|
بحوث
مدى مطابقة قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969النافذ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان
المنظمة
العراقية لتنسيق حقوق الإنسان
مقدمة لقد مر العراق عبر تاريخه الحديث بفترات عصيبة من الحكم الفردي الدكتاتوري عانى الشعب العراقي عموما في ظلها من انتهاكات خطيرة وجسيمة في الارواح والممتلكات والحريات والاعراض. وبعد سقوط النظام السابق في 9/4/2003 بدا الامل في بناء دولة قانونية تراعي وتحترم حقوق الانسان وحرياته الاساسية التي كفلتها القوانين والمعاهدات الدولية. ومن اجل العمل على تحقيق هذا الامل والحلم الذي هو ليس بصعب المنال فأن هناك في الانتظار جهودا كبيرة لابد من بذلها من اجل احداث التغيير المنشود نحودولة قانون. ومن المؤكد ان تحقيق ذلك يبقى قاصرا ومعيبا مالم تتحقق المطابقة بين القوانين الوطنية والمعايير الدولية في مجال حقوق الانسان،لان هذه المطابقة تشكل ضمانة اساسية تجاه الانتهاكات ضد كل من يجرؤ على الاعتداء على تلك الحقوق والحريات.وهكذا فان الدراسة تتطلب تحديد المعايير الدولية لحقوق الانسان ومصادرها ثم تفحص قانون العقوبات العراقي لبيان مدى التطابق مع تلك المعايير.
هدف الدراسة تهدف هذه الدراسة الى التعرف على مدى مطابقة قانون العقوبات العراقي النافذ رقم111لسنه 1969 المعدل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان في مجال قانون العقوبات، ثم رفد المشرع بالتوصيات التي يجدها الباحث ضرورية في مجال صيانة واحترام حقوق الانسان في قانون العقوبات العراقي النافذ. فمن الواضح أن هناك اهتماما متزايد على المستوى الدولي بضروره مراعاة القوانين الوطنية للدول للمعايير الدولية لحقوق الانسان من المخالفات الجسيمة.والحقيقة ايضا أن أهمية مراعاة واحترام المعايير الدولية لحقوق الانسان تتأتى من الهدف الذي ترمي له في كبح جماح الدول اكثر من اهتمامها بالمخالفات الفردية لحقوق الانسان لان الدولة تنظيم مؤسسي مخول من حيث المبدا بسلطه قانونية وصلاحيات واختصاصات لتنظيم الحياةوالحريةوالملكية في المجتمع ,والدولة أيضا هي محور اهتمام القانون الدولي في المقام الاول ولهذا فان كثير من قواعد حقوق الانسان وبالاخص الحقوق المدنية والسياسية ,هي في الاصل توجه نحو الدولة بوصفها سلطة قانونية تتولى اصدار التشريعات اللازمة وتطبيقها وتنفيذها.
المبحث الاول: المعايير الدولية لحقوق الانسان في مجال قانون العقوبات
يضفي القانون الدولي لحقوق الانسان حقوقا والتزامات على الدول والافراد , وهذة الحقوق والاتزامات تسعى الى حماية قيم انسانية وتدور في فلك حماية الشخص الانسان في ذاتة دون النظر مطلقا للتفرقه المجحفة بين بني الانسان بسبب اللون والجنس والمعتقد واي اعتبارات اخرى. ولعل اهم هذة القيم 1- تحريم التعذيب 2- تحريم العقاب المذل والحاط من الكرامه الانسانية 3- احترام الحقوق العائلية 4- حرية المعتقد 5-الحق المادي 6-عدم مساءلة انسان عن عمل لم يرتكبة 7- حظر الاعمال الانتقاميه والعقوبات الجماعيه واخذ الرهائن 8-ان لكل انسان الحق في الانتفاع من الضمانات القانونية التي تقررها الشعوب المتمدينة. ومن المعلوم ان هذة الحقوق والالتزامات مستمدة من مواثيق دولية مثل ميثاق لامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.والاتفاقية الاوربيه لحقوق الانسان والميثاق الامريكي لحقوق الانسان والشعوب بالاضافة الى اتفاقيات عديدة لمنظمة العمل الدولية للارتقاء بحقوق الانسان وحمايتها في مسائل معينة وهامة. ومن اجل توفير الضمانات القانونيه لحماية تلك الحقوق يحظر القانون الدولي لحقوق الانسان ابادة الجنس والتفرقة العنصرية والتعذيب والاسترقاق والسخرة, هذا من جهه اولى. ومن جهه ثانية فان الدول والافراد اصبحوا ملزمين بمراعاة واحترام (القانون الجنائي الدولي) الذي يمثل احد السبل المستخدمة لتحقيق درجه عالية من التوافق والانسجام مع اهداف المجتمع الدولي في منع الجريمة والحفاظ على المجتمع وتقويم المنحرفين لوقايته ,وتحقيق المصالح العليا للمجتمع الدولي ويعتبر القانون الجنائي الدولي ثمره تقارب الجوانب الدولية في القانون الجنائي الوطني والجوانب الجنائية في القانون الدولي. ومن جهه ثالثة فان الدول والافراد ملزمين باحترام قواعد القانون الانساني الدولي باعتباره افرازا لقيم ومبادئ اخلاقية تدعو في اطارها العام الى نبذ الحروب بين الدول والشعوب واذا ما قامت الحرب فان ثمه اعتبارات ذات طابع انساني يجب اعمالها. واستنادا لهذا الجوانب الثلاثه (القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي والقانون الانساني الدولي)فان الامر يتطلب تحديد المعايير الدوليه للحق محل الحماية وذلك بتبيان مفهوم كل معيار من هذه المعايير وتحديد نطاقه منه اجل الوصول الى الحد الذي يمكن معه القول بانه تم احداث خرق بهذا الحق وذلك من عدمه. وهو سنتولى تبيانه من خلال النقاط الثلاث الآتية: اولآ:- في القانون الدولي لحقوق الانسان ثانيا :- في القانون الجنائي الدولي ثالثا :-في القانون الانساني الدولي
اولآ : القانون الدولي لحقوق الانسان ذكرنا سابقآ ان القانون الدولي لحقوق الانسان يضفي حقوقا والتزامات على الدول والافراد, والغاية من ذلك هو حماية الانسان ذاتة من بطش وتعسف (السلطه) ولهذا السبب نجد ان القانون الدولي لحقوق الانسان يجرم افعال ابادة الجنس والتفرقه العنصريه والتعذيب والاسترقاق والسخرة والتميز العنصري وهذا ماسنبحثة في ماياتي :-
أ- تجريم ابادة الجنس لم يكن القانون الدولي قبل الموافقه على اتفاقية حظر ابادة الجنس والعقاب عليها لعام 1948 يحظر هذة الجريمة في اوقات السلم. اما جرائم ابادة الجنس التي ترتكب اثناء الحرب فتغطيها القواعد العامة المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية. وقد كان الغرض من اتفاقية حظر ابادة الجنس تفادي الالتجاء الى اهوال استاصال جماعات بشرية على نحو ما مافعلته الحكومة النازية اثناء الحرب العالمية الثانية. وتؤكد المادة الاولى من الاتفاقية على تجريم ابادة الجنس سواء جرى ارتكابها في زمن السلم اوفي زمن الحرب وذلك بموجب القانون الدولي، وتتعهد الدول التي تنضم الى الاتفاقية بمنع هذه الجريمة وتقرير العقوبات المناسبه لمرتكبيها. وعرفت المادة الثانية من الاتفاقية المقصود بابادة الجنس بانها (تتضمن اي من الافعال الاتيه وبغية القظاء كليا وجزئيا على جماعة وطنية وعرقية وعنصرية ودينية مثل : 1-قتل افراد الجماعه 2- التسبب في اضرار جسيمه بدنيه وعقليه لافراد الجماعة 3- التسبب في الحاق الضرربظروف حياةالجماعة من شانه الضرر الجسماني لكل الجماعه وبعضها 4- فرض تدابير بهدف منع المواليد بين افراد الجماعه. 5 – تحويل ونقل اطفال افراد الجماعة الى جماعة اخرى ويلاحظ على هذة الصياغة انها تركز على التدمير الفعلي والتدمير الجسماني لجماعة وافرادها. اكثر من مجرد التدابير التي تهدف الى تعديل والتاثير في احوالها الاقتصاديه والثقافيه ومايطلق عليه احيانا القضاء على هويه الجماعة وثقافتها. وتنشاء الصعوبات الرئيسه عند محاولة تقرير عناصر الصفة القومية والعرقيه والعنصريه والدينيه التي تميز الجماعه. وهذه العناصر من الصعب ايضاح معناها في القانون الدولي , لانه من الصعب احيانا ان ينسب الافراد الى جماعة عنصرية وعرقية معينة ولذلك فان التحديد في هذه الحاله حكميا اكثر منه فعليا. وتنص الماده الرابعة من الاتفاقية على ان توقع على الذين يرتكبون اباده الجنس واي اعمال اخرى المنصوص عليها في الماده الثالثة العقوبة سواء اكان هؤلاء من الحكام المسؤوليين دستوريا ومن الموظفين العموميين ومن عامه الافراد. وتنص الماده الخامسه على تعهد الاطراف المنضمه للاتفاقيه بسن التشريعات الضروريه لوضع نصوص الاتفاقيه هذه موضع التنفيذ وبصفة خاصه النص على العقوبات التي توقع على المذنبين بارتكاب ابادة الجنس واية افعال اخرى المنصوص عليها بالمادة الثالثة.
ب -تجريم التعذيب يعد اللجوء الى التعذيب ظاهرة قديمه ولاتزال تمارس على نطاق واسع حتى اليوم، وكان التعذيب مسموحا به في كثير من الحكومات حتى القرن التاسع عشر، باعتباره وسيله رسميه للاستجواب للحصول على معلومات واعترافات. ولكن الاعترافات تحت ضغط الاكراه. لم تكن تؤدي الى نتائج يمكن الاستناد اليها في الاثبات. ونظرا لأن التعذيب يعد امرا مخالفا للحقوق الاساسيه للانسان وانه امتهان للكرامه الانسانيه بدنيا ومعنويا، لذلك لجأت الدول الى تجريمه بالتدريج. ومع ذلك يظل التعذيب احد المشاكل التي تضغط بشده على حقوق الانسان في الوقت الحاضر ومن جهة اخرى يلاحظ ان الكثير من وثائق الامم المتحده ومختلف المنظمات غير الحكومية وبصفه خاصه منظمة العفو الدوليه تقرر بانه رغم نفي بعض الحكومات ممارسات التعذيب، الاانه يمارس في الواقع بصوره متكرره. وعندما صدر الاعلان العالمي لحقوق الانسان من الجمعيه العامه للامم المتحده عام 1948 نصت الماده الخامسه منه على حظر التعذيب والمعامله والعقوبه القاسيه والوحشيه والحاطه بالكرامه، كما نصت الماده السابعه من الميثاق الدولي للحقوق المدنيه والسياسيه لسنة 1966 على حظر اخضاع اي فرد دون رضائه الحر للتجارب الطبيه اوالعلميه. كما تنص الماده الثالثه المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 على حظر الاعتداء على الحياة والسلامه البدنيه وبخاصة القتل بجميع اشكاله والتشويه والمعامله القاسيه والتعذيب، والاعتداء على الكرامه الشخصيه وعلى الاخص المعامله المهينه والحاطة بالكرامه. وفي الاتجاه ذاته سار كل من الاعلان الامريكي لحقوق الانسان (الماده 5) والميثاق الافريقي لحقوق الانسان (الماده 5)، والاتفاقيه الاوربيه لحقوق الانسان (الماده 3) والاتفاقيه الاوربيه لمنع التعذيب والمعامله والعقوبه غير الانسانيه والمهينه لعام 1987. وتجدر الاشاره ان الجمعيه العامه للامم المتحده اصدرت في عام 1975 اعلانا حول حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب والمعامله السيئة والعقوبه القاسيه واللانسانيه والحاطه بالكرامه. وقد عينت لجنه الامم المتحده لحقوق الانسان مقررا خاصا لمتابعة مسائل التعذيب وذلك في 23 يوليو سنه 1985 وخوله البحث عن / وتلقي المعلومات الموثوق بصحتها من الحكومات والوكالات المتخصصه والمنظمات غير الحكوميه وان يستجيب بصوره فعاله للمعلومات التي تتعلق بالتعذيب. وفي 10 ديسمبر 1984 وافقت الجمعيه العامه للامم المتحده على اتفاقية لمناهضة التعذيب ودخلت حيز التنفيذ في 26 يونيو سنة 1987.
ج - حظر التميز العنصري تعد جريمة التفرقه العنصرية والتمييز العنصري احدى الجرائم الدوليه الموجه ضد حقوق الانسان. وقد جاءت هذه الجريمه تدعيما للجهود الدوليه المبذوله في مجال احترام حقوق الانسان والعمل على تجريم انتهاكات هذه الحقوق. واذا ما تفحصنا هذه الجهود، فاننا سنجد ان القانون الدولي التقليدي كان يعتبر موضوع حقوق الانسان من المسائل الداخليه التي لايجوز اثارتها على المستوى الدولي. بيد ان هذا الموقف لم يكن طبيعيا لان الانسان مادام هو غاية كل تنظيم فان التطور الطبيعي كان يحتم امتداد اهتمامات النظام القانوني الدولي ليشمل الفرد بالرعايه والحمايه. وقد جاءت بداية هذه الانطلاقه قبل الحرب العالميه الاولى عندما تمكنت الدول الاوربيه الغربيه من ابرام مجموعة من المعاهدات لحماية الاقليات الدينيه والعنصريه واللغويه المتوطنين في بعض الدول وعلى الاخص في الدوله العثمانيه. ثم توالت الاهتمامات بهذا الموضوع بعد الحرب العالميه الثانيه وجاء ميثاق الامم المتحده متبنيا الدعوه على المستوى الاولي الى تدعيم احترام حقوق الانسان بصوره تجعل من حماية تلك الحقوق غاية ضمن الغايات المستهدفه التي تسعى الامم المتحده الى تحقيقها. وتجدر الاشاره الى ان هناك العديد من الاتفاقيات والاعلانات الدوليه التي صدرت لمحاربة هذه الجريمه وهي اثنتا عشر وثيقه لعل من اهمها: الاتفاقيه الدوليه للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري التي ابرمت عام 1960. والاتفاقيه الدوليه لقمع جريمة الفصل العنصري لعام 1923. وتتضمن الاتفاقيه الدوليه لازالة كافة اشكال التمييز العنصري الكثير من النصوص التي تحظر على الافراد الاشتراك في التمييز وهي تفرض بصوره مباشرة المسؤولية على (الدول) التي تصدق على الاتفاقيه باكثر مما تفرضه على الافراد بصفتهم الشخصيه. وقد بينت الماده الرابعه من الاتفاقية كافة اشكال الدعايه وبث الكراهيه العنصريه والحض على التمييز. وتنص الفقرة الثانيه من الماده الخامسه على تعهد الدول الاطراف في الاتفاقية بحظر وازالة كافة اشكال التمييز العنصري، وتضمنت حق كل فرد بدون تمييز بسبب الجنس واللون والاصل في المساواة امام القانون والتمتع بصفه خاصه بالحق في الامن الشخصي والحمايه من العنف اوالايذاء البدني سواء كان بفعل محققين حكومين واي فرد وجماعه وهيئة.
د - حظر جميع اشكال التمييز ضد المراة اكدت المواثيق والاعلانات الدوليه الخاصه بالمراه على تاكيد حقوق المراة وضرورة مساوتها مع الرجل. وهذا ماجرى التاكيد عليه في ديباجه ميثاق الامم المتحده الذي جاء فيه (ان شعوب الامم المتحده آلت على نفسها ان توكد من جديد ايمانها بالحقوق الاساسيه للانسان وبكرامه الفرد وقدرته وبما للرجال والنساء... من حقوق متساويه). وقد اكدت على هذا التوجه كل من المادتين الاولى والثامنه من الميثاق. اما الاعلان العالمي لحقوق الانسان فقد نص صراحة على المبدأ الاساسي في المساواة بين الجنسين بالنص على انه (جميع الناس يولدون احرارا ومتساويين في الكرامه والحقوق) ونصت الماده الثانيه (لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكوره في هذا الاعلان دونما تمييز من اي نوع). وفي ذات الاتجاه سار (الاعلان) الذي اصدرته الجمعيه العامه للامم المتحده في 7 تشرين الثاني من عام 1967 بشان القضاء على التمييز ضد المراة، بأعتباره بيانا رسميا دوليا للقضاء على سياسيه التمييز بين الجنسين. بالاضافه الى ماتقدم هناك العديد من المؤتمرات التي عقدت بهذا الشان، نذكر منها على سبيل المثال مؤتمر مكسيكو لعام 1975 وموتمر كوبن هاكن لعام 1985، وموتمر نيروبي لعام 1985، وموتمر بكين العالمي لعام 1995. وبالرجوع الى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة (CEDAW)، نجد انها تنص على تعريف التمييز ضد المراة في الجزء الاول منها، وفي الجزء الثاني على مسألة النمطية بين الجنسين، بمعنى تاثير الثقافات والتقاليد في تقيد تمتع النساء بالحقوق وضروة القضاء على التميز بين الجنسين ونبذ مفهوم التفوق لدى الجنس الاخر، كما خاطبت الاتفاقية الدوليه جميع اشكال الاتجار بالنساء واستغلالهن بالدعاره واكدت على الحق في التمتع بالمساواة التامه في الحياة السياسيه والعامة الى جانب حق النساء واطفالهن في التمتع بالجنسيه حيث لايجوز بقاء المراة والطفل بدون جنسيه. بالاضافه الى ماتقدم هناك المعاهدات الدوليه الخاصه بالمراة من اجل حمايتها والنهوض بواقعها ومساواتها بالرجل ومن هذه المعاهدات اتفاقية حقوق المراة السياسيه لعام 1952 واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة لعام 1981.
ثانياً: القانون الجنائي الدولي يهدف القانون الجنائي الدولي الى حماية شخص الانسان من الجرائم ذات الطابع الدولي، ولهذا فأن هذه الحماية تجد مصادرها في القواعد العرفية والقواعد التعاهدية. وقد نشأ القانون الجنائي الدولي في ظل قانون الحرب، حيث بدأ بوضع قواعد الرقابة على الحرب وتنظيم النزاعات المسلحة لهذا فأن مصادر التجريم في هذا القانون تستمد مباشرة من المعاهدات الدولية،حيث ان الارهاصات الاولى للقانون الجنائي الدولي كانت مع بداية تصور المجتمع الدولي تجريم صور الانتهاكات الجسيمة لعادات واعراف الحرب على الرغم من اتساع نطاق التجريم على المستوى الدولي ليشمل جرائم دولية اخرى (الارهاب الدولي، التعذيب، الاتجار غير المشروع بالمخدرات، الاتجار بالرقيق الابيض.... الخ). والواقع ان القانون الجنائي الدولي يعد حديث العهد نسبياً اذ ما قورن بالقانون الدولي الجنائي الداخلي، ففي اعقاب الحرب العالميةالثانية شكلت دول الحلفاء محكمتين دوليتين لمحاكمة كبار مجرمي الحرب من دول المحور هما (محكمة نورمبرغ ومحكمة طوكيو) واستخدمت المحكمة مصطلح جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة العدوان (الجرائم ضد السلام) لاول مرة. وعلى اثر الحرب التي اندلعت في يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي قام مجلس الامن بأنشاء المحكمة الجنائية الدولية المؤقتة لمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلاف، وهذا ماحدث ايضاً بشأن انشاء محكمة راوندا لمحاكة القادة الذين تسببو في مجازر جماعية ضد المواطنين الراونديين. الا ان اعلى مراحل تطور وتبلور القانون الجنائي الدولي قد ظهر الى الوجود بأعتماد نظام روما الاساسي الذي انشأ (المحكمة الجنائية الدولي عام 1998).حيث تعد هذه المحكمة احدث جهاز قضائي جنائي على المستوى الدولي من اجل التصدي بالعقاب لجرائم في منتهى الخطورة وموضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره. وهذه الجرائم هي جريمة (الابادة الجماعية المادة 6)و(الجرائم ضد الانسانية المدة 7)و(جرائم الحرب المادة 8)وجريمة العدوان.
ثالثاً: القانون الانساني الدولي يعرف القانون الانساني بأنه مجموعة قواعد القانون الدولي التي تستهدف في حالات النزاع المسلح حماية الاشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع، وفي اطار اوسع حماية الاعيان التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العدائية. ان الغاية العظمى للقانون الانساني الدولي هي حماية الانسان من ويلات الحرب وشرورها. اما فيما يتعلق بنشأة هذا القانون فتعود الى اراء الفلاسفة والاديان ودعاة الانسانية امثال السويسري (هنري دونان)الذي ارعبه ما شاهده عام1859 من الاف القتلى والجرحى في معركة (سولفرينو)، فدعى الى انشاء لجنة لاغاثة ضحايا النزاعات المسلحة اذ تمكن بعد ذلك من انشاء اللجنة الدولية للصليب الاحمر عام 1863، وبعد ذلك بعام وبدعوة من مجلس الاتحاد السويسري، عقد مؤتمر دبلوماسي، اقر اتفاقية عام 1863 وهذه الاتفاقية الاولى ذات الطابع العالمي لتحسين مصير العسكريين من الجرحى والمرضى في الميدان، ثم تتابعت بعد ذلك الاتفاقيات الدولية التي عدت حجر الزاوية للقانون الانساني الدولي الى ان توحدت بأتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكولين المكملين لها لسنة 1977. ويلاحظ ان مضمون القانون الانساني الدولي يختلف عن مضمون القانون الدولي لحقوق الانسان، في ان الاول يعني بصفة اساسية بحماية الفرد والاعيان المدنية من جارء العمليات العدائية العسكرية،في حين ان القانون الدولي لحقوق الانسان يعنى بصفة اساسية بالفرد بصفة عامة من جراء الاعتداء على الحقوق الاساسية التي له في مواحهة السلطة. وهكذا فأن ضمانات حقوق الانسان بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان تتركز اساسا ًلحماية الشخص من سلطة دولته اي انها علاقة بين الدولة ومواطنيها في زمن السلم، اما القانون الانساني الدولي فأنه علاقة مواطنين من دولة طرف في نزاع العسكري والقوات المسلحة للدولة الاخرى الطرف في هذا النزاع. واستنادا لما تقدم فأن اليات تنفيذ كلا القانونين تختلف عن الاخر فبينما تتركز تنفيذ اليات وتطبيق احكام القانون الانساني الدولي على اللجنة الدولية للصليب الاحمر والدولة الحامية التي لمندوبها حق التوجه لكل الاماكن التي يوجد فيها (اسرى الحرب) المدنيين المشمولين بالحماية، كما تقوم الدول نفسها بتطبيق احكام القانون الانساني الدولي في حالة انتهاك احكامه وتطبيق العقوبات المناسبة طبقاً لتشريعها الوطني، اما فيما يخص القانون الدولي لحقوق الانسان فأنه يخضع لرقابة عالمية تتمثل بالامم المتحدة واجهزتها المختصة، واكثر من ذلك يوجد توجه سياسي يصنف الدول الى دول تراعي حقوق الانسان، ودول اخرى لا تراعي حقوق الانسان بما قد يؤدي الى (التدخل الدولي)في شؤون هذه الدولة في سبيل ما يعرف بالدواعي الانسانية، وهذا الامر لا يقتصر على الامم المتحدة بل ان هناك المنظمات الاقليمية ولا سيما المجلس الاوروبي لحقوق الانسان، والاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان التي تتيح للفرد ان يتقدم بشكوى مباشرة من انتهاك حق من حقوقه الانسانية.
المبحث الثاني: قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ومدى موائمته مع المعايير الدولية لحقوق الانسان ((اوجه الالتقاء والاختلاف)) ان القاء نظرة متفحصة على قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 تكشف لنا عن العديد من أوجه الالتقاء والاختلاف في موضوع مدى تطابق هذا القانون مع المعايير الدولية التي اسلفنا الكلام عنها، ومن اجل التعرف على هذا الموضوع بشكل مبسط وسلس، فأننا سنقسم الى جانبين الاول حول اوجه الالتقاء والاتفاق مع المعايير الدولية، اما الجانب الآخر فسيكون حول جوانب الاختلاف.
اولا: اوجه التقاء قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 مع المعايير الدولية لحقوق الانسان يمكن القول ان هناك العديد من اوجه الالتقاء التي حاول المشرع العراقي التي حاول فيها مراعاة المعايير الدولية لحقوق الانسان عند وضعه للنصوص الجزائية في قانون العقوبات الاخرى، ومن خلال المصادقة على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بهذا الموضوع وهو ما سنوجز الكلام عنه فيما يلي:
أ- من حيث قانون العقوبات 1. تبنى المشرع العراقي مبدأ (شرعية الجرائم والعقوبات) ومبدأ (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص)، وهو وهو ما قررته المادة (1)من قانون العقوبات العراقي الحالي رقم(111) لسنة 1969 وتعديلاته، اذ نصت المادة على انه(لا عقاب على فعل وامتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه). ولا يجوز توقيع عقوبات وتدابير احترازية لم ينص عليها القانون) هذا وتجدر الاشارة الى ان هذا المبدأ ذا قيمة دستورية وردت في الدستور العراقي الحالي لعام 2005 المادة(19/ثانيا)قبل ان يكون ذا قيمة قانونية يتضمنها النص سالف الاشارة اليه.ومع هذا فان المشرع مطالب بتعديل صياغة هذه المادة لتصبح (...الا بقانون....) بدلا من(...الا بناءا على قانون).لان هناك فرق واضح بين الصياغتين. 2. نصت المادة (2) من قانون العقوبات العراقي الحالي على انه :يسري على الجرائم القانون النافذ في وقت ارتكابها ويرجع في تحديد وقت ارتكاب الجريمة الى الوقت الذي تمت فيه افعال تنفيذها دون النظر الى وقت تحقق نتيجتها، ويعد هذا المبدا من المبادئ المهمة في اي تشريع جزائي، لانه من غير المقبول ان يسال الشخص عن فعل لم يكن يعتبر جريمة قبل اتيانه... كما اكدت الفقرة الثانية من المادة نفسها على فكرة القانون الاصلح للمتهم بالنص على انه ((اذا صدر قانون واكثر بعد ارتكاب الجريمة وقبل ان يصبح الحكم صادر فيها نهائيا فيطبق القانون الاصلح للمتهم)). وهذا ما نصت عليه المادة 15/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 3. لم يخضع المشرع العراقي مسؤولية الاحداث للاحكام ذاتها التي تطبق على البالغين وانما افرد لها مواد تتضمن احكاماًُ خاصة بهذه الفئة تراعي فيها اعتبارات الاختلاف بينهم وبين البالغين ومدى تأثير على المسؤولية الجزائية ومداها. وهو ما تضمنته المواد (64-79) من قانون العقوبات العراقي الحالي هذا بالاضافة الى الاحكام المتممة التي تضمنها قانون الاحداث العراقي الحالي رقم (76 لسنة 1983) باعتبار نصوصه تمثل نصوصاً خاصة تقيد النص العام الوارد في قانون العقوبات. وهذا ما نصت عليه ايضا المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في 20 نوفمبر 1989. 4. الغى المشرع العراقي العقوبات الوحشية والتي تحط من الكرامة الانسانية كقطع صيوان الاذن والوشم في الوجه والعقوبات غير المالوفة دوليا كقطع اليد وقطع الرجل. كما الغى النصوص التي بالغت في اعتماد عقوبة الاعدام في جرائم كثيرة بعضها لا تستحقه مطلقاً هذه العقوبة الخطيرة كالاهانة والتهجم على رئيس الجمهورية ومن يقوم مقامه ومجلس قيادة الثورة وحزب البعث والمجلس الوطني والحكومة بموجب نص المادة (225) من قانون العقوبات النافذ التي تم تعليقها بعد 9/4/2003. 5.على الرغم من ان عقوبة الاعدام لازالت نافذة في التشريع الجزائي العراقي.ما اثير ويثار من جدل مستمر حول تعليقها والعمل بها الا ان المشرع الجزائي العراقي قد اعتمد انواع اخرى من العقوبات تنسجم مع ما معتمد ومعترف به من عقوبات في المعاهدات والاتفاقيات الدولية فهناك العقوبات الاصلية (السجن المؤبد، السجن المؤقت، الحبس الشديد، الحبس البسيط، الغرامة، الحجز في مدرسة الفتيان الجانحين، الحبس في مدرسة اصلاحية)، وهناك ايضاً العقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية كما اعتمد المشرع العراقي نظام الظروف المشددة للعقوبة والاعذار القانونية والظروف القضائية المخففة ونظام ايقاف تنفيذ العقوبة.
ب- من حيث الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها العراق هناك العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق وتتضمن هذه المعاهدات والاتفاقيات قيماً انسانية تهم المجتمع الدولي بأسره بوصفها قيماً علياً لايمكن اغفالها ومخالفتها،منها:- 1. ميثاق الامم المتحدة لعام 1945. 2. الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948. 3. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. 4. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هذا بالاضافة الى العديد من الاتفاقيات الاخرى التي صادق عليها العراق والتي لا مجال لذكرها في هذه الدراسة.
ثانياً: اوجه الاختلاف 1. لم يوقع العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 ويصادق عليها حتى الان مع العلم ان هناك العديد من الجرائم المرتكبة في حق الشعب العراقي على يد النظام الدكتاتوري الذي تولى الحكم للفترة من 1968-2003 هذا على الرغم من النصوص التجريمية لهذه الجريمة في قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 الذي صدر خلال تلك الحقبة ولحد الان بعد اجراء بعض التعديلات عليه. الواقع ان هذا الامر يعد وضعاً شاذاً وغير منطقي لا سيما بعد ان ورد النص في الدستور العراقي النافذ لعام 2005 بحظر التعذيب فينبغي على المشرع العراقي ان يستعجل في انهاء هذا الوضع الشاذ والغير مقبول فليس من السائغ ان ينص الدستور على مبدأ ويتمتع المشرع عن المصادقة على اتفاقية تسير في نفس الاتجاه والهدف. 2. على الرغم من انضمام العراق الى اتفاقية القضاء على جميع اشكال التميز ضد المرأة لعام 1979 والتي دخلت حيز النفاذ في 3/9/1981 الا ان هناك العديد من الانتقادات التي لا زالت توجه الى قانون العقوبات العراقي النافذ في هذا المجال ومن هذه الانتقادات :- أ. جريمة الزنا والقتل بدافع الشرف وتفاوت الحماية القانونية بين الرجل والمرأة (المادة 409-ع.ع) فمن الواضح ان هناك تفاوتاً صارخاً في الحماية القانونية بين الرجل والمرأة في هذه الجريمة. وفي معرض التعليق على هذا الموضوع يورد الاستاذ الدكتور منذر الفضل بأن قانون العقوبات العراقي وضع عقوبات قاسية جداً بحق المرأة وصلت الى حد ازهاق روحها من دون عقاب على الفاعل وبعقاب خفيف لا يتناسب مطلقاً مع الجريمة المرتكبة بحجة ان القتل وقع بباعث شريف وهو غسل العار لارتكاب المرأة الزنا،حيث منح القانون هذه الحماية للرجل دون المرأة فلا يجوز مثلاً للمرأة ان تتذرع بأن القتل الذي حصل منها لغسل العار بسبب ارتكاب الزوج جريمة الزنا في بيت الزوجية فأن ارتكبت هذه الجريمة عدت مرتكبة لجريمة القتل العمد !! بينما اذا ارتكبها الرجل (الزوج واحد المحارم) يعاقب بعقوب قد تصل الى 6شهور مع وقف التنفيذ للعقوبة !!!. ب. تأديب الزوج لزوجته المادة(41 من قانون العقوبات العراقي) تنص هذه المادة على انه (لاجريمة اذا وقع الفعل استعمالاً للحق 1- تأديب الزوج زوجته...) لقد اثار نص هذه المادة جدلاً واسعا في الاوساط القانونية والثقافية وخصوصاً تلك التي تعنى بحقوق المرأة، على اساس ان التأديب من الزوج لزوجة هو استعمال لحق مقرر قانوناً للزوج فقط دون الزوجة وله ان يضربها كجزء من التأديب ويهجرها كذلك، وهو ما يتنافى وحقوق الانسان والادمية والقيم الانسانية،فالضرب هو سوء معاملة ولا يجوز اللجوء الى هذه الوسيلة من أي طرف ولأي سبب كان باعتباره جريمة يستحق الجاني العقاب عليها. والواقع يكشف على نحو خطير الى ان هناك العديد من الانتهاكات والتعسف تجري ضد الزوجات تحت هذه المادة، الامر الذي يتطلب تدخلاً من جانب المشرع لمواجهته. 3. مازالت التحفظات التي ابداها العراق على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التميز ضد المرأة قائمة لحد الان وخصوصاً المواد (5،2) والمتعلقة بالغاء التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة والمادة المتعلقة بالغاء التمييز ضد المرأة (16) المتعلقة بقضايا الزواج والعلاقات العائلية، بالاضافة الى التحفظات التي اعرب عنها العراق ازاء المادة 9 من اتفاقية المرأة التي تكفل الحقوق المتساوية للنساء فيما يتعلق بالحصول على الجنسية ونقلها الى ابناءها.
المبحث الثالث: الاستنتاجات والتوصيات
وهكذا فقد خلصت هذه الدراسة الى ان القانون الدولي بفروعه المتعددة كالقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي والقانون الانساني الدولي قد احتوى عل عدة معايير دولية يجب مراعاة عند تنظيم حق من الحقوق المتصلة بالانسان بوصفها معايير تهدف الى حماية وصياغة قيم عليا تهم الانسان بوصفه انساناً على هذه المعمورة قبل أي اعتبار آخر. وفيما يتعلق بقانون العقوبات العراقي النافذ ومدى موائمته لتلك المعايير الدولية فقد وجد بأن هناك العديد من اوجه الالتقاء والاختلاف مع هذه المعايير.. فعلى الرغم من اوجه الالتقاء العديده بين المشرع الداخلي والمعايير الدوليه لحقوق الانسان في مسألة النص على بعض المبادى الاساسيه للقانون كمبدا الشرعية ومبدا شخصيه العقوبه ونظام العقوبات الإجرائية والتدابير الاحترازية الا ان هذا لايعد كافيا. اذ ان هناك العديد من العيوب والمثالب التي لازالت تعترض بعض القوانين الامر الذي يتطلب اجراء تدخل تشريعي يضع النص القانون المطلوب والغاء نص يتعارض مع المعايير الدوليه لحقوق الانسان، ان اجراء تعديل في النصوص المخالفه. و الواقع ان اوجه التقاء المشرع العراقي مع المعايير الدولية فيما يخص هذا الحق وذاك انما يعبر عن الادراك والاحساس بالاهمية والمسؤولية في ذات الوقت لأحترام هذا الحق وذاك مما يتصل بالانسان بوصفة قيمة عليا يهدف القانون الدولي الى حمايتها وضمان احترامها.وكلما التقى واتفق المشرع مع المعيار الدولي لحقوق الانسان كلما كان ذلك مهماً نحو ترسيخ قواعد قانونية تحدد حقوق ومصالح جديرة بالحماية الجنائية من الاعتناء عليها، في حين تعكس اوجه الاختلاف بين التشريع الجزائي والمعايير الدولية لحقوق الانسان (خروجاً غير مبرر) ادى ويؤدي ال اهدار حقوق ومصالح متعلقة بالانسان جديرة بالحماية الجنائية فهنا المشرع الجزائي يخرج من الدائرة التي يفترض ان يصدر تشريعاته على اساسها، واقصد بذلك (دائرة التنظيم) اي تنظيم الحق والحريه الى دائرة (التقيد غير المبرر) وهو ماوجدناه في بعص النصوص التي تضمنها قانون العقوبات العراقي. ان هذا الخروج من جانب المشرع من دائرة التنظيم الى دائرة التقيد غير المبرر في معالجه الحق والحرية ادى بالنتيجه الى اهداربعض الضمانات الدوليه للحق محل البحث، وليس ادل على ذلك من الانتهاكات الجسميه التي عانى منها الشعب العراقي في الحقبه الماضيه خصوصا في الفترة الممتدة من (1958 – 2003) وعلى الرغم من ان سقوط النظام الدكتاتوري السابق قد فتح صفحه جديده لتشريع قوانين مهمه تحمي الانسان وكرامته الا ان هناك تراخيا في اصدار هذه التشريعات لازال مستمرا. ومن هذه الاستنتاجات: 1- لم ينضم العراق الى اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، فالنص الدستوري الذي يحظر التعذيب في الدستور العراقي الحالي لعام 2005 يوجب على المشرع العراقي اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمه لتفعيل هذا النص، ومن ضمن هذه الاجراءات تاكيد احترام العراق لاتفاقيه مناهضه التعذيب اعلاه وتعديل النص القانوني الذي يجيز التعذيب وعلى الاقل يسمح بوقوعه وافلات مرتكبه من العقاب مما يودي بالتالي الى شرخ في الشعور بالعداله الجنائيه وتطبيقها. 2- يتضمن هذا البحث دعوه جاده للمشرع العراقي الى اعادة النظر في (التحفظات) التي اوردها العراق على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة لعام 1978. ففيما يتعلق بالجانب الجنائي والعقابي،يبدو واضحا مدى التفاوت في الحمايه القانونية بين الرجل الرجل والمراة في نطاق جريمه الزنا والقتل بدافع الشرف. وقد ادى هذا التفاوت في الحمايه القانونيه الى ارتكاب العديد من هذه الجرائم ضد نساء بريئات مما نسب اليهن من ارتكاب فعل شائن، فالاشتباه والكذب وطريقة اللبس والتعامل كانت رصاصات استقرت في اجساد امهات وفتيات بريئات فقدنا على اثرها حياتهن وشرفهن وشرف لاعائلة والابناء دون سبب حقيقي، هذا بالطبع اذا كانت القضيه قد وصلت الى المحاكم، ولكن ما بالك بجرائم قتل النساء لهذه الاسباب والتي لم تصل الى المحاكم واحيطت وتحاط كثير منها بسريه!!!. اما فيما يتعلق بمسألة تأديب الزوج لزوجته المنصوص عليها في المادة (41) من قانون العقوبات العراقي فيلاحظ انه قد اسيء استعمال هذا الحق في احيان كثيرة فأن كان القانون يجيز الضرب البسيط باليد على مناطق غير خطرة في جسد المرأة وغير مهينة لكرامتها، فإن الواقع العملي يشير الى غير ذلك في احوال كثيرة اذ يستعمل الضرب المبرح وعل مناطق خطرة وحساسة ومهينة لكرامة المرأة وانوثتها. ويرجح فريق البحث الى حد كبير بانه اذا ما اجري استبيان على عينة من النساء المتزوجات حول مسألة مدى المعاملة الزوجية وهل يتعرضن للضرب لكانت النتائج مثيرة للاهتمام وفي هذا الاتجاه يدعو الباحث المشرع العراقي الى اجراء مثل هكذا استبيان ليتأكد من حقيقة خطورة ذلك النص الذي يجيز للزوج تأديب زوجته. 3- لم ينضم العراق الى اتفاقية روما لعام 1998 المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية على الرغم مما تمثله من اهمية كبيرة باعتبارها آلية يتبناها القانون الدولي من اجل التجرم والعقاب على جرائم في غاية الخطورة وموضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره وهذه الجرائم (جريمة الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، كل ذلك من اجل الحد من افلات المجرمين من العقاب 4- لم ينص صراحة في قانو ن العقوبات العراقي النافذ على اعتماد المبادى الاساسيه (السبعه) التي استخلصتها لجنه القانون الدولي عام 1950 من الاحكام التي اصدرتها محمكة نورمبرغ، بموجب قرار الجمعيه العامه للامم المتحده رقم 177 / 1 لسنة 1947، الذي طلبت بموجبه من لجنه القانون الدولي التابعه لها بتققنين تلك المبادى واعداد مشروع خاص بالجرائم ضد السلام وامن البشرية، وهذه المبادى : اولا – مبدا الاعتراف بمسوؤلية الفرد جنائيا على الصعيد الدولي ثانيا – مبدا سمو القاعدة الدوليه الجنائية على القانون الوطني ثالثا – مبدا مسؤولية رئيس الدوله وكبار موظفي الحكومه عن الجرائم الدوليه. رابعا – مبدا سيادة الضمير على واجب الطاعه لاوامر الروساء خاسا – مبدا المحاكمه العادله سادسا – مبدا تعيين وتحديد الجرائم الدوليه سابعا – مبدا تجريم الاشتراك في ارتكاب الجرائم الدوليه هذا وتجدر الاشاره الى ان هذه المبادى جرى مراعاتها والنص عليها في اتفاقية روما للمحكمة الجنائية لعام 1998. لذا فان انظام العراق الى هذه الاتفاقية مستقبلا يعني الاقرار بهذا المبادى الاساسيه. 5- لم يتضمن قانون العقوبات العراقي النافذ نصا يقرر بانه لاتوجد حصانة قانونية وحصانه قضائية للاشخاص عند ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي سواء كان ذلك من خلال اصدار قرارات عفو وتدخل السلطات التنفيذيه وقانون التقادم وتقييد الولايه القضائية 6- عقوبه الاعدام: تضمن قانون العقوبات العراقي 111لسنة1966 نصوصا عديدا تعاقب بالاعدام، ولكن تم تعليق هذه العقوبه بموجب امر سلطة الاتلاف المؤقت ذي رقم (1/3) في 10 يونيو ,حزيران 2003. لكن بعد انتقال السيادة في حزيران 2004 كان هناك قرار من هيئة الرئاسة في 3/8/2004 باعادة العمل بعقوبة الاعدام. وجرى تطبيقها فعلا على بعض القضايا التي عرضة على القضاء العراقي. وتجدر الاشاره الى ان منظة العفو الدولي ابدت معارضتها على عقوبة الاعدام التي تعتبرها انتهاك للحق في الحياة واقسى شكل من اشكال العقوبة وحثت المنظمة الحكومة العراقية على عدم اعادة عقوبة الاعدام وعلى الغائها بشكل. وفي تقديرنا انه من المهم ابقاء عقوبة الاعدام ولكن على تلك الجرائم الخطيرة التي تستهدف انتهاك حق الانسان في الحياة والاعتداء الجسمي على شرفه كالاغتصاب والاختطاف وبعض الجرائم الخطيرة ذات طبيعه المماثلة. 7- لم ينص صراحة على تجريم ومعاقبه كافه صور الافعال التي تستهدف المساس بحرمة الحياة الخاصة نتيجة افكار وقناعات اديولوجيات تلغي حقوق لاخرين في الحياة الخاصة وفي حرية الراي والتعبير والاعتقاد والضمير...الخ وهي مبادى دستورية جرى النص عليها صراحة في الدستور العراقي النافذ لعام 2005 من ثم من واجب المشرع العراقي وضع النصوص القانونية المناسبة المواجة تلك الانتهاكات الخطيرة.
التوصيات: 1- تعديل نص المادة(1) من قانون العقوبات العراقي النافذ لتصبح: (لا عقاب على فعل وامتناع الا بقانون ينص على تجريمه...). 2- اعادة النظر بنص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي النافذ والغاء حق الزوج في ضرب زوجته. 3- تعديل المادة 64 من قانون العقوبات العراقي النافذ لتصبح: (لا تقام الدعوى الجزائية على من لم يكن وقت ارتكاب الجريمة قد اتم التاسعة من عمره. والنص ايضا على انه:(يعتبرحدثا من كان وقت ارتكاب الجريمة قد اتم التاسعة ولم يتم الثامنة عشر من عمره). 4- اعادة النظر في عقوبة الاعدام والاقتصار على الجرائم الخطرة.ويتم تحديد هذه الجرائم من قبل لجان متخصصة.مع الغاء بعض النصوص التي تعاقب على الاعدام والتي لا داعي لابقاءها في القانون. 5- تعديل نص المادة 333 من قانون العقوبات العراقي النافذ لتصبح: (يعاقب بالسجن وبالحبس كل موظف ومكلف بخدمة عامة امر بتعذيب متهم وشاهد لحمله على الاعتراف بجريمة والادلاء باقوال ومعلومات بشانها وكتمان امر من الامور لاي سبب كان وتحت اي ظرف). 6- تعديل نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي النافذ اما بالغاء العذر المخفف وابقاء النص ليشمل الطرف الاخرايضا من دون تمييز. 7- من المهم جدا انضمام العراق الى اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية من خلال التصديق عليها. 8- ضرورة مصادقة العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام1984 لانها تمثل معيارا دوليا مهما لضمان حقوق الانسان. 9- بناءا على المعيار الدولي والنص الدستوري (المادة 37/ثالثا) من الدستور العراقي النافذ توصي هذه الدراسة بتعديل نص المادة 325 من قانون العقوبات العراقي لتصبح :(يعاقب بالحبس كل موظف ومكلف بخدمة عامة استخدم اشخاصا سخرة). 10- النص صراحة في قانون العقوبات العراقي النافذ على اعتماد المبادى الاساسيه (السبعه) التي استخلصتها لجنه القانون الدولي عام 1950 من الاحكام التي اصدرتها محمكة نورمبرغ، بموجب قرار الجمعيه العامه للامم المتحده رقم 177 / 1 لسنة 1947، الذي طلبت بموجبه من لجنه القانون الدولي التابعه لها بتققنين تلك المبادى واعداد مشروع خاص بالجرائم ضد السلام وامن البشرية، وهذه المبادى : اولا – مبدا الاعتراف بمسوؤلية الفرد جنائيا على الصعيد الدولي ثانيا – مبدا سمو القاعدة الدوليه الجنائية على القانون الوطني ثالثا – مبدا مسؤولية رئيس الدوله وكبار موظفي الحكومه عن الجرائم الدوليه. رابعا – مبدا سيادة الضمير على واجب الطاعه لاوامر الروساء خاسا – مبدا المحاكمه العادله سادسا – مبدا تعيين وتحديد الجرائم الدوليه سابعا – مبدا تجريم الاشتراك في ارتكاب الجرائم الدوليه هذا وتجدر الاشاره الى ان هذه المبادى جرى مراعاتها والنص عليها في اتفاقية روما للمحكمة الجنائية لعام 1998. لذا فان انظام العراق الى هذه الاتفاقية مستقبلا يعني الاقرار بهذا المبادى الاساسيه. 11- من المهم ان يتضمن قانون العقوبات العراقي النافذ نصا يقرر بانه:(لاتوجد حصانة قانونية وحصانه قضائية للاشخاص عند ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي سواء كان ذلك من خلال اصدار قرارات عفو وتدخل السلطات التنفيذيه وقانون التقادم وتقييد الولايه القضائية).
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |