|
بحوث الجريمة والعقاب (2) ـ ظاهرة الفساد جريمة سرقة المستقبل والحياة والعدالة فارس حامد عبد الكريم / ماجستير قانون / بغداد
قال تعالى في محكم كتابه العزيز (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد) (1) وفي هذا الذكر الحكيم من وصف للولاية الفاسدة ما يغني عن أي وصف آخر،فهي السبب في هلاك المجتمعات وتدهور الاقتصاد وانحدار الحياة الاجتماعية كما هو متفق عليه في الدراسات الحديثة. وكشفت منظمة الشفافية الدولية المعنية برصد ظواهر الفساد في العالم مؤخرا في تقرير لها تحت عنوان مقياس الفساد حول العالم لسنة 2007 (أن العاملين في مجالات الشرطة والقضاء والأحزاب السياسية والبرلمان والخدمات العامة هم الأكثر طلبا للرشوة في العالم). وأضاف التقرير(...وكان جهاز الشرطة هو الأكثر فسادا بالنسبة لمن استطلع رأيهم حول العالم حيث أشار ربع من شاركوا في الاستفتاء الى ان أقسام الشرطة طلبت منهم دفع رشاوى عندما اضطروا الى التعامل معها واضطر واحد من كل ستة الى دفع رشاوى تلتها المحاكم ثم قطاع التربية وبعده قطاع الصحة. وقالت رئيسة المنظمة هيويت لابيل في تصريح لها بمناسبة صدور التقرير " ان ما يبعث على القلق ان القطاعات الأكثر فسادا هي القطاعات الأكثر تماسا مع حياة الناس مثل الصحة والتربية والقضاء والشرطة.)(2)
أولا ـ في معنى الفساد لغة واصطلاحاً الفساد لغة من فسَدَ، والمفسدة نقيض المصلحة، قال تعالى "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" (3) وفساد الشيء يعني تلفه وعدم صلاحيته، ويطلق مصطلح الفساد ويراد به أيضا، القحط والجدب واخذ المال ظلماً بغير حق، وقد يشير الفساد إلى تجاوز الحكمة والصواب فيقال فسد الرجل أي جاوز الصواب، وفسد العقل أي بطل، وفسدت الأمور أي اضطربت وأدركها الخلل، والفساد في الإصلاح الشرعي هو خروج الشيء عن الاعتدال، ومن ذلك جميع المحرمات والمعاصي(4). وعرفت المنظمة الدولية للشفافية الفساد بانه: (إساءة استعمال السلطة التي أؤتمن عليها لتحقيق مكاسب شخصية)، وتفرق المنظمة بين نوعين من الفساد: 1ـ الفساد بالقانون (According to rule Corruption): وهي الرشاوى التي تدفع للحصول على الأفضلية في خدمات وتسهيلات يجيزها القانون. بمعنى ان الراشي يدفع للحصول على حقه وللحصول على أسبقية في الحصول على حقه.كأن يدفع رشوة لموظف لاستثنائه من نظام الانتظار. وحسب تجربتنا المستفادة من العمل فان هذا النوع من الفساد كثير الانتشار، اذ غالبا ما يلجأ الموظف الفاسد الى عرقلة طلبات أصحاب الحقوق لحملهم على دفع الرشوة مقابل الحصول على حقوقهم، وهذا النوع وان كان اقل خطراً من غيره على المال العام الا ان له أثار سياسية سلبية كبيرة بحكم اتصاله المباشر مع حاجات كل الناس وحقوقهم فيولد لديهم الامتعاض والحقد على النظام السياسي، اما جرائم الفساد الكبرى والتي لا تمس مصالح الناس مباشرة فانها تثير امتعاض النخبة المثقفة في المجتمع بحكم اطلاعهم على الدراسات والاحصائيات والتقارير الدولية التي لا يطلع عليها عامة الناس عادة ولا يدركون اثارها غير المباشرة على حياتهم ومستقبلهم لانها لا تسبب لهم الماً وضرراً مباشرا. 2ـ الفساد ضد القانون (Against the rule Corruption): وهي دفع رشوة للحصول من مستلم الرشوة على خدمة ممنوع تقديمها. ويوقع هذا النوع من الفساد اكبر الضرر بالاقتصاد الوطني وحقوق المواطن والاجيال القادمة (5).
ثانيا ـ خطر الفسـاد يعد الفساد الجريمة الأكثر خطرا من بين الجرائم التي تنال من امن واستقرار المجتمع وقيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة، فهو العامل الأكثر تخريبا وتدميرا للمجتمعات الفقيرة والنامية وسببا مباشرا في ضياع فرص التقدم والرفاه الاجتماعي وإحباط خطط التنمية وفي زيادة الفقراء فقرا، كما انه يفقد الناس ثقتهم بقادتهم ولو كانوا مخلصين وذوي نوايا حسنة، وكثيرا ماقاد الفساد الدول، التي يجد له فيها مرتعا خصبا،الى هاوية الانحدار الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية إلى عمق الدمار الذي الحقه ويلحقه الفساد باقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة، بالنظر لتسرب الأموال المخصصة لمكافحتها الى جيوب الفاسدين. والنزاهة عماد التنمية وشرطها الاكنر اهمية،أذ تدعم النزاهة الاقتصاد الوطني والبيئة السياسية والاخلاق العامة.وجاء في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 (ان الدول الاطراف في هذه الاتفاقية، اذ تقلقها خطورة مايطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر....)
ثالثا ـ لمحة عن الفساد العالمي لا يكاد يخلو مجتمع من ظاهرة الفساد، الا ان نسبة الفساد تختلف من دولة الى اخرى، واذا قيمنا الامور بمعيار النسبية فان هناك دول تعتبر نظيفة نسبيا من ظاهرة الفساد، وهناك دول يكاد يغطي الفساد كل مؤسساتها وكل مظاهر انشطتها، وتبرز بين حين واخر فضائح فساد كبيرة تشغل الرأي العام الدولي منها: فضيحة وُتركيت: بسبب دوافع حزبية خاصة شكل الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون لجنة لدراسة الأوضاع السياسية والأمنية العامة في الولايات المتحدة الأمريكية وقد اصدرت هذه اللجنة، بناءا على ضغوط الرئيس، تقريرا تضمن خطة عرفت باسم خطة هيوستن التي مهدت لانشاء جهاز امن الدولة كجهاز ملحق بالبيت الابيض، مما اتيح له جمع المعلومات عن المواطنين بصورة سرية خلافا للقانون على ان تصل هذه المعلومات للرئيس شخصياً، وقد تمكن هذا الجهاز بسبب السرية التي يتمتع بها وعدم وجود رقابة على عمله من سلطة اخرى محايدة من توسيع دائرة أعماله ليقوم بجمع المعلومات عن السياسيين ورؤساء الاحزاب وكبار رجال الدين والمجتمع والصناعة. وعندما رشح الرئيس نيكسون للمرة الثانية سنة 1972، استغل هذه المعلومات للنيل من خصومه ومن ثم اعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. ولكن الصحافة الامريكية الحرة تمكنت من كشف قضية الفساد هذه ونشرتها للجمهور والتي عرفت بفضيحة (وُتركيت) والتي تسببت بأقالة نيكسون من منصبه وحل جهاز الأمن. ـ حسب تقارير مكتب المخدرات والجريمة المنظمة في الامم المتحدة يدفع اكثر من ترليون دولار من الرشاوي سنوياً على مستوى دول العالم المتقدمة والنامية. ـ حسب تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2005، تسببت اعمال التخريب واعمال النهب وتدمير الاصول في قطاع النفط العراقي (2003 ـ 2005) في فقد العراق ما يقرب من نصف ترليون دولار (500 مليار دولار) من عائدات النفط المفترضة خلال هذه الفترة ويتوقع ان تبلغ الضعف بحلول 2015.(6) ـ هربَ الرئيس الزائيري السابق موبوتو سيسي سيكو مبلغ (5) مليار دولار الى خارج بلاده في الفترة (1965 ـ 1997)، وهذا المبلغ الضخم كان من الممكن ان يرفع من مستوى الصحة والتعليم والاستثمار في بلد فقير يعاني اهله من الجوع والفقر الدائم. ـ جمع شقيق كارلوس ساليناس الرئيس السابق للمكسيك مبلغ (120) مليون دولار من عمليات فساد. ـ يكلف الفساد الاقتصاد الأفريقي (148) بليون دولار سنويا، أي ما يعادل 25 % من الدخل القومي لافريقيا، مما يسبب ارتفاعا في الاسعار بمعدل (20 %). ـ هناك ترليون دولار تفقد كل عام من الاموال المرصودة لتنمية المجتمعات.(7)
رابعا ـ تحليل ظاهرة جرائم الفساد تبرز جريمة الفساد كظاهرة إجرامية عندما تتوفر مجموعة من العوامل المساعدة، حالها حال أية ظاهرة إجرامية أخرى، كما ان للظاهرة الاجرامية بصفة عامة خصائص وعناصر مشتركة، سبق ان تناولناها بالدرس والتحليل في مبحث سابق (8). إلا ان لكل ظاهرة إجرامية خصائص خاصة بها تتميز بها عن غيرها من الظواهر الإجرامية. وعلى هذا النحو فان لظاهرة الفساد خصائص خاصة بها، ومن هذه الخصائص: 1- من حيث الطبيعة ونوعية الجناة: تعد جرائم الفساد من الجرائم التي تخل بواجبات الوظيفة العامة حسب الاصل، حيث ترتكب جرائم الفساد من قبل أفراد وجماعات تشغل وظائف عامة وتمارس تكليفاً عاماً. الا ان اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 قد اطلقت ذات الوصف على نفس النوع من الجرائم المرتكبة من قبل افراد القطاع الخاص. وينص على جرائم الفساد في القوانين العقابية على سبيل الحصر تطبيقاً لمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص)، وعلى هذا النحو اختلفت القوانين المقارنة في تحديد الأفعال والسلوكيات التي تعد جرائم فساد، الا ان هناك جرائم فساد لا يخلو منها قانون عقابي، منها جريمة الرشوة وجريمة الاختلاس. وجريمة الرشوة هي الأخطر على المجتمع والاقتصاد والقيم الخلقية من بين جرائم الفساد كلها. حيث انها لا تترك خلفها اثراً مادياً يمكن ان يقتفيه المحقق في الأغلب كونها تتم خلف الأبواب الموصدة وخاصة جرائم الرشوة الضخمة. وتتجسد خطورة الرشوة في إنها تدفع مقابل الحصول على معلومات عسكرية واقتصادية ولتمرير صفقات فاسدة وانها تتسبب في افساد القطاع الصحي والتعليمي وإيقاع ضرر في البيئة، مما يهدد امن وسلامة المجتمع ككل.وتعرف الرشوة بانها (متاجرة الموظف باعمال وظيفته للقيام بعمل والامتناع عن عمل). 2ـ انها جريمة تنظيمية في وجه من وجوهها: والجريمة التنظيمية هي التي ينسب ارتكابها الى المرفق العام ذاته ويطلق على هذه الخصيصة وصف ومصطلح (انحراف المؤسسات الحكومية) وترتبط هذه الخصيصة بالمرفق العام لا بأعضائه من الموظفين. حيث لفت انتباه الباحثين ان هناك مؤسسات حكومية ارتبطت بالفساد منذ نشأتها وبقي سمة ملازمة لها حتى بعد تغيير ادارتها المركزية وموظفيها عبر الزمن، كالتقاعد والنقل والعزل والاستبدال والحل واعادة التأسيس اوغيره، بمعنى اخر ان طبيعة عمل المرفق العام هي التي تشجع الموظف الذي لا يمتلك حصانة ذاتية مضادة للفساد على ارتكاب الجريمة، وهكذا تتغير الوجوه ويبقى الفساد قائماً. وتبدو هذه الخصيصة واضحة في المؤسسات العسكرية والتجارية وهيئات الضرائب ومكاتب منح الرخص واية مؤسسة لها صلة وثيقة بالأنشطة الاقتصادية كالاستيراد والتصدير والتموين، حيث يبدو الفساد وكأنه مرض مزمن وعاهة مستديمة في اغلب هذه المؤسسات العامة. وعلى سبيل المثال بدت هذه الخصيصة واضحة في المؤسسات الفاسدة التي حُلت واعيد تشكيلها بإدارة مركزية جديدة في العراق بعد سقوط النظام السابق في العراق، حيث سارت على ذات النسق في ارتكاب جرائم الفساد. 3ـ انها ظاهرة ذات صلة وثيقة بالجريمة المنظمة: تعتمد مؤسسات الجريمة المنظمة على الفساد بصفة أصلية لتحقيق أهدافها ومشاريعها الإجرامية عبر القارات، وتمرير صفقاتها واستردادها في حالة الحجز عليها ادارياً، وهي تعتمد على الفساد ايضاً في حماية أعضائها من المساءلة في حالة القبض عليهم واعاقة سير العدالة. ومن جانب اخر يُشجع الفساد على نشوء الجريمة المنظمة، فالدولة التي ينخر الفساد جسدها تشكل عامل جذب للمنظمات الإجرامية الدولية. التي تدخل البلد على شكل شركات مقاولات ومؤسسات فنية وجمعيات خيرية وتمارس في الخفاء أعمال غسيل الأموال وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء البشرية والدعارة. كما وتسهم الجريمة المنظمة في تعميق ظاهرة الفساد وتفشيها بما تضخه من اموال ضخمة كرشاوى للحصول على التراخيص والاعفاء الضريبي والكمركي والمقاولات والمعلومات السرية واخفاء الادلة الجرمية والتأثير على سير العدالة وللتخلص من الرقابة وغلق التحقيقات التي تجري بشأنها ومقابل السكوت عن أنشطتها غير المشروعة ولتصريف اية أعمال من أعمالها. وبالمقابل تدعم مؤسسات الجريمة الموظفين الفاسدين للوصول الى المناصب القيادية العليا سواء عن طريق الدعم في الانتخابات واستخدام النفوذ لدى القيادات العليا والأحزاب السياسية في حالة التعيين. ويكاد يجمع الباحثون على انه لولا الفساد لما كانت هناك جريمة منظمة مطلقاً، فالفساد هو البيئة التي تنمو فيها ظاهرة الجريمة المنظمة. وتبدو العلاقة واضحة بين الفساد والجريمة المنظمة في تعريف اللجنة الرئاسية الأمريكية بشأن الجريمة المنظمة التي عرفت الجريمة المنظمة بأنها (جماعة مستمرة من الأشخاص الذين يستخدمون الاجرام والعنف والإرادة المتعمدة للإفساد والحصول على منافع مادية والاحتفاظ بالسطوة). ويتحقق كل ذلك في ظل غياب الشفافية والرقابة والمساءلة وعدم فعاليتها. (9) ان استمرار العلاقة بين مؤسسات الجريمة المنظمة والمرفق العام رغم تبدل قياداته وموظفيه، وهو خير مثال يستشهد به للدلالة على الانحراف التنظيمي الذي ينسب للمرفق العام ذاته وللدلالة على العلاقة بين الفساد والجريمة المنظمة ايضا. 4ـ السرية والسكوت: فشلت في كثير من الأحيان جهود مكافحة الفساد في مختلف دول العالم، ذلك أن الفساد جريمة سرية (ضبابية) يصعب في كثير من الأحيان اثباتها من خلال الوسائل التقليدية للإثبات والتحقيق، بالنظر لاحتياط الفاسدين بعدم تركهم ورائهم دليلا ماديا يشير الى تورطهم في هذه الجرائم، أذ هي تتم في اغلب الأحيان بعيدا عن أعين الناظرين وخلف الأبواب الموصدة، ويرتكبها في الغالب أشخاص على قدر من الدراية والمعرفة بأساليب الالتفاف على القانون وفي تسخير المعرفة التي يمتلكونها لاغراض دنيئة، ولذا يعجز ضحية الفساد غالبا عن إثبات دعواه أمام القضاء فيرجع خائبا ومضطرا لان يكون ضحية للفساد في المرات المقبلة أيضا. ومن جانب اخر فان شركاء جريمة الفساد المستفيدين منها وضحاياها في نفس الوقت، يتكتمون على هذه الجريمة خشية فقدان المزايا التي اكتسبوها بوساطة الفساد. فمن يحصل على امتياز المرفق العام ومن يحصل على شهادة مزورة وحكم قضائي لا يستحقه قانوناً لا يمكن ان يُبلغ عن هذه الجريمة ليخسر في النهاية ما كسبه بطريق غير مشروع. وازاء هذا التحدي الكبير سعى فقهاء القانون والمعنيين بجهود مكافحة الفساد الى إيجاد أنظمة قانونية جديدة تتسم بالفعالية والمرونة في التطبيق تكفل الحد من هذه الظاهرة الخطيرة الى ابعد مدى ممكن ودراسة اسباب الفشل الذي اعترى وسائل مكافحة الفساد. 5ـ استخدام النفوذ: تتميز هذه الجريمة في انها ترتكب غالباً من قبل رجال السياسية والأحزاب والسلطة العامة عموماً، ممن لديهم القابلية على النفاذ إلى مؤسسات الدولة الرسمية والقضائية والعسكرية، والتأثير عليها بما يمتلكونه من نفوذ وسلطة وهيمنة، فضلا عن قابليتهم على الحيلولة دون تقديم الشكاوى بالتهديد والوعيد وبدفع الأموال لشراء السكوت. 6ـ الواجهة الإجرامية: تمارس جرائم الفساد باستخدام اساليب ملتوية منها، انها تمارس بوساطة شركاء يمثلون الواجهة للفاسد الأصلي الذي يشغل عادة مركزاً مرموقاً ووظيفة ذات صلة مباشرة بحاجات الناس كالرخص الإدارية، ويبقى الفاسد الأصلي خارج مدى الرؤيا والمسؤولية. ويظهر الفاسد عادة امام الناس ووسائل الاعلام بمظهر الشريف الطاهر. ويُختار الشركاء عادة من بين البسطاء ومن ذوي النفوس الضعيفة والضمائر المنحطة الذين يسهل التخلص منهم في نهاية الامر وذلك بالقاء المسؤولية الجنائية على عاتقهم وقتلهم اذا اقتضى الامر. 7ـ عدم اللجوء الى العنف على الأغلب: تمتاز الغالبية العظمى من جرائم الفساد بانها تتم باتفاق بين الجاني والضحية، بل ان الضحية هو الذي يسهل في الغالب ارتكابها عليه ويوفر الظروف الملائمة لها لتحقيق مصالحه غير المشروعة ولتحقيق مصالحه المشروعة بوسائل غير مشروعة، وعلى هذا النحو لا حاجة للعنف.ذلك ان جرائم العنف غالباً ما تلفت انتباه المجتمع وتكون محل اهتمام السلطات مما يؤدى الى كشف الجريمة ودوافعها. وسبق القول ان هذه الجريمة ترتكب من قبل أشخاص على قدر من الفهم والقابلية على تدارك الأوضاع السيئة، وعلى هذا النحو فانهم لا يلجئون الى العنف الا كحل اخير عندما تتوفر معلومات عنهم لدى اخرين وتشكل خطراً على حياتهم ومستقبلهم المهني وبعد فشل الأساليب الأخرى لحمل صاحب المعلومات على السكوت. 8ـ انها ظاهرة ذات طبيعة اقتصادية: تأثير الفساد السلبي على الاقتصاد الوطني امر متحقق دائما ولذا يبدو انه من مستلزماته بل ونتيجة طبيعية له ولذا فانه يبدو كخصيصة من خصائص هذه الجريمة اكثر مما يبدو كأثر من اثاره. ويقلل الفساد من فرص الاعمار والتنمية وفرص الاستفادة من المعونات والقروض الدولية ويخفض من معدلات النمو بصورة كبيرة، كما يؤدي الى تدهور البنية التحتية والخدمات العامة. وأكد تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2005، أن الرشاوى التي يستولي عليها قلة من البشر على حساب غالبية المواطنين، تؤثر بشكل كبير على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل: القضاء على الجوع الذي يعاني منه 1.2 مليار شخص يعيشون على أقل من دولار في اليوم، وتعميم التعليم الابتدائي، بحيث يستوعب 113 مليوناً من الأطفال محرومين من فرص التعليم في العالم، وتخفيض وفيات الأطفال دون سن الخامسة بواقع الثلثين، حيث يموت 11 مليوناً من الأطفال الصغار سنوياً.
ويقول رئيس المنظمة، بيتر ايجن، في عرضه لتقرير عن
الفساد لعام 2005،) يعد الفساد في المشاريع العامة
الكبيرة الحجم، عقبة كبيرة أمام التنمية المستدامة،
ويعد كارثة كبيرة على الدول المتطورة والنامية على حد
سواء"، مضيفاً "أنه عندما يغلب الإنسان المال على
القيم، تكون النتيجة إنشاءات رديئة الجودة وإدارة
ضعيفة للبنى التحتية، وأن في ذلك مضيعة للمال، ونهبا
لموارد الدول، وقتل أرواح في الكثير من الأحيان"،
مؤكداً على ضرورة "المحافظة على الأموال والمعونات
المخصصة لمشاريع إعادة البناء في بعض الدول، مثل
العراق من خطر الفساد"، مضيفاً "يجب أن تكون الشفافية
الشعار الأول، وخصوصا في هذا الوقت الذي تقوم فيه
الدول المانحة بضخ مبالغ هائلة من أجل إعادة البناء في
الدول الآسيوية التي تضررت بفعل مد تسونامي). و تخلص أبحاث معهد البنك الدولي إلى أن أكثر من تريليون دولار أميركي (1000 بليون دولار أميركي) تدفع رشاوي كل عام. وأن هذا الرقم لا يتضمن اختلاس الأموال العامة وسرقة الموجودات العامة. وتبين أبحاث معهد البنك الدولي أن البلدان التي تكافح الفساد وتحسّن سيادة القانون فيها يمكنها أن تزيد دخولها الوطنية بما قد يبلغ أربعة أضعاف على المدى الطويل ويمكنها أن تخفض وفيات اَلرُّضَّع فيها بنحو 75 في المائة. وان بلدا يبلغ نصيب الفرد فيه من الدخل 2000 دولار، يمكنه اذا جابه الفساد وعمل على تحسين نظام الادارة العامة وسيادة القانون فيه، ان يتوقع زيادة نصيب الفرد من الدخل فيه الى 8000 دولار امريكي على المدى الطويل (11).
خامسا: صور واثـار الفسـاد: ومن جانب اخر فان لظاهرة الفساد صور متنوعة تترتب على كل منها جملة من الاثار السلبية الخطيرة،وكما يأتي:
الصورة الاولى ـ الفساد يهدد التنمية الإنسانية: يشكل الفساد اعتداءاً على حق الانسان في التعليم الجيد والرعاية الصحية الجيدة وحقه في العيش في بيئة نظيفة. أ ـ الفساد في قطاع التربية والتعليم (جريمة سرقة المستقبل) التعليم هو بناء القدرة البشرية كما ويعتبر حجر الزاوية في التنمية الإنسانية، وهو حق وهدف وغاية في حد ذاته، فالمعرفة قوة بحد ذاتها، فضلا عما يوفره التعليم من من فرص لتحسين الرفاه الاجتماعي وتأثيره المباشر على نمو الاقتصاد ورفع مستوى القيم والتحضر في المجتمع. وخلصت دراسة اشار اليها تقرير الامم المتحدة للتنمية الانسانية للعام 2002 الى ان راس المال البشري والاجتماعي ـ المتعلم ـ يساهم بما لا يقل عن 64 % من أداء النمو، بينما يسهم راس المال المادي ـ الالات والبنى التحتية الأساسية ـ بنسبة 16 % من النمو، بينما يسهم رأس المال الطبيعي بالنسبة المتبقية. وتظهر التقديرات العالمية الى ان زيادة نسبة خريجي المرحلة الثانوية بنسبة 1 % تقترن بزيادة تتراوح بين 6 ـ 15 % في دخل 40 % من أفقر السكان. وعليه كما يؤكد التقرير فان التعليم يخدم النمو والمساواة، وان تكاليف تحسين التعليم قد تكون ضخمة الا ان كلفة استمرار الجهل لا حدود لها. (12) وعلى اساس هذا الوعي للدور للخطير الذي يمكن ان يلعبه التعليم في حياة المجتمع تخصص اغلب الدول ميزانيات ضخمة للتعليم مدعومة غالباً بمساعدات دولية، ألا ان الفساد يمتص اغلب هذه الموارد ويحرف المتبقي منها عن أهدافه. حيث يؤدي الفساد الى انحدار مستوى التعليم وضياع فرص توفر تعليم شامل عالي الجودة، وبالتالي تدني مستوى التعليم الى أدنى مستوياته، مما يلحق اكبر الضرر بفرص التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وتشكل الميزانيات الضخمة التي تخصصها الدول لقطاع التعليم هدفا للفاسدين (13). وقد أطلق بحق على جريمة الفساد في نطاق التعليم وصف (جريمة سرقة المستقبل). ويتجسد الفساد في أطار التعليم في الصور التالية: 1ـ عدم وجود ستراتيجية واضحة للنظام التعليمي بما في ذلك تحديد نوع القيم التي يجب ان يوفرها التعليم للتلاميذ والطلبة، وكذلك عدم وجود برنامج لتقييم الاداء والجودة في قطاع التعليم، وعدم الاهتمام بنوعية وكفاءة القائمين على التعليم، يعتبر نوعا من الفساد الاداري، من وجهة نظرنا. كما تعتبر اللامبالاة وعدم الاهتمام بالمظهر الخارجي للطالب ومراقبة نظافته، كما كان سائداً من قبل، نوعا من الفساد. 2ـ عزوف المعلمين والمدرسين عن أداء واجباتهم التعليمية بصورة صحيحة في نطاق المؤسسة التعليمية كوسيلة للضغط على الطلبة لدفع الرشاوى المبطنة عبر واجهة الدروس الخصوصية. 3ـ إيقاع نسبة رسوب كبيرة بين الطلبة بوسائل متعددة منها وضع أسئلة تعجيزية وتحتمل عدة وجوه للإجابة، مما يثير الذعر بين أوساط الطلبة وعوائلهم ومن ثم يضطرون الى دفع الرشاوى والهدايا الثمينة. وتؤدي صور هذا النوع من الفساد الوارد في الفقرتين (2 و3) الى ضياع فرصة تمييز الطالب الموهوب المتفوق والعبقري عن أقرانه من أصحاب الكفاءات المتوسطة والمتدنية، وهذه ولاشك نتيجة خطيرة، ذلك ان شخص موهوب وعبقري واحد يمكن ان يغير وجهة التاريخ. 4ـ وفي اطار الإدارة التعليمية المحلية، تعتبر المشتريات المدرسية من اهم وسائل امتصاص الأموال المخصصة للتعليم، حيث تدون في قوائم المشتريات أسعار تزيد عن الأسعار الحقيقية للشراء تصل إلى عدة أضعاف. وتصل الفروق بين السعر الحقيقي والسعر المزيف أحيانا الى مليارات الدنانير. 5ـ تعتبر مقاولات الأبنية المدرسية الأشهر في قضايا الفساد، حيث تستخدم مواد أولية مخالفة للمواصفات المطلوبة مما يقلل من العمر التشغيلي لهذه الأبنية فضلا عن تدني كفاءة الأجهزة والأدوات المخصصة للمؤسسة، كالمختبرات ومقاعد الجلوس ووسائل الإيضاح، مما يستدعي استبدالها في أوقات قصيرة لتكون محلاً للفساد مرة أخرى. 6ـ تخصيص الدراسات العليا والمنح الدراسية على أساس الانتماء الحزبي والمحسوبية والمنسوبية ومقابل الرشاوى، مما يعني استبعاد اصحاب الكفاءات الحقيقية الذين يمكن ان يقدموا انجازات علمية وفنية وثقافية حقيقية للبلد، والنتيجة حملة شهادات عليا لا يملكون من قدرات الخلق والابداع شيئاً يذكر وهكذا تضيع فرص التقدم والتطور، ويبقى المجتمع يدور في حلقة الجهل والتخلف. 7ـ الغش في الامتحانات: الغش في الامتحانات والتغاضي عنه اكبر خديعة ترتكب بحق المجتمع بل هي مؤمراة وخيانة كبيرة للمجتمع، فالغشاش يمكن ان يتخرج من كلية الطب ليكون طبيباً لا يعرف معنى الامانة الطبية ومن كلية القانون ليكون قاضيا مرتشياً غير عادل ومحاميا متآمرا على العدالة وسفيرا ورجل دولة انتهازي وصيدلي يمارس بيع الادوية المغشوشة واستاذا يبيع الاسئلة.. فلا يتوقع ممن كان وصوله عن طريق الغش ان يكون مستقيماً وفاضلاً، ذلك ان الفضيلة تعني استعداداً دائماً ومستمراً للنفس البشرية لفعل الخير ورد الشر ونبذ الغش والفساد، فالفضيلة تحمل طابع الدوام والثبات والتعود، اما اذا اتخذ السلوك الفاضل صفة التقطع فلا يعد فضيلة، لان التقطع يرتبط بالانتهازية والتحيز والفساد، وعلى هذا النحو فان الانسان اما ان يكون فاضلاً على طول الخط ولا يكون. ب ـ الفساد في قطاع الرعاية الصحية (جريمة سرقة الحياة) ان مفهوم الرعاية الصحية الجيدة ـ كما يشير تقرير التنمية الانسانية 2002 ـ يقوم على عنصري الجودة والعدالة، وتعني الجودة وجود نظام صحي يستجيب بشكل جيد لما يتوقعه منه الناس، اما العدالة فتعني استجابته على قدم المساواة لكل فرد دون تمييز (14)، ويتسبب الفساد والغش في القضاء على الجودة وفي هدر المساواة مما يفرغ مفهوم الرعاية الصحية من محتواه الفني والإنساني. حيث تشكل الميزانيات الضخمة التي تخصصها الدول للرعاية الصحية هدفاً مغرياً للفساد. ويؤدي الفساد في مجال الخدمات الصحية الى وفاة الملايين من البشر سنوياً اغلبهم من الاطفال والنساء والحوامل رغم ان حجم الانفاق الدولي السنوي على قطاع الرعاية الصحية يقدر بحوالي (3) تريليون دولار. وتتخذ جرائم الفساد في القطاع الصحي صوراً متعددة منها: 1 ـ في قطاع استيراد الادوية والاجهزة الطبية تحال مناقصات الشراء على الشركات التي تدفع عمولات ورشاوى اكثر من غيرها بناءاً على مساومات بين الشركات المجهزة والموظفين الفاسدين، مما يدفع الشركات المجهزة الى اخذ ذلك بنظر الاعتبار اما من حيث تخفيض مستوى النوعية ورفع الاسعار المعروضة. 2 ـ استبدال الادوية ذات الجودة العالية باخرى اقل جودة ومغشوشة لاستخدامها في المستشفيات العامة، في حين تباع الادوية الجيدة للقطاع الخاص. على سبيل المثال تم في نيجيريا ضبط حالات تم فيها سرقة مادة الادرينالين المخصصة لانقاذ الحياة واحلال الماء بدلا عنها. 3 ـ الاتجار بالأعضاء البشرية عبر خداع البسطاء والمعوزين لبيع أعضائهم وإحالتهم لإجراء عمليات جراحية بهدف سرقة أعضائهم. 4 ـ استدراج المرضى الى العيادات الخاصة من خلال التشكيك في جدوى المستشفيات العامة. 5 ـ عمليات الفساد في عقود الشراء المحلية واعمال مقاولات بناء المستشفيات والمراكز الصحية. 6 ـ السرقة المباشرة للادوية والمستلزمات الطبية والاغذية المخصصة للمرضى من قبل موظفي المستشفيات وبيعها في الاسواق المحلية. 7 ـ الرشاوى التي تتلقاها فرق التفتيش مقابل غض النظر عن المخالفات الصحية في المصانع والمحلات العامة. 8 ـ الفساد في منظمات المجتمع المدني التي تتلقى المساعدات الانسانية الطبية ومواد الاغاثة والتموين من المجتمع الدولي وتتصرف فيها من خلال بيعها في الاسواق المحلية واختلاس الأموال المقدمة كمساعدات. 9 ـ التزوير والغش في نظام التأمينات الصحية من خلال ادراج اسماء اشخاص وهمية ووصفات طبية تصرف لغرض السرقة.
الصورة الثانية ـ الفساد يهدد العدالة (البقشيش لميزان العدالة): قراءة في تقرير الفساد العالمي لعام 2007 ـ الذي اعدته مؤسسة كلوبل لصالح منظمة الشفافية الدولية. حسب تقرير الشفافية الدولية لسنة 2007 فأن الفساد يقوض النظم القضائية في العالم، ويحرم المواطنين من الوصول الى العدالة، وتعزيز حق الإنسان الأساسي في محاكمة عادلة ونزيهة، وأحيانا حتى الحق في محاكمة على الإطلاق. وتقول هوجيت لابيل ـ رئيسة منظمة الشفافية الدولية (فساد القضاء يعني أن أصوات الأبرياء تذهب أدراج الرياح، بينما يفلت المذنب دون عقاب) مؤكدة (إن المساواة أمام القانون هي دعامة المجتمعات الديمقراطية. وعندما تفسد المحاكم بسبب الجشع والانتهازية السياسية، تجنح موازين العدالة ويعاني المواطنون العاديين) وحسب التقرير، يقسم الفساد القضائي عادة الى نوعين: النوع الأول هو التدخل السياسي في العملية القضائية من قبل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. والنوع الثاني هو الرشوة. ويكشف احدث مسح استقصائي عالمي لمنظمة الشفافية الدولية حول المواقف من الفساد في اكثر من خمسة وعشرين بلدا، ان على الاقل واحدة من كل عشرة اسر (10 %) اضطر لدفع رشاوى للحصول على العدالة. وفي اكثر من عشرين دولة، قال اكثر من ثلاثة من كل عشر اسر (30 %) ان الرشوة كانت الوسيلة لتأمين الوصول الى العدالة ولحكم عادل في المحكمة.وكانت هذه النسبة مرتفعة في كل من البانيا واليونان واندونيسيا والمكسيك ومولدوفيا والمغرب وبيرو وتايوان وفنزويلا. ويشير التقرير الى انه وفقا لدراسة استقصائية اجريت عام 2002 فإن (96 %) من الذين استجابوا للدراسة في باكستان ممن كان لهم اتصال مع المحاكم الابتدائية قد واجهوا ممارسات فاسدة، بينما في روسيا تقدر مبالغ الرشاوى بمبلغ (210) مليون دولار يعتقد انها تدفع سنوياً في المحاكم. ويرى تقرير الفساد العالمي لسنة 2007 انه رغم مرور عقود من الإصلاحات من اجل حماية استقلال السلطة القضائية في العالم، لكن الضغوط على الأحكام لأسباب ومصالح سياسية ما زال كثيفاً، ورغم ان العديد من القضاة في كل انحاء العالم تتصرف بنزاهة، ولكن ما زالت المشاكل موجودة. ويمضي التقرير قائلاً: ان خطر الانتقام السياسي من القضاء النزيه الذي يرفض المساومة قد يكون سريعاً وقاسياً.وان إجراءات لتأديب وعزل القضاة الفاسدين يمكن ان تنتهي بها المطاف بأستخدامها لعزل القضاة المستقلين عن التأثيرات السياسية ونقلهم الى اماكن نائية. كما ان الفشل في تعيين القضاة على أساس الجدارة يمكن ان يؤدي الى اختيار أشخاصا يسهل التأثير عليهم وإفسادهم. كما يمكن نقل القضاة (المزعجين للسلطة) ونقل القضايا الهامة للقضاة الأكثر تساهلا، وهي الأساليب التي استخدمها رئيس بيرو السابق البرتو فوجيمري. ويؤكد التقرير ان الفساد يتيح للسياسيين شراء الغطاء القانوني لتغطية الاختلاسات والمحسوبية والمحاباة والقرارات السياسية غير المشروعة. ان هذا التدخل يمكن ان يكون سافراً بالإيذاء البدني والتهديدات والتخويف، وعن طريق غير مباشر عن طريق التلاعب بالتعيينات القضائية ورواتب وشروط الخدمة. تعتبر الرشوة الجانب الاخر المظلم للفساد القضائي، والتي يمكن ان تتم من خلال نسيج العملية القضائية نفسها، ويشير التقرير الى ان التقارير القطرية تشير لـ (32) دولة ان القضاة قد تقبل الرشاوى لإبطاء وتسريع النظر في القضايا وقبول ورفض الاستئناف والتأثير في قضاة آخرين ولمجرد الحكم في القضية بطريقة معينة.ويسعى موظفي المحاكم الى الحصول على رشاوى مقابل الخدمات التي ينبغي ان تكون مجانا. وقد يطلب المحامون اجور اضافية لتعجيل وتأخير القضايا وتوجيه العملاء والقضايا الى قضاة معروفين بقبولهم للرشاوى. واشار التقرير الى ان ضعف الراتب يعتبر من العوامل التي تؤثر على قابلية القاضي للفساد، على سبيل المثال لا الحصر، ان عدم وجود امان وظيفي بالإضافة الى ظروف وشروط العمل وعدم العدالة في الترقية والنقل وانعدام التدريب المستمر، كلها أسباب، تجعل القضاة وغيرهم من موظفي المحكمة عرضة للرشوة. وتعزز إجراءات المحاكم المبهمة من عمليات الرشوة حيث تمنع وسائل الاعلام والمجتمع المدني من رصد نشاط المحاكم وفضح الفساد القضائي.
الحلول: الاستقلال، الانفتاح، توفير موارد كافية، المساءلة. يقدم تقرير الفساد العالمي لعام 2007 توصيات مفصلة لتعزيز استقلالية القضاء والمساءلة والنزاهة الشخصية، ويتلخص أهمها بما يأتي: 1ـ يجب ان تكون تعيينات وعزل القضاة والنيابة العامة شفافة ومستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعلى أساس الخبرة والأداء. 2ـ يجب اعطاء الصحافة حرية المتابعة والتعليق على الاجراءات القانونية والمحاكمات. ونشر التقارير والمعلومات الموثقة بشأن القوانين واقتراحات التغيير في التشريعات وإجراءات المحاكم وإصدار الأحكام. 3ـ ان دور المجتمع المدني امر حتمي، كما يؤكد التقرير، عن طريق الرصد والتعليق على اختيار القضاة وانضباط قضاة المحاكم. 4ـ يجب ان تعكس رواتب القضاة الخبرة والأداء والتطوير المهني، وينبغي توفير رواتب تقاعدية مناسبة. 5ـ يجب ان تستند التنقلات القضائية الى معايير موضوعية لحماية القضاة المستقلين والمحايدين. 6ـ حصول القضاة على حصانة محدودة للأعمال المتعلقة بواجباتهم القضائية. 7ـ يجب التحقيق في الادعاءات ضد القضاة بدقة عن طريق هيئة مستقلة. 8ـ يجب ان تكون عملية عزل القضاة شفافة ونزيهة مع معايير صارمة ودقيقة، واذا كان هناك أي اتهام بالفساد، يقدم القاضي للمحاكمة. 9ـ يجب ان توفر السلطة القضائية للجمهور معلومات موثوق بها عن انشطتها ونفقاتها. 10ـ اتاحة الحصول على المعلومات عن القوانين والتغييرات المقترحة في التشريعات واجراءات المحاكم والوظائف الشاغرة والتعيينات. 11ـ يجب ان تكون الاجراءات القضائية علنية ومسببة مع السماح بنشرها. وتوجد توصيات اضافية وتفصيلية في تقرير الفساد العالمي لعام 2007. ويشير التقرير الى ان جهود منظمة الشفافية الدولية في مكافحة الفساد في النظم القضائية متنوعة منها: 1ـ مراقبة القضاة وحضور المحاكمات وتقييم جودة الأحكام. 2ـ المساعدة في فرز المرشحين لمناصب القضاة، وتأكيد شفافية التعيين على اساس الجدارة. 3ـ تقديم المشورة المجانية لضحايا الفساد من خلال (16) مركز للمشورة القانونية في (12) دولة.(14)
الصورة الثالثة ـ الفساد يهدد القيم الاجتماعية: فضلا عن كون الفساد يؤدى إلى القضاء على هيبة القانون، فإنه يؤدى إلى انهيار شديد فى البيئة الاجتماعية والثقافية. وعندما تقبل أجيال المواطنين الفساد كأسلوب فى العمل وطريقة للحصول على مزايا فى المجتمع يبدأ النسيج الأخلاقي المجتمعي في الانهيار، والى بروز ظواهر الإحباط وأنتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع وبروز التعصب والتطرف في الآراء والمعتقدات وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص. وفي ظل حكم الفساد تنشأ ممارسات لا أخلاقية للتعيين والترقية وشغل المناصب العليا أساسها التملق والنميمة والكذب والغش والتزوير والانتهازية.. وتهمل في المقابل معايير الكفاءة العلمية والمهنية والأمانة والاجتهاد والحرص،ويترتب على ذلك وفقا للنتيجة الطبيعية لتسلسل الأحداث الى استبعاد أصحاب الكفاءة والعلم والمعرفة.. مما يؤدي بالتالي إلى فقدان الشعور الوطني وانحدار قيمة العمل وروح المبادرة والتقبل النفسي لفكرة التفريط في أداء الواجب العام والاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة، بينما يتزايد عدد الصاعدين بالوسائل اللااخلاقية فتتكون بالنتيجة نخبة سياسية متسلطة فاسدة. يتبع............. أثار الفساد وطرق الوقاية والعلاج
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ الهوامش 1ـ البقرة: 205. 2ـ للاطلاع على موجز التقرير والبيانات الصحفية بشأنه، منشور في موقع المنظمة الدولية للشفافية http://www.transparency.org/. 3ـ هود: 117. 4 ـ ابو بكر الرازي، مختار الصحاح، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994. 5 ـ موقع منظمة الشفافية الدولية: http://www.transparency.org/news_room/faq/corruption_faq#faqcorr1 6 ـ تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005، ص46 ـ 47. 7 ـ اللواء د. محمد الامين البشري، الفساد والجريمة المنظمة ص 13 وما بعدها. 8 ـ بحثنا الموسوم (الجريمة والعقاب ـ ج1 ـ الظاهرة الإجرامية) 9 ـ منشور في موقع الشفافية الدولية. 10ـ منشور في موقع الشفافية الدولية. 11ـ تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 ص47. 12ـ اجمالي الانفاق الحكومي على التعليم كنسبة مئوية من الناتج القومي الاجمالي كالاتي: افريقيا جنوب الصحراء الكبرى) 5.0%)، الدول العربية (4.5%)، اسيا الوسطى (%3.2)، شرق اسيا والمحيط الهادي (4.7%)، جنوب وغرب اسيا (3.7%)، امريكا اللاتينية والكاريبي (5.0%)، امريكا الشمالية وأوربا الغربية (5.7%)، أوربا الوسطى والشرقية (4.9%).، ملخص التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2008 ص31. كما ان حجم المعونات المقدمة إلى البلدان النامية المخصص للتعليم ارتفعت من 5.6)) مليار دولار في عام 2000 الى 9.5)) مليار في عام 2004.ـ ملخص التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007، ص19 وما بعدها. 13ـ تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 ص 34 وما بعدها. 14 ـ منشور في موقع منظمة الشفافية الدولية. المراجع العلمية: ـ اللواء د. محمد الامين البشري، الفساد والجريمة المنظمة، منشورات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،2007. ـ.د عبد الفتاح مصطفى الصيفي،ا.د مصطفى عبد المجيد كاره،ا.د احمد محمد النكلاوي، الجريمة المنظمة ـ التعريف والأنماط والاتجاهات،منشورات أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية،ط1، الرياض، 1999. ـ مختار حسين شلبي، الاجرام الاقتصادي والمالي الدولي وسبل مكافحته، منشورات جامعة نايف العربية للعلوم الامنية، الرياض،2007. ـ تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2002 ـ خلق الفرص للاجيال القادمة، برنامج الامم المتحدة الانمائي ـ الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي. ـ تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2004 ـ نحو الحرية في الوطن العربي، برنامج الامم المتحدة الانمائي ـ الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي. ـ تقرير التنمية الانسانية العربية للعام 2005 ـ نحو نهوض المرأة في الوطن العربي، برنامج الامم المتحدة الانمائي ـ الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي. ـ ملخص التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2007 ـ ارساء اسس متينة من خلال الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافةـ اليونسكو، 2006،منشور على موقع المنظمة WWW.efareport.unesco.org ـ ملخص التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2008 ـ التعليم للجميع بحلول عام 2015 هل سنحقق هذا الهدف؟، منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ـ اليونسكو،2007. ـ ابو بكر الرازي، مختار الصحاح، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |