|
بحوث مفاهيم في النظام والسلطة السياسية نضير الخزرجي / إعلامي وباحث عراقي دعوا السياسة لأهل السياسة .. مقولة قد تبدو للوهلة الأولى أنها متمنطقة بحزام الصدقية وتحمل معها بذور نجاحها، ولكن إذا جردنا العبارة عن موضوعاتها وخلينا وإياها كما هي عارية، فانه يحسن وضع الأطفال ضمن مصاديق العبارة، وحشر الصبيان معهم، لان هذه المستويات العمرية داخلة في واحدة أو أكثر من تعريفات السياسة، لان كل مستوى عمري له تفكيره وتدبيره وسياسته في إدارة الأمور والاختلافات، هذا إذا تم تعريف السياسة بأنها "فن الاقتدار" أو "فن الممكن" أو "قدرة إدارة الاختلافات"، بل وضمن سياقات التعريف فان المدير الناجح في شركة أو معمل أو مصنع أو مدرسة أو ورشة عمل فانه في مصاف السياسيين الناجحين. وتأسيسا على هذا الفهم الأولي لمنطوق السياسة، فان العبارة الأولى تنقصها الكثير من مقومات البناء، وهي في الحقيقة لا تصدر إلا عن سياسي نال حظا من الحياة لا يريد إشراك الآخرين فيما هو فيه إثرة أو حرصا أو طمعا، أو من رجل فاشل يدير خيبته برمي الكرة في شباك الآخرين، أو من طرف ثالث آنسته دعة الحياة فانشرح لها فاستلقى على أريكتها من غير مبالاة. وإلا فان الحياة كلها سياسة، بل ان كل تفكير أو إقدام في طريق الخير كان أو في طريق الشر هو سياسة من صغير كان أو كبير من ذكر كان أو أنثى، وحتى التخلي عن ممارسة العمل السياسي ضمن سياقات نظام السلطة وتفريعاته هي سياسة أيضا، فالعمل سياسة وتركه سياسة، فالسياسة ظل الإنسان في ليله ونهاره، في تفكيره وعمله، في لا وعيه وخموله، في صغره وكبره، وهي منه كالروح من الجسد.
العامل السياسي فالسياسة لا تقتصر من حي التعريف ومناطيقها على نظام الحكم، وإن كان تطور البشرية من العائلة الى العشيرة الى القبيلة الى القبائل والمجتمعات فرض سياقات سياسية لإدارة التجمعات البشرية ضمن حدود جغرافية، لكن نظام الحكم ربما كان من أجلى مصاديق السياسة بوصفه محل إدارة البلاد وتصريف شؤون العباد وتنظيم العلاقات مع المجتمعات الأخرى، وحيث كان النبي محمد (ص) إمام ديانة ورئاسة، أقام حكومة على رقعة جغرافية تعادل عشر دول من دول اليوم، فان الدولة الإسلامية وعاصمتها المدينة المنورة في عهدها الأول البض تشكل نموذجا راقيا للنظام السياسي الناجح الذي قام على أنقاض الجاهلية وبمواد أولية حكيمة وقويمة من لدن صانع حكيم على يد مدبر أحكم سياسة العباد وقيادة البلاد، ولما رحل الرسول الأكرم (ص) قام نظام الخلافة الراشدة على اختلاف في الرأي بين مدرستي الإمامة والشورى. في هذه الأجواء ولد الإمام الحسين بن علي (ع) وترعرع وشبّ وشاب حتى استشهاده في كربلاء المقدسة في العاشر من المحرم عام 61، وهي أجواء حبلى بالحوادث السياسية، يرصدها البحاثة الدكتور محمد صادق الكرباسي فيفرد لها بابا من أبواب الموسوعة الحسينية الستين، وضمن هذا السياق صدر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن، في العام 2007 كتاب "العامل السياسي لنهضة الحسين" في جزئه الأول في 452 صفحة من القطع الوزيري. وبالطبع لا يمكن إجراء قراءة ثاقبة للعامل السياسي في النهضة الحسينية من غير قراءة الواقع السياسي الذي مهد لهذه النهضة التي تمثلت في الصراع بين قوتين تحاول إحداها العروج بالناس الى السماء وتشد الثانية الناس الى الأرض، وهو صراع يشكل امتدادا لصراع الخير والشر الذي تجسد على الأرض في صراع هابيل وقابيل. ولهذا فان المحقق الكرباسي قسم الواقع السياسي منذ عصر الرسالة الإسلامية حتى استشهاد الإمام الحسين (ع) الى سبعة عهود، وهي: عهد الرسول (1-11 هـ)، عهد أبي بكر بن أبي قحافة (11-13 هـ)، عهد عمر بن الخطاب (13-23 هـ)، عهد عثمان بن عفان (23 -35 هـ)، عهد علي بن أبي طالب (35 – 40 هـ)، عهد معاوية بن أبي سفيان والحسن بن علي (36-60 هـ) وعهد الحسين بن علي ويزيد بن معاوية (50-61 هـ).
السياسة ومحاورها فكما لا يمكن فهم العامل السياسي للنهضة الحسينية من دون دراسة الوضع السياسي السابق على النهضة، فانه من السليم التمهيد للعهود السبعة بقراءة واعية للسياسة ومفاهيمها ومحاورها وموقعها داخل دائرة السلطات الأربع: التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية، وخيوط الصلة بين السياسة والحرية بكل أبوابها، والتوازن بين الواجبات والحقوق، والنظرة الصائبة لمبادئ وأصول السياسة الداخلية والخارجية، والتعامل السليم مع مكونات المجتمع داخل الجغرافية الإسلامية وخارجها. هذه المقدمة التمهيدية للسياسة ومتعلقاتها التي استوعبت ثلثي الكتاب، يجدها المحقق الكرباسي أكثر من ضرورية للدخول في صلب الموضوع وصولا الى موضع الشاهد من النهضة الحسينية، وهذا دأبه في كل أبواب الموسوعة الحسينية الستين، ولذلك فان كل مقدمة باب تشكل ثروة علمية تكشف عن جهد وجد واجتهاد المحقق وحجم استيعابه للموضوع المبحوث، وفي باب العامل السياسي للنهضة الحسينية فان الشيخ الكرباسي يؤمن ان: "الغرض من إثارة هذه الأمور هو تصحيح التاريخ فقط لا الفهم العلمي فحسب وإنما الكشف عن انحراف سياسة الأسلاف التي أدت الى ما وصلنا إليه اليوم من جهة، ووضع دراسة كاملة عن الموضوع الذي أخذته على عاتقي وهو بيان عظمة الحسين (ع) الذي هو جدير بأن يكون نبراساً وقدوة وقائدا لكل من يريد أن يرى النور في حياته، ولكل مجتمع يريد أن لا يسير في ظلام دامس". وتأسيسا عليه فان المقدمة التمهيدية جاءت ضمن عناوين متفرقة يجمعها خيط السياسة، وهي في واقع الحال تؤصل للسياسة ومفاهيمها ومحاورها ودوائرها القريبة والبعيدة ودورها في بناء المجتمع السليم القادر على خلافة الأرض وإعمارها بما ينفع البشرية جمعاء دون النظر الى المعتقد أو الدين أو الجنس تحت شعار القرآن (لا إكراه في الدين). فالسياسة من حيث "السياسة والفطرة" فإنها في نظر الكرباسي أمر تكويني، وهي: "نابعة من صميم الإنسان وفطرته منذ أن يولد، وتابعة في أساليبها للفكرة التي يتغذاها وللبيئة التي يعيشها". وإذا اختلف العلماء في "تعريف السياسة"، فإنهم لا يختلفون بان كل إنسان يمارسها بطريقته، وعلى مستوى الدولة فان تعريف السياسة اختص بمحوري النظام السياسي والسلطة السياسية، فالمحور الأول أي:"النظام السياسي هو القوانين الحكيمة التي تحكم البلاد" والمحور الثاني أي: "السلطة السياسية: هم المنفذون لهذه القوانين من أعضاء الدولة، ولا بد أن يكونوا حكماء أيضا". ومن المفروغ منه ان جهاز الدولة لا يستطيع أن يمارس دوره الطبيعي من دون مشرع وشريعة، وعلى هذا المفصل المهم في حياة كل امة اختلفت الأنظمة والحكومات، وكلما اقترب المجتمع من الله بوصفه الحكيم الذي لا ينقض غرضه ولا يشارك عبيده في مغنمة اقترب تشريعه من نقطة الصواب. ولا يعني القول بذلك الجمود على النصوص: "نعم تحديده وتطبيقه من عمل المجتهدين والحكام"، أي خاضع للزمان والمكان ولذلك فان الإسلام قابل للتطبيق في كل عصر ومصر بلحاظ نعمة الاجتهاد بعد انقضاء عصري النبوة والإمامة، من حيث وجود: "سلطة شبه تشريعية صلاحيتها دراسة التشريع الإسلامي ونقله بصورة منقحة وواضحة تواكب العصر الى جانب السلطة التنفيذية والقضائية، وقد كانت في البداية ممثلة في الرسالة، ثم في الإمامة، ثم في المرجعية، بفارق وجود التأهيل والعصمة في الوحي في الأولى، والتأهيل والعصمة في الثاني، والتأهيل فقط في الثالث". وإذا كان المسلمون اختلفوا بعد رحيل النبي محمد (ت 11 هـ) على الحكم تحت بندي الإمامة والشورى، فان المسلمين في مسألة النظام السياسي عادوا واتفقوا على الشورى بعد غيبة الإمام المهدي المنتظر في العام 260 هـ. وقد تمثلت الشورى في وقتنا الحاضر بمجالس الشورى أو السلطة التشريعية، وهي: "أن تكون العضوية لنواب الشعب بالانتخاب دون غيرهم ويكون هناك مجلس الفقهاء وهم الذين لهم مقلدون في القطر الذي يمثلهم هذا المجلس ويرتبط مجلس الفقهاء بمجلس الشورى عبر ممثلين للفقهاء للوصول الى ما فيه خير الأمة". ويستظهر المحقق الكرباسي من نص للإمام علي (ع) : "إن فكرة انتخاب الأمة كانت مسألة غير غريبة على المسلمين آنذاك حيث يقول (ع): ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما الى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع وللغائب أن يختار". ويخلص الى القول بان: "انتخاب الحاكم في حال الغيبة من الأمور التي ترك أمرها الى الأمة فيمكن ان تعتمد طريقة الانتخابات الجماهيرية بالنسبة الى رأس الحكم وغيره، أو إنها تنتخب أعضاء المجلس النيابي (الشورى) ومن ثم ينتخب المجلس الحاكم، الى غيرها".
مقومات النظام السياسي ورغم مرور قرون على عصر الرسالة الإسلامية الأولى، فان النظام الإسلامي لا زال يحتفظ ببريقه كون تشريعه يلاحظ فيه المصلحة والمفسدة وهو دقيق وشامل، ويعتقد الفقيه الكرباسي ان تطبيق الشريعة في أي مجتمع بحاجة الى إعمال سياسة الرسول في التدرج في التطبيق، كما ينبغي تطبيق سياسة "الوقاية خير من العلاج" وملاحظة سلّم الأولويات، فالتشريعات مرتبطة ببعضها، فلا يصلح تطبيق قانون ما لم يصلح الآخر ذات العلاقة، فعلى سبيل المثال: "ان تطبيق قانون السرقة خاضع لتطبيق القانون الاقتصادي العام لتكوين أرضية صالحة لقانون السرقة، بحيث لا يضطر المسلم الى السرقة، وأما إذا أريد تطبيقه في ظل الأنظمة المعاصرة فلا بد من قطع نسبة عالية من يد الشعب بعد قطع يد رجالات الدولة والمسؤولين". وحتى يصل المجتمع الى قمة السياسة الناجحة ينبغي الالتفات الى مقومات النظام السياسي المتمثلة عند الكرباسي بالسياسة الخارجية والسياسة الداخلية والسياسة الاقتصادية والسياسة القضائية والسياسة الإعلامية. وعلى ضوء هذه التقسيمات والتشريعات، فان أنظمة اليوم لا تخرج عن كونها ديمقراطية رأسمالية أو اشتراكية أو إسلامية، وفي المحصلة النهائية: "إن النظام الاشتراكي فكرة مارسها كارل ماركس (ت 1883م) ثم طورتها قيادة الحزب الحاكم دون اللجوء الى الشعب، وأما النظام الرأسمالي ففكرة مارسها اقتصاديو ألمانيا وإنكلترا وطورتها المجالس النيابية المنتخبة من قبل الشعوب ضمن أطرها المحددة، وأما الإسلام فقد وضع الله الشرعة وعهد لنبيه ممارستها وتوضيحها وترك مساحة للشعوب لاختيار الأنسب حسب تطور الزمان واحتفظ لنفسه بالأسس". وعلى ضوء هذه الرؤية، يقدم الكرباسي شرحه لكل مقوم حسب أنظمة الإسلام والرأسمالية والإشتراكية، مبتدئا بالسياسة الاقتصادية التي كانت الفيصل في فرز الأنظمة الثلاثة، مع التفريق بين السياسة الاقتصادية والاقتصاد نفسه باعتبار ان: "السياسة الاقتصادية هي التي ترسم الخطوط العريضة للاقتصاد، وتوجه اقتصاد الدولة والشعب وتجعله مترابطا حتى لا يؤدي الى الصدام بينهما"، ولذلك على خلاف النظامين الرأسمالي والاشتراكي فان السياسة الاقتصادية في النظام الإسلامي تعتمد على الواقعية والأخلاقية ولا تعترف بالاقتصاد الكاذب أو المزيف، ويقوم قدرها على ثلاث أثافي: تنوع الملكية، حرية الاقتصاد ضمن القيم، والتوازن والتكافل. وخلاصة الأمر ان الرأسمالية اعتمدت الملكية الفردية وقدستها واعتمدت الاشتراكية الملكية العامة وقدستها: "وأما الإسلام فقد اعتمد الملكيتين دون إلغاء إحداهما للآخر وقيام إحداهما على حساب الآخر". وفي مجال السياسة القضائية، فان العيون الثلاث (علم وعقل وعدل) هو ما ينبغي توفرها في السلطة القضائية وأصحابها، وهنا تتفاوت الشروط في الأنظمة الثلاثة. كما لا يختلف احد في أهمية الإعلام في خلق واقع سليم أو مريض، فغالبية الناس تبع للإعلام والدعاية. وتمثل السلطة التنفيذية ركنا أساسيا في أية دولة، فهي مظهر ثقافة كل شعب.
الحرية أولا لا يمكن تصور نمو وتطور شعب من دون حرية، فهي أصيلة في كينونة الإنسان وفطرية، وهو ما يحاول المؤلف بحثها وبيان حدودها وأنواعها في سياق الحديث عن النظام السياسي، لان الحرية عصب الحياة السياسية، وهي تشمل "حرية العقيدة والفكر" و"حرية الرأي والتعبير" و"الحرية السياسية" و"الحرية الاجتماعية" و"الحرية المدنية" و"الحرية الاقتصادية" و"الحرية الشخصية". وهذه الحريات تشمل جميع من يعيش تحت جناح البلد المسلم بغض النظر عن الجنس أو المعتقد فلا تمييز: "وأما من ناحية المواطنة فالجميع مواطنون، فكل من سكن ديار الإسلام فهو مواطن سواء أكان مسلما أو غير مسلم، هنديا كان أو تركيا، والناس سواسية كأسنان المشط". فحرية العقيدة والفكر تقع ضمن دائرة (لا إكراه في الدين) سورة البقرة: 256. وحرية الرأي والتعبير تأتي مرتبتها بعد حرية الفكر، شريطة: "أن لا تمس حرية الآخرين معتقدا أو كرامة أو شخصا أو ممارسة أو ما الى ذلك مما يخل بالتالي بحقوقهم لأنها تتناقض ومبدأ سلب حرية الآخر الذي يعيش معك". والحرية السياسية مكفولة للجميع، بل ان تطور البلد وتقدمه من احترام الحرية السياسية لكل مواطن عظم قدره أو قل. والحرية الاجتماعية مكفولة للجميع أو ما يعرف اليوم بحرية تشكيل منظمات المجتمع المدني. والحرية المدنية تعني حرية البناء والعمران ولطالما يشجع الإسلام المدنية وترك البداوة وإعمار الأرض، وهذا مدعاة لطلب العلم، ويشدد عليه: "وما يرشدنا الى أهمية العلم في الإسلام ان مادة العلم لوحدها استخدمت في القرآن الكريم 854 مرة، هذا بغض النظر عن مادة: عرف وعقل، والفكر والتدبر وما شابه ذلك، والتي تؤدي الى المؤدى نفسه"، والأعمار مدعاة الى الاهتمام باليد العاملة. أما الحرية الاقتصادية فتعني: "وجود نسبة عالية من حرية التصرف في الوجوه التي توجب إنماء المال، وليس المراد بالمال النقد، بل مطلق ما يُملك من عقار وبناء وسلع ونقد الى غيرها". وللإنسان كامل الحرية الشخصية بما فيها: "اختيار السكن والملبس والمأكل والمشرب والمنكح ومنهجية حياته الخاصة دون أن يتدخل بشؤونه الشخصية متدخل"، وتدخل في إطار الحرية الشخصية احترام "العادات والتقاليد" التي: "تطبعت عليها شريحة معينة فكونت لهم خصوصية ما، وربما ميزتهم عن غيرهم، وأصبحت جزءاً من تراثهم وشكلت لهم عرفا خاصا"، فلا يمنع من ممارسة العادات والتقاليد ما لم تناف مسائل العقيدة والدين. و من الحرية الشخصية "السفر"، وقد أسبغ الإسلام على السفر سمة شرعية فيها من الثواب الجزيل تدخل مرة تحت عنوان الفريضة مثل الحج وأخرى تحت عنوان الندب مثل زيارة مراقد المعصومين والأولياء الصالحين. وبإزاء السفر منح الإسلام للمرء حرية "الهجرة واللجوء" وبالاتجاهين: "هجرة المسلمين الى غير ديارهم، وهجرة غير المسلمين الى ديار المسلمين حين قال جل وعلا: ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا" سورة النساء: 97، وبضميمة قول الرسول (ص): "البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيث ما أصبت خيرا فأقم"، ويفهم من النصين أن الهجرة واللجوء غير مختصة بالمسلم الذي يفقد الأمن في بلاده، وهي تشمل الجميع مما يحتم على البلدان الإسلامية كما تفعل البلدان الغربية ان تستوعب غير المسلم الذي يفضل العيش في بلد إسلامي، فمن غير المعقول ان تستوعب البلدان غير الإسلامية المسلم وتقصر البلدان الإسلامية عن فعل ذلك في الوقت الذي جاءت رسالة الإسلام رحمة للعالمين! لأن من "السياسة الخارجية" للدولة الإسلامية: "دعوة العالم أمما وشعوبا وأفرادا الى السلم"، على ان هجرة المسلم يجب: "أن لا تكون على حساب سعادة الإنسان الدنيوية أو الأخروية.. فالهجرة على حساب الدين وعلى حساب سعادة الإنسان مرفوضة، وأما الهجرة لأجل نشر الفكر وتحصيل العلم والعيش بكرامة فمفروضة". ومما يتعلق بالحريات هو الأمن، فحيث يكون الأمن تكون الحرية مصانة، ومن أهم عوامل تداعي الأمن كما يستظهرها الدكتور الكرباسي تتمثل في: "الاضطهاد، الفراغ العقائدي، الفقر، الجهل، التسيب، والكبت". ولعلاج فقدان الأمن يتطلب: "إطلاق الحريات، الإيمان بالله، العدالة الاجتماعية، الوعي، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعقاب الصارم والسريع للجناة".
حقوق مشروعة وكما ان الحرية أصيلة في ذات الإنسان فان: "الحق أمر واقعي وصحيح لا يمكن أن يرفضه العقل ولا الوجدان"، ثم ان: "هذه الحقوق مجموعة تكون لنا القانون الذي يتم به نظم المجتمع من خلال الدولة، ومن هنا تأتي علاقة الحقوق بالسياسة، فإذا كانت السياسة هي فن الإدارة، وكان حسن الإدارة بإيفاء الحقوق، فان السياسة الحكيمة تقتضي الوفاء بالحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية الداخلية منها والخارجية". بل ان الفقيه الكرباسي يذهب بعيدا في مجال حقوق الأطفال الى التأكيد: "ان الطفل المميز له حقوق تضاهي حقوق البالغين وهي كثيرة نشير الى حقه في البيعة والانتخاب حيث شارك الإمامان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر بأمر من الرسول (ص) في بيعة الغدير في الثامن عشر من شهر ذي الحجة العام العاشر من الهجرة، وغير المميز لوليه أن يشارك في الانتخابات نيابة عنه، ويختار بدلا عنه من يناسبه لأن ذلك من حقوقه التي تترتب عليه الواجبات من الضرائب وسائر القوانين التي يكلف بتطبيقها ولي الطفل، وأما الساقط عن الطفل فإنما هو التكاليف العبادية وبعض الأحكام، وأما الطفل فله الحق في أن يتاجر بأمواله عبر وليه الشرعي، وعليه ما على الكبار". ومن الطبيعي ان من إفرازات الحرية "المعارضة" وهي من حق المواطن، وهي: "مجردة عن العوامل والأهداف حالة صحية تدل على عافية المجتمع وعدم خموله من جهة، وعدم رضوخه لكل ما يملى عليه من جهة أخرى". ومن الحقوق "الضمان الاجتماعي" الذي لابد للحكومة توفيره للجميع، وهي ملزمة بذلك: "لحق العيش لكل رعاياها وتلبية حاجاتهم الضرورية لإخراجهم من حالة العوز، والارتقاء بهم من خط الفقر". ومن الحريات "مشروعية الحزب"، وهي ما يذهب إليه الفقيه الكرباسي، بوصف الحزب حالة صحية، ولذلك: "فان تأسيس التكتلات والجمعيات الحزبية هي حق من حقوق الشعب كما ان الانضمام إليها حق من حقوق الفرد فلا يمكن مصادرة هذه الحقوق، ولا يحق للنظام أو الحاكم ملاحقة المنتمين إليها لمجرد الانتماء".
مرحلة الرسول وقبل ان يدخل المصنف في صلب موضوع العامل السياسي بتقصي معالم سياسة الرسول (ص) الداخلية والخارجية، يتناول ضمن السياسة الخارجية وباختصار التمثيل الدبلوماسي، وبشيء من التفصيل مسائل الدفاع والحرب والرق، باعتبار ان: "الفلسفة من وراء الحرب هو وقف الفساد والاعتداء الذي لا يتوقف إلا به عندها شرعت الحرب ضمن ضوابط وقواعد وموازين عادلة، ولها أخلاقياتها وشروطها وأساليبها"، ومن أخلاقيات حرب الرسول تنظيم الرق للقضاء عليه باعتبار ان الناس أحرار. ولما كانت الحكومة الإسلامية تأسست بعد الهجرة النبوية، فان المرحلة الأولى من المراحل الست التي سبقت مرحلة النهضة الحسينية، تركزت على فترة السنوات العشر الأخيرة من حياة النبي الأكرم، فتعرض المحقق الكرباسي الى سياسة الرسول الداخلية والخارجية بوصف الرسول اسوة حسنة جمع بين الدنيا والآخرة، بين الدين والسياسة: "ومن المعلوم أن تطبيق المبادئ لا يمكن دون أداة فاعلة، فالدين هو المبادئ، والدولة هي أداة التطبيق". ففي إطار السياسة الداخلية تناول المصنف "التطبيق التدريجي" لتعاليم الإسلام. واستعرض "مكانة المرأة ومشاركتها" حيث جاء الإسلام وبعث رسول الإسلام: "ليحمل الى البشرية جمعاء صك خلاص المرأة من المهانة، ومنحها الكرامة وساوى بينها وبين الرجل". وبحث "التكتلات السياسية" فكانت من سياسة الرسول (ص) الحكيمة أن: "أوجد كتلتين اجتماعيتين لأجل التنافس السياسي والاجتماعي". وشرح "النظام الإداري" بوصفه واجهة مدنية وحضارية لكل مجتمع حي. وتطرق الى "العدالة الاجتماعية" بوصف الإسلام رسالة مساواة ومحاربة التمييز بكل أنواعه. وفي إطار السياسة الخارجية استعرض المصنف في "الحرب والسلم" في جدول منظم لواحد وتسعين غزوة وسرية خاضها المسلمون، سلسلها حسب الزمان والمكان، خلص في النهاية وبالأرقام والوثائق أن: "مجموع ما قتل من المسلمين كان نحو 246 شهيدا، بينما مجموع ما قتل من غير المسلمين من المشركين واليهود والنصارى نحو 992 قتيلا وذلك خلال 11 سنة و 91 وقعة" أي بواقع اقل من ثلاثة شهداء وتسعة قتلى في كل وقعة، مما يقطع التهويل بيقين الأرقام أن حروب النبي الأكرم كانت تستهدف قلوب الناس ليسلموا لا جسومهم ليقتلوا. وتناول في أبحاث مستقلة "السلطة القضائية" وتخريج الرسول (ص) للقضاة وتوزيعهم على البلاد. و"السلطة الإعلامية" من خلال استخدام الرسول للأسلوب العملي في الدعوة عبر سيرته، واستخدامه الأسلوب الخطابي في الدعوة بما فيها خطبتي الجمعة حيث أقام في المدينة المنورة (528) صلاة جمعة، واستخدامه الأسلوب الإنشادي بتوظيف الشعر، وعبر الأسلوب الدعووي بابتعاث الرسل والوفود خارج حدود المدينة المنورة، وألحق البحاثة الكرباسي تحت هذا العنوان جدولاً منظماً بالرسول والمرسل إليه. وانتهى الكتاب بمتابعة السياسة الاقتصادية للرسول الأعظم (ص) قبل ان يبعث بتنمية تجارة زوجته خديجة الكبرى (ع)، وإنعاش اقتصاد الدولة الإسلامية أثناء حكومته. والتأكيد في بحث مستقل تحت عنوان "ولاية العهد" على عبقرية النبي الأكرم (ص) الذي أسس خلال عقد اكبر دولة من ناحية الشمال من أول مياه خليج العقبة الى أول مياه الخليج في فاو العراق، وأما من ناحية الجنوب والشرق والغرب فيحدها مياه بحر العرب والخليج والبحر الأحمر، فمن يؤسس مثل هذه الدولة عبقري وبرأي الدكتور الكرباسي: "ان المسلمين بل غيرهم لا يشككون بعبقرية الرسول الأعظم (ص) ولكن تركه لأمر ولاية العهد يطعن في عبقريته إذ كيف يعقل من مثله وهو الذي جاء بهذا النظام العالمي الرصين لم يفكر باستمراريته وصيانته وبالأخص والدولة الإسلامية لازالت فتية وهي على أعتاب العقد الثاني من عمرها..". وانتهى الكتاب بنحو ثلاثين فهرسا في أبواب شتى وبتنظيم حديث، مع قراءة معرفية للجزء الأول من الكتاب وعموم الموسوعة الحسينية بقلم أستاذ الرياضيات في جامعة مدينة نيوجرسي الأميركية (New Jersey City University)، اليهودي المعتقد الدكتور إيفان جي سايجل (Evan J. Siegel) شرح فيها موقع شخصية الإمام الحسين (ع) في نفوس المسلمين ودوره في تصحيح التاريخ، مؤكدا ان: "الموسوعة الحسينية التي هي نتاج جهد سنوات قضاها الشيخ الدكتور محمد صادق الكرباسي، تشكل مساهمة فعالة لدراسة الشخصية الفريدة للإمام الثالث من أئمة الشيعة". وعبر عن تقديره للجهد المبذول كون: " كتاب العامل السياسي لنهضة الحسين يعتبر خير مورد سيوفر للباحث والقارئ أداة معرفية لفهم هذه الشخصية التاريخية والقوية التي انطبع في نفوس الملايين من المحبين والموالين حول العالم منذ قرون معنى الولاء". الرأي الآخر للدراسات – لندن
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |