج المعادن وغرس الاشجار وجميع ما يتعلق بعمارة الدين والدنيا . كما قيل انه علمه اسماء الاشياء كلها ما خلق وما لم يخلق بجميع اللغات ، وقال البعض انه علمه ألقاب الاشياء ومعانيها وخواصه[7] . وجاء عند البعض ان الاسماء التي علمها آدم هي احكام الدين وما يكون من الامور إلى قيام الساعة. فبواسطة هذه الاسماء (على اختلاف تفاسيرها) سيتصل الإنسان بما يحيط به ويتفاعل معه في عملية حياتية منظمة. يعود اصل كلمة اتصال في اللغات الاوربية إلى جذور الكلمة اللاتينية (communis)التي تعني الشيء المشترك. ويتم الاتصال بين موجودات الكون بواسطة وسائل الاعلام ، فعلم الاعلام هو العلم الذي يدرس اتصال الإنسان اتصالا واسعاً بابناء جنسه ، اتصال وعي وإدراك وما يترتب على هذا الاتصال من أثر ورد فعل ، وما يرتبط بهذا الاتصال من ظروف زمانية ومكانية . فلا يمكن تصور مجتمع بشري دونما اعلام يرافق مسيرته التاريخية ويحدد نوعية الآفاق التي تتحرك فيها خطواته. فعندما هبط ابو البشرية آدم إلى الكوكب الترابي لتشكيل النوع الانساني ووضع بداية التقويم الوجودي لهذا المخلوق ، حمل معهُ الاسماء التي علّمه إيّاها البارئ تعالى ليتخذ منها وسائل اعلام يتصل بها مع بقية الموجودت لإدامة العيش وبناء الحضارات. فتاريخ مفردة الاعلام يرافق تاريخ البشرية ويتلازم معه ، «وإذا كانت كلمة الاعلام مشتقة من (اعلمه بالشيء) فهي تعني تزويد الجماهير باكبر قدر ممكن من المعلومات ، وهي ايضاً عملية تفاهم تقوم على تنظيم التفاعل بين الناس وتجاوبهم وتعاطفهم في الآراء فيما بينهم وتفتح الآفاق بينهم لتلاقح الافكار وتبادل المعلومات ، وقد طورت الحضارة الحديثة هذه الظاهرة الاعلامية وجعلتها خطيرة حيث دعمتها بامكانات عظيمة حوّلتها إلى قوة لا يمكن الاستغناء عنها لدى الشعوب والحكومات على حد سواء»[8]. ويعرّف الدكتور اسكندر الديك الاعلام بقوله: «الاعلام: هو جمع وتخزين ومعالجة ونشر الانباء والبيانات والصور والحقائق والرسائل والآراء والتعليقات المطلوبة من اجل فهم الظروف الشخصية والبيئية والقومية والدولية والتصرف تجاهها عن علم ومعرفة»[9]، بينما يعرّفه (اوتوجروت) بالقول: «هو التغيير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت»[10]. فبتطور وسائل العلم والتكنولوجيا ، وسيطرة الإنسان على الطبيعة وما يحيط به من مدركات حسيّة ، امسى الاعلام قوة مركزية ترتكز عليها سلطة الحكومات وتعتمدها رؤوس الاموال في ادارة الكون. وقد وصف (ويلبر شرام) وسائل الاعلام بانها مضاعفات عظيمة، فالآلات في الثورة الصناعية كانت قادرة على مضاعفة الطاقة البشرية باشكال اخرى من الطاقة، ووسائل الاعلام في الثورة الاعلامية المعاصرة، قادرة على مضاعفة الوسائل البشرية الى درجة لم تصل بها من قبل، يمكن استجلاء ذلك حين تحاول العديد من الاقطار النامية ايصال المعلومات الكثيرة وبسرعة الى جمهور كبير من الناس بقدر ما يتعلّق الامر بالتنمية[11]. وهكذا توّج الاعلام ملكاً في بلاط الحركة البشرية في زمن يتحرك فيه الإنسان بايعازات الكترونية وذبذبات كهربائية يستقبلها من وسائل الاعلام التي امست عينيه التي يطلُّ بهما على العالم ، ويحدد نوعية ارتباطه واتصاله بالآخرين من خلال ما تزوده هي من معلومات وافكار .
الصرح الفرعوني عبّر القرآن الكريم عن أحد اساليب الاعلام المضلل بالصرح الفرعوني ، كما جاء في الآيتين 36 و 37 من سورة غافر: (وقال فرعون يا هامان ابنِ لي صرحاً لعلي أبلغُ الاسباب * أسباب السموات فاطلع إلى إله موسى وإني لاظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وَصُدَّ عن السبيل وما كيد فرعون إلاّ في تباب). تقول الحكاية التاريخية ، ان فرعون بعد ان جاءهُ موسى عليه السلام بالبينات ورأى الآيات الكبرى ، أدرك انه سيخسر المعركة ، فأسرع إلى تدارك الأحداث قبل ان تفلت من قبضته ، فاوعز إلى وزيره هامان ان يبني له صرحاً مرتفعاً ليصعد إليه ويطلع إلى ذلك الإله الذي جاء موسى من عنده ، ثمّ يعود إلى شعبه ليخبرهُ بما رأى واطلع!!! وهذه مصيدة فرعونية لإيقاع الجماهير في حبالِ وهمها وخديعتها ، فبناء الصرح يحتاجُ إلى الوقتِ والجهدِ والمال ، وبذلك يُستنزفُ وقت الجماهير في انتظار انتهاء البناء ، حيث سيساعد العامل الزمني على نسيان قضية الحق التي جاء بها موسى (عليه السلام)والبينات، كما ان الطاقات البشرية من فكر وعضلات وإمكانيات جسدية ومالية ستُصادرُ جميعها في عملية استهلاكية لكلِّ القوى ، فالصرح يرتفع ، فهو اخطبوط يلتهمُ الطاقات والثروات ، يرتفعُ ، ويرتفع ، حتّى تُنسى القضية. وهذه المصيدة الاعلامية ، قدّمها فرعون ـ بلا مقابل ـ إلى كلِّ الطغاة على مرّ العصور ، فالطاغية يعمدُ إلى إلهاء شعبه عبر وسائل الاعلام المختلفة بسفاسف الامور ويشغله عن القضايا المصيرية بما هو جزئيٌّ وثانوي. فيعمد الطاغية إلى اشغال شعبه بالترف الفكري والحضاري الذي يمتص فكر الأُمّة وطاقاتها الخلاّقة لتصب في بودقةِ المظاهر الخدّاعة والمباهج الجذابة فتكثر النوادي الليلية والملاهي ، والمجلات الخلاعية ودور السينما التي تبتلعُ الشباب في مجونها وفسوقها ، والتي من خلالها يسعى الطاغية إلى تذويب الشخصية الاصيلة لابناء الشعب ، واستبدالها بشخصية اخرى هجينة دخيلة على التركيبة المعرفية والاجتماعية للفرد ، كما يستغل وسائل الاعلام من خلال الاصابع السحرية التي تحركها من خلف الستار إلى إشاعة التناحرات الحزبية ، والكتل السياسية ، واقامة الانتخابات البرلمانية ، فيقضي الشعب نصف عمره في الانتماء إلى حزب ما ، والنصف الآخر في التطاحن والتلاعن مع الأحزاب الاخرى ، كذلك يسعى إلى التفرقة بين المذاهب الدينية ، وغرس بذور الشقاق بين الصفوف ، فيستهلك الإنسان المسلم عمرهُ في الحقد والضغينة والتلاعن وربما الحربُ والقتال على مبدأ وضعهُ الطاغية واعوانه لتدمير الإسلام واهله. أضف إلى ذلك ، تقويته للعنصرية والقومية بين افراد الشعب الواحد ، من كرديٍّ وعربيٍّ وعجميٍّ ، فيشيع مثلا روح الدعابة والطرفة بين ابناء الشعب الواحد لتكريس العنصرية والقومية ، فتروج الدعابات بين العناصر العربية ضد الاكراد ، وبالعكس ، ويسخر قومٌ من قوم ، او بين الاعجمي والعربي ، فترى الناس سكارى في احاديث المزاح والسخرية ، وهم يقوضون دعائم وحدتهم التي هي اخوف ما يخافه الطاغية على سلطانه. كما قد يلجأ الطاغية إلى إشعال الحروب ، لإشغال المواطنين بصفة مستمرة ، وإشعارهم بالحاجة الدائمية إلى قائد .
نبذة مختصرة عن بعض الاساليب الاعلامية تقوم وسائل الاعلام من خلال بث البرامج ذات الالوان المتباينة والمناهج المتعددة ، المكررة لمفهوم معين او فكرة جديدة ، بتغيير التكوين المعرفي للامة ، ودفعها إلى استبداله بتكوين معرفي آخر من حيث تشعر او لا تشعر ، متخذةً من الزمن مطيةً لها لتحقيق مآربها ، ولتوضيح ذلك نضرب مثالين للتعريف وليس للتحديد: المثال الاول: المسلمون في الاعلام الغربي: «يحاول الاعلام الغربي ترسيخ الصورة التاريخية للمسلمين من خلال التأكيد على المشاهد الدموية ومظاهر العنف والاختطاف والحروف في تطرقه لشؤون المسلمين وخاصة ما يجري في الشرق الاوسط والمغرب العربي. فنرى المشاهد التلفزيونية تعرض امام الرأي العام صوراً عن مسلمين متعصبين ينادون بشعارات الموت ضد اعدائهم، يحملون بنادق وسكاكين وكأنهم متعطِّشين للدماء. ويعرض مشاهد لمسلمين غاضبين يتظاهرون في الشوارع يطالبون بقتل مؤلف او صحفي او سياسي. وهذه الصور اليومية القادمة من مصر ولبنان والجزائر وفلسطين توحي للمشاهد بحالة الارتباط بين الاسلام والعنف والارهاب، والمشاهد البسيط الذي يتلقى معلوماته من التلفزيون يعتقد بان جميع المسلمين أصوليون وان كلمة أصولي (Fundamentalisme) تعني (عدواني) و(متعصب)»[12]. ويقول باحث اجتماع هولندي: «يعتقد الكثيرون ان الاسلام دين صارم مقارنة بالمسيحية ففي العديد من البلدان ترى الجماعات الاسلامية تحمل لواء المعارضة ضدّ الانظمة المؤيدة للغرب، فقد قُتل أنور السادات من قبل مسلمين راديكاليين»، وكتب صحفي شهير في صحيفة (الفولكس كرانت) الهولندية الواسعة الانتشار في عموده اليومي: «لماذا يجب ان أتفهم المسلمين؟ هؤلاء الذي يُحطِّمون السفارات، يحاربون في معارك تافهة، يحرقون الكتب ويضعون المتفجرات في الطائرات». ويطرح استاذ جامعي هولندي آرائه بلغة علمية مهذّبة حول مستقبل المسلمين في هولندا فيقول: «إن المسلمين يعتبرون غير المسلمين بأنهم (كلاب كافرة)»[13]. وجاء في ورقة الاستاذ فهمي هويدي التي قدّمها في ندوة العلاقات العربية الايرانية المنعقدة في قطر: «بعدما تنامت سطوة الاعلام في هذا الزمن، لم يعد يهم كثيراً ما اذا كنت على صواب أم خطأ، ولكن الاهم هو ماذا يقول الاعلام عنك وان يصنّفك، ولان الاعلام اصبح يؤدي ذلك الدور الخطير في تشكيل الرأي العام، فقد أصبحت فنون التغليط الاعلامي علوماً تدرس في معاهد الصحافة، وصارت تلك الفنون اسلحة تستخدم في الصراعات السياسية حيناً وتواكب الصراعات المسلحة في أحيان اخرى وما التغليط (disinfomation) الا سلاح في الاغتيال المعنوي (moral assassinaton)، إذ بمقتضاه يصبح بمقدورك ان تصفي خصمك وتجهز عليه سياسياً بفنون الاعلام وحدها. وليست بعيدة عن الأذهان قصة الخبر الذي جرى دسّه على وسائل الاعلام في الولايات المتحدة الامريكية بعد ثلاثين دقيقة من وقوع انفجار أوكلاهوما، وكانت المعلومات التي روّج لها الخبر ان اثنين من أصحاب الوجوه الشرق الأوسطية شوهدا وهما يهربان في سيارة من مكان الحادث. وهي المعلومة التي أسهمت بدور فعّال في توجيه أصابع الاتهام الى العرب والمسلمين منذ اللحظات الاولى، مع ما استصحبه ذلك من تداعيات سلبية مشهورة، كان أهمها وقوع 200 حادث اعتداء على العرب والمسلمين خلال الخمسين ساعة التي أعقبت الانفجار حسبما أعلنت مصادر المجلس العربي ـ الامريكي لاحقاً»[14]. الثاني: المرأة والاسرة: عندما تتعامل وسائل الاعلام مع قضايا المرأة ، نراها تطرح المرأة الناجحة ذات الخطوات الموفقة في حياتها ، امرأةً متمردة على الاعراف والتقاليد ، رافضةً لعقيدتها واصولها ، متبرجةً ، ساعية نحو الحضارة المتطورة التي تُهيّئ لها فرص الحياة المترفة البهيجة ، فهي قد تكون لاعبة تنس او جمناستك ، او مغنية ، او ممثلة ، او طبيبة ومهندسة ، تحقق نجاحها العملي على حساب انسانيتها ومبادئها ، فبتكرار هذا العرض بصوره الفنية المتباينة ، سوف تترسخ في ذهن الفتيات ان طريق النجاح هو ما سلكته هؤلاء النسوة ، فان كنّ يبغين النجاح فعليهن سلوك هذا الدرب. كما تسعى وسائل الاعلام الى زجها في الحياة الصاخبة البعيدة عن القيم والمبادئ ، وتشجع الرذيلة والفواحش ، تحت شعارات مُنمقة جذابة منها: الحرية ، والمساواة ، والحق المهدور للمرأة ، وغير ذلك من افكار هدامة تسحق كرامة المرأة وانسانيتها ، لتحولها إلى انثى وانثى فحسب. انثى لا هم لها سوى انوثتها وكيفية ابراز هذه الانوثة ، وكيف تحيا من خلال انوثتها ولاجل انوثتها فقط ، ومما جاء في احصائية حول استغلال المرأة في وسائل الاعلام والاساليب التي تدفع المرأة إلى الاعلان ، المعلومات التالية: ـ استخدمت صورة المرأة وصوتها في 300 اعلان تلفزيوني من بين 356 اعلاناً كانت موضع الدراسة. ـ تكررت هذه الاعلانات 3409 مرات خلال تسعين يوماً فقط. ـ 42 % من الاعلانات التي ظهرت فيها المرأة لم تكن تخص المرأة تحديداً ، لكنها استخدمت بهدف لفت الانتباه. ـ 76 % من هذه الاعلانات اعتمد على جمال المرأة وشدة جاذبيتها. ـ 51 % من هذه الاعلانات اعتمد على حركة جسد المرأة دون النشاط المعلن عنه. ـ 5ر12 % من هذه الاعلانات استخدمت فيها الفاظ ذات ايحاءات جنسية في نصوص التعليق المصاحب للاعلان وبشكل غير لائق[15]. أضف إلى ذلك ما تعتمده وسائل الاعلام في برامجها المختلفة لهدم الحياء في نفوس الناشئة من كلا الجنسين وتكريس هذا النوع من الفسوق على انه نمطٌ حضاري متطور للحياة ، فنرى الاموال الطائلة والطاقات الكثيرة تُصرف لاعداد مجلات وجرائد لا همّ لها سوى تصوير الممثلين والمغنّين من كلا الجنسين واطلاق التسميات الرنانة عليهم مثل نجوم الفن أو نجوم المجتمع وغيرها من الالقاب البارزة ليترسخ في ذهن الناشئة وخاصة الاناث بان هؤلاء هم صانعو المجتمع وصانعو الحياة ، ولا يوجد غيرهم في المجتمع والكون شيء جدير بالاهتمام ، فنرى هذه الصفحات مليئة بما لذّ وطاب من الصور الفنية الملونة والأحاديث الجذابة ، تحكي قصص هؤلاء ونوادرهم واخبار نجاحهم الموهوم ، وتاريخ حياتهم ، وآخر اعمالهم وكأن الدنيا اُستفرغت من كل شيء إلاّ هؤلاء ، فيندفع الناشئة بكل ما يملكون من اموال لشراء هذه الصفحات وما يملكون من وقت في مطالعتها والاستمتاع بما جاء فيها ، لتمسي هذه الامور مع مرور الوقت هي كل اهتماماتهم وانفعالاتهم ، ولتترسخ في اذهانهم بان النمط الذي اختاره هؤلاء للحياة هو النمط الافضل ، بل هو الصبغة الحقيقية للحياة. ولنضرب مثلا على ما يأتي في هذه المطبوعات الاعلامية من اخبار تافهة ، ومقالات سطحية ، فمما جاء في احدى المجلات التي تعتبر نفسها اسرية وتطلق على نفسها عنوان (كل الاسرة) ـ على اساس انطلاقها من هدفيتها في بناء الاسرة المتكاملة ـ هذا الخبر نصاً: (تعد أشرطة المغنية «سيلين ديون» من مقاطعة كيبيك الكندية ، هي الاكثر مبيعاً حالياً في اسواق الاغنية الفرنسية بعد ان حققت شعبية واسعة في كثير من العواصم ، خصوصاً إثر طرح البومها الجديد بعنوان «دو» . وخلال عودتها مؤخراً من مدينة نيويورك ، حيث قامت بتسجيل اغنية جديدة ، فوجئت بالاحوال الجوية السيئة والتي اسفرت عن تأخير الرحلة وحجزها في مطار كنيدي عدة ساعات . فأخذت «سيلين» تدندن باحدى اغانيها حتّى تعرف إليها احد المسافرين ، فانهال عليها المعجبون يطالبونها بالتوقيع على «اوتوجرافاتهم» والتقاط بعض الصور التذكارية)[16] . انتهى الخبر مع ارفاق صورتين ملونتين للمغنية ، والمعجبين من حولها . فما هو الاثر الذي سيتركه هذا الخبر على الاسرة العربية والاسرة المسلمة ؟ وما هو اهمية هذا الخبر بالنسبة للفتاة العربية والمسلمة ؟ هل هو خبر علمي ؟ ام خبر سياسي ؟ ام لعله حدث اجتماعي لابد من الاطلاع عليه ؟ ولاحظ استعمال بعض المفردات الغير عربية والتي لا تنتمي إلى الثقافة العربية والإسلامية كاستعمال مفردة «اوتوجرافاتهم» بدلا من استعمال كلمة عربية مرادفة لها ، وهذه الحالة تظهر كثيراً في مطبوعاتنا ، حيث يتم استبدال المصطلحات والمفردات العربية والإسلامية بغيرها من الثقافات الغربية ، لترسيخ فكرة ان اللغة العربية لغة ضعيفة ولا يمكن ان تغني ثقافتنا العصرية ، فلابد من استبدالها بما يليق ومفردات العصر ، فمن يجيد التحدث بمفردات غربية اكثر فهو المثقف اكثر والعصري اكثر!! وقس على ذلك كل ما يأتي في هذه المجلة وغيرها من المطبوعات والتي تستنزف دماء وافكار وطاقات الشباب في امور تافهة ، في حين تفتقد هذه المطبوعات إلى ابسط الامور التي تعرف الناشئة العربية والمسلمة على بديهيات الحياة الهادفة والقضايا المصيرية التي ترتبط بواقع حياتهم ، وبصيغة مستقبلهم . فاين هي قضية فلسطين في هذه المطبوعات ؟ واين هي جرائم الصهاينة في ارض الله الواسعة ليتعرف عليها الناشئة ويحذروا من مكائدهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟ واين هو التاريخ الناصع لشعوب عاشت الحرية والعزّة وصاغت لنفسها اروع الملاحم لاجل الحياة الحرة الكريمة ؟ كما ان التلفاز والفيديو وما احدثته التكنولوجيا العصرية من قنوات فضائية واقراص ليزرية ، تقدم للناشئة تلك الافلام التي اُنتجت لغرض استفراغ الطاقة الشابة من كل الوان الابداع ، وتحويلها إلى قوة غضبية او شهوة جنسية ، تسعى بكل الوسائل والطرق لاشباع تلك القوى والشهوات ، فعند استعراض الافلام التي تنتج في القسم الغربي من الكرة الارضية ليتم ترويجها وتسويقها إلى القسم الشرقي منها ، نجدها ما بين جنس وحرب وخيال علمي ، لا تمت إلى الواقع بشيء ولا تغرس في نفوس الناشئة غير المفاهيم الارضية السطحية التي لا تقوم سلوكاً ولا تبني شخصية ، بل لا هم لها سوى الافساد في البلاد والعباد. وجاء في دراسة اجريت في الولايات المتحدة على 110 من نزلاء مؤسسة عقابية ان 49% من هذه المجموعة اعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح و 12 ـ 21% منهم أعطتهم السينما الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة. كما اثبتت دراسة اخرى اجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 ـ 18 سنة أن 25% منهن مارسن العلاقات الجنسية نتيجة مشاهدتهن مشاهد جنسية مثيرة في السينما ، و 41% منهن قادتهن المشاهد إلى الحفلات الصاخبة ، والمسارح الليلية ، و54% منهن هربن من المدرسة لمشاهدة الافلام ، و17% تركن المنزل لخلاف مع الاهل حول ذهابهن إلى السينم[17]. يقول الإمام الخميني في هذا الصدد: «الافلام التلفزيونية سواء كانت صناعة غربية او شرقية فانها تُحرّف جيل الشباب فتية وفتيات عن مسار حياتهم الطبيعي وعن اعمالهم وصناعتهم ونتاجهم وعلمهم وتجرّهم إلى الجهل بهويتهم وانفسهم او إلى النظرة السيئة واساءة الظن بكل شيء حتّى بما يتعلق بهم وببلدهم من الثقافة والآداب والنصوص المسرحية القيمة التي نقل الخونة النفعيون الكثير منها إلى مكتبات ومتاحف الشرق والغرب»[18]. فالكماشة الاعلامية تضع الناشئة امام صورتين للواقع متباينتين ، الأولى صنعها الطاغية ، من واقع امته المتخلف ، الفقير ، العابث ، البعيد عن القيم والمبادئ ، اللاهي وراء الشهوات والمناصب والاضواء ، وصورة مثالية يصنعها الاعلام المضلل من حياة مترفة ، صادقة لا كذب فيها ولا خداع ولا تزوير ، ولا مخدرات ، حياةً التطور العلمي والترفه بمتطلبات التكنولوجيا الحديثة التي حُرمت بلاده منها ، فيسعى إلى تكذيب واقعه ورفضه ، واعتناق الواقع الآخر وتجسيده في حياته ، فيؤمن بكل ما جاء من وراء البحار ، ويكفر بكل ما بين يديه. كما ان للاعلام دوراً فعالا في خلق الشخصية الازدواجية للناشئة ، فالناشئة ترى واقعاً متحركاً تبعثه الاشعة المرئية ، يتباين مع واقع مجتمعها المسلوب الهوية والارادة ، ليعود فيتباين مع ما تقرأه من تاريخ واحداث صنعها اناسٌ آخرون ، او ما تراه في المسجد او الواقع الديني الذي ضيقه الطاغية وختم عليه الصرح الفرعوني بالشمع الاحمر ، فيحدث الانفصام في شخصيته ، وهذا الطابع هو الغالب على الامم المستعبدة. ومن اساليب وسائل الاعلام الاخرى، أسلوب الصمت، حيث تتعمد وسائل الاعلام الصمت عن كثير من الأحداث والأخبار والشخصيات ، او الترويج لبعض الأحداث والشخصيات ، لتموه الحقائق على الناس وتلبس الحق بالباطل ، فتدفع الرأي العام إلى حبّ أو بغض ما تريده الفرعونية ، حيث ان للاعلام قدرة على تغيير التفكير العام للامة ، وتحويل انتباهها من قضية ما إلى اخرى فعلى سبيل المثال ما حدث في شهر يوليو من عام 1993 م عندما استثارت وسائل الاعلام الغربية عواطف العالم حول الطفلة البوسنية المسلمة (إيرما) التي نُقلت الى لندن للعلاج بسبب اصابتها الخطيرة من القصف الصربي لمدينة سراييفو. لقد ظلت (إيرما) موضع رعاية وسائل الاعلام العالمي لاكثر من اسبوع واستدرت شفقة وحزن كثير من سكان الارض بسبب مأساتها، الا ان المأساة الكبرى التي صرفت وسائل الاعلام الغربي انظار الناس عنها، والتي لا تشكل قضية (إيرما) عندها شيئاً، هي مذبحة المسلمين في البوسنة امام سمع العالم وبصره وبمباركة الغرب نفسه[19]. أو تغيير مشاعرها العدائية تجاه قضية معينة إلى مشاعر ودٍّ واخاء ، وبالعكس فمثلا حينما تتحدث وسائل الاعلام الغربية بعشرات المواضيع الاعلامية المقروءة والمسموعة عن السودان الاصولي الذي ينتهك حقوق الانسان ويرعى الارهاب، تكون النتيجة ان القارئ الساذج والمستمع السطحي يغير موقفه من السودان فتصبح حكومة السودان المسلمة خطراً يهدد الامن الاقليمي، وتصبح عصابات (جون قرنق) الصليبي المتمردة اسمها (الجيش الشعبي لتحرير السودان). كما تقوم وسائل الاعلام بصياغة واقع اجتماعي او اقتصادي او سياسي للجمهور على انه واقعي وطبيعي ومعبر عن الحقيقة، فمثلا ما صاغته وسائل الاعلام عن الواقع العسكري وقدرات الجيوش العربية قبل حرب 1967م. ثم لما قامت الحرب لم تصمد تلك الجيوش أكثر من ستة أيام أمام جيش العدو الاسرائيلي. لقد اكتشفت الجماهير العربية ان ما قيل لها عن واقع الجيوش العربية لم يكن الا (واقعاً) غير صحيح صاغته وسائل الاعلام[20]. وبهذه الاساليب وغيرها تكرس الفرعونية مفهوم (لا أريكم إلاّ ما ارى وما اهديكم إلاّ سبيل الرشاد). ويقول ارسطو في معرض حديثه عن الغاية التي ينشدها الطاغية: (ان الطاغية يهدف إلى ان يصبح مواطنوه عاجزين عجزاً تاماً عن أي فعل ، ومن ثمّ يكون السعي إلى القضاء على الطاغية ضرباً من المحال . ولا أحد يحاول ان يصنع المستحيل ، ومن ثمّ فلا أحد يحاول ان يطيح بالطاغية ، ما داموا قد أصبحوا جميعاً عاجزين عن الحركة)[21]. ولو القينا نظرة سريعة على وسائل الاعلام التي يسخرها الفكر الفرعوني العالمي لوجدنا «ان التنافس المستمر والصراع العنيف بين وسائل الاعلام الامبريالية، أحرز تقلصاً مستمراً في عدد الصحف اليومية، ومؤسسات نشرها في البلدان الرأسمالية لصالح الاحتكارات الأقوى، ففي بريطانيا أنخفض عدد الصحف في الفترة مابين 1920 ـ 1970 بنسبة 35% وتخضع عموم الصحف البريطانية الكبرى الى سيطرة احتكارات بينها مؤسسة تومسن وأنترناشنال بابلشنك كوربويشن، ماعدا صحيفة مورنبج ستار للحزب الشيوعي البريطاني، وفي ايطاليا انخفض عدد الصحف من 140 صحيفة يومياً عام 1946 الى 87 صحيفة عام 1972م، وفي ألمانيا يشغل أكسل شبرنكر المكانة الاولى في السيطرة على وسائل الاعلام، ودور النشر وتطبع مجلاته الدورية 15 مليون نسخة. لقد رافق ظهور الاحتكارات الامبريالية في الصناعة والتجارة والبنوك في البلدان الرأسمالية، ظهور احتكارات مماثلة في النشاط الاعلامي عن طريق تملك وسائل الاعلام. وامبراطورية روى تومسن المليونير الكندي خير دليل على ذلك، فهي تسيطر على 200 صحيفة يومية، وعلى عشرات من محطات الاذاعة والتلفاز ودور النشر ومؤسسات الطباعة في أكثر من عشرين بلداً. أمّا الاحتكارات الامريكية في وسائل الاعلام، فلها نصيب كبير في المجلات الدورية، مثل مجلات الجنس والموضة والقصص البوليسية، وكذلك استديوهات انتاج الافلام السينمائية، وأمتلات محطات الاذاعة والتلفاز، وتطبع صحفها بـ (29) لغة عالمية وأشهر هذه الاحتكارات هي وكالة المعلومات في الولايات المتحدة، ففي مجال نشاط التلفاز فقط تنتج هذه الوكالة ما يقارب من 1700 برنامج في العام الواحد ناطقة بـ (162) لغة عالمية تبثها 5000 محطة وتلتقطها 2082 محطة استلام للبث منتشرة في 97 بلداً، وهناك مثال آخر على نفوذ وسائل الاعلام الرأسمالية، على البلدان الاخرى النامية بصورة خاصة، فمثلا محطة صوت امريكا الاذاعية لها أجهزة تقوية للارسال، في أكثر من 60 بلداً، موزعة على الكوكب الارضي منها ليبيريا، المغرب، فيتنام الجنوبية و...، وتبث برامجها الاذاعية بـ (50) لغة عالمية[22]!!
خصائص الاعلام الفرعوني من أهم ما يمتاز به الاعلام الفرعوني: «1 ـ حركته الواسعة عن طريق مندوبيه او مراسليه، لتغطية الاحداث العالمية اينما وجدت. 2 ـ وجود الكثير من المؤسسات التي تعني بتطوير كفاءات الصحفيين من معاهد وكليات. 3 ـ إشاعة بعض المصطلحات المخزونة التي تطلقها الدول الفرعونية، لتحقيق بعض الاهداف والغايات التي من شأنها تكريس تخلف الدول النامية، مثل مصطلح (الدول المتخلفة) لتبرير استغلالها وإدامة وصايتها عليها. 4 ـ طرح بعض الحزازات في المنطقة المراد التأثير عليها، وأثارتها بغرض ابعادها عن قضاياها الاساسية، وإشغالها بأمور تافهة لسلب ارادتها، كزرع الفتن والنعرات الطائفية وإثارة مشاكلها. 5 - إغراق أسواق الدول النامية بكثير من الكتب والمجلات والكراسات، وتصوير الدول الغربية بما يحسن صورتها أمام شباب الدول النامية، وبما يقنع الشعوب النامية بضرورة ارتباط الدول النامية بالدول الغربية، وضرب الوصاية عليه[23].
عصا موسى جاء في سورة الاعراف: (قال الملأ من قومِ فرعونَ إن هذا لساحرٌ عليم * يريدُ ان يخرجكم من ارضكم فماذا تأمرون * قالوا ارجه واخاهُ وارسل في المدائن حاشرين * يأتُوك بكل ساحر عليم * وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحنُ الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين * قالوا يا موسى إما ان تلقي وإما ان نكون نحنُ الملقين * قال القوا فلما ألقوا سَحَرُوا أعين الناسَ واسترهَبُوهُم وجاءوا بسحر عظيم * واوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقفُ ما يأفكون * فوقع الحقُ وبطلَ ما كانوا يعملون)[24]. الحكاية التاريخية تنقل لنا ان البلاط الفرعوني قد هيأ الناس وعبأهم في يومِ عيدهم لاجراء مسرحية اعلامية للقضاء على الدعوة الجديدة التي جاء بها هذا الساحر المضل المدعو موسى!! وقد استعان الاعلام الفرعوني برجال العلم والفكر والمعرفة في ذلك العصر ، ألا وهم السحرة ، ليحيق بمكر موسى الذي جاء يدعو إلى التوحيد والاصلاح في مجتمع بني اسرائيل . . . ويجتمع الناس في ذلك اليوم ، ليروا ماذا سيؤول إليه مصير هذا المدعي امام فطنة هؤلاء العلماء ومعرفتهم ، الآية المباركة تقول ان السحرة قد سحروا اعين الناس واسترهبوهم ، فما هو السحر؟ السحر: هو الصرف عمّا هو واقع وحقّ إلى خلافه ، كصرف الابصار عما يشاهدونه في الظاهر إلى خلافه ، وصرف القلوب عما يدركونه إلى الخلاف[25] ، (فإذا حبالهم وعصيهم يُخيَّلُ إليه من سحرهم انها تسعى) ، والخيال خلاف الحقيقة. وهذا ما تصنعه وسائل الاعلام ، فهي تسحر اعين الناس ، لتثير فيهم الخيال وتصرف عقولهم وقلوبهم عما هو حقٌّ وواقع إلى خلافه ، إلى ما تريده هي ، وتحكم به هي. الآيات المباركة تحكي لنا عن رد فعل المصلح الاجتماعي والنبي الإلهي موسى عليه السلام امام وسائل الاعلام المضللة الساحرة ، وذلك بانه القى بعصاه التي تحولت حقاً وحقيقةً إلى افعى تلقف ما يأفكون ، فماذا كانت حقيقة هذه العصا التي ابطلت سحر العلماء ، وألغت فاعليته من الواقع الاعلامي آنذاك؟ العصا: هو ما يؤخذ في اليد للإتكاء عليه او لحاجات اُخرى ، وبمناسبة كونها وسيلة في الحوائج ورفعها يستعار بها في سائر المعاني[26] . فهذه الوسيلة الخارجية التي كانت هي معجزة النبي في ذلك الحين ، حينما القاها تحولت إلى قوة عظمى اكلت كل معاني الخداع والتضليل والتمويه التي كان يمارسها السحرة لصرف الناس عن الحق ، وتختم الآيات المباركة هذه المسرحية الاعلامية باعلانها عن حقيقة عالمية: (فوقع الحقّ وبطلَ ما كانوا يعملون) . ولا يخفى على كل ذي بصيرة ، ما تمارسه وسائل الاعلام في عصرنا من سحر واسترهاب وتضليل لتمويه الحقائق وتشويهها ، وصرف عقول الناس وقلوبهم عن الفضيلة والحق إلى كل ما فيه فسقٌ وفجور ، فهي تمارس السحر بكل انماطه وفنونه ، ولكن هذا السحر لا يدوم ، وليس هو بالقدر الحتمي الذي يجب الرضوخ له ، فقد أوضح القرآن الكريم الاسلوب في إبطال هذا السحر ، والوسيلة التي يُقاوم بها ، فكل مسلم واعي ، وكل انسان حرّ يدعو إلى الفضيلة والاصلاح ، هو موسى ، وبيده عصاه ، وكل فرد في المجتمع الإسلامي بما انه خليفة لله على الأرض فهو خليفة لانبيائه ايضاً ، ووارث لمسيرتهم ، فكل واحد فينا يملك عصا موسى ، ولكنه ـ للاسف الشديد ـ ابطل فاعليتها والغى دورها ، لان سحر الاعلام كان قوياً ومضللا اعمى الابصار والقلوب ، والقى فيها الضعف والوهن ، فلم نعد نملك الثقة بانفسنا وبعصينا!! ولن تتغير تلك الاقدار التي صنعها الاعلام الساحر لنا ، إلاّ عندما نجيد استخدام عصانا ، عندما نوظفها لله وفي خدمة الانسانية ، عندما ندرك عظمة انفسنا ، وعظمة ما نملك من قوى ووسائل وقابليات طبيعية وانسانية ، فالعصا هي كناية عن كل الوسائل والقوى الخارجية التي منحتها السماء لنا ، لو أجدنا استخدامها لصغنا للعالم انقى الوسائل الاعلامية واصدقها ، تلك الوسائل التي تلقف كل الاكاذيب والاباطيل ، تلك الوسائل التي تبني للانسانية مجدها وسؤددها . *** المصادر 1 ـ الطبرسي / مجمع البيان / طبعة بيروت / عام 1992. 2 ـ المصطفوي / التحقيق في كلمات القرآن الكريم / الطبعة الأولى / ايران. 3 ـ د . امام عبد الفتاح امام / الطاغية / المجلس الوطني للثقافة والفنون / الكويت. 4 ـ مختار الأسدي/ الثورة في فكر الإمام الخميني / مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني. 5 ـ حول مشاكل الاسرة المسلمة في الغرب / المؤتمر السنوي الرابع برعاية المجمع الإسلامي الثقافي / دار المحجة البيضاء / بيروت. 6 ـ طلعت همام / مائة سؤال عن الاعلام. 7 ـ د. اسكندر الديك / دور الاتصال والاعلام في التنمية الشاملة. 8 ـ د. يوسف محي الدين ابو هلاله / الاعلام، نشأته - أساليبه. 9 ـ جعفر عبد الرزاق / المسلمون في الاعلام الغربي. 10 ـ د. محمد بن عبد الرحمن الحضيف / كيف تؤثر وسائل الاعلام؟ 11 ـ محمد حسنين هيكل / الاعلام الامبريالي. 12 ـ محمد حسين عليوي / الاعلام الامبريالي وأثره على اعلام الدول النامية. 13 - ندوة العلاقات العربية ـ الايرانية (الاتجاهات الراهنة وآفاق المستقبل) / قطر عام 1995م. 14 ـ مجلة الطاهرة / مؤسسة الفكر الاسلامي.
الهوامش [1] النحل / 36. [2] طه / 24. [3] المصطفوي / التحقيق في كلمات القرآن الكريم / ج 9 / ص 67 / الطبعة الأولى. [4] غافر / 23 ـ 24. [5] ورد في التحقيق في كلمات القرآن / ج 9 / ص 251 ان قارون من اقارب موسى(عليه السلام)ويقال انه ا بن عم له ، وهو قارون بن يصهر بن قاحث بن لاوى بن يعقوب . وقد يكون وجه التسمية باعتبار كونه قرين فرعون. [6] البقرة / 30 ـ 31. [7] الطبرسي / مجمع البيان / ص 96 / ط . بيروت / 1992. [8] طلعت همام / مائة سؤال عن الاعلام. [9] د. اسكندر الديك / دور الاتصال والاعلام في التنمية الشاملة. [10] عن كتاب (الاعلام ـ نشأته ـ اساليبه) / الدكتور يوسف محي الدين ابو هلاله. [11] ويلبر شرام / اجهزة الاعلام والتنمية الوطنية. [12] جعفر عبد الرزاق / المسلمون في الاعلام الغربي. [13] المصدر السابق. [14] ندوة العلاقات العربية ـ الايرانية (الاتجاهات الراهنة وأفاق المستقبل) / سبتمبر 1995 / قطر / ورقة الاستاذ فهمي هويدي تحت عنون الخطاب السياسي والاعلامي. [15] هذه الاحصائية نشرتها مجلة الطاهرة / مؤسسة الفكر الإسلامي / العدد 116 كانون الثاني 2000 م / ص 20. [16] مجلة كل الاسرة / العدد 121 فبراير عام 1996. [17] حول مشاكل الاسرة المسلمة في الغرب / المؤتمر السنوي الرابع برعاية المجمع الإسلامي الثقافي / دار المحجة البيضاء / بيروت / ص 82. [18] مختار الأسدي/ الثورة في فكر الإمام الخميني / مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني / ص 166. [19] د. محمد بن عبد الرحمن الحضيف / كيف تؤثر وسائل الاعلام. [20] المصدر السابق. [21] د . امام عبد الفتاح / الطاغية / ص 149. [22] الاعلام الامبريالي / ترجمة محمد حسنين هيكل. [23] محمد حسين عليوي / الاعلام الامبريالي وأثره على اعلام الدول النامية. [24] الاعراف / 109 ـ 118. [25] المصطفوي / التحقيق في كلمات القرآن الكريم / ج 5 / ص 70.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |