|
بحوث معايير التقييم .... الخطأ والصواب ... الحسن والقبح (الخطأ كنموذج) فارس حامد عبد الكريم ماجستير قانون / بغداد مقدمـة :ـ الانسان كائن فذ ومتميز ويتمتع عموما بقدرة ذهنية تجريدية ونظرة مستقبلية وقابلية ومرونة عقلية تمكنه من اتخاذ مواقف اَنية في مواجهة ظروف او وقائع لم تكن في الحسبان ، فضلا عن انه قادرعلى خلق وابداع افكار جديدة دائما لتلبية حاجاته وحل مشاكله ، كما انه يتمكن في الغالب من تمييز الخطأ والصواب والحسن والقبح بعقله اوحدسه او تجربته على اضعف الايمان ، الا انه قد يستخدم هذه القابليات استخداما سلبيا عندما تتعارض مصالحه مع مصالح غيره فيقع في الخطأ واللامشروعية ، سواء اكان ذلك وهو يمارس حقا من حقوقه او حين يتجاوز حدود حقه الى حدود حق غيره ، ذلك ان سلوكيات سلبية مثل الخطأ والاهمال والرعونة وعدم التبصر والكسب غير المشروع .... عندما تبرز للعالم الخارجي وتؤثر فيه تكون سببا للنيل من القيم الاجتماعية وعاملا من عوامل انعدام الثقة والائتمان بين افراد المجتمع الواحد ، انها المشكلة الازلية ، الصراع بين الخيـر والشـر ، ومعايير التقويم او التقييم احدى الابتكارات الانسانية للفصل بينهما . ومعيار كل شيء ومقياسه هو الذي يعرف به الشيء معرفة مزيلة للبس والابهام ، ولكل علم غايته ومعياره ، فغاية علم المنطق التفكير السليم ومعياره الحق والصواب ، وغاية علم الجمال تربية الشعور على تذوق الجمال وتمثله ومعياره الذوق السليم ، وغاية علم الاخلاق ضبط سلوك الانسان ومعياره العدالة والخير والفضيلة ، وغاية القانون تحقيق العدل وضبط سلوك الافراد وربط ذلك بأمن واستقرار ومصلحة الجماعة ومعياره القاعدة القانونية سواء كانت وضعية او عرفية وايا كان مصدرها التشريع او المباديء العامة للقانون او القانون الطبيعي او قواعد العدالة او احكام القضاء او اراء الفقهاء وحسب طبيعة فرع القانون من حيث المرونة او الجمود. ويعرف المعيار بأعتباره اداة لتقويم السلوك الفردي بصفة عامة ، بانه مجموعة القواعد التي يضعها المجتمع ايا كان مصدرها ويتحدد في ضوئها السلوك الذي يتوقعه المجتمع من افراده في المواقف المختلفة . وتعـد معاييـر التقويـم او التقييـم من المسائل الجوهرية التي اعتنى بها الفلاسفة والحكماء على مر التاريخ ولاعجب فهي اسس علمية لتحديد ماهو عادل او ظالم ، او ماهو حسن او قبيح ، او ماهو خطأ او صواب ، سواء في المجال الاخلاقي او الديني او القانوني او القضائي ، وكان لها عند التطبيق العملي اثر بالغ على نهضة الشعوب وفي رسم صورة مستقبلها على اسس علمية راسخة ، اما في العراق فأن الموضوع لايكاد يذكر بل ان صورته باهتة وغامضة سواء على الصعيد الرسمي او الثقافي او العملي وترتب على ذلك ان التقييم يقوم في الغالب على اساس التصور الشخصي لما يجب ان تكون عليه احوال الاشخاص او الاشياء وهذا الاساس ذو طبيعة مدمرة في النهاية على مصير العلم والمعرفة وشخوصهما والحق واصحابه ومصير العدالة في المجتمع عموما ، وعلى سبيل المثال لاتوجد لدينا معايير محددة وموضوعة سلفا للتقييم العلمي في العملية التربوية سوى المدرس او الاستاذ شخصيا ونتج عن ذلك مايعرف بالاستاذ الصعب والاستاذ المتساهل ومن ثم يتراوح معدل الدرجات هبوطا اوصعودا في شعبتين من قسم علمي واحد لاختلاف الاساتذة ، كما تلعب عوامل الواسطة والنفوذ والسياسة والوضع الاقتصادي دورها في هذا النوع من المعايير الشخصية البحتة ، ولهذا لجأت الدول المتحضرة بعد دراسة تجارب انسانية متنوعة وعوامل النجاح والفشل الى معايير موضوعية ثابتة تتحمل شيئا من المرونة وهذه تسرى على كل من يتواجد في اقليم الدولة وفي كل مجالات النشاط الانساني ولاتتأثر المعايير بالعوامل والظروف الشخصية البحتة ولابأشخاص القائمين على التقييم او مزاجهم او وضعهم النفسي ، واذا استخدمنا المثال السابق مرة اخرى فأن وضع الاسئلة الامتحانية يكون عن طريق الاجابة بعلامة صح او خطأ او ملء الفراغات مع حيز لاسئلة ذات طابع فكري وضعت اجاباتها سلفا اكثر مما تعتمد على مجرد الحفظ وان كان هذا لايترك بالمرة ، وحسب علمنا ان هذه التجربة نجحت تماما في العديد من الدول ومنها اليابان ومن ثم استفادت منها العديد من الولايات الامريكية والدول الاوربية . وذكرنا للمعايير المتقدمة كان على سبيل المثال ليس الا . ان معايير مثل الاخلاق العامة والعدل الطبيعي والوضعي والضمير الانساني والعقـل البشري والذوق العام السليم هي مثل عليا من حيث المضمون ايضا ، وهي مصادر اولية للمعايير القانونية فهي تضع قواعد مثالية لما ينبغي ان يكون عليه سلوك الانسان في حياته الخاصة وعلاقاته الخاصة والعامة ، الا ان هذه المعايير الاخلاقية وهي تدخل رحاب القانون يمسها تعديل او تحوير ، لأن وضع القانون يتأثر بمبدأ مهم هو امن العلاقات القانونية واستقرارها .
1ـ نسبية المفاهيم ومعياريتها :ـ الخطأ والصواب والحسن والقبح ، مفاهيم نسبية ومعيارية ، فهي نسبية لان مضمونها يتأثر بعوامل الزمان والمكان ، فما يعتبر خطأ في مجتمع معين قد لايعتبر كذلك في مجتمعات اخرى ، فالزيارة بلاموعد سابق تعتبر في المجتمعات المتحضرة خطأ كبيرا ، بينما لاتعتبر كذلك في مجتمعات اخرى ، وكذلك يعتبر التهرب الضريبي جريمة تمس الشرف في بعض المجتمعات تثير غضب الناس على مرتكبها وتحثهم على ابلاغ السلطات ولو تعلق الامر بقريب او صديق ، بينما يتفنن ابناء مجتمعات اخرى في وسائل التهرب الضريبي وتعتبر نوعا من الشطارة ، وكذلك الامر بالنسبة للعلاقة بين الجنسين والعلاقات المهنية والالتزام بحدود الواجب ومسائل الاغاثة والمعونة . ومن الناحية الزمانية ، فمايعتبر خطأ في زمان معين قد لايعتبر كذلك في ازمنة لاحقة ، فقد كان معيار الحشمة بالنسبة للمرأة العراقية في اواخر القرن التاسع عشر وحتى اوائل القرن العشرين ان ترتدي عباءتين وتضع نقابا على الوجه بينما من ترتدي العباءة من دون نقاب تكون محل تجريح ، وفي وقت لاحق تغير معيار التقييم ليصبح بين المرأة التي ترتدي عباءة واحدة ولو بدون نقاب والاخرى المنتقدة وهي ( السفور ) ولو كانت محتشمة ، ثم تغير لاحقا لتصبح (السفور) هي الافضل بالمقارنة بمن ترتدي البنطال الذي اصبح مقبولا ايضا قياسا بالملابس الفاضحة التي تكشف اجزاء واسعة من جسم المرأة ، وهكذا تتغير المفاهيم لانها نسبية من حيث المكان والزمان . كما ان الخطأ مفهوم معياري ، اي انه يحدد بالقياس الى معيار (نموذج) والغالب انه معيار موضوعي بالنسبة للقوانين الوضعية الحديثة بعد ان تخلت نوعا ما عن فكرة المعايير الذاتية الشخصية . والمعيار نموذج يهتدي به القاضي او المحكم او رجل الادارة او اي شخص وهو بصدد الحكم على سلوك معين بالصواب او بالخطأ او بصدد تقييمه لواقعة معينة اوشيء من الاشياء المادية او المعنوية بالحسن او القبح كمنتوج صناعي او قصيدة او لوحة او نظام سياسي او تربوي وغير ذلك .
2ـ تعريف الخطأ التقصيري من الوجهة القانونية :ـ الخطأ التقصيري هو اخلال بالتزام قانوني سابق . وتضيف بعض القوانين الى التعريف عنصر الادارك والتمييز ، الا ان اغلب القوانين الحديثة التي هجرت فكرة المعايير الذاتية تعتبر الادارك والتمييز من العوامل الداخلية التي لايعتد بها ، ومن ثم تعتد بالعنصر المادي للخطأ وحده وهو عنصر الاخلال أوالتعدي . ان هذا الالتزام القانوني السابق هو الالتزام باحترام حقوق الكافة وعدم الاضرار بهم وهو التزام ببذل عناية ، والعناية المطلوبة هي اتخذ الحيطة والتحلي باليقظة والتبصر في السلوك لتحاشي الاضرار بالغير . ويراد بالتعدي تجاوز الحدود التي يجب على الشخص الالتزام بها في سلوكه ، فهو انحراف في السلوك سواء كان متعمدا او غير متعمد . ويكون الانحراف متعمدا اذا اقترن بقصد الاضرار بالغير ، اما الانحراف غير المتعمد فهو ما يصدر عن اهمال اوتقصير . و يستعان للتمييز بين الخطأ والصواب (السلوك المعتاد) بمعايير محددة .
3ـ انواع وطبيعة المعايير القانونية :ـ المعيار القانوني قد يكون معيارا ذاتيا (شخصيا) او معيارا موضوعيا ، ويختلف كل منهما من حيث الطبيعة والمقومات والمصدر ، وهناك معايير اخرى اقل نطاقا من حيث الاستخدام ضمن النظام القانوني . اولا ـ المعيـار الذاتـي :ـ يقصد بالمعيار الذاتي كل مقياس او موجه للحكم والتقييم يتمتع بمرونة مراعاة الظروف الشخصية والخارجية التي رافقت ارتكاب الخطأ وكذلك مراعاة القابليات الذاتية لمرتكب الخطأ بحيث يصل من خلاله الى الحكم والتقييم العادل والمناسب لملابسات الواقعة محل الحكم او التقييم. ومصدر المعيار الذاتي هو المسؤولية الاخلاقية ، فالانحراف عن مستوى المعيار الذاتي يمثل اعتداءا على قواعد الاخلاق ، اي اخلال الفرد بواجبه الاخلاقي تجاه مجتمعه ، يصدر عن شخص يدرك مايفعله وله حرية الاختيار بين الخير والشر. وخلاصة المعيار الذاتي انه يعتمد بصفة جوهرية على صفات الشخص من حيث مستوى الذكاء والفطنة او انحطاط مستوى التفكير والسذاجة ومستوى الثقافة والتحضر واللياقة البدنية من حيث السن والصحة او المرض او العجز او المكانة الاجتماعية ومثل هذا المعيار يستلزم تقصيا ذاتيا ينفذ الى دخائل ونوايا الشخص المراد تقويم سلوكه والبحث في نفسيته وضميره واستدلالا على مادار في ذهنه او ما أنتاب ضميره عند اقدامه على التصرف القولي او الفعلي محل التقويم لاثبات انه قصد احداث الضرر او على الاقل توقع حدوثه بحكم ظروفه الذاتية ولايكفي امكان التوقع لان امكان التوقع معيار موضوعي مجرد يتنافى مع فكرة الخطأ الاخلاقي كفكرة ذاتية . والمعيار الذاتي اذ يستند على العناصر الذاتية التي تحكم سلوك الشخص فضلا عن العناصر الخارجية التي تؤثر في السلوك انما يهدف الوصول الى الحقيقة الذاتية للسلوك محل التقويم لا الحقيقة الاجتماعية ، وهذا يعني ان مفهوم الخطأ ينظر اليه من زاوية الفاعل ، فان كان على درجة كبيرة من اليقظة وحسن التدبير فأن اقل انحراف في سلوكه يعتبر تعديا واذا كان دون المستوى العادي من الفطنة والذكاء فلا يكون متعديا الا اذا كان الانحراف في سلوكه انحرافا بارزا . نقد المعيار الذاتي :ـ يقوم النظام القانوني بصفة اساسية على مبدأين اولهما تحقيق العدل في المجتمع وثانيهما مبدأ استقرار المجتمع والمعاملات ، ويتم تغليب احد المبدأين على الاخر بحسب المصلحة العامة او الخاصة المراد حمايتها ،ومن امثلة تغليب مبدأ استقرار المعاملات على مبدأ العدالة نظام تقادم الدعاوى المتعلقة بالحقوق او الديون خلال فترة زمنية معينة . ويرى بعض فقهاء القانون ، ان المعيار الذاتي على هذا النحو لاشك في عدالته ، فهو يأخذ كل شخص بجريرته ويقيس مسؤوليته بمعيار فطنته وذكائه وضميره هو دليله ووازعه وهو يتفق مع مبدأ سلطان الارادة حيث يمثل الارادة الحقيقية للشخص محل الاعتبار كما انه يتفق مع فكرة العدالة الخاصة . ومع ذلك فأن هذا المعيار يتعارض مع مبدأ استقرار المعاملات اذ يؤدي الى اضطراب الحياة القانونية فهو معيار متغير من حالة لاخرى مما يجعل من امر التكهن بسلامة الفعل والتعامل سلفا امرا صعبا لعدم وجود مستوى معياري ثابت يمكن للافراد الالتزام به مقدما حتى يتجنبوا الوقوع في الخطأ لان مفهومه سيتحدد لاحقا للفعل وبامر مستقبلي هو حكم القاضي او المحكم او رجل الادارة ومستوى تقديرهما للأمور. فضلا عن انه يغلب الارادة الباطنة على الارادة الظاهرة مما يعني التضحية بمصلحة الاستقرار في المجتمع تغليبا لمصلحة شخص معين ، ولذلك كان نطاق المعيار الذاتي محدودا في القوانين المعاصرة . ثانيا ـ المعيـار الموضوعـي :ـ ان ربط تقييم السلوك القانوني ـ الخطا القانوني ـ بالقاعدة الاخلاقية لم يلق قبولا من الفقه القانوني والقضاء المعاصرين , وشككوا في ملائمة المعيار الذاتي ـ ذو الاساس الاخلاقي ـ للحياة الاجتماعية المعاصرة بتطوراتها الراهنة والمستقبلية والتي جلبت اخطارا واخطاءا لم تكن مألوفة في المجتمعات الزراعية البسيطة مهد الفكر الاخلاقية ومعيارها الذاتي ، وذهبوا الى القول بأن الخطأ ليس سوى فكرة اجتماعية وهذه تعتد بالارادة الظاهرة لا الارادة الباطنة من حيث كون الفعل مألوف او غير مألوف من وجهة النظر الاجتماعية هذه لتقدير مدى مشروعيته . ان من شأن الاخذ بالمعيار الموضوعي الفصل تماما بين الخطأ القانوني والخطأ الاخلاقي ، فالسلوك يعد خطأ قانونيا ولو لم يكن السلوك ملوما من الناحية الاخلاقية متى ماكان ذلك السلوك يعد خطرا او ضارا من وجهة النظر الاجتماعية ، فالسلوك الخاطيء تبعا لهذه الوجهة هو فعل او ترك يغاير ما كان يجب ان يتم بالنظر الى الشعور الاجتماعي العام الوسط . وفي ضوء فكرة المعيار الموضوعي لايتحمل الفرد عبأ نقائص وعيوب الأخرين الاخلاقية ، ذلك ان من حق الفرد وهو يعيش في مجتمع متحضر منظم ان يتوقع ان الاخرين يلتزمون الحيطة والحذر في سلوكهم تجاهه وانهم لن يلحقوا به الضرر عمدا او اهمالا ، ومن حقه ان لايقلق بشأن اخلاقيات الاخرين ونواياهم الا بالقدر المعقول الذي لاينغص عليه حياته ومن حقه كذلك ان يعتقد ان حسن النية هو الاصل وان سوء النية هو الطاريء . وفي هذا الصدد يقول الفقيه روسكو باوند ، ان الشخص البدائي الذي يقصد الاضرار بالغير يتحرك في الخفاء ويتجنب السير في وضح النهار ويتمنطق دائما بالسلاح ، اما الشخص المتحضر فأنه يتنقل بين زملائه بحرية وبدون سلاح ويقوم باداء وظيفته بانتظام لانه يفترض انه لن يتعرض الى اعتداء شخص اخر. فالمسؤولية الخطأية وفقا للمعيار الموضوعي تتحقق ولو كان الفاعل صبيا غير مميز او مميز ، او شيخا كبير السن عاجزا او مهملا حتى في شؤونه الخاصة او كان أميا او ضعيف البصر لا يتمكن من قراءة التعليمات فأرتكب الخطأ بسبب ذلك اوكان ساذجا او بليدا بطيء الانفعال او سريع التأثر او الانفعال او كان حادا بطبعه ولايتصرف في الظروف الطبيعية او الطارئة وفقا للمعيار الذي يتصرف بموجبه الرجل المعتاد في مثل هذه الظروف ومن ثم لايكون للمدعى عليه الدفع بظروفه الشخصية،ولاتأخذ بنظر الاعتبار صفاته الخلقية والنفسية الخاصة ، فمن وجهة نظر المعيار الموضوعي فان القانون لايأخذ بنظر الاعتبار ممارسة الارادة ممارسة خاطئة بل الخطـر الذي يلحق بالمجتمع وامنه واستقراره من جراء تلك الممارسة ، وعلى الفرد ان يلائم سلوكه وتصرفاته مع مقتضيات هذا المعيار والا فهو يتحمل مسؤولية النتائج الضارة التي تترتب على سلوكه وان لم يشب ذلك السلوك اية عيوب من الناحية الخلقية . ويقصد بالمعاييرالموضوعية من وجهة النظر التشريعية ان المشرع يقوم بوضع مقاييس عامة ومؤكدة وقائمة على التجربة المستمدة من الملاحظة العامة و المجردة للسلوك الأنساني المتوسط وبغض النظر عن الظروف الشخصية مع الاعتداد بالظروف الخارجية التي احاطت بالسلوك محل التقييم . والانحراف عن مستوى المعايير الموضوعي يتمثل في انحراف في السلوك عن مستوى السلوك الاجتماعي المالوف المتوسط المتخذ كنمط نموذجي في مجال معين ولغرض معين ولو لم يشكل هذا السلوك المنحرف في حد ذاتة انحرافا ملوما من الناحية الاخلاقية . وتهيمن فكرة المعيار الموضوعي في الوقت الحاضر تشريعا وفقها وقضاء على قواعد المسؤولية المدنية ويغطي معظم المجالات التي تتناولها الاانه لايحل محل المعيار الذاتي او يزيحة بالمرة ، كما ويغطي المعيار الذاتي والمعيارالموضوعي اجزاءا من قواعد المسؤولية الجزائية.
مقومات المعيار الموضوعي :ـ اقترح فقهاء القانون نماذج متعددة لمقومات وعناصر المعيار الموضوعي ، وقد اتخذ بعضها معيار الرجل شديد الحرص واقترح اخرون معيار الرجل الحصيف ، الا ان المشرعين ورجال الفقه والقضاء تبنوا في نهاية الامر معيار الرجل المعتاد متوسط الصفات كمعيار اساسي لتقويم السلوك الاجتماعي ، بينما تعتمد معايير اكثر تشددا في المجالات العلمية والمهنية ذات الطبيعة الخاصة كالطب والهندسة والمحاماة وغيرها ، اذ غالبا ما تعتمد القوانين المقارنة معيار الرجل الحريص فوق المتوسط من حيث الصفات بالنسبة للمهن التي يتطلب القيام بها عناية خاصة . ويحدد انصار هذا الاتجاه مقومات المعيار الموضوعي في ضبط الانحراف على اساس :ـ ( سلوك شخص معتاد مجرد محاط بنفس ظروف الفاعل الخارجية دون اكتراث بشخص من وقع منه الفعل الضار ) . ويراد بالشخص المعتاد ، شخص من نفس طائفة الشخص محل تقييم سلوكه (الفاعل) ، متوسط في جميع الصفات ، لاهو بالشخص خارق الذكاء بحيث يرتفع الى القمة ولاهو محدود الذكاء خامل الهمة فينزل الى الحضيض . ويراد بالمجرد ، ان لاتدخل الظروف الشخصية في اعتبار التقييم ، ولكن يفترض احاطته بنفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالفاعل وقت ارتكاب الفعل ، ويقصد بالظروف الخارجية ظروف الزمان والمكان المحيطة بالشخص والتي يمكن ان تؤثر على ادائه وسلوكه سلبا او ايجابا . وهذه متنوعة كظرف العمل في النهار او الليل او اوالعمل في جو مريح او في اجواء الفوضى ، وحالات الاستعجال والضرورة وظروف النقل والاحوال الجوية وغيرها ، ذلك ان مسلك الرجل المعتاد لايتعين فقط بطبيعة الحقين المتعارضين عندما يباشر هو احدهما فيصطدم بواجبه تجاه حق الطرف الاخر ، وانما تدخل في تعيينه ظروف كثيرة ايضا كالعرف والعادات والمستوى المهني ، فينبغي عند تحديد مسلك الشخص المعتاد ان ينظر اليه محاطا بمثل هذه الظروف لأن مسلك الرجل المعتاد يختلف من ظرف لأخر . وفي ضوء ماتقدم ينظر الى المألوف في سلوك الشخص المعتاد المتخذ كنموذج للتقييم ويقاس عليه سلوك الشخص الذي نسب اليه الخطأ او الاهمال او التعدي ، فأن كان سلوكه مماثلا لسلوك الشخص المعتاد او يرتفع عليه فلا ينسب اليه خطأ ولايكون مسؤولا عن الاضرار الحاصلة لانه يكون قد احتاط لمنع وقوع الضرر ومع ذلك وقع ، اما اذا كان سلوكه دون ذلك المعيار فيسأل عن خطئه لانه لم يحتاط ويتبصر كما هو الشخص المعتاد . يتضح مما تقدم وفقا للمعيار الموضعي السائد ان معيار الخطأ والصواب ومعيار العدل والحق ليس هو مايعتقد او يتصور الشخص انه صوابا او خطأ او انه عدلا او حقا وفقا لمعتقداته الشخصية وتصوراته للامور ، سواء كان هذا الشخص قاضيا او محكما او رجل ادارة او فردا عاديا ، فالسؤال في كل قضية ليس فيما اذا، كم كان المدعى عليه شريفا او كان معتقدا ان سلوكه كان بعناية وحرص ، لكن في الحقيقة ان السؤال هو فيما اذا كان قد ادرك معيار العناية المنشأ بواسطة القانون او لم يدركه ؟ . يتبع .....
المراجع : ـ د. عبد الله مصطفى ، علم اصول القانون ، الطبعة الاولى 1995. ـ د. حمدي عبد العال ، الاخلاق ومعيارها بين الوضعية والدين ،الطبعة الثالثة 1985. ـ د. عبد الحي حجازي ، المدخل لدراسة العلوم القانونية ، الجزء الاول ، طبعة سنة 1972 . ـ د. حامد زكي ، التوفيق بين القانون والواقع ، مجلة القانون والاقتصاد ، مصر العدد 2 السنة 2 . ـ د. محمد شريف احمد ، نظرية تفسير النصوص المدنية ، دراسة مقارنة ، طبعة سنة 1982. ـ د. نبيل اسماعيل عمر ، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية ، الطبعة الاولى 1984. ـ د. محمد شتا ابو سعد ، السلطة التقديرية للقاضي المدني في ضوء المعايير والقواعد القانونية المرنة والجامدة ، مجلة مصرالمعاصرة ، السنة 77 اكتوبر 1986. ـ د. سعد ابراهيم دسوقي ، تقدير التعويض بين الخطأ والضرر . ـ د. عبد المجيد الحكيم والاستاذ عبد الباقي البكري والاستاذ محمد طه البشير ، الوجيز في نظرية الالتزام ، الجزء الاول ، مصادر الالتزام 1980. ـ أ.د. مالك دوهان الحسن ، المدخل لدراسة القانون ، الجزء الاول ، طبعة سنة 1971. ـ الاستاذ شاكر ناصر حيدر ، واجب تقليل الضرر في القانون الانكليزي ، مجلة القانون المقارن ، بغداد، العدد 13 السنة التاسعة 1981 . ـ د. سليمان مرقس ، الوافي في شرح القانون المدني ، المجلد الثاني ، الطبعة الخامسة 1988. ـ د. توفيق الطويل ، فلسفة الاخلاق ـ نشأتها وتطورها ، الطبعة الخامسة 1983. ـ د. مجيد العنبكي ، المدخل الى دراسة النظام القانوني الانكليزي ، 1990. ـ R. Pound, Justice According to Law, 1951. ـ R. Pound, An Introduction to Philosophy of Law. 1955. ـ G.W Paton , Jurisprudence .1972.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |