|
بحوث الغيبة
الشيخ عقيل الحلواجي وهي: ذكر المؤمن المعين بما يكره، سواءً أكان ذلك في خَلقِه، أو خُلُقه، أو مختصاته، وليست الغيبة محصورة باللسان، بل تشمل كل ما يشعر باستنقاص الغير، قولاً أو عملاً، كناية أو تصريحاً . وقد عرفها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قائلاً: هل تدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ( صلى الله عليه وآله ): ( ذكرك أخاك بما يكره ). قيل له: أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ): ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته ). وهي من أخسّ السجايا، وألأم الصفات، وأخطر الجرائم والآثام، وكفاها ذمّاً أن الله تعالى شبّه المغتاب بآكل لحم الميتة، فقال الله تعالى: ( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ) الحجرات: 12. وقال سبحانه ناهياً عنها : ( لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) النساء : 148 . وهكذا جاءت النصوص المتواترة في ذمّها، والتحذير منها : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ( الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه ). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): ( من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه، وهدم مروته، ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله عز وجل من ولايته إلى ولاية الشيطان ) . وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ): ( لا تَغتَب فتُغتَب، ولا تَحفُر لأخيك حفرة، فتقع فيها، فانك كما تَدين تُدان ). وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ): قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ( من أذاع فاحشة كان كمبتدئها، ومن عيّر مؤمناً بشيء لا يموت حتى يركبه ). التصامم عن الغيبة : وجدير بالعاقل أن يترفّع عن مجاراة المغتابين، والاستماع إليهم، فان المستمع للغيبة صنو المستغيب، وشريكه في الإثم . ولا يعفيه من ذلك إلا أن يستنكر الغيبة بلسانه، أو يطور الحديث بحديث بريء، أو النفار من مجلس الاغتياب، فان لم يستطع ذلك كله، فعليه الانكار بقلبه، ليأمن جريرة المشاركة في الاغتياب . قال بعض الحكماء: (إذا رأيت من يغتاب الناس، فاجهد جهدك أن لا يعرفك، فان أشقى الناس به معارفوه) . وكما يجب التوقي من استماع الغيبة، كذلك يجدر حفظ غَيبة المؤمن، والذب عن كرامته، إذا ما ذُكر بالمزريات، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( مَن رَدَّ عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة ألبتّة) . بواعث الغيبة : للغيبة بواعث ودوافع أهمها ما يلي : 1ـ العداء أو الحسد، فانهما أقوى دواعي الاغتياب والتشهير بالمعادي أو المحسود . نكايةً به، وتشفياً منه. 2ـ الهزل، وهو باعث على ثلب المستغات، ومحاكاته إثارة للضحك والمجون . 3ـ المباهاة : وذلك بذكر مساوئ الغير تشدقاً ومباهاة بالترفع عنها والبراءة منها . 4ـ المجاراة : فكثيراً ما يندفع المرء على الاغتياب مجاراة للأصدقاء والخلطاء اللاهين بالغيبة، وخشية من نفرتهم إذا لم يحاورهم في ذلك . مساوئ الغيبة : من أهم الأهداف والغايات التي حققها الإسلام، وعنى بها عناية كبرى، إتحاد المسلمين وتآزرهم وتآخيهم، ليكونوا المثل الأعلى في القوة والمنعة، وسمو الكرامة، والمجد . وعزّز تلك الغاية السامية بما شرّعه من نظم وآداب، لتكون دستوراً خالداً للمسلمين، فحثّهم على ما ينمّي الالفة والمودة، ويوثّق العلائق الاجتماعية، ويحقق التآخي والتآزر، كحسن الخُلق، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، والاهتمام بشؤون المسلمين، ورعاية مصالحهم العامة . ونهاهم عن كل ما يعكّر صفو القلوب، ويثير الأحقاد والضغائن الموجبة لتناكر المسلمين، وتقاطعهم كالكذب، والغش، والخيانة، والسخرية . وحيث كانت الغيبة عاملاً خطيراً، ومِعولاً هدّاماً، في تقويض صرح المجتمع، وإفساد علاقاته الوثيقة، فقد حرّمها الشرع الإسلامي، وعدّها من كبائر الآثام. فمن مساوئها : أنها تبذر سموم البغضة والفرقة في صفوف المسلمين، فتعكر صفو المحبة، وتفصم عرى الصداقة، وتقطع وشائج القرابة . وذلك بأن الغيبة قد تبلغ المغتاب، وتستثير حَنَقَه على المستغيب، فيثأر منه، ويبادله الذم والقدح، وطالما أثارت الفتن الخطيرة، والمآسي المحزونة . هذا إلى مساوئها وآثامها الروحية التي أوضحتها الآثار، حيث صرحت أن الغيبة تنقل حسنات المستغيب يوم القيامة إلى المستغاب، فإن لم يكن له حسنات طرح عليه من سيئات المستغاب، كما جاء عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : « يؤتى بأحدكم يوم القيامة، فيوقف بين يدي اللّه تعالى، ويُدفع اليه كتابه، فلا يرى حسناته، فيقول : إلهي ليس هذا كتابي فاني لا أرى فيه طاعتي . فيقول له : إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس . ثم يُؤتى بآخر ويُدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول : إلهي ما هذا كتابي، فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقول له : إن فلاناً اغتابك فدُفعت حسناته إليك » . مسوّغات الغيبة : الغيبة المحرمة هي ما قُصد بها استنقاص المؤمن وإذلاله، فإن لم يُقصد بها ذلك، وتوقف عليها غرض وجيه، فلا حرمة فيها. واليك ما ذكره العلماء من الموارد المسوّغة للغيبة : 1- شكاية المتظلم لاحقاق حقه عند الحاكم، فيصح نسبة الجناية والظلم إلى الغير في هذه الحالة . 2- نُصح المستشير في أمر ما كالتزويج والأمانة، فيحق للمستشار أن يذكر مثالب المسؤول عنه . ويصح كذلك تحذير المؤمن من صحبة فاسق أو مُضلّ، بذكر مساوئهما من الفسق والضلال، صيانة له من شرهما وإضلالهما، ويصح جرح الشاهد إذا ما سُئل عنه . 3- ردّ من أدّعى نسباً مزوراً . 4- القدح في مقالة فاسدة، أو إدعاء باطل شرعاً . 5- الشهادة على مقترفي الجرائم والمحارم . 6- ضرورة التعريف: وذلك بذكر الألقاب المقيتة، التي يتوقف عليها تعريف أصحابها، كالأعمش والأعرج ونحوهما. 7- النهي عن المنكر: وذلك بذكر مساوئ شخص عند من يستطيع إصلاحه ونهيه عنها . 8- غيبة المتجاهر بالفسق كشرب الخمر، ولعب القمار، بشرط الاقتصار على ما يتجاهر به، إذ ليس لفاسق غيبة . ولا بُدّ للمرء أن يستهدف في جميع تلك الموارد السالفة، الغاية النبيلة، والقصد السليم، من بواعث الغيبة، ويتجنب البواعث غير النبيلة، كالعداء والحسد ونحوهما .
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@brob.org |