بحوث

منهجية البحث التاريخي

 

الدكتورالسيد علاء الجوادي

 المقدمة

الدكتور جواد علي واحد من الشخصيات العلمية العراقية المعروفة البارزة. وهومؤرخ مشهور كان له مساهمة مهمة في البحث التاريخي خصوصاً عن العرب في العصر الجاهلي. وموسوعته "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" تعبر عن جهد كبير في دراسة تاريخ العرب من جوانب متعددة مُستوعبة. فلقد شرع جواد علي بمشروع الكتابة عن تاريخ العرب قبل الإسلام فألف ثمانية أجزاء، ثم انه طور محاولته هذه فأعاد صياغة ما كتبه في الأجزاء الثمانية المذكورة، فكانت أعادته لصياغة الكتاب في الواقع كتابا جديدا، يختلف عن كتابه السابق الذي ظهرت منه ثمانية أجزاء. يختلف عنه في إنشائه، وفي تبويبه وترتيبه، وفي كثير من مادته أيضاً، فقد ضمنه مادة جديدة، خلا منها الكتاب السابق، تهيأت له من قراءاته لكتابات جاهلية عُثر عليها بعد نشر ما نشر منها، ومن صور كتابات وترجماتها ونصوصها لم تكن قد نشرت من قبل، ومن مراجعاته لموارد نادرة لم يسبق له بالظفر بها والوقوف عليها، ومن كتب ظهرت حديثاً بعد نشر تلك الأجزاء، فرأى إضافتها كلها إلى معرفته السابقة التي جسدها في ذلك الكتاب.

وكان من رأي الباحث المؤرخ المعروف الأستاذ الفاضل محمد بهجت الأثري تسميته: " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، لما فيه من تفصيل لم يرد في الكتاب السابق، وقد وافق جواد علي على هذا المقترح لما اعتقده من صوابيته لأنه حسب اعتقاده رأي ينطبق كل الانطباق على ما جاء في كتابه الجديد.

 

مصاعب العمل

لقد كان العمل الذي اضطلع به الدكتور جواد علي في كتابيه الموسوعيين عن تاريخ العرب قبل الإسلام عملاً صعباً مرهقاً. وذلك لانه كان عمل فرد عليه جمع المادة بنفسه، والسهر في تحريرها وتحبيرها، وعليه الإنفاق من ماله الخاص على شراء موارد غير متيسرة في بلاده، وليس في استطاعته مراجعتها بسبب القيود المفروضة على إعارة الكتب، ولاعتبارات أخرى، ثم عليه البحث عن ناشر يوافق على نشر الكتاب، ثم عليه تصحيح المسودات بنفسه بعد نجاحه في الحصول على ناشر، إلى غير ذلك من أمور تسلبه راحته وتستبد به وتضنيه. وقد علل جواد علي رحمه الله تحمله لكل هذا العناء بقوله واصفاً نفسه وغيره من الباحثين في العراق " ولولا الولع الذي يتحكم في المؤلفين في هذه البلاد، لما أقدم إنسان على تأليف كتاب".

 

أخلاقية البحث العلمي

وتنعكس أخلاقية البحث العلمي للأستاذ جواد علي في مقدمة موسوعته فلا يدعي لعمله على ضخامته ادعاءات عريضة، انطلاقا من فهمه لضخامة المشروع من جهة ولمحدودية الطاقات الفردية من جهة أخرى. فهويرى إن عملاً يتم بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة، لا يمكن أن يرضي المؤلف ويسعده، لأنه عمل يعتقد أنه مهما انفق فيه من جهد وطاقة واجتهاد، فلن يكون على الشكل الذي يتوخاه ويريده، والصورة التي رسمها في فكره وتصورها له. لكنه يرى في المقابل إن عملية النقد العلمي التي يقوم بها القراء لعمله الموسوعي تؤدي حسب تصوره إلى تقويم عوجه وإصلاح أغلاطه وإرشاده إلى خير السبل المؤدية إلى التقويم والإصلاح. وهويعتقد كذلك أن في التردد والأحجام سلبية لا تنفع، بل إن فيها ضرراً، وإن كتاباً يؤلف وينشر على ما يجمع من عيوب ونقائض خير من لا شيء. ويقول: "لولا هذه الاعتبارات  لما تجرأت، فأخرجت كتاباً وعددتني مؤلفاً من المؤلفين". إن جواد علي ينطلق في موقفه هذا من فهم عميق للبحث العلمي خصوصاً الموسوعي منه بعيداً عن تقمص أساليب من يحاول أن يظهر أمام قراءة ببزة التواضع وذلك لانه يعتقد كما يقول: "أن الإنسان مهما حاول أن يتعلم، فانه يبقى إلى خاتمة حياته جاهلاً، كل ما يصل إليه من العلم هونقطة من بحر لا ساحل له. ثم إني مازلت أشعر أني طالب علم، كلما ظننت أني انتهيت من موضوع، وفرحت بانتهائي منه، أدرك بعد قليل أن هناك علماً كثيراً فاتني، وموارد جمة لم أتمكن من الظفر بها".

وضمن أخلاقية العالم الباحث نرى الدكتور جواد علي يشير بذكر الأستاذ محمد بهجت الأثرى لما كان له من دور في إعانته في إنجاز كتابه.

 

منهجية البحث

بعد هذه المقدمة الموجزة عن مشروع المرحوم جواد علي الموسوعي عن تاريخ العرب قبل الإسلام نحاول أن نلقي حزمة ضوءٍ على منهجيته العلمية في التعامل مع مشروعه هذا.

 

اولا: الابتعاد عن الأحكام القاطعة:

إحدى أهم الإشكاليات على تدوين التاريخ هي محاولة المؤرخ أن يستخلص أحكاماً معينه بدافع من دوافعه المزاجية والدينية والسياسية والعنصرية. وأمام هذه المشكلة يحاول المؤرخ الموضوعي ألا يطوع الحدث التاريخي ويصوغه وفق رؤية قبليه، لكن تشخيص المشكلة والرغبة في الموضوعية عملية شاقة تحتاج إلى  نزاهة خلقية رفيعة ومقدرة علمية عالية. إما جواد  علي فقد حاول أن يتعامل مع هذه القضية وفق منهجية عدم نصب نفسه حكماً تكون وظيفته إصدار أحكام قاطعة، وإبداء آراء في حوادث تاريخية مضى زمن طويل عليها، بل يكتفي بوصف الحادث وتحليله كما يبدوله. وذلك لان التأريخ تحليل ووصف لما وقع ويقع وينطلق في موقفه هذا من خلال فهمه أن دور المؤرخ هو:

1- أن يجهد نفسه كل الإجهاد للإحاطة به، بالتفتيش عن كلٌ ما ورد عنه.

2- مناقشة ذلك مناقشة تحميصٍ ونقد عميقين.

3- تدوين ما يتوصل إليه بجهده واجتهاده تدويناً صادقاً على نحوما ظهر له وما شعر به، متجنباً إبداء الأحكام والآراء الشخصية القاطعة على قدر الاستطاعة.

 

ثانيا: الموسوعية:

تختلف البحوث من حيث الجانب الكمي والذي بدوره يؤثر بصورة واضح على المنهجية فالبحث عن قضية معينه محدودة يقتضي منهجية تختلف عن البحث عن عدد كبير من القضايا. ولكل من اللونين من البحوث دوره وأهميته بل أن الأعمال الموسوعية على الرغم من افتقادها للجنبة المستوعبة الدقيقة لكل مفرده، إلا أنها تشكل الأرضية للانطلاق ببحوث محدده تفصيلية. ومع افتقاد الساحة الثقافية العربية إلى عمل موسوعي معاصر مفصل عن تاريخ العرب الجاهلي انطلق الدكتور جواد علي في مبادرته والتي قال عنها:" والكتاب بحث أردت جهد طاقتي أن يكون تفصيلياً، وقد يعاب عليٌ ذلك وعذري في هذا التفصيل أنني أريد تمهيد الجادة لمن يأتي بعدي فيرغب في التأليف في هذا الموضوع، وأني أكتب للمتتبعين والمتخصصين، ومن حق هؤلاء المطالبة بالمزيد".

 وقد سعى في كتابه إلى تقصي" كل ما يرد عن موضوع من الموضوعات في الكتابات وفي الموارد الأخرى، وتسجيله وتدوينه، ليقدم للقارئ أشمل بحث وأجمع مادة في موضوع يطلبه، لأن غايته من هذا الكتاب أن يكون "موسوعة" في الجاهلية والجاهلين، لا يدع شيئاً عنها وعنهم إلا ذكره في محله، ليكون تحت متناول يد القراء المتخصصين والباحثين الذين يرغبون في الوقوف على حياة الجاهلية بصورة تفصيلية" لتناول كل نواحي الحياة عند الجاهليين: من سياسية، واجتماعية، ودينية، وعلمية، وأدبية، وفنية، وتشريعية.

 

ثالثا: مشكلة التعريف: تحديد من هوالعربي:

من أهم المشاكل المنهجية التي واجهت بحث جواد علي عن العرب قبل الإسلام هوتحديد ما هوالمقصود بالعربي والسامي. لقد قال الباحث في كتابه السابقة إن مصطلح الشعوب العربية هوأصدق اصطلاح يمكن إطلاقه على تلك الشعوب، وإن الزمان قد حان لاستبدال مصطلح "سامي" و"سامية" بــ  "عربي" و"عربية"  وقدم تعليلاً في الجزء الثاني منه لترجيح هذه التسمية. كما أن البعض اقترح عليه أن يدخل في العرب كل الساميين، وأن يتحدث عنهم في كتابه "المفصل" كما يتحدث عن العرب وذلك لأن وطن الساميين الأول هوجزيرة العرب، ومنه هاجروا إلى الأماكن المعروفة التي استقروا فيها، فهم في ذلك مثل القبائل العربية التي تركت بلاد العرب، واستقرت في العراق وفي بادية الشام وبلاد الشام، لا يختلفون عنهم في شيء. وعلى الرغم من هذه وتلك فأنه اختار عدم اعتبار كل الساميين من العرب منطلقاً من أن القبائل العربية المهاجرة هي قبائل معروفة الأصل وقد نصٌت الكتابات والموارد الأخرى على عروبتها، ونسبت هذه القبائل نفسها إلى جزيرة العرب، ولهجاتها لهجات عربية، لا ريب في ذلك ولا نزاع، وثقافتها عربية. إما الشعوب السامية، فليس بين العلماء، كما سنرى، اتفاق على وطنها الأول، وليس بينها شعب واحد نسب نفسه إلى العرب، وليس في الموارد التاريخية الواصلة إلينا مورد واحد يشير إلى أنها عربية، ولهجاتها وإن اشتركت كلها في أمور، فإنها تختلف أيضاً في أمور كثيرة، هي أكثر من مواطن الاشتراك والالتقاء. ففرق كبير إذن بين هذه الشعوب وبين القبائل العربية من حيث العروبة. من هنا فأنه لم يضم أحداً من هؤلاء إلى الأسرة العربية بالمعنى الاصطلاحي المعروف المفهوم من لفظة العرب عندنا، إلا إذا توافرت الأدلة، وثبت بالنص أنهم من العرب حقاً، وأنهم كانوا في جزيرة العرب حقاً. ان حسم مسألة التعريف جعلت جواد علي يركز في بحثه على  مساحة معينة دون الولوج في غيرها إلا بمقدار تعلقها بتاريخ العرب كما حددهم. وعلى أي جال فهذه مسألة خلافية لا يمكن الحكم فيها بسهولة.

 

رابعا: محاور الدراسة:

لقد تناولت موسوعة الدكتور جواد علي عدداً من المحاور الأساسية للعرب قبل الإسلام وقد تفرع عن كل محور مجموعة من العناوين. وفي اعتقادنا انه يمكن فرز هذه المحاور إلى ما يلي:

 

أ‌-    مدخل عام

للتعريف بالعرب وبلادهم ويشتمل على المباحث التالية:

جزيرة العرب وطبيعتها وثرواتها وسكانها. كما يتناول صلات العرب بالساميين وطبيعة العقلية العربية. ثم يلقي ضوءا على طبقات العرب والعرب العاربة والعرب المستعربة. ويبحث عن اثر التوراة في تكوين فكرة عن انساب العرب. كما يستعرض انساب العرب وطبقاتها وقبائلهم. وتناول في هذا المدخل أيضا تاريخ الجزيرة القديم والعرب في الهلال الخصيب.

 

ب- صلات وعلاقات العرب بالأمم المجاورة:

وقد تناول جواد علي في هذا المحور صلة العرب بالأمم التي جاورتهم وجاوروها وخص من هذه الأمم: الكلدانيين والفرس والعبرانيين واليونان والرومان.

 

جـ-دول العرب وكياناتهم السياسية المهمة:

وقد درس الباحث ضمن هذا المحور عدداً من الدول العربية والكيانات القبلية الكبرى التي كان عندها نوعاً من أنواع الحكم آنذاك، ومن أمثلة ذلك:

 الدولة المعينية

مملكة حضرموت

حكومة قتبان

مملكتا ريدان ولحيان

السبئيون وملوك سبأ

همدانيون والحميريون

الإمارات العربية الشمالية والتأثيرات الساسانية والرومانية عليها

مملكتي النبط وتدمر

مملكة كندة

مملكة الحيرة وعمروبن هند

مملكة الغساسنة

مدن ذوات كيان سياسي مثل: مكة المكرمة ويثرب والطائف

 

د-المجتمع العربي

وقد تعرض جواد علي في هذا المحور إلى العديد من خصائص المجتمع العربي الجاهلي فتناول أثر أنساب القبائل العدنانية والقحطانية على العلاقات في المجتمع العربي. والسلم الطبقي ومنازل الناس ودرجاتهم. والفقراء والأغنياء في ذاك المجتمع وعرج على الأفراح والأحزان فيه. كما تناول دور الملوك وسادات القبائل. وتطرق في هذا المحور إلى الفقه الجاهلي والأحوال الشخصية، وطبيعة العقود والالتزامات. كما مر على الحكام في المجتمع العربي في الجاهلية.

 

هـ-أديان العرب

وكان المحور الأخر الذي درسه الباحث هوالدين عند العرب وقد تناول ضمنه العناوين التالية: أديان العرب والتوحيد والشرك عندهم وأنبياءهم في الجاهلية. وتطرق إلى فهمهم العقائدي وتصوراتهم نحو: الله ومصير الإنسان والروح والنفس والقول بالدهر والآلهة والتقرب إليها.

ودرس كذلك دور رجال الدين والأصنام وشعائر الدين والحج والعمرة. كما اهتم بموضوع بيوت العبادة مركزا على الكعبة المشرفة.

وتناول كذلك أصناف المتدينين وأشار إلى الحنفاء. كما تناول اليهودية بين العرب واليهود والإسلام وشعر اليهود. إما بالنسبة للنصرانية بين الجاهليين فقد

درس المذاهب النصرانية تنظيمها الديني وأثر النصرانية في الجاهلية.

ولم يفته أن يعرج على المجوس والصابئة بين العرب. وقد أشار إلى جانبا من معتقداتهم ذات البعد الديني مثل: تسخير عالم الأرواح وأوابد العرب والطيرة وبعض عادات الجاهليين الأخرى.

 

و- النواحي الاقتصادية عند العرب:

وقد اهتم الدكتور بالجانب الاقتصادي عند العرب الجاهليين فتناول فيه مواضيع كان لها أهميتها في حياة العرب قبل الإسلام من قبيل:

أ-أثر الطبيعة في اقتصاد الجاهليين

ب- الزراعة والمزروعات والمحاصيل الزراعية والشجر

ج-المراعي والثورة الحيوانية

د- الأرض والارواء والمعاملات زراعية

وتناول في هذا المحور كذلك الحياة الاقتصادية ودور وسائل النقل في ذلك وركوب البحر والتجارة البحرية وتجارة مكة والقوافل وطرق الجاهليين.

كما درس في موسوعته طبيعة التعاملات التجارية فتطرق إلى  الأسواق والبيع والشراء والشركة والمال وأصحاب المال والطبقة المملوكة والنقود. وما يتعلق بها من الإتاوة والمكس والاعشار. إضافة إلى قياس الأبعاد والمساحات والوزن والكيل. ولم يفته التطرق إلى الصناعة والمعادن والتعدين والحاصلات الطبيعة والحرف.

 

ز- العلم والفن

كما بحث عن العلوم والفنون عند العرب فأشار إلى الفن الجاهلي وما يتعلق به من القصور والمحافد والآطام والخزف والزجاج والبلور وعموم الفنون الجميلة.

 وبحث عن أمية الجاهليين وشؤون الكتابة عندهم فتناول الخط العربي والمسند ومشتقاته والكتابة والتدريس والكتاب والعلماء.

وتطرق إلى جملة من معارف تلك العصور وعلاقة العرب بها مثل الفلسفة والحكمة والأمثال والقصص والطب والبيطرة والهندسة والنوء.

ثم شرح عملية التوقيت عندهم والزمان والاشهر الحرم والنسيء والتقاويم والتواريخ.

 

ح- اللغة العربية وآدابها

وكان أخر محور تناوله المرحوم هولغة العرب وما يتعلق بها وقد تحدث ضمن ذلك عن اللغات السامية وناقش فكرة أن العربية لسان آدم في الجنة. وعرج إلى لغات العرب ولغة القرآن والعربية الفصحى واللسان العربي والمعربات. وتحدث عن النثر والخطابة وعن الإعراب والعربية واللحن والنحو.

ثم تطرق إلى الشعر متناولا حد الشعر والقريض والرجز والقصيد والعروض.

 وتناول كذلك موقف مدرستي البصرة والكوفة من الشعر، وتأثير العصبية  على الشعر وتدوين الشعر الجاهلي وأشهر  رواة الشعر وتنقيحه والدواوين وأشار إلى الشعر المصنوع المنسوب للجاهليين. كما ضمن جواد علي دراسته للشعر الجاهلي البحوث التالية:

بداية الشعر الجاهلي وأوائل الشعراء،

المعلقات السبع وأصحاب المعلقات،

الشعراء الصعاليك،

شعراء القرى العربية مثل: شعراء قريش وشعراء يثرب وشعراء ثقيف،

 الشعراء اليهود والشعراء النصارى،

آراء الشعراء الجاهليين،

شعر المخضرمين.

 

خامسا: مجلدات الموسوعة:

والملاحظ أن مجلدات الموسوعة لم تكن متطابقة مع محاور البحث بل أنها حافظت على الجانب الحجمي لكل مجلد فكان يقع على سبيل المثال محور علاقات العرب مع الأمم الأخرى في قسم من المجلد الأول وقسم من المجلد الثاني وهكذا. ولم يكن عدد مجلدات الموسوعة مخمناً بصورة دقيقة عند الباحث وقد قال: "والكتاب لذلك سيخرج في أجزاء، لا أستطيع تحديد عددها الآن، ولكني أقول بكل تأكيد انها ستزيد على العشرة". وقد جاء الكتاب بتسعة اجزاء كان عاشرها مجلدة أشتملت على الفهارس.

وصنع المؤلف تسعة فهارس لتسهيل مهمة البحث والتجول في أجزاء موسوعته وهي:

1-فهرس الأعلام

2-فهرس الأمم والشعوب والقبائل والجماعات

3-فهرس  الدول والممالك والأماكن

4-فهرس المذاهب والفنون والطوائف واللغات

5-فهرس السور القرآنية

6-فهرس المجامع والشركات والبعثات

7-فهرس الطباعة والمطبوعات

8-فهرس الموضوعات

9-فهرس الفهارس

 

سادسا: مصادر البحث:

يعتبر دكتور جواد علي أن تاريخ الجاهلية هوأضعف قسم كتبه المؤرخون العرب في تاريخ العرب، يعوزه التحقيق والتدقيق والغربلة، وأكثر ما ذكروه على انه تاريخ لهذه الحقبة، هوأساطير، وقصص شعبي، وأخبار أخذت عن أهل الكتاب ولا سيما اليهود، وأشياء وضعها الوضاعون في الإسلام، لمآرب اقتضتها العواطف والمؤثرات الخاصة.

ويرى الباحث إن هذا التاريخ لم تتم دراسته دراسة نقدية فاحصة إلا على يد المستشرقين في القرن التاسع العشر. استناداً إلى طرق البحث الحديثة التي دخلت على العلوم النظرية، وتفتحت بذلك آفاق واسعة في عالم التاريخ الجاهلي لم تكن معروفة، ووضعوا الأسس للجادات التي ستوصل عشاق التاريخ إلى البحث في تاريخ جزيرة العرب.

ويتابع دكتور جواد علي المستشرقين في مصادر بحثهم التي استقوا منها مادتهم التاريخية فيقسمها إلى:

1-النقوش والكتابات.

2- التوراة والتلمود والكتب العبرانية الأخرى.

3-الكتب اليونانية واللاتينية والسريانية ونحوها.

4-المصادر العربية الإسلامية.

ويقول حول كتب المؤرخين المسلمين:

لا نتمكن من الاطمئنان إلى هذه الأخبار والروايات المدونة في الموارد الإسلامية عن الجاهلية، إلا إذا وقفنا بها إلى حدود القرن السادس للميلاد والقرن الخامس على أكثر تقدير. أما ما روي على أنه فوق ذلك، فإننا لا نتمكن من الاطمئنان إليه، لأنه لم يرد به سند مدون، ولم يؤخذ من نص مكتوب، وإنما أخذ من أفواه الرجال.

 لكنه في المقابل يشيد بجهود المستشرقين في تدوين التاريخ الجاهلي وفي كتابته بأسلوب حديث، يعتمد على المقابلات والمطابقات ونقد الروايات والاستفادة من الموارد العربية والأعجمية. ويعتقد أنهم أفادوا مما جاء عن العرب في التوراة وفي التلمود وفي الكتب اليهودية، كما أفادوا مما جاء عن جزيرة العرب وسكانها في الكتابات الآشورية والبابلية ومن الموارد ( الكلاسيكية) والمؤلفات النصرانية سريانية ويونانية ولاتينية، فأضافوا كل ما تمكنوا الحصول عليه في هذا الباب إلى ما ورد في الموارد الإسلامية عن الجاهليين، فصححٌوا وقوموا، وسدوا بهذه المواد بعض الثلم في التاريخ الجاهلي.

 

وأخيرا: أماني المؤرخ

كانت للمرحوم جواد علي أمنيات يرغب بتحققها على صعيد دراسة تاريخ العرب قبل الإسلام وكان يرى إن مما يثير الأسف في النفوس، إن الغربيين يعنون بتأريخ الجاهلية ويجدون في البحث عنه والكشف عن مخلفاته وتركاته في باطن الأرض، ونشره بلغاتهم، ولا نرى حكوماتنا العربية ولا سيما حكومات جزيرة العرب، إلا منصرفة عنه، لا تعنى بالآثار العناية اللازمة لها، وإزاء هذا يدعوجواد علي إلى:

اولا: أن يدرك عرب الجزيرة أهمية الآثار في الكشف عن تاريخ هذه الأمة العربية القديم.

ثانيا: أن تنتبه حكومات جزيرة العرب لأهمية موضوع التخصص بتأريخ العرب القديم، وأن تكلف شبابها دراسة علم الآثار ودراسة لهجات العرب قبل الإسلام والأقلام العربية الجاهلية، ليقوموا هم أنفسهم بالبحث والتنقيب في مواطن العاديات المنبثة في مواطن كثيرة من الجزيرة.

ثالثا: تمنى على جامعة الدول العربية والدول العربية إرسال بعثات من المتخصصين بالآثار وباللهجات والأقلام العربية القديمة إلى مواطن الآثار في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية والمواضع الأخرى من جزيرة العرب للتنقيب عن الآثار، والكشف عن تاريخ الجزيرة المطمور تحت الأتربة والرمال، ونشره نشراً علمياً، بدلاً من أن يكون الاعتماد في ذلك على الغربيين.

رابعا: وأن تقوم هذه الجهات أيضاً بتدوين معجم في اللهجات العربية الجاهلية، تستخرجه من الكتابات التي عثر عليها، وبتأليف كتب في نحوها وصرفها، وترجمة  أمهات الكتب التي وضعها المؤلفون الأجانب في تاريخ الجاهلية، ترجمة دقيقة تنأى عن المسخ الذي وقع في ترجمة بعض تلك المؤلفات فأشاع الغلط ونشر التخريف.

لقد كان مما يحز في صدر جواد علي إهمال العرب لتاريخهم وعناية الغرباء به. كما أحزنه تعاون الأجانب مع الباحث العربي عن تاريخه وعدم تعاون المسؤولين العرب في هذا الميدان ولندعه يقول كلمته بهذا الخصوص ولنجعلها كلمة الختام:

لقد راجعت بعض المستشرقين الباحثين في تاريخ العرب القديم، وسألت بعض من ساح في جزيرة العرب في هذه الأيام، وبعض الشركات العاملة فيها، في آخر ما توصلوا إليه من بحوث، وعثروا عليه من عاديات، فوجدت منهمكل معونة، وأرسلوا وما برحوا يرسلون أجوبتهم إلي بكل ترحاب ولطف، وكتبت إلى بعض حكومات جزيرة العرب وإلى بعض المسؤولين من أصحاب المكانة فيها والنفوذ مراراً، أسألها وأسألهم عن العاديات وعن الآثار التي عثر عليها حديثاً في بلادهم، فلم أسمع من الاثنين جواباً. 

رحم الله الدكتور جواد علي لما بذله من جهد كبير لخدمة أمته في حفظ تاريخها القديم. وتحية تقدير واحترام لمل سطره من بحوث رائعة مفيدة في سفره. ونأمل أن يواصل العلماء والمتخصصون إكمال مسيرته في دراسة الجذور التاريخية للأمة العربية. ولعل المستقبل من خلال ما ستظهر به من تقنيات علمية وكشوف أثرية سوف يساعدان على الإجابة عن الأسلة الحائرة التي لم تستطع موسوعة جواد علي الإجابة عليها من قبيل:

العلاقة بين العرب وأنسبائهم الساميين، وهل أن السامي يمثلون القبائل العربية في تلك الأزمان؟ وما هم في حقيقة الأمر إلا جزء مما يطلق علية المؤرخون العرب مصطلح العرب البائدة والعرب العرباء.

أم أنهم شعوب مستقلة قائمة بذاتها، لكل منها خصوصيتها.

وهل أن موقف جواد علي من المصادر العربية التقليدية كان سليما؟ أم انه كان مندفعا في تبنيه لبحوث المستشرقين؟

هذه الأسئلة وكثير غيرها تنتظر الإجابة في المستقبل.  

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org