بحوث

حق النقد وجرائم التعبير

في معايير الفصل بين أسباب الإباحة والتجريم

(البحث الفائز بالجائزة الثانية ـ البحوث ـ مؤسسة النور للدراسات ـ السويد)

 

فارس حامد عبد الكريم العجرش

ماجستير في القانون

 استاذ القانون المدني ـ جامعة جيهان

نائب رئيس هيئة النزاهة سابقا

ملخص البحث:

يتناول بحث (حق النقد وجرائم التعبيرـ في معايير الفصل بين أسباب الإباحة وجرائم التعبير) دراسة المعايير التشريعية التي يهتدي بها المشرع وهو بصدد سن التشريعات التي تنظم ممارسة حرية التعبير وحق النقد بشكل خاص، وكذلك المعايير التي يهتدي بها القضاء وهو ينظر في الدعاوى المتعلقة بحسن ممارسة تلك الحريات وحق النقد، من وجهة نظر الفقه والقضاء المقارن.

وتعد المعايير التشريعية وأراء فقهاء القانون وأقضية المحاكم التي تتضمن مبادئ جديدة، من أهم المصادر التي يستقي منها المشرع أحكامه وهو بصدد سن التشريعات المختلفة، فضلاً عن انها محل استئناس القضاء . خاصة وان من  المتوقع ان يباشر المشرع العراقي في سن التشريعات التي تنظم حرية التعبير ومنها حق النقد وفقاً للقواعد الدستورية.

وتناول البحث معايير التمييز بين ما يعد من جرائم الرأي وما يعد ممارسة لحرية التعبير وحق النقد التي نصت عليها الدساتير والمواثيق الدولية صراحة او ضمنا من خلال إطلاق الحريات العامة مقترنة بضابط النظام العام والآداب العامة، ولما كانت الدساتير والقوانين لا تتضمن عادة تفصيلاً لمثل هذه المعايير وان الدستور واجب التنفيذ والاحترام، فقد تولى الفقه والقضاء في مختلف دول العالم وضع هذه المعايير مشتقاً إياها من مفهوم النظام العام والآداب العامة السائدة في المجتمع وقواعد المنطق والأعراف المهنية وقواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي باعتبارها مصادر لما فات المشرع ان ينص عليه في الدستور والقوانين المختلفة، وقد يكون ذلك عن قصد منه إيمانا منه ان مثل هذه الأفكار تتطور بفعل الزمن وانه ليس من الحكمة حصرها في نصوص قد لا تتطابق مع التطورات المتسارعة والمذهلة في حياة البشر فترك أمرها لحسن تقدير ونظر الفقه والقضاء ، ايماناً منه بان القضاء المستقل هو من يتولى خط الدفاع الاول عن الحقوق والحريات العامة ضد كل اعتداء يرد عليها من أية جهة كانت.

وقد تناول البحث دراسة جريمة القذف وحق النقد كنموذجين لاشتقاق المعايير اللازمة للتفرقة بين ما يعد جريمة وما يعد ممارسة لحق دستوري.

وينبغي ملاحظة ان البحث الفقهي في هذا المقام والاستشهاد بأقضية المحاكم لا يعني القول الفصل في الموضوع، لان الكثير من الوقائع المتصلة بمثل هذه المسائل تتصل بالسلطة التقديرية لقاضي الموضوع حسب ظروف كل قضية، إلا ان تكييف تلك الوقائع وإسنادها إلى نص قانوني معين يخضع لرقابة محكمة التمييز، وفائدتها العملية انها تصلح كدفوع مستندة إلى العلوم القانونية وقواعد المنطق وأعراف المهن التي لا يخطئها عقل القاضي الحصيف، ونظر محكمة التمييز السديد.

 

مقدمة: حرية الفكر نظراً وعملاً

لحرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة الناس، وهي من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاهات الممكنة، فضلاً عن انها  تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي. وتعطي حرية التعبير للإنسان قدرة المشاركة بإخلاص وفعالية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي إلى الأمام مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات. ويقول الشاعر بيرم التونسي، وهو يتعرض لأهمية حرية التعبير وممارسة حق النقد،   (.. ولولا النقاد لهلك الناس، وطغى الباطل على الحق، ولامتطى الأراذل ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال).(1)

ذلك ان الإنسان كائن فكري، ويغطي الفكر مجمل نشاطاته العقلية والبدنية، فما نقوم به من نشاطات ذهنية وما نتحرك مادياً إلا بناءاً على فكرة مسبقة، وحركة الفكر الإنساني، هي الحركة الأهم في حياتنا جميعاً، لما يترتب عليها من رؤى ونشاطات تتمظهر بصور منوعة من الإبداع الإنساني كالنتاج الفني والأدبي والعلمي فضلاً عن السلوك الاجتماعي اليومي لبني البشر ونشاطهم البدني ، ومثلما تحكم قوانين المنطق نظام الكون، فانها تحكم سياقات الفكر الإنساني أيضا باعتباره جزء من ذلك النظام، وحينما تتحق الحرية بأنواعها وتفصيلاتها الدقيقة فان ذلك يدفع بالفكر الإنساني إلى أقصى حدوده الممكنة، وهذا ما يذكرنا بالأفكار الخلاقة التي نمت وازدهرت في عصور النهضة الأوربية التي كانت نتاجا وابنا شرعيا لنمو وتطور الحريات العامة، وحينما تتعرض حركة الفكر لقيود خارج حدود قوانين المنطق، او حينما تستبعده عن العمل والتأثير سلوكيات مثل التعصب والهوى والإرادة الطائشة والرغبات الآنية وخاصة السياسية منها، التي لا تنتهي حججها يوماً ما في مواجهة الفكر وحريته، بما يذكرنا بالعصور المظلمة، فان الناتج هو توقف الإبداع والتطور في المجتمع فيكون سبباً لانتشار الجهل وسيادة الأفكار المتخلفة محله، لان الفكر لا يمكن إلغاؤه كلياً من حياة البشر، فان حُجب الفكر الحر النير المتطور عن عقول الناس ونظرهم فلا شك في ان يحل محله ما هو متخلف وسلفي.

وحرية التعبير لا تعني تعليق الحرية على صحة التعبير او على مدى مطابقته لمعايير جامدة لا يمكن ان تتطور بتطور المجتمع، وانسجاما مع ذلك ذهبت المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكم لها بشأن حرية الرأي بشكل عام إلى القول (... حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، ليس معلقاً على صحتها، ولا مرتبطاً بتمشيها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التي يمكن ان تنتجها، وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير ان تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقاً دون تدفقها.

 وحيث إن من المقرر كذلك إن حرية التعبير ، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها ، لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها ، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة عليه نشرها ، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها · بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها -وعلانية - تلك الأفكار التي تجول في عقولهم ، فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزماً ولو عارضتها السلطة العامة - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا · فالحقائق لا يجوز إخفاؤها ، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير · ).(2)

تقسيم البحث:

نتناول في هذا البحث دراسة حق النقد مقارنة بجريمة القذف والدعاوى المقامة على المؤسسات الإعلامية وعلى الأفراد من جانب التمييز بين ما يعتبر جريمة قذف وبين ما يعد ممارسة مشروعة لحرية التعبير وحق النقد، بمعنى اخر إيجاد الحد الفاصل بين الجريمة المعاقب عليها وبين ممارسة حرية التعبير وحق النقد ، وعلى النحو الأتي:

الفرع الاول: الديمقراطية وحقوق الانسان وجهان لعملة واحدة

الفرع الثاني: في أركان جريمة القذف

الفرع الثالث: مشروعية حق النقد

الفرع الرابع: أركان وشروط حق النقد

الفرع الخامس: تطبيقات قضائية في التمييز بين القذف وحق النقد

الفرع السادس: المقصود بالنظام العام والآداب العامة كقيود ترد على ممارسة الحريات العامة

خاتمة البحث: النتائج المترتبة على التمييز بين الجريمة وممارسة الحق.

التوصيات

 

الفرع الاول

الديمقراطية وحقوق الانسان وجهان لعملة واحدة

 

الواقع ان الديمقراطية وحقوق الانسان وجهان لعملة واحدة، ولسنا بحاجة في هذا المقام إلى براهين وأدلة خاصة لإثبات العلاقة بين الديمقراطية وحرية التعبير وممارسة حق النقد العام لأنها علاقة مشهورة ومؤكدة نظريا وعمليا،

وحين يطالب الفرد بحقه في ممارسة حرية التعبير والنقد واحترام رأيه ومعتقداته فأنه يطالب بما هو مستحق له بوصفه عضواً في المجتمع.

وجاء في إعلان حقوق المواطن الفرنسي الوارد في مقدمة دستور سنة 1789 بالنص على انه ( ان ممثلي الشعب الفرنسي ، المجتمعين في جمعية وطنية ، قد راعهم الجهل ، والنسيان ، وعدم المبالاة بحقوق الإنسان ، باعتبارها سبب المآسي العامة وأساس فساد الحكومات . فقرروا النص في إعلان رسمي على حقوق الإنسان الطبيعية، المقدسة، غير القابلة للتصرف، حتى يكون هذا الإعلان ماثلا على الدوام في ذهن أعضاء الجسم الاجتماعي ، يذكرهم أبدا بحقوقهم وواجباتهم ....

المادة الاولى : يولد الناس ويظلون أحرارا ومتساوين في الحقوق ولا تقوم التمييزات الاجتماعية إلا على أساس من المنفعة العامة .

المادة الثانية :ان الغاية من كل تجمع سياسي حفظ حقوق الإنسان الطبيعية غير القابلة للتقادم . هذه الحقوق هي الحرية، والملكية، والأمن، ومقاومـة الطغيـان.... )(3)

وقد تبنى ميثاق منظمة الأمم المتحدة موضوع إشاعة قيم الحرية وحرية التعبير والرأي بمختلف صورها ووسائلها، وتوجت ثمرة الجهود الدولية في هذا المجال بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948، وجاء في المادة (19) منه ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).

ويلاحظ الباحثون ان الأمم المتحدة وان سارت خطوات متقدمة في مجال دعم الحريات العامة وإشاعة ثقافتها نظرياً بين الشعوب من خلال اتفاقيات دولية وتوصيات لمؤتمرات عديدة، إلا أنها لم تتبنى دعم الوجه الآخر وهو الوجه العملي لهذه الحريات ونقصد به دعم الشرعية الديمقراطية، ففي الوقت الذي نص فيه الإعلان العالمي في الفقرة الثالثة من المادة الحادية والعشرين على انه:

( إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة, ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري علي أساس الاقتراع السري وعلي قدم المساواة بين الجميع أو حسب رأي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت)، ولم يشر ميثاقها صراحة الى الصلة الوثيقة بين حقوق الإنسان والشرعية الديمقراطية ولم تتخذ هذه المنظمة تنفيذا لنصوص الإعلان العالمي أية مواقف تجاه الانقلابات العسكرية حتى ما كان مها في مواجهة أنظمة ديمقراطية ناشئة ولم تتعرض لبروز الديكتاتوريات وما ألحقته من مآس بحق العديد من الشعوب، وكان ذلك على أساس من فكرة كانت سائدة مفادها ان التعرض لهذه الشؤون يعد مساساً بالشؤون الداخلية للدولة، إلا ان تحولاً جذريا قد حصل بعد انتهاء الحرب الباردة والتطورات الحاصلة في فقه القانون الدولي الحديث، وبدأت منظمة الأمم المتحدة تخرج عن نطاق ما كانت تعتبره حيادا مغلبة معيار الشرعية الديمقراطية عندما أعلنت ان الديمقراطية ليست مجرد شعار وإنما هي أداة حتمية للتنمية الإنسانية أيضا وجاء في قرارها رقم 34/751 بتاريخ 8 كانون الاول من سنة 1988أن إرادة الشعب التي تعكسها انتخابات نزيهة تجري دوريا هي أساس لسلطة وحكم الشعب.  وان ( التجربة العملية تثبت أن حق كل فرد في الاشتراك في حكم بلده عامل حاسم في تمتع الجميع فعليا بمجموعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية الأخرى)

وتناول المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا في يونيو عام 1993 هذا التكامل بين حقوق الإنسان والديمقراطية, ليثبت أن الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحدة.  وبهذا التحول الجوهري أضحت الشرعية الديمقراطية هدفاً عمليا من أهداف الأمم المتحدة ومنظماتها الذي تجسد في أشراف المنظمة على الانتخابات الوطنية والاستفتاءات الشعبية في مختلف أنحاء العالم ومنها العراق، أثناء الانتخابات والمراحل اللاحقة لها وذلك (بغية ضمان استمرار وترسيخ عملية إقامة الديمقراطية في الدولة العضو التي تطلب الحصول علي مساعدة). (4)

وانسجاما مع السعي الجاد لإنشاء نظام سياسي ديمقراطي يحترم الحريات العامة نصت المادة (38) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005على انه: ( تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:

 أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل .

 ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

ثالثاً : حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون).

 وجاء في  المادة (42):  (لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة).

 بينما نصت المادة (46): ( لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية).

ويستفاد من النصوص المتقدمة ان مشرعنا قد اعترف ضمناً بجميع أنواع الحريات المتعلقة بالتعبير والنقد والبحث العلمي والأدبي وأية حرية أخرى تعترف بها المواثيق الدولية لأنه لم يقيدها إلا بقيد ان لا تكون مخالفة للنظام العام الآداب العامة.

ويراد  بحرية الرأي حق الفرد في التعبير عن أفكاره سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية او دينية بالوسائل والصور المختلفة دون حاجة الى موافقة او ترخيص سابق ولو انفرد برأيه، لذلك يقول فولتير (إني استنكر ما  تقوله ولكني أدافع حتى الموت عن حقك في قوله) (5)

ويقصد بحرية الصحافة حق الأفراد في إصدار الصحف او المجلات او اية مطبوعات دون رقابة من السلطة العامة.

ووضع قيود غير مبررة على حرية الرأي وحق النقد هو بمثابة انتقاص من أهلية المواطنين والحجر على عقولهم، فضلاً عن كونه اعتداء على حق جوهري من حقوق الانسان.

ومما جاء في إعلان الدوحة 2009 (نحن... المشاركين في مؤتمر اليونسكو لليوم العالمي لحرية الصحافة في الدوحة، قطر، في 3 أيار/مايو 2009.... نعيد التأكيد على أن حرية التعبير حق أساسي ضروري لتحقيق حريات أخرى مضمونة في الوثائق الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان،.... ونشدّد على ضرورة استقلال وتعددية وسائل الإعلام لضمان الشفافية والمساءلة والمشاركة، باعتبارها عناصر أساسية للحكم الرشيد والتنمية القائمة على حقوق الإنسان،.. ونرى أن حرية الرأي والتعبير تشكل حجر الأساس في المجتمعات الحرة والديمقراطية وتسهم في تحسين فهم مختلف الثقافات وإرساء الحوار فيما بينها....ندعو اليونسكو إلى ما يلي:الاستمرار في توعية الحكومات والمشرّعين والمؤسسات العامة، إلى أهمية حرية التعبير، بما فيها حرية النفاذ إلى المعلومات وإنتاجها...)(6)

والحال ان تطابق الفكر مع وعي مفهوم الديمقراطية كنظام قانوني وسياسي، هو أساس التمييز بين الديمقراطية الحقيقية والديمقراطية المزيفة.

 

  

الفرع الثاني

في اركان جريمة القذف 

عرفت المادة (433) عقوبات عراقي القذف في الفقرة (1) منها بالقول ( القذف هو إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت إليه أو احتقاره عند أهل وطنه).(7)

وعرف المشرع المصري القذف بنفس الأسلوب في المادة (302) عقوبات مصري بالقول:

(يعد قاذفاً من اسند لغيره بواسطة احدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون اموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه)

وفي ضوء ذلك يذهب الشراح إلى وجوب تحقق ركن مادي وركن معنوي لتحقق جريمة القذف:

أـ الركن المادي:يقوم الركن المادي على ثلاثة عناصر، نشاط إجرامي هو فعل الإسناد وموضوع لهذا النشاط هو الواقعة المحددة التي من شأنها ان تعتبر جريمة توجب عقاب فاعلها، او انها توجب احتقاره عند أهل وطنه ولو لم تشكل جريمة، وصفة لهذا النشاط هي كونه علنياً.

1ـ فعل الإسناد: هو تعبير عن فكرة صراحة او دلالة، تصدر قولاً او كتابة او إشارة او رمزاً او رسماً فحواه نسبة واقعة الى شخص معين علناً، بغض النظر عما اذا كانت نسبة الواقعة على سبيل اليقين او الشك، او كانت مجرد نقل عن الغير. وعلى هذا وصف القذف بأنه ( جريمة تعبير ).

وعلى هذا تقوم الجريمة بالإسناد الصريح الذي لا يحتاج من السامع الى مجهود ذهني لاستخلاص المعنى المراد من التعبير، او انه كان تعبيراً ضمنياً يحتاج كشف المراد منه بذل مجهود عقلي لتحديد المعنى الحقيقي المستتر خلف معناه الظاهر.

فالجريمة قائمة ولو استعمل الجاني أسلوب التورية او التلميح او انه افرغ عباراته بصيغة استفهامية او افتراضية.

ويتحقق النشاط الإجرامي ولو كان الإسناد عن طريق الإجابة عن سؤال بـ (نعم) او (لا)، فلو سأل مقدم برامج شخصاً في مقابلة في إحدى وسائل الإعلام ، هل تعتقد ان فلان مرتشي؟ فأجابه بنعم . فان كلا من مقدم البرنامج وضيفه قد ارتكب جريمة القذف، الاول عن طريق الافتراض والثاني عن طريق التأكيد.

وانه سأله عن طريق القول، ان فلان معروف عنه النزاهة في العمل، فأجابه بالنفي صراحة او إشارة ، فان الضيف مسؤول عن جريمة قذف.(8)

2ـ تحديد الواقعة: وواقعة القذف يجب ان تكون محددة، والتحديد هو ما يميز جريمة القذف عن جريمة السب الأخف من حيث العقوبة، لان من الشروط الطبيعية للواقعة محل الإثبات حسب القواعد العامة في قانون الإثبات ان تكون الواقعة محددة (9) وهذا ما هو مطلوب في جريمة قذف موظف عام في حين لا يسمح بالإثبات في جريمة السب للاستحالة القانونية لان القانون لا يشترط في واقعته التحديد.

ومن جانب اخر فان تحديد فكرة الواقعة يقتضي التمييز بينها وبين الحكم القيمي كحد فاصل بين القذف والسب، فمن يسند إلى غيره واقعة محددة كسرقة دار معينة او تزوير مستند معين فانه يرتكب قذفاً ، ولكن من يحكم من باب الرأي والاستنتاج بان فلان سارق او مزور دون ان يسند ذلك الى واقعة محددة او القول انه يتوقع ان فلان سيصبح سارقاً في المستقبل فانه يرتكب جريمة سب وان يكن قد استخلص هذا الرأي من واقعة يعلمها ولكنه لم يصرح بها، لاستحالة إثبات الاستنتاجات في  الغالب .

وللواقعة المحددة صورتين حددهما القانون، هما:

ـ الواقعة المستوجبة للعقاب: ويقصد بها إسناد واقعة محددة الى شخص لو صحت لاعتبرت جريمة أوجبت عقوبته، فمن يسند الى شخص وقائع محددة، قولاً او كتابة، بأنه سرق او زور محرر او اختلس مالاً عاماً او استلم رشوة للقيام بعمل او الامتناع عن عمل يدخل في اختصاص وظيفته فانه يرتكب جريمة قذف على اعتبار انه فيما لو كان ذلك صحيحاً يؤدي الى عقابه قانوناً. والمعيار في هذا المقام معيار موضوعي لأنه لا يتعلق بحالات شخصية او اجتماعية، وانما هو مستمد من القانون العقابي.

ـ الواقعة المستوجبة للاحتقار: ويقصد بها إسناد واقعة محددة الى شخص من شأنها ان تقلل من الاحترام الذي يحق للمجني عليه ان يتمتع به في المجتمع، وهي تكون كذلك اذا كانت تخالف الأخلاق الاجتماعية او الأعراف العامة او تثير النفور لدى المجتمع، ومثل هذه الأمور هي نسبية تختلف من مجتمع الى أخر ومن زمن الى أخر في ذات المجتمع ، فوصف شخص في المجتمعات الغربية بأنه يتهرب من دفع الضرائب تعتبر وصمة عار على الشخص تستوجب احتقاره ، بينما لا تعتبر كذلك ولا تثير الاحتقار في مجتمعات أخرى، بينما القول ان الشخص يتردد على الحانات والملاهي يعتبر امراً طبيعيا في بعض المجتمعات وعاراً في مجتمعات أخرى.

ويدخل في مفهوم الإسناد الرواية عن الغير او ترديد إشاعات او نقل خبر عن صحيفة ولو أتيح للمجني عليه حق الرد، وجاء في حكم لمحكمة النقض في مصر على انه (متى كانت العبارات المنشورة دالة على ان الناشر إنما رمى بها إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعية بالحقوق المدنية هي انها تشتغل بالجاسوسية لمأرب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء وانه كان لها اتصال غير شريف بآخرين  فان إيراد تلك العبارات بما اشتملت عليه من وقائع مقذعة يتضمن بذاته الدليل على توافر القصد الجنائي ولا يعفي المتهم ان تكون هذه العبارات منقولة عن صحيفة أجنبية وانه ترك المجني عليها تكذب ما ورد فيها من وقائع او تصححها فان الإسناد في القذف يتحقق ولو بصيغة تشكيكية متى كان من شأنها ان تلقي في الأذهان عقيدة او ظنا او احتمالا في صحة الأمور المدعاة).

وتقدير ذلك يدخل في نطاق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع ليرى ان كانت نسبة الواقعة للمجني عليه قد قللت من احترام الشخص بين أبناء وطنه أم لا.

والمعيار في هذا المقام، معيار ذاتي يتعلق بالقيم الاجتماعية السائدة،وهذه مختلفة من بيئة الى أخرى حتى في الوسط الاجتماعي العام.(10)

ـ تحديد المجني عليه: يستفاد من التعريف الوارد المادة (433) عقوبات ان القذف يجب ان يوجه الى شخص معين بالذات، بحيث يتمكن من يسمع القذف مباشرة او من خلال وسائل الإعلام او النشر من تحديد شخصيته سواء ذكر اسم المجني عليه صراحة او استخدم القاذف رموز او صور او إشارات يمكن ان تدلل عليه ولو من قبل المجتمع او البيئة التي يعيش او يعمل فيها دون عناء او شك، أما إذا لم يكن تحديد شخص المجني عليه ممكناً بالطريقة التي ذكرناها فلا تعد الجريمة متحققة.

ذلك ان محل الحماية القانونية في هذه المادة هو الحق في الشرف الذي انتهكه القذف، باعتباره جزء من حقوق الشخصية.ويترتب على ذلك ان بعض الوقائع لا تعتبر قذفاً فإن انتقد شخص ولو بقسوة مذهباً سياسياَ او اقتصادياً او مدرسة فنية او رأياً علمياً مما يدخل في استعمال حرية التعبير فلا يعد ذلك قذفاً ولو كان لتلك المدارس والاتجاهات الفكرية مؤسسون وأنصار معروفون وذكرهم بالاسم، ولكنه يرتكب جريمة القذف إذا نسب الى أشخاص معينين بالذات من تلك الاتجاهات افعالاً تستوجب العقاب او الاحتقار.(11)

صفة المقذوف: إذا كان المقذوف مواطناً من عامة أبناء الشعب فلا يقبل من القاذف إثبات صحة ما أسنده الى المجني عليه وتتحقق الجريمة إذا توافرت أركانها الأخرى.

أسباب الإباحة: اما اذا كان المقذوف موظفا عاما او مكلفا بخدمة عامة أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو كان يتولى عملاً يتعلق بمصالح الجمهور وكان ما أسنده القاذف متصلاً بوظيفة المقذوف أو عمله فإذا أقام الدليل على كل ما أسنده انتفت الجريمة.

ـ القذف الموجه لشخص معنوي وسائر تجمعات الاشخاص: ، رغم ان للشخص المعنوي  شخصية وكيان مستقل عن شخصية مؤسسيه وله الحق في السمعة والاعتبار، إلا ان هناك إشكالية في هذا المقام ،وتتجسد هذه الإشكالية في التوفيق بين حماية اعتبار الشخص المعنوي، ، وبين إتاحة الحق للمواطنين والباحثين من مختلف الاختصاصات العلية والفنية في نقد اداء هذه المؤسسات خاصة العامة منها باعتبار ان ملكيتها عامة وان من حق أبناء الشعب توجيه النقد إلى ادائها بهدف تقويمه وتصحيح مساره حماية للمال العام من الهدر والفساد. ويبدو ان التدخل التشريعي في هذا المقام امراً ضرورياً لحماية القيم الدستورية المتعلقة بحرية الرأي وما يتفرع عنها من حقوق ومنها حق النقد. كالنص على انه (لا يعد قذفاً توجيه النقد إلى الاشخاص المعنوية العامة إذا كان لأغراض البحث العلمي او لتحقيق مصلحة عامة وتم ذلك بحسن نية).

ـ القانون يحمي الاعتبار المهني ولكنه لا يحمي المجد المهني: وهذا ما يذهب إليه اغلب الفقه القانوني، ومفاد ذلك ان من يناقش مستوى اداء شخص معين مقارنة بغيره او بمستوى اداء الآخرين بصورة عامة لا يعد قذفاً بل ممارسة لحق النقد وما تتطلبه الإجابة عن السؤال من أمانة، فلو سأل شخص اخر ولو علانية عن اداء شخص او فنان او طبيب،فأجاب مسلماً للشخص بأهليته في ممارستها ولكنه يناقش مستوى أدائه فيذكر انه متوسط او ضعيف او يقارن بينه وبن زملائه في ذات المهنة ويقرر انه اقل منهم، فانه لا يرتكب قذفاً وانما ممارسة لحق النقد، وتقدير ذلك يعود لقاضي الموضوع حسب ظروف كل واقعة. (12)

3ـ علانية الإسناد: لا يقوم القذف إلا إذا كان إسناد الواقعة إلى المجني عليه إسنادا علنياً في مكان عام بحيث يمكن سماعه من الجمهور المتواجد في هذا المكان ،والإسناد العلني يتحقق ايضاً بإحدى وسائل العلانية المرئية والمسموعة والمقروءة.

وتذهب محكمة النقض في مصر بهذا الصدد الى انه: ( لا يكفي ان تكون العبارات المتضمنة للاهانة او القذف قد قيلت في محل عمومي بل يجب ان يكون ذلك بحيث يستطيع ان يسمعها من يكون في هذا المحل، أما إذا قيل بحيث لا يمكن ان يسمعها إلا من ألقيت إليه فلا علانية).(13)

ويقصد بالمكان العام ، هو المكان الذي يحق للجمهور ارتياده، سواء على وجه دائم او في أوقات محددة، سواء كان ارتياده بدون قيد او شرط او كان بقيود وشروط محددة.

أما اذا كان المكان خاصاً ولو توفر فيه عدد كبير من الاشخاص تربطهم صلة سابقة كاجتماع للأقارب او حفلة عرس خاصة او اجتماع مجلس إدارة شركة او ناد للمشتركين فلا يعد مكاناً عاما ولا تتوفر العلانية المقصودة بالنص . (14)

القذف بغير علانية:

نصت المادة (435) عقوبات عراقي على انه: ( إذا وقع القذف في مواجهة المجني عليه من غير علانية او في حديث تليفوني معه او في مكتوب بعث به إليه او ابلغه ذلك بواسطة أخرى فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا او بإحدى هاتين العقوبتين).

ولا يشترط صدور عبارات القذف في حضور المجني عليه، وعلة ذلك ان المشرع لم يستهدف بالعقاب على القذف حماية شعور المجني عليه من ان تجرحه عبارات القذف وإنما هدف إلى حماية مكانته الاجتماعية وشرفه واعتباره الشخصي. (15) 

ب ـ الركن المعنوي في القذف(القصد الجنائي): ان خطورة المجرم على المجتمع وتحديد مدى العقوبة التي يستحقها تكون على أساس الركن المعنوي للجريمة بصورتيه العمدية والخطأية لا على مجرد الأعمال المادية للجريمة، فالسلوك الإجرامي الذي يقود الى نتيجة واحدة تختلف عقوبته حسب ما اذا كان عمداً او خطئاً، فعقوبة القتل العمد قد تصل الى الاعدام بينما قد تكون عقوبة القتل الخطأ هي الحبس.

ان جريمة القذف من الجرائم العمدية التي لا تتحق بطريق الخطأ ، أي انها لا تقوم الا بتوافر عناصر القصد الجنائي وهما العلم والإرادة ، أي ان يكون الفاعل عالماً ان الواقعة التي تسبب بحدوثها بسلوكه تشكل جريمة قذف وان إرادته متجهة لاقترافها بالشروط التي نص عليها القانون لتوافرها.

 وفي جريمة القذف فان الواقعة المسندة الى المجني عليه تكون أحدى تكييفين، اما انها تستوجب عقابه او انها تستوجب احتقاره، ويعتبر التكييف بحد ذاته احد أركان الجريمة وحسب القواعد العامة في القصد يجب ان يعلم المتهم انه يرتكب جريمة قذف، والعلم المطلوب هو العلم الفعلي ولا تكفي استطاعة العلم او افتراض العلم، فإذا ثبت ان المتهم كان يعتقد ان الواقعة لا تستوجب عقاباً او احتقاراً، فأن القصد لا يعد متوافر لديه، ويتصور ذلك اذا كان للعبارة التي تستوجب العقاب دلالة اصطلاحية غير معروفة في موطنه او ان لها دلالة عرفية محقرة في بيئة المجني عليه، ولكن المتهم يجهلها لانه لا ينتمي الى هذه البيئة، من ذلك ان المناداة على شاب بعبارة ( يا ولد ) مسألة طبيعية في العراق الا انها غير مقبولة اطلاقاً في مصر.

 والعلم بتكييف بالواقعة او بتكييفها غير العلم بالقانون لان الجهل بالقانون ليس بحجة، فمن استولى على مال يعتقد انه له ثم تبين انه لغيره لا يعد سارقا لعدم علمه انه يرتكب جريمة سرقة ولم تتجه إرادته لذلك كما لو اخذ شخص حقيبة تشبه حقيبته في مطار ثم تبين انها لغيره، ولا تقوم جريمة قذف او سب اذا كان الفاعل لا يعلم ان العبارات التي أطلقها تشكل قذفاً او سباً ولا تقوم جريمة قذف او سب موظف العام اذا كان الفاعل لا يعلم ان المجني عليه موظف.

والقول ان بأن العلم بالواقعة بانها تستوجب العقاب لا يتطلب من الشخص العادي التبحر في علم القانون ليسأل عن قذف وانما يكفي العلم بان الواقعة تنطوي على مساس بحقوق أساسية للأفراد لا يتصور شخص معتاد ان القانون يتركها دون عقاب، والقول ان العلم بان الواقعة تستوجب الاحتقار يكون بالنظر الى القيم السائدة المعلومة للشخص المعتاد الذي ينتمي الى هذه البيئة.

وعليه لا تتحقق هاتين الجريمتين عن طريق الخطأ،ومفاد ذلك ان الخطأ غير العمدي ولو كان جسيماً لا يؤدي الى قيام هاتين الجريمتين، فمن اسند الى غيره واقعة محقرة جاهلاً دلالتها لا يسأل عن قذف، ولا يسأل عن قذف كذلك من دون في مذكرة خاصة عبارة قذف فاطلع عليها بإهماله شخص وقام بنشرها علانية،وانما يسال عن ذلك من قام بالنشر عند توفر جميع أركان الجريمة.

اثبات القصد الجنائي: بما ان القصد الجنائي ركن من اركان الجريمة، فان محكمة الموضوع تلتزم اذا ادانت المتهم بان تثبت توافر القصد لديه، ومفاد ذلك ان القصد الجنائي ركن في القذف وركن في العلانية، والمحكمة تلتزم بإثبات جميع اركان الجريمة، الا انه حين تكون عبارات القذف فاحشة في ذاتها فانه يفترض توافر القصد الجنائي ولكن هذا الافتراض قابل لإثبات العكس كأن يثبت المتهم انه أراد بعباراته معناً عرفياً سائداً ومتداولاً لا معناها اللغوي في هذه الحالة يجب اثبات الوقائع المتصلة بهذا المعنى العرفي.

اما اذا كانت عبارات القذف غير فاحشة فلا محل لافتراض توفر القصد الجنائي، ومثال ذلك افراغ عبارات القذف في عبارات من المديح او المجاز اللغوي او الاستعارة، فان عبأ اثبات ان المدح او العبارات المجازية كانت بقصد القذف يقع على عاتق سلطة التحقيق والمجني عليه.

وخلاصة القول انه لتحقق جريمة القذف ان تتوفر جميع اركان الجريمة بجميع عناصرها ، فان تخلف ركن او عنصر من العناصر انتفت الجريمة لعدم توافر شرائطها القانونية.(16)

ان الركن المعنوي هو اهم معيار من بين عدة معايير للتمييز بين جريمة القذف ممارسة حق النقد كما سنلاحظ لاحقاً.ً

 

الفرع الثاني

مشروعية حق النقد

لا يعتبر قانون العقوبات العراقي ممارسة حق النقد وحرية التعبير جريمة، لان القاعدة وفقاً لمبدأ الشرعية ان لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، فلا عقوبة على فعل او سلوك لم ينص القانون على تجريمه، الا ان الإشكالية تتجسد في كثير من الأحيان في صعوبة التمييز بين الفعل المباح وهو ممارسة حرية التعبير وحق النقد وبين ارتكاب جريمة القذف او السب، خاصة والملاحظ ان بعض المحاكم تدخل في موضوع البحث عن اركان الجريمة وما يتطلبه ذلك من إلقاء عبأ الإثبات على عاتق المتهم في الأحوال التي ينص فيها القانون على ذلك قبل تكييف الفعل فيما اذا كان فعلاً مباحاً وممارسة لحرية التعبير وحق النقد ام انه يشكل جريمة من خلال المقارنة بين اركان الجريمة وأركان الفعل المباح وخاصة الركن المعنوي ، مما يتطلب إيجاد معايير للتمييز بينهما حتى لا تكون الخشية من إقامة الدعوى وإجراءاتها الطويلة او احتمالية التجريم عائقاً أمام ممارسة أهم الحقوق الدستورية.

في الواقع ان معيار التمييز بين القذف والسب وممارسة حرية التعبير هو من أعمال الفقه القانوني والقضاء لا من أعمال المشرع، لان المشرع وخاصة في ظل النظام القانوني اللاتيني لا يغوص في تفاصيل فروض القاعدة القانونية وهذا من مقتضيات التجريد كخصيصة من خصائص القاعدة القانونية (17) ولا يضع تعريفات إلا ما ندر، بل تعتبر وضع التعريفات احيانا من العيوب التشريعية،خاصة إذا كانت هناك حركة فقهية نشطة باعتبار ان ترك هذه الأمور للفقه والقضاء من عوامل تطوير القانون ومواكبته للوقائع المستجدة في حياة المجتمع وعلى هذا النحو نصت المادة (5) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 على انه ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان )، ولا ينكر هذا التغيير في ظل القيم التي جاء بها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 مما يتطلب إيجاد قوانين وابتداع أحكام واجتهادات فقهية وقضائية في مستوى ذلك الحدث القانوني والسياسي والاقتصادي المهم في حياة العراقيين.

 فالمشرع في مثل هذا النظام قد يحدد عقوبة للقتل مثلاً ولكنه لا يعرف هذه الجريمة او لا يعدد أركان تحققها ولا يضع معيارا للتمييز بين القتل العمد والقتل الخطأ والضرب المفضي إلى موت وإنما يترك هذه الأمور للفقه وشراح القانون.

ومع ذلك قد يرى المشرع ان هناك ضرورة لتبني اتجاه فقهي معين في التعريف ويضمنه في تشريعه عندما يرى ان دواعي امن واستقرار المعاملات امراً مطلوبا في مجال معين من العلاقات الاجتماعية.

وقد عرف مشرعنا في طار نصوص قانون العقوبات كلا من جريمتي القذف والسب في المواد (433 ، 434 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، إلا انه لم يضع معيارا للتمييز بين هاتين الجريمتين وبين ممارسة حرية التعبير وحق النقد وهو أمر ضروري في ظل توقف الحركة الفقهية في العراق او شبه توقفها، وربما كان ذلك امراً مقصوداً في ظل أنظمة دكتاتورية متعاقبة ترى في أمر إتاحة حرية التعبير وممارسة حق النقد تهديدا لوجودها غير الشرعي اصلاً، فهي اذا مهمة الفقه والقضاء في هذا المقام.

فلو دفع المدعى عليه أثناء نظر دعوى القذف او السب بأنه مارس حرية التعبير التي كفلها الدستور ولم يقصد الإساءة الشخصية، فان القاضي ملزم قانونا بالفصل في هذا الدفع وليس له ان يحتج بعدم وجود نص يعالج هذه الواقعة وهكذا قيل انه لا يجوز للقاضي ان يرد الدعوى بحجة عدم وجود نص لأنه في هذه الحالة يعتبر منكرا للعدالة (18)، حيث نصت المادة (30) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل على انه ( لا يجوز لأية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه وإلا عد القاضي ممتنعاً عن إحقاق الحق ، ويعد أيضا التأخر غير المشروع عن إصدار الحكم امتناعاً عن إحقاق الحق ).

ومن جانب أخر إذا تعارضت أحكام الدستور مع أحكام القوانين فان الدستور هو الذي يقدم عند التعارض لان الدستور هو الذي يعطي الشرعية للقوانين والسلطات او يمنعها عنها، ويزال التعارض بعدة أساليب منها إقامة دعوى الغاء القانون المخالف للدستور او تفسير القانون المتعارض تفسيرا يتلاءم مع الدستور القائم اذا كان ذلك ممكناً، ويكون ذلك ممكناً اذا لم تكن نصوص القانون قد جاءت مفصلة ومتوسعة في التعريفات والأركان ومعايير التطبيق، بما ان نصوص قانون العقوبات العراقي قد جاءت خالية من معايير للتمييز بين جريمتي القذف والسب من جانب  وممارسة حق التعبير وحق النقد من جانب أخر فان تفسير هذه النصوص تفسيرا يتوافق مع الدستور امرا ممكنا.ً

ورغم وجود نصوص صريحة في قانون العقوبات المصري تعاقب على جرائم القذف والسب ونشر الاخبار الكاذبة مع عدم وجود تحديد واضح للتمييز بينهما وبين ممارسة حرية التعبير فقد استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا على تبني معايير للتمييز بينهما تطبيقاً واحتراما للنصوص الدستورية التي تقرر هذه الحقوق، ونأمل من قضائنا ان يسير على هذا النهج في ظل أوضاع دستورية تفوق ما هو متوفر للغير خاصة في نطاق الحريات العامة.

 

الفرع الثالث

أركان وشروط حق النقد

 قضت محكمة النقض في مصر بأنه ( للصحافة الحرية في نقد التصرفات الحكومية وإظهار قرائها على ما يقع من الخطأ في سير المضطلعين بأعباء الأمر وإبداء رأيها في كل ما يلابس الأحوال العامة) (19)

 ولم يشر القرار إلى نص معين وإنما هو مستفاد من النصوص الدستورية التي تبيح حرية التعبير والمعتقد ومنها حق نقد كل ما يتعلق بالصالح العام.

ولم ترد شروط حق النقد لا في القانون العراقي ولا في القانون المصري، اذ انه مستمد من اعتراف الدستور بالحريات العامة مادام انه لم يقيدها بقيد سوى قيد عدم مخالفة النظام العام والآداب العامة، والمطلق يؤخذ على إطلاقه ما لم يرد دليل التقيد صراحة او ضمنا. وضمن حدود القيد.

إلا ان هذه الشروط يمكن استخلاصها من القواعد المتعلقة بالنظام العام او الآداب العامة او من العرف او من قواعد العدالة لانها متعلقة بأسباب الإباحة لا بالتجريم و يلاحظ ان خلق جريمة او عقوبة يستند الى مصدر واحد هو التشريع حصراً، اما قواعد التفسير وتفسير أسباب الإباحة فيمكن للقاضي ان يستخلصها من مصادر متعددة، وللقاضي ان يلجأ في هذا المقام الى جميع وسائل التفسير وطرقه بدون استثناء ومنها اللجوء الى القياس.(20)

ويستخلص الفقه لاعتبار حق النقد سبب من أسباب الإباحة ايا كانت صفة من وجه اليه الانتقاد ، الشروط التالية :

1ـ ان ينال النقد أعمال وتصرفات الاشخاص العامة لا شرفهم واعتبارهم الشخصي:

ويذهب اغلب فقهاء القانون الى ان الحد الفاصل بين ممارسة حق النقد والقذف يتجسد في التفرقة بين توجيه اللوم او العبارات القاسية الى شرف واعتبار الشخص المُنتقد ذاته وبين توجيهها الى عمله وتصرفاته او الى شخصه دون المساس بشرفه واعتباره ،وهذه التفرقة هي التي تجد عندها الحد الفاصل بين دائرة النقد الذي يعد ممارسة للحرية العلمية والأدبية والثقافية ودائرة السلوك الذي يعد قذفاً او سباً.

فإذا تناول النقد عملاً او خطة او إجراءات حكومية او مذهباً سياسياً او بحثاً علميا أو عملاً  أدبيا او فنيا، وحدد قيمته، وكان منصباً على الأعمال والإجراءات والأفكار التي قامت او جاءت بها من حيث كشف عيوبها وتفضيل غيرها عليها دون ان يمس ذلك اعتبار او شرف الاشخاص العاملين او القائلين او المؤمنين بها ولو ذكر أسمائهم فان أركان القذف لا تعد متوفرة.

ويورد الفقه أمثلة على ذلك النقد كالقول ان أداء الوزير الفلاني ضعيف او انه لم يكن بالمستوى المتوقع منه عند توزيره أو انه مسئول عن أرواح الضحايا أو أن وزارته فاسدة ويجب أقالته..... طالما أن الغرض منه إبراز وتوضيح هذه التصرفات للجمهور وبشكل يستطيع أن يفهمها ويدرك أبعادها وحقيقتها، فلا تعد جرائم ويترك الأمر لسلطة المحكمة التقديرية حسب ظروف وملابسات كل الدعوى. (21)

أما اذا كان النقد منصب على وقائع تعد لو كانت صحيحة جرائم وفقاً للقانون النافذ فيجب التحرز من ذكر الأسماء لأنها قد تعد قذفاً عند توفر أركانه الأخرى.

فاذا انتقد محلل سياسي او صحفي انتشار الرشوة او الإهمال او عدم الكفاءة في وزارة معينة دون ذكر الأسماء او عدم ذكره لواقعة محددة يمكن للجمهور معرفة أسماء القائمين بها مباشرة فلا يعد ذلك قذفاً او سباً، حتى لو كان الذي أوحى الى الناقد برأيه واقعة معينة صدرت من شخص معين طالما لم يحدد اسمه او لم يجعل تحديد اسمه من قبل الجمهور ممكناً دون عناء،وفي مثل هذه الأحوال. (22)

2ـ صحة الواقعة او الاعتقاد بصحتها:

يفترض في الناقد والمحلل السياسي او الأدبي انه يستهدف المصلحة العامة والتطور الاجتماعي وتقويم الأداء العام والخاص، لا يتحقق ذلك بالغش والخداع وتزييف الحقائق، فالناقد المحايد هو الذي يعرض الوقائع بحسب ما برزت في العالم الخارجي وبظروفها او ملابساتها المحيطة بها.

ومن جانب آخر وحسب القواعد العامة في القصد الجنائي، فانه يكفي الاعتقاد بصحة الواقعة، حتى لو تبين فيما بعد انها غير صحيحة، الا انه يجب في هذه الحالة ان يكون الاعتقاد مبني على أسباب ومبررات معقولة وكان هذا الاعتقاد مستندا الى التحري الواجب على من كان في مثل ظروفه ، فيستفيد من الإباحة، ومن أمثلة ذلك انه استند في تعليقه على الواقعة الى ما نشرته وسائل الإعلام من اخبار عن الواقعة محل النقد ولم يصدر تكذيب بشأنها بعد، او ان الواقعة كانت مشهورة ومعلومة لدى الجمهور، وسند ذلك انه لا يمكن ان يطلب من باحث ان يضمن بصورة مطلقة صحة ما يذكر او صواب رأيه في كل الأحوال، لان ذلك غير ممكن في الحياة العملية في كل الأحوال فقد يكون من العسير او من المستحيل على الباحث في مجال اختصاصه ان يبدي رأياً لا يكون محل نقاش قط، فيكفي انه بذل ما في وسعه لتحري الحقيقة وادى واجبه تجاه المجتمع مما يستحق معه إباحة فعله، ولا تنتفي الإباحة اذا ثبت فيما بد عدم صحة الواقعة او عدم سداد الرأي كما سبق البيان، فأساس الإباحة هو الاجتهاد في خدمة المجتمع وهو ما ثبت تحققه. وهذا الأساس للاجتهاد الذي يقبل الصواب والخطأ معترف به ومحمي من الشريعة الإسلامية الغراء، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: ( من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله اجر)، ومن هذه الروح الإسلامية الخالدة التي شرعت أبواب العلم والاجتهاد ينطلق القاضي لتقدير قيمة الاجتهاد في النقد.(23)

3ـ ان تكون للواقعة محل النقد والدراسة أهمية اجتماعية:

للنقد أهمية اجتماعية وهذه هي علة أباحته ، وهو لا يكون كذلك الا اذا تناول اموراً تهم ابناء المجتمع ويعرفون قيمتها وأبعادها، ولا يستفيد المجتمع شيئاً اذا تناول الناقد الحياة الخاصة للآخرين بل ان ذلك قد يشكل اعتداء على الحياة الخاصة للأفراد باعتبارها حق من حقوق الإنسان.

ولا يشترط في أهمية الواقعة انها متصلة مباشرة بحدث سياسي او اقتصادي قائم وقت النقد، وانما يكفي انها موجهة لعدد غير محدد من الناس بقصد تحقيق فائدة او مصلحة لهم.

ومن الأمثلة الفقهية على ذلك تناول أعمال أصحاب المهن التي تتصل أعمالهم بمصالح الجمهور كالأطباء والمحامين والمهندسين والتجار وكل من يحمل صفة اجتماعية عامة بالنقد، ومن ذلك القول في معرض النقد ان الباحث الفلاني لم يتبع المنهج العلمي في البحث او انه لم يعتمد على مصادر موثوقة، او القول ان الطبيب او المحامي الفلاني يغالي في أجوره او انه يعامل زبائنه بطريقة غير لائقة، وكذلك الحال عند نقد إعمال وتصرفات وأقوال وأداء وآراء الشخصيات التي تعمل بالسياسة، فهذا النقد مفيد للمجتمع كما ان حق الرد عليه متاح.(24) 

4ـ عدم التعسف في استعمال حق النقد:

لا يجوز التعسف في استعمال حق النقد ولا الخروج عن حدود مقتضياته، فينبغي ان يلتزم الناقد بحدود النظام العام والآداب العامة، لان النقد من أعمال الثقافة والتحضر لا وسيلة للهجوم والانتقام من الآخرين، ولا يبيح حق النقد استعمال عبارات اقسى مما تتطلبه مقتضيات تحليل الواقعة وتقيم اداء المنتقد، ويفهم من أحكام محكمة النقض في مصر ان معيار ملائمة العبارة هو ثبوت ضرورتها لتعبير المتهم بحيث لو انه لو كان قد استعمل عبارات اقل عنفاً لم تكن فكرته لتحضى بالوضوح الكافي،أو ان رأيه لن يكون له التأثير الذي يهدف اليه، ومن عناصر الملائمة ثبوت التناسب بين العبارة من حيث شدتها او قسوتها وبين الواقعة و موضوع النقد من حيث أهميتها الاجتماعية.

وقاضي الموضوع هو المختص بتقدير ملائمة العبارة، الا انه لا يجوز للقاضي ان يضع في هذا المقام قاعدة عامة مؤداها ان تكون العبارة رقيقة هادئة، ففي حالات كثيرة يقتضي المقام استعمال عبارات قاسية، فإن ثبت ذلك  فلا يكون الناقد قد تعسف في استعمال حقه.(25)

5ـ توافر حسن نية الناقد:

يستفاد هذا الشرط من القواعد العامة للإباحة، وحسن النية مفترض لان الأصل في الإنسان حسن النية، وعلى من يدعي خلاف هذا الأصل ان يثبت ذلك. وأساس حسن النية ان يعتقد الناقد بصحة الواقعة التي يسندها الى من وجه اليه الانتقاد وان يكون هدفه من النقد تحقيق المصلحة العامة لا مجرد التشهير أو التجريح، ومن أهم القرائن على سوء النية وتحقق نية القذف استعمال عبارات قاسية من غير مقتض وعدم تناسبها مع الغاية التي يستهدفها بنقده، ولا يشترط استخلاص سوء النية من عبارات المقال او البحث ذاته، فيمكن استخلاص من مصادر اخرى كحصول تهديد من الصحفي و الباحث للمجني عليه قبل نشر المقال ومطالبته بمبلغ من المال لقاء عدم نشره.

ومن جانب اخر للناقد أن يتمسك أمام محكمة الموضوع بالدفع بتوافر حسن النية في ما قرره من عبارات نقد وان يوجه أدلة الإثبات وان ينفيها وان يدلل على حسن نيته بكافة طرق الإثبات.(26)

 

 الفرع الرابع

 تطبيقات قضائية في التمييز بين القذف وحق النقد

جاء في حيثيات احد أحكام المحكمة الدستورية العليا في مصر على أن:

 (... (حرص) الدستور على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلا بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها كي لا تقتحم أحدها المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية أو تتداخل معها بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة، ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنمائها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء  مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبا أساسيا توكيدا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها ولردع كل محاولة للعدوان عليها. وفى هذا الإطار تزايد الاهتمام بالشئون العامة في مجالاتها المختلفة، وغدا عرض الآراء المتصلة بأوضاعها، وانتقاد أعمال القائمين عليها مشمولا بالحماية الدستورية تغليبا لحقيقة أن الشؤون العامة، وقواعد تنظيمها وطريقة إدارتها، ووسائل النهوض بها، وثيقة الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة، وهى تؤثر بالضرورة في تقدمها، وقد تنتكس بأهدافها القومية متراجعة بطموحاتها إلى الوراء، وتعين بالتالي أن يكون انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته حقا مكفولا لكل مواطن، وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها أو فرض قيود مسبقة على نشرها، وهى حرية يقتضيها النظام الديمقراطي، وليس مقصودا بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته. ولكن غايتها النهائية الوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة، وعرضها في آفاق مفتوحة تتوافق فيها الآراء في بعض جوانبها أو تتصادم في جوهرها ليظهر ضوء الحقيقة جليا من خلال مقابلتها ببعض، وقوفا على ما يكون منها زائفا أو صائبا، منطويا على مخاطر واضحة أو محققا لمصلحة مبتغاة ومن غير المحتمل أن يكون انتقاد الأوضاع المتصلة بالعمل العام تبصيرا بنواحي التقصير فيه، مؤديا إلى الإضرار بأية مصلحة مشروعة، وليس جائزا بالتالي أن يكون القانون أداة تعوق حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة أو مواطن الخلل في أداء واجباتها، ذلك أن ما يميز الوثيقة الدستورية ويحدد ملامحها الرئيسية هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها، ولا يفرضها إلا الناخبون. وكلما تنكل القائمون بالعمل العام - تخاذلا أو انحرافا - عن حقيقة واجباتهم مهدرين الثقة العامة المودعة فيهم، كان تقويم اعوجاجهم حقا وواجبا مرتبطا ارتباطا عميقا بالمباشرة الفعالة للحقوق التي ترتكز في أساسها على المفهوم الديمقراطي لنظام الحكم، ويندرج تحتها محاسبة الحكومة ومساءلتها وإلزامها مراعاة الحدود والخضوع للضوابط التي فرضها الدستور عليها. ولا يعدو أجراء الحوار المفتوح حول المسائل العامة، أن يكون ضمانا لتبادل الآراء على اختلافها كي ينقل المواطنون علانية تلك الأفكار التي تجول في عقولهم - ولو كانت السلطة العامة تعارضها - إحداثا من جانبهم - وبالوسائل السلمية - لتغيير قد يكون مطلوبا. ولئن صح القول بأن النتائج الصائبة هي حصيلة الموازنة بين آراء متعددة جرى التعبير عنها في حرية كاملة، وأنها في كل حال لا تمثل انتقاء من السلطة العامة لحلول بذاتها تستقل بتقديرها وتفرضها عنوة، فأن من الصحيح كذلك أن الطبيعة الزاجرة للعقوبة التي توقعها الدولة على من يخلون بنظامها، لا تقدم ضمانا كافيا لصونه، وأن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين من ممارستها، وأن الطريق إلى السلامة القومية إنما يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح لمواجهة أشكال من المعاناة - متباينة في أبعادها - وتقرير ما يناسبها من الحلول النابعة من الإرادة العامة، ومن ثم كان منطقيا، بل وأمر محتوما أن ينحاز الدستور إلى حرية النقاش والحوار في كل أمر يتصل بالشؤون العامة، ولو تضمن انتقادا حادا للقائمين بالعمل العام، إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون، ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، ولحرية الإبداع والأمل والخيال، وهو في كل حال يولد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه، بما يعزز الرغبة في قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما يهدد في النهاية أمن الوطن واستقراره.... إذ كان ذلك فإن الطبيعية البناءة للنقد لا تفيد لزوما رصد كل عبارة احتواها مطبوع، وتقييمها- منفصلة عن سياقها- بمقاييس صارمة ، ذلك أن ما قد يراه إنسان صوابا في جزئية بذاتها ، قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين، ولا شبهة في أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال  الذي لا يمكن أن تحيا بدونه، فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه. ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها.) (27)

وفيما يتعلق بنشر إخبار يتبين فيما بعد انها كاذبة،فقد استقرت احكام محكمة النقض المصرية منذ خمسينيات القرن الماضي على ان مجرد نشر أخبار كاذبة لا يعد جريمة ما لم يتحقق الركن المعنوي بعنصريه العلم والإرادة ، أي علم الناشر يقينا انه ينشر إخبارا  كاذبا واتجاه إرادته الحرة للقيام بهذا الفعل ، فان تبين انه غير عالم بكذب الإخبار او انه كان عالما بذلك ولكنه اجبر على نشره تحت ضغط الإكراه او التهديد او انه نفذ أوامر رئيسه الذي لا يمكن له عصيان أوامره ، فانه لا مسؤولية ولا جريمة في مثل هذه الأحوال ، ومن أحكام محكمة النقض المصرية في هذا المقام على انه ( يجب لتطبيق المادة 188 من قانون العقوبات الخاصة بنشر الأخبار الكاذبة مع سوء القصد أن يكون الخبر كاذبا وان يكون ناشره عالما بهذا الكذب ومتعمدا نشر ما هو مكذوب ، فإذا كان الحكم لم يورد شيئا عن كذب الخبر في ذاته ولا عن علم الطاعن بكذبه فانه يكون قاصرا لعدم استظهاره عناصر الجريمة التي دان الطاعن بها.) (28)

وجاء في دفع ضد طعن تقدمت جهة حكومية ميزت قرارا اعتبرت فيه المحكمة ان الأقوال المنسوبة للمتهم هي من قبيل ممارسة حق النقد وحرية التعبير، (.. وفعل الإسناد هو العنصر الأول من عناصر الركن المادي لجريمة القذف  ، والمقصود به أن ينسب المتهم واقعة محددة إلى المجني عليه ، وبالقراءة الدقيقة لتفاصيل العبارة المنسوب إلى المتهم انه قذف بها الشركة المدعية بالحق المدني ، نجدها وقد خلت من اى واقعة منسوبة إلى الشركة أو ممثلها المفوض العام / ..... ، بل أن  المتهم حريص على مصلحة الشركة ، وقد عبر عن ذلك بقوله " أن عدم تنفيذ الحكومة لوعودها يمثل إهدار للصناعة الوطنية " وحرص المتهم على عدم إهدار الصناعة الوطنية غير منفصل عن حرصه على مصلحة الشركة التي تعتبر إحدى مكونات هذه الصناعة ، وفى ذلك تقول محكمة النقض " أن محكمة الموضوع إذا كانت قد انتهت في حكمها انه يبدو من سياق المقال أن المتهم قد ضمنه نقدا لسياسة استيراد الأدوية واستهجانه لتلك السياسة القائمة على مجرد إرسال بعض الموظفين إلى الخارج بحجة العمل على تفريج أزمة الأدوية دون أن يؤدى ذلك إلى نتيجة فعالة وإنما هو يطالب باتخاذ سياسة أكثر فاعلية في معالجة أمر يهم أفراد الشعب جميعا ،

وانه واضح من سياق المقال أن المتهم لم يكن يقصد من الألفاظ والعبارات التي أوردها بهذا المقال السب والقذف في حق المدعى بالحق المدني ، وإنما كان يقصد نقد سياسة رأى إنها بحالتها هذه لا يمكن أن يكون من شانها توفير الدواء ووضع حل حاسم وسريع لتلك الأزمة وانه ما دام أن هذا النقد كان موجها للمصلحة العامة ولم يكن يقصد منه مجرد التشهير لعدم وجود ما يدعوه لذلك يكون ما ورد في هذا المقال هو من قبيل النقد المباح  ....ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى أن العبارات المنشورة في المقال الذي حرره المتهم لا يقصد منها سب الطاعن أو القذف في حقه أو اهانته أو التشهير به وإنها من قبيل النقد المباح  ، وكان النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته وهو ما لم يخطا الحكم في تقديره ذلك أن النقد كان على واقعة عامة وهى سياسة توفير الأدوية والعقاقير الطبية في البلد وهو أمر عام يهم الجمهور ....وعليه فان النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس...). (29)

وعن حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية جاء في حكم للمحكمة الدستورية العليا، ان حقوق الانسان وحرياته التي كفلها الدستور لا يجوز عزلها عن بعض أو تجزئتها، إذ من المتعين توافق هذه الحقوق لتتكامل بها الشخصية الإنسانية في أكثر توجانها عمقا ونبلاً، وان الأصل في الحقوق المدنية والسياسية هو اتسامها بإمكان توكيدها قضاء وإنفاذها جبراً، أنه يتعين امتناع الدولة من التدخل في نطاقها دون مقتضى.

أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فلا يتصور ضمانها إلا من خلال تدخل الدولة ايجابيا لتقريرها عن طريق الاعتماد على مواردها الذاتية التي تتيحها قدراتها ولهذا قد لا تنفذ نفاذا فوريا بل تنمو وتتطور بالنظر إلى مستوياتها وتبعا لنطاقها.

(30)

  

الفرع الخامس

المقصود بالنظام العام والآداب العامة كقيود ترد على ممارسة الحريات العامة

تتبنى جميع التشريعات  مبدءاً عاماً يشمل بحكمه كل فروع القانون ، مفاده ان كل ما يخالف النظام العام والآداب العامة يعتبر باطل . فما هو المقصود بالنظام العام والآداب العامة ؟

    تعبر فكرة النظام العام عن مجموعة القيم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية العليا التي تسود مجتمع ما وتعبر عن ضميره الأدبي في زمان معين ومكان معين.والمساس بهذه الضوابط قد يؤدي الى أزمة اجتماعية كبرى.

 ومن أمثلتها المساس بالقيم الدينية او رموزها أو نشر قيم الكفر والإلحاد او الإباحية في مجتمع متدين ، او محاولة فرض نظام سياسي غير مقبول اجتماعياً بالمرة ، او نشر صور إباحية وغير ذلك من أراء ورموز تخالف النظام العام والآداب العامة.  

والنظام العام معيار كلي مرن ونسبي ، قوامه حماية المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية العليا السائدة في المجتمع، ولذلك هو فكرة سياسية في الأصل لأنه يُعين على تحقيق الهدف الذي يبتغيه كل نظام قانوني ، لا الوسائل الفنية كالجزاءات التي أعدها القانون للوصول الى ذلك الهدف ، وهو معيار نسبي لأن مضمونه يتغير بتغير الزمان والمكان .

أما الآداب العامة، فهي مجموعة القيم والقواعد والمعايير الخلقية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي في زمان ومكان معينين.

وهي الأخرى معيار كلي مرن ونسبي، قوامه الأخلاق العامة والعادات والتقاليد الاجتماعية الراسخة التي تُمثل الضمير العام للجماعة ، فهي اذا فكرة أخلاقية نفذت إلى الفكر القانوني فاكتسبت طابعاً عملياً ومن ثم ليست هي الأخلاق المثالية التي ينادي بها الفلاسفة ورجال الدين ، بل هي الأخلاق العملية المتوسطة التي تشمل ما يتصل بالناموس الأدبي والمعيار الأخلاقي الذي تحرص الجماعة عليه في العلاقات بين الأفراد فقط واللازمة لحفظ كيان الجماعة . وكلما اقترب المجتمع من التحضر اكثر ارتفع المعيار الخلقي وزاد التشدد فيه .

وبما ان نطاق القانون  يختلف عن نطاق الأخلاق ، فأن الغرض الذي يستهدفه المشرع من تبنيه لفكرة الآداب العامة ليس الرغبة في الارتفاع بالجماعة الى مستوى الكمال الخلقي ، وإنما يقصد بذلك الا يمنح حمايته للتصرفات التي تكون مخالفة للآداب .

وتعد فكرة النظام العام والآداب العامة المنفذ الذي تنفذ منه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية الى النظام القانوني لتلائم بينه وبين التطور الذي يمر به المجتمع في وقت معين .

واذا كانت فكرة النظام العام  والآداب العامة فكرة مرنة معيارية تعطي القاضي سلطة واسعة في تحديد مضمونها نظراً لعدم ثبات هذا المضمون وتغيره في الزمان والمكان ، الا ان القاضي لا يملك ان يحل آراءه او معتقداته الشخصية محل معتقدات وقيم الجماعة نفسها ، ويعتبر تحديد مضمون النظام العام والآداب العامة مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة التمييز ، وفي ذلك ضمانة مهمة تَضمُن إقامة هذا التحديد على أسس موضوعية لا ذاتية .

ويَرد معيارا النظام العام والآداب العامة من حيث الصياغة في التشريع دون ضَبط وقد قصد بهما ان يكونا على هذا النحو من الغموض حتى يكملا ما فات القانون من نقص وقصور ، ويعطيا معايير واسعة لكل ما يجب اعتباره غير مشروع وباطل ولو لم يرد نص بتحريمه . (31)

قضية الشاعر حلمي سالم:

نشرت مجلة ( ابداع ) التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعددها الأول الإصدار الثالث شتاء 2007، قصيدة للشاعر ( حلمي سالم ) بعنوان (شرفة ليلى مراد) التي تضمنت بعض مقاطعها بما يعد الحاداً وتجاوزاً على المشاعر الدينية ، وقد طعن المدعي امام محكمة القضاء الإداري في مصر بمنح الشاعر جائزة التفوق في الآداب مطالباً بإلغائها.

وذكر المدعى شرحا لدعواه امام المحكمة ( ....أن مثل هذا العمل فيه تحد سافر لمشاعر المسلمين في مشارق الأرض  ومغاربها وأنه يزكى روح التعصب ويحرك نوازع الغضب في نفوس المسلمين 0 وإذا كان هذا هو موقف الدولة فكيف تكرم وزارة التفافة من يسب الذات الإلهية بمنحه جائزة من أموال الشعب لم ترصد إلا لتكريم النابهين من أبنائه ).

وجاء في حكم المحكمة (... وتصرف هذه الجوائز سنويا في مجالات العلوم والعلوم الاجتماعية والفنون والآداب ، وذلك على سبيل التكريم وأشعار من يمنح الجائزة بتقدير الوطن له ، نظرا لان طبقة المفكرين والمثقفين والمبدعين هم الطليعة والصفوة لتيسير سبل المعرفة لإفراد المجتمع وتعميق دائرة الثقافة والوصول بها إلى أوسع قطاعات الجماهير تنمية للمواهب فئ شتى الفنون والآداب واطلاع الجماهير على ثمرات المعرفة الإنسانية وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية وذلك في إطار توظيف الثقافة لخدمة التنمية الفكرية والاقتصادية ومواكبة الثقافة العالمية وتحويل الحركة الثقافية من ثقافة الارتجال والعشوائية إلى السباق نحو ثقافة ذات مضمون حضاري واضح المعالم ، وذلك في وقت ينظر فيه العالم إلى الثقافة بوصفها موردا هاما من موارد التنمية البشرية وعاملا فاعلا في بناء المجتمعات الحديثة التي تراهن على تبوء مكانة اسمي في المجتمع الدولي . ومن حيث انه وان كانت حرية الفكر وحرية الإبداع هدفان أساسيان في إستراتيجية العمل الثقافي إلا انه لابد من حماية هذه الحرية وترشيدها لصالح المجتمع في إطار المحافظة على المبادئ والتقاليد الراسخة لدى الأمة وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية ومن هذا المنعطف فان ثمة نظرة شخصية أكد عليها القانون فيمن يتم اختيارهم للتكريم وتبوءهم مكانة الصفوة والطليعة لقيادة المجتمع إلى عالم الثقافة والمعرفة والابتكار وذلك بان يكونوا أهلا لحمل مشعل الحضارة والتقدم ورمزا للفضيلة والأصالة ونبراسا للنشء وتربية الأجيال وتواصل الحضارة وهو ما نصت عليه صراحة المادة 6 مكرر " 2" سالفة الذكر وجعلته شرطا لنيل جائزة التفوق ......... فلهذه الأسباب"حكمت المحكمة : بعد قبول طلب التدخل وبقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، وما يترتب على ذلك من اثأر اخصها سحب الجائزة التي منحت لكاتب قصيدة " شرفة ليلى مراد " – حلمي سالم _ مؤقتا لحين الفصل في موضوع الدعوى وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب ، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعها .) (32)

وقضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بعدم دستورية البند (7) من المادة 4 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية والمتعلقة بوضع شروط لحرمان فئة من الأشخاص من تكوين أحزاب سياسية حرماناً مطلقاً استناداً لأرائهم لمخالفة ذلك المادتين 5، 47 من الدستور والمتعلقة بالحق في حرية التعبير.

وملخص هذه القضية ، التي اعتبرت قضية رأي عام في حينها ، ان قانون الموافقة على معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية قد نص فيه على عدم جواز معارضتها . وعندما تقدم  عدد من المواطنين بطلب الى الجهات الرسمية لتشكيل حزب سياسي بعد ذلك ، وكان من بينهم ممن اشتهروا بمعارضة  معاهدة الصلح ، لم توافق السلطات على اعطاء الترخيص المطلوب لإقامة الحزب بسبب اشتهارهم بمعارضة معاهدة الصلح مع اسرائيل وانتقادهم لها مستندة في ذلك الى أحكام البند (7) من المادة 4 من القانون رقم 40 لسنة 1977، وعلى اثر ذلك تقدموا بطعن ضد قرار عدم الموافقة على اعطاء الترخيص أمام المحكمة الدستورية العليا المصرية.

وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا الى أحكام البند (7) المطعون فيه في القضية (رقم 44 لسنه 7 ق – د) بجلسة 7/5/1988 وذهبت في قراراها الى ان (لا مؤدى للنص في البند سابعاً من المادة 4 من القانون رقم 40 لسنه 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية فيما يتضمنه من اشتراط ألا يكون بين مؤسسي الحزب أو قياداته من تقوم أدلة جدية على قيامه بالدعوة أو المشاركة في الدعوة أو التحبيذ أو الترويج بأية طريق من طرق العلانية لمبادئ أو اتجاهات أو أعمال تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي وافق عليها الشعب في استفتاء بتاريخ 20/4/1979 هو حرمان فئة من المواطنين من حقهم في تكوين الأحزاب السياسية حرماناً أبدياً وهو حق كفله الدستور حسبما يدل عليه لزوماً نص المادة( 5) منه وقد رتب النص المطعون عليه في شق منه هذا الحرمان على اخذ هؤلاء الأشخاص بآرائهم التي تتعارض مع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فإن هذا النص يكون قد انطوى على إخلال بحريتهم في التعبير عن الرأي وحرمانهم حرماناً مطلقاً ومؤبداً من حق تكوين الأحزاب السياسية بما يؤدى إلى مصادرة هذا الحق تكوين الأحزاب السياسية وإهداره ويشكل بالتالي مخالفة المادتين 5 و47 من الدستور).

وقد استندت المحكمة الدستورية العليا في حكمها بعدم دستورية هذا الشرط إلى الأسباب التالية:

1-أن حرية الرأي ضرورة لازمة لمباشرة الحقوق السياسية وفى مقدمتها حق تكوين الأحزاب والانضمام إليها وحق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء.

2-أن حرية الرأي تُعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحرة ومن ثم فقد حرصت الدساتير المصرية على تأكيدها وقد شمل الدستور حرية الآراء السياسية برعايته من خلال الضمانات التي قررها بشأن حرية الصحافة واستقلالها في أداء رسالتها وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري.

3-إذا كانت قواعد القانون الدولي العام تُملي على الدول احترام التزاماتها بموجب المعاهدات الدولية التي تصدق عليها فإن ذلك لا يضفي على المعاهدة حصانة تمنع المواطنين من مناقشتها ونقدها ولا يجوز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة كفلها الدستور كحق إبداء الرأي في استفتاء سبباً في حرمانه من حق أو حرية عامة أخرى قررها. (33)

 خاتمة البحث: النتائج المترتبة على التمييز بين الجريمة وممارسة الحق

نستخلص من الأحكام القضائية ومن الآراء الفقهية المشار اليها ان معيار التمييز بين جريمة القذف والسب وممارسة حرية التعبير وحق النقد والأحكام التي تصدر وفقاً لها تستند الى المقومات التالية:

1ـ ان النصوص الدستورية المتعلقة بالحريات العامة هي الأصل الذي يرجع اليه القاضي ابتداءاً عند نظره في دعوى السب او القذف او نشر الاخبار الكاذبة، وفي ضوء معطيات النصوص الدستورية ليقرر فيما اذا كان المتهم او المدعى عليه قد مارس حقاً من حقوقه الدستورية او انه ارتكب جريمة.

2ـ ان الركن المادي لجريمتي القذف والسب يتشابه في كثير من الاحيان مع الأركان المادية لممارسة حرية التعبير وحق النقد الا ان الفرق الجوهري بينهما هو في طبيعة النشاط واختلاف الركن المعنوي، ففي ارتكاب الجريمة يكون قصد الفاعل هو الإساءة المتعمدة للمجني عليه والتشهير به لأسباب شخصية بحتة.

بينما يكون القصد في ممارسة حرية التعبير وحق النقد هو تحقيق مصلحة عامة ومنها تطوير الأداء العام او تجنب خسائر مالية او كشف جرائم فساد مالي او اداري ....، فاستعمال عبارات متشابهة من شخصين مختلفين قد يقضى لاحدهما بأنه ممارسة لحق النقد وللآخر يعد ارتكاب جريمة لاختلاف القصد لديهما.

ويترتب على ما تقدم، حسب رأينا وما هو مستشف من أقضية المحاكم ، ان فصل القاضي في الدعوى ينبغي ان لا يتم باستظهار اركان الجريمة لوحدها وانما يتم بالمقارنة بين اركان ممارسة الحريات وحق النقد مع اركان الجريمة ليرى ايهما الأقرب الى واقع الحال، فان تبين له ان المتهم قد مارس حقه الدستوري في حرية التعبير ،من خلال استظهاره لحسن نية المتهم وما تدل عليه عباراته من استهداف للمصلحة العامة وانه استند في إبداء رأيه الى مبررات معقولة وان لم تكن قطعية الدلالة ومنها استناده الى استبيانات عامة او إحصائيات او تقارير محلية او دولية ، فانه يرد الدعوى بعد الفصل في الدفوع المقدمة من أطراف الدعوى لانتفاء القصد الجنائي وبانتفائه لا تعد هناك مبررات منطقية للمطالبة بإثبات صحة أقواله بالنسبة للموظف العام ومن في حكمه، وبخلافه يستمر في الدعوى للتحقق من توفر جميع اركان الجريمة من عدمها.

3ـ علة إباحة النقد: تستند علة إباحة حق النقد الى مبدأ (رجحان الحق) أي الموازنة بين (علة الإباحة) و (علة التجريم). وعلة التجريم هي حماية حق او مصلحة ما وجد المشرع انها جديرة بالحماية كحماية الحق في الحياة والمعاقبة على جريمة القتل وحماية الحق في الملكية والمعاقبة على جريمة السرقة وجريمة خيانة الأمانة وغير ذلك من اعتبارات، فاذا ما ثبت انه يترتب على السلوك اعتداء على حق او مصلحة ولكنه في نفس الوقت يصون حقاً او مصلحة أجدر بالرعاية والحماية من الحق او المصلحة التي أهدرت فانه علة الإباحة ترجح على علة التجريم، وهذا هو المقصود بمبدأ رجحان الحق.

وعلى هذا النحو فان إباحة النقد تفترض ان الناقد قد صان حقاً أهم وأجدر بالرعاية الاجتماعية من حق المجني عليه في الشرف والاعتبار.(34)

فملاحقة جرائم الفساد الإداري والرشوة والاختلاس وسوء التصرف وعدم الكفاءة المهنية وسوء التخطيط، وكل اعتداء على مصالح عمم الناس، وفقاً للضوابط المشار اليها، اهم بالنسبة للمجتمع من حماية الاعتبار الشخصي.

وعلة الإباحة هي احد المعايير التي يهتدي بها القاضي عند نظره في الدعوى للتمييز بين ما هو جريمة وما هو ممارسة لحق النقد

 

3ـ لا تعتبر جريمة القذف والسب متحققة عند توفر اي سبب من اسباب الاباحة ، كالدفاع الشرعي عن النفس عند توفر شروطه، فيجوز ان يكون القذف دفاعاً شرعياً عن النفس اذا تبين ان المدافع قد وجه عباراته الى الآخر في مناظرة او مواجهة بينهما لصرفه عن اعتدائه او عن  الاستمرار فيه. ويجوز ان يكون القذف استعمالاً للسلطة كما لو هرب متهم غير مدان من شرطي واستنجد بالناس قائلاً امسكوا هذا اللص.(35)

4ـ تطبيقاً للقواعد العامة اذا لم تتوصل المحكمة الى قناعة تامة للفصل بين الجريمة وممارسة الحق، كأن تساوت الأدلة التي ترجح جانب الجريمة مع الأدلة التي ترجح جانب ممارسة الحق، فان المحكمة ترجح جانب ممارسة الحق، لان الشك يفسر لصالح المتهم، وان الأصل في الإنسان البراءة وحسن النية، فتقضي ببراءته.

5ـ ان معيار التعسف في استعمال الحق، هو معيار نموذجي للتمييز في هذا المقام.

الأصل ان الجواز الشرعي ينافي الضمان، فمن استعمل حقه استعمالاً جائزاً لا يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر.(36).

 إلا ان القوانين الحديثة عالجت إشكالية التعسف في استعمال الحق بعد ان تولى الفقه القانوني منذ أواخر القرن التاسع عشر أمر دراستها وتحليلها ووضع معايير للتمييز بين الاستعمال المشروع للحق وبين التعسف في استعماله على نحو يجافي الحكمة التشريعية من اقراره، وقد تبني المشرع العراقي هذه النظرية في المادة (7) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951.

والقاعدة بهذا الصدد ان الإنسان يجب ان يستعمل حقه استعمالاً سائغاً مشروعاً وان لا يسيء استعماله، فإذا أساء استعماله تقررت مسؤوليته ولو لم يخرج عن حدود الحق، فلم يعد الحق تلك السلطة المطلقة بل ينظر اليه على انه وظيفة اجتماعية، وعلى هذا النحو فانه يراد بممارسة حرية التعبير وحق النقد وظائف اجتماعية لا تحقيق مصالح شخصية

 ويستفاد من نص المادة (7) أعلاه ان استعمال الحق يكون غير جائز في الحالات التالية:

ا ـ اذا قصد باستعمال الحق الاضرار بالغير.

ب ـ اذا كانت المصالح التي يرمي استعمال الحق الى تحقيقها قليلة جداً بالنسبة للضرر الذي يسببه هذا الاستعمال للغير.  

ج ـ اذا كانت المصالح التي يرمي اليها غير مشروعة.(37)

وعلى هذا النحو قد تكون في ممارسة الحق في التعبير تعسفاً وقد يكون في إقامة الدعوى او التهديد بإقامتها تعسفاً او نوعا من الإرهاب الفكري الذي يعطل حركة الإبداع المجتمعي، والتعسف في استعمال الحق قد تتولد عنه المسؤولية الجزائية والمسؤولية التقصيرية او ان تتحقق المسؤولية التقصيرية فقط دون الجزائية، وعلى النحو الأتي:

ـ امثلة التعسف في استعمال حرية التعبير وحق النقد:

الأصل إباحة نقد الارآء والمذاهب السياسية والمؤلفات الأدبية والفنية والمخترعات ولكن بشرط ان لا يخرج ذلك النقد عما يقتضيه النفع العام وان يكون مجرداً من الهوى ومن الدوافع الشريرة، وتتحقق حالة التعسف اذا اقترن استعمالهما بقصد الإضرار او لتحقيق مصالح غير مشروعة، كما لو تناول خطيب احدى الجمعيات او الأحزاب بخطابه منتقداً اعمالها بقصد صرف الجمهور عنها لا لتحقيق مصلحة عامة، او قيام ناقد بنشر تفاصيل كاملة عن كتاب بحيث يفقده لأهميته بحجة ممارسة حق النقد الا انه يقصد تعطيل بيع الكتاب، والكاتب الذي يحرف الوقائع ليصل الى نقد سياسي لا أساس له....

ويلاحظ ان اغلب هذه الصور قد لا تتحق فيها أركان جريمة القذف ، الا انها تتسبب في إلحاق الضرر بالغير مما يستوجب التعويض وفقاً لقواعد المسؤولية التقصيرية عند توفر اركانها، فقد حكمت محكمة النقض الفرنسية  بالتعويض على صاحب جريدة حرض الجمهور على مقاطعة احد التجار لانه لا يراعي فترات العطل الدينية.(38)

وحكمت محكمة بروكسل بالتعويض على مؤرخ بما رواه من وقائع غير حقيقية بلا تحرز. (39) ويلزم بالتعويض المؤلف السينمائي الذي اظهر في قصته المعروضة على الشاشة البيضاء، منظرا لفندق معين، بحالة تقنع النظارة، بأنه معد لأن يكون مجزرة.(40)

ـ التعسف في حق اقامة الدعوى:

 من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً حظر استخدام إجراءات القانون لمجرد الإساءة او الحقد او الجور او التشفي وكل ما يدخل في إطار الدعاوى الكيدية، فالذي يرفع الدعوى لمجرد النكاية بخصمه او لمضايقته أو إرهاقه، انما يكون قد تعسف في استعمال حق رفع الدعوى لانه يوجه الإجراءات القانونية إلى غير الأغراض التي وضعت لها أصلا، فضلا عن انه يشغل السلطة القضائية ويضللها ويستغلها لتحقيق مأرب شخصية، ويسري نفس الحكم فيما يتعلق بإساءة استخدام حق الدفع.

وذهبت أقضية المحاكم في فرنسا وبلجيكيا إلى انه تتحقق مسؤولية المدعي الذي يرفع دعواه إمام محكمة غير مختصة، وهو يعرف ذلك، بقصد ان يتجشم المدعى عليه متاعب النقل. والمدعي الذي ينتهز فرصة خطأ جاره، فيرفض ما عرضه هذا الجار عليه من تعويض مناسب، وأصر على مقاضاته بسوء نية، للنكاية به ولإيذائه بما يحمله هذا التقاضي من مصاريف. ومن اختار عمداً من بين الطرق القانونية المواتية له، ما يضر منها بالغير، ومن غير اية فائدة يجنيها. ومن يبني دعواه على وقائع غير صحيحة، والمدعي لمراوغته بسوء نية بما كان يتخذه من إجراءات، مما ادى الى صدور احد عشر حكماً وسبعة قرارات قضائية وأربعة أحكام نقض.(41)

ومن جانب أخر سارت محكمة النقض في مصر على ذات الاتجاه وقضت بمسؤولية من يقيم دعوى كيدية او يستخدم طرق ملتوية في الإجراءات، فقد جاء في حكم لها ( ... ولا يقدح من صحة هذه النتيجة (كيدية الدعوى) ما يقول به الطاعن من أنه التجأ الى القضاء انما كان يستعمل حقاً مشروعاً، ذلك ان حق الالتجاء الى القضاء وان  كان من الحقوق العامة التي تثبت للكافة الا انه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق)، ويلاحظ ان إساءة استعمال حق التقاضي لا تتوفر بمجرد خسارة الدعوى، انما تتوفر عند رفع الدعوى بسوء نية، لا بقصد الوصول الى حق متنازع فيه، بل بقصد النكاية والأضرار بالخصم. (42)

وتسري في هذا المقام الأحكام العامة للمسؤولية التقصيرية اذا لم تتوفر نصوص خاصة بأحكام إساءة استعمال حق التقاضي. (43)

5ـ لاحظنا ان المحاكم وهي تتناول حيثيات مثل هذه الجرائم تتوسع في ذكر أسباب الحكم، وتميل الى تقليل التجريم والعقاب الى أدنى حد في مثل هذه الأحوال، وهذا واضح في العديد من الأحكام منها ما جاء في حيثيات حكم دعوى شائعة صحة الرئيس الصادر من محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا ضد إبراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور الذي نشر خبرا عن تدهور صحة الرئيس المصري حسني مبارك تحت عنوان ( الآلهة لا تمرض ) الذي تضمن العبارات التالية ( أن الرئيس مبارك، حسب مصادر طبية، مريض فعلا بقصور في الدورة الدموية مما يقلل من نسبة وكمية وصول الدم إلى أوعية المخ الدموية ....)

وحيث أن محكمة أول درجة قد انتهت أيضا إلى انه قانونا إن يكون المتهم هو أول من أطلق الإشاعة أو احد مردديها ومن ثم يكون المتهم قد ارتكب الجريمة موضوع هذا الدعوى بركنيها المادي والمعنوي مما كان ذلك من شأنه التأثير سلبا على تصرفات وقرارات أصحاب رؤوس الأموال المتعاملين بسوق الأوراق المالية والمستثمرين فضلا عن إثارة الذعر بين المواطنين حيث كان من شأن تلك الشائعات أن تسببت في فقد البورصة المصرية ثمانية وثمانون نقطة وتسبب أيضا في سحب استثمارات تقدر بمبلغ ثلاثمائة وخمسون مليون دولار وذلك ثابت من كتابي رئيس هيئة سوق المال والسيد محافظ البنك المركزي حيث جاء بالكتاب الأول انه بمراجعة مؤشر البورصة ( كيس 30 ) خلال الفترة المشار إليها تم رصد انخفاض المؤشر بصورة غير عادية مع بداية جلسة التداول ليوم 29/8/2007

حيث انخفض المؤشر إلى مستوي  7644 نقطه بانخفاض قدره 88 نقطه من إغلاق اليوم السابق واستمر الانخفاض طوال الجلسة حتى أغلق المؤشر في نهاية الجلسة عند مستوى 7668 نقطة بانخفاض 64 نقطة  تقريبا عن اليوم السابق... وما جاء بالكتاب الثاني من انه قد صاحب بدء صدور الشائعات يوم 27 أغسطس 2007 تصفية المستثمرين الأجانب لجانب من استثماراتهم في مصر بدرجة غير طبيعية وخروج استثمارات من البلاد بلغت 350 مليون دولار يومي 29و30 أغسطس الأمر الذي يؤثر سلبا على الاقتصاد المصري في حالة استمراره.......... فلهذه الأسباب.. حكمت المحكمة حضوريا بقبول استئناف كل من المتهم والنيابة العامة والمدعين بالحق المدني شكلا وفى موضوع استئناف المتهم بتعديل الحكم المستأنف بحبس المتهم شهرين وفى موضوع استئناف النيابة العامة والمدعين بالحق المدني برفضه وألزمت المتهم المصروفات الجنائية والمدعين بالحق المدني كل منهم مصروفات دعواه المدنية ومائة جنية أتعاب محاماة. (44)

ويبدو لي ان في تخفيف الأحكام عند تحقق اركان الجريمة دعم لجهود الخلق والإبداع وممارسة الحريات العامة وحق النقد في الحياة الاجتماعية ولتنوير أصحاب العلاقة بالحدود الفاصلة بين ممارسة الحق وارتكاب الجريمة. ولكي لا يبدو القضاء وكأنه في محل دفاع عن الإجراءات التنفيذية التي تخنق حرية التعبير وتصادر الحريات العامة.

 

التوصيات:

1ـ بما ان حرية التعبير وممارسة حق النقد من عوامل التقدم والتحضر، وما لوسائل الإعلام والاتصال من (.. مكانة محورية في تقدم البشر وفي مناحي حياتهم وأسباب رفاههم تتيح للناس، في كل انحاء العالم، إمكانيات جديدة وفرصاً للارتقاء في سلم التنمية)(45) وحتى لا تكون الخشية من التجريم عاملاً من عوامل التردد وحبس الأفكار وعدم انطلاقها، نقترح في هذا المقام إلغاء العقوبات الجزائية المترتبة على جرائم النشر وجرائم القذف والسب والاقتصار على دعوى التعويض المدنية عند تحقق أركانهما، للحكم بتعويض من تعرض لمثل هذه الأفعال مع نشر اعتذار علني من المدعى عليه.

وهذا هو السائد اليوم في المجتمع الدولي، باستثناء ما لا يزيد عشرين دولة فقد تبنت باقي دول العالم إلغاء العقوبة البدنية ( الحبس ) في جرائم الرأي وأحلت محلها دعوى التعويض المدنية وهو الغالب او الاقتصار على الغرامة كعقوبة جزائية، احتراماَ لحرية الرأي ونفور القضاة من النظر في هذه الجرائم، ويذهب احد الباحثين الى ( ان الذوق القانوني الحديث لم يعد يستسيغ تلك العقوبات البدنية مع تنامي الحريات العامة التي كفلتها المواثيق الدولية واعتبرت المعرفة حقاً ثابتا لكل مواطن، فضلاً عن ان عقوبة الحبس لا تكون ملائمة وتكرس عناد الرأي وتقلل فرص الحوار وتبادل الرأي ومن ثم لا يعد هناك مسوغ في ظل مجتمع اختار النظام الديمقراطي كأسلوب للحياة والحكم الإبقاء على عقوبة الحبس وإحالة اي خلاف في الرأي الى معركة حياة او موت). (46)

2ـ تضمين قانون الشفافية المزمع تشريعه نصوص تحدد بوضوح الحد الفاصل بين ممارسة حرية التعبير حق النقد وجرائم السب والقذف، دون مبالغة في وضع القيود وإشراك نخب من المثقفين والقائمين على شؤون الصحافة والإعلام والكتاب في مناقشة مشروع القانون.

3 ـ إعداد دورات ثقافية في مجال حقوق الانسان وخاصة المتعلقة بالحريات العامة وبما نصت عليه المواثيق الدولية في هذا المجال لرجال القضاء والقانون والإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

4ـ إشاعة ثقافة الحرية والالتزامات والأخلاقيات المترتبة عليها بين صفوف طلاب المدارس والجامعات.

5ـ يتميز الفكر العراقي بطابع خاص من ناحية خصائصه الذاتية ونوعيته، حيث يتميز بالجدية والتوسع في كافة الاتجاهات الممكنة والإخلاص والمبدئية، ويؤكد التاريخ هذه الحقيقية، فعلى أرضه نشأت مداس فكرية عملاقة في الشعر والأدب والعروض والنحو والتاريخ والترجمة وعم الاجتماع والطب والموسيقى والغناء وكانت لها في كل هذه المجالات نكتها الخاصة المتميزة ، إلا ان هذا الفكر لا يطيق بطبيعته أجواء الكبت وخنق الحريات فكان يخبو في العهود المظلمة ليحيا من جديد في ظل أجواء الحرية والتسامح الفكري، وهكذا شهد الفكر العراقي انطلاقة جديدة بعد تأسيس دولته الحديثة في مطلع القرن العشرين فازدحم المشهد الفكري بكوكبة من عملاقة الفكر والثقافة والفقه الشرعي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي وفي مجال الشعر والأدب والفن وفي كافة المجالات، وبعد حقبات متتابعة من أنظمة تنكرت للحريات العامة وخنقتها إلى ابعد الحدود، اطل علينا عهد جديد من الحرية وأملنا ان نساهم جميعاً في الحفاظ على حرية الفكر والتعبير والدفاع عنها ولو مست أيا منا، حتى يعود الفكر العراقي محلقاً من جديد في آفاق الثقافة والأدب والفن، وهذه مهمة وطنية قع على عاتق رجل الدولة والسياسي والقاضي وكل مؤمن بديمقراطية حقيقية.

*********

الهوامش

1ـ بيرم التونسي، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، الفن والمرأة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1976، ص 3.

2ـ القضية 6/15 جلسة 1/4/1995،منشورة في موقع المحكمة الدستورية العليا، مصر، الرابط: http://www.hccourt.gov.eg/Rules/getRule.asp?ruleId=861&searchWords=

3ـ انظر: د. ثروت انيس الأسيوطي ، نشأة  المذاهب الفلسفية وتطورها ـ دراسة في سوسيولوجيا الفكر القانوني ـ مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، العدد الثاني ، السنة الثامنة ، يوليو 1966، ص 110 وما بعدها. وانظر: صلاح الدين عبد الوهاب، الأصول العامة لعلم القانون ـ نظرية القانون، ص 36 وما بعدها.

4ـ انظر د . بطرس بطرس غالي، حقوق الإنسان والأمم المتحدة، صحيفة السياسة الدولية، منشور على الرابط:

http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/Index.asp?CurFN=mkal1.htm&DID=9904

5ـ أشار اليه، د. نعمان الخطيب، المذهب الاجتماعي وأثره على الحقوق والحريات العامة في كل من الدستورين الأردني والمصري، منشورات الدليل الالكتروني للقانون العربي، ص 26 – 27 وص34.

6ـ انظر موقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، منشور على الرابط:

http://www.unesco.org/ar/worldpressfreedomday2009/press-freedom-day/final-declaration/

وانظر رابط المؤتمر (مؤتمر ثقافة حقوق الانسان):

 http://www.qatar-conferences.org/human.htm

7ـ نصت المادة (433) عقوبات عراقي على انه (القذف هو إسناد واقعة معينة الى الغير بإحدى طرق العلانية من شأنها لو صحت ان توجب عقاب من أسندت اليه أو احتقاره عند أهل وطنه. ويعاقب من قذف غيره بالحبس وبالغرامة أو احدى هاتين العقوبتين. وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بإحدى طرق الإعلام الأخرى عد ذلك ظرفاً مشدداً. 2ـ ولا يقبل من القاذف اقامة الدليل على ما اسنده الا إذا كان القذف موجهاً الى موظف أو مكلف بخدمة عامة أو الى شخص ذي صفة نيابية عامة أو كان يتولى عملاً يتعلق بمصالح الجمهور وكان ما أسنده القاذف متصلاً بوظيفة المقذوف أو عمله فإذا أقام الدليل على كل ما اسنده انتفت الجريمة.)

8 ـ انظر بهذا المعنى: د. محمود نجيب حسني، أستاذ القانون الجنائي ورئيس جامعة القاهرة، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، ص 617 – 620، وكذلك انظر: د. محمد محيي الين عوض، العلانية في قانون العقوبات، ص 125 وص 132.

9ـ من الشروط الطبيعية للواقعة محل الاثبات حسب القواعد العامة في قانون الاثبات ان تكون الواقعة محددة وممكنة غير مستحيلة ومتنازع عليها، انظر بهذا الصدد د. عصمت عبد المجيد بكر، شرح قانون الإثبات، الطبعة الثانية، ص 61-62.

10ـ انظر بهذا المعنى: انظر: د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص 620 – 621، وكذلك انظر: الاستاذ احمد امين، شرح قانون العقوبات الاهلي، ص524 وص527 وص530 وما بعدها.

11ـ انظر: د.محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، طبعة سنة 1975، ص 315 وكذلك انظر: الاستاذ احمد امين، شرح قانون العقوبات الاهلي، ص552

وانظر: د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص624

12ـ انظر: د. محمود نجيب حسني،، شرح قانون العقوبات، مصدر سابق، ص 632

13ـ نقض 27 ابريل سنة 1942، مجموعة القواعد القانونية، ج5، رقم 391، ص 648. أشار اليه: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص ، مصدر سابق، ص 636

14ـ انظر: محمد محيي الدين عوض، العلانية في قانون العقوبات، طبعة 1955، ص168 و ص 178.وانظر: الاستاذ محمد عبد الله، مصدر سابق، ص 205، وكذلك انظر: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص، مصدر سابق، ص 638- 639.

15ـ انظر: حكم محكمة النقض في مصر، نقض 30 أكتوبر سنة1939، مجموعة القواعد القانونية، ج4، رقم 421، ص 289.

16ـ انظر ، د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، مصدر سابق، ص 614 وما بعدها. . وانظر ايضا، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود، الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 142 وما بعدها. وانظر: المحامي حمدي الأسيوطي، محام بالنقض، جرائم النشر والصحافة وحماية الصحفي، منشور على الرابط: http://qadaya.net/node/532

وانظر بصدد القصد الجنائي وعناصره، د. علي حسين الخلف و د. سلطان عبد القادر الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، المكتبة القانونية، طبعة 2006، ص338 – 340، وكذلك انظر: أ.د احمد عوض بلال، استاذ القانون الجنائي، عميد كلية الحقوق، جامعة القاهرة، مبادئ قانون العقوبات المصري، القسم العام، دار النهضة العربية،  ص654 وما بعدها وص 661 وما بعدها.وكذلك انظر: د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، ص58 وما بعدها.

17 ـ تتكون القاعدة القانونية من عنصرين، هما الفرض والحكم، والفرض،وهو الأهم في الدراسة والبحث القانوني، هو الواقعة التي برزت إلى العالم الخارجي والحكم هو الأثر المترتب على تلك الواقعة، فالنص على انه ( من يرتكب جريمة قتل عمداُ يعاقب بالاعدام او السجن المؤبد) فالقتل هو الفرض والعقوبة هي الحكم، ويتطلب اعمال الفرض في الغالب، لصلته بصفة التجريد، عملاً عقلياً خالصا كالتفسير والاستنتاج المنطقي والاستنباط والتكييف القانوني للواقعة أما اعمال الحكم فلا يتطلب ذلك في الغالب لتجسده بصورة مدد زمنية او حسابات مادية، بل ان اجراءات المحكمة منذ رفع الدعوى وما تمر به من إجراءات تحقيقية ومحاكمة واستماع للشهود والخبراء واجراءات تحري ومعاينة ومناقشات ودفاع وإثباتات حتى ختام المرافعة تدور كلها حول تحقق فرض القاعدة من عدمه ولا تناقش العقوبة او الحكم الا بعد ختام المرافعة ، وبصورة عامة فان الفروض متشابهة او متقاربة في اغلب القوانين خاصة في نظام قانوني واحد كالنظام اللاتيني المتبع في فرنسا والبلاد العربية وهو الشائع في اغلب دول العالم ، فاركان جريمة القتل او السرقة او القذف وعمليات التكييف بشأنها هي ذاتها في فرنسا او ايطاليا او مصر او في العراق، ومن هنا كان الالتجاء الى الفقه والقضاء الأجنبي او العربي وحتى الدراسة في كليات القانون الأجنبية ممكنا، كما ان تغير القوانين او تعديلها من وقت لأخر لا يمس في الغالب فروض القاعدة القانونية وانما يمس الأحكام المترتبة عليها وفي أحوال معينة قد يمس بعض شروط تحقق الفرض، ولو كانت الفروض عرضة للتغيير الدائم لأصبحت الدراسة القانونية والبحوث القانونية شبه مستحيلة لان ذلك يعني انهيار للفقه القانوني القائم ، بينما نجد ان تغير حكم القاعدة لا يتطلب سوى القراءة المادية في متون القوانين للأحكام الجديدة. وإيمانا بهذه الحقيقة نصت الفقرة (3) من القانون المدني العراقي، فيما يتعلق بمصادر الأحكام، على انه ( وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي اقرها القضاء والفقه في العراق ثم في البلاد الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية).

18 ـ باعتبار ان الدعوى تشمل حق الادعاء وحق الدفع، انظر بهذا الصدد، د. آدم وهيب النداوي، المرافعات المدنية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، كلية القانون، ط 2006،المكتبة القانونية ـ بغداد ، ص 109 ـ 110.

19_ نقض 10 ابريل سنة 1930 ، مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 20 ص 9، أشار اليه د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، مصدر سابق، هامش ص 691.

20ـ انظر بهذا الصدد د. علي حسن الخلف ، د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، مصدر سابق، ص 45 و ص 244 - 245

21ـ انظر بهذا الصدد: المحامي حمدي الأسيوطي، جرائم النشر والصحافة وحماية الصحفي،مصدر سابق.

22ـ انظر: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص ، مصدر سابق،ص 691 ـ 692.

23ـ روي ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يسارعوا إلى بني قريظة قائلاً( من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة) ، لكن لما دخل وقت العصر و هم في الطريق انقسموا إلى قسمين: قسم وفهم قسم منهم الأمر النبوي حرفيا و أكمل الطريق إلى أن دخل الليل، فصلى العصر مع العشاء بينما اجتهد القسم الآخر انطلاقاً من روح النص، و لم يقفوا عند ظاهره واعتبروا قول الرسول من باب الحث و التوكيد، فتوقفوا و صلوا العصر، ثم وصلوا متأخرين قليلا فصلوا المغرب و العشاء. فلما لحق بهم النبي (ص) بعد ذلك واخبروه بالأمر اقر الطرفين على اجتهادهم.

24ـ انظر: د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص ، مصدر سابق، ص694 – 695 ، وكذلك انظر: الاستاذ حمدي الاسيوطي،مصدر سابق.

25ـ نقض 4 يناير سنة 1949، مجموعة القواعد القانونية ج 7 رقم 776 ص 828، وكذلك نقض 27 فبراير سنة 1932 ج 3 رقم 96 ص 140، أشار اليه د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، مصدر سابق، هامش ص 696.

26ـ انظر: الاستاذ حمدي الاسيوطي، جرائم النشر والصحافة ، مصدر سابق.

27ـ انظر: حكم المحكمة الدستورية العليا، قضية رقم 37 لسنة 11  قضائية   "دستورية"، موقع المحكمة الدستورية العليا، منشور على الرابط: http://www.hccourt.gov.eg/Rules/getRule.asp?ruleId=524&searchWords=

28ـ الطعن رقم 451 - لسنــة 22 - تاريخ الجلسة 20 \ 5 \ 1952 - مكتب فني 3 - رقم الجزء 3 - رقم الصفحة 982 - تم قبول هذا الطعن – حافظة مستندات رقم 1 "

29ـ الطعن رقم 33 - لسنــة 35 - تاريخ الجلسة 02 \ 11 \ 1965 - مكتب فني 16 - رقم الجزء 3 - رقم الصفحة 787 - تم رفض هذا الطعن- حافظة مستندات رقم 4)، منشور على الرابط: http://qadaya.net/node/2364

30ـ انظر: الحكم الصادر فى القضية 30 لسنة 16 ق دستورية جلسة 6/4/1996 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم 16 بتاريخ 18/4/1996،  أشار إليه المستشار سناء سيد خليل رئيس الاستئناف والمشرف على الإدارة العامة لشئون حقوق الإنسان بوزارة العدل ،مصر، النظام القانوني المصري ومبادئ حقوق الإنسان، مشروع بناء القدرات فى مجال حقوق الانسان برنامج الأمم المتحدة الانمائى،موقع البوابة القانونية، شركة خدمات المعلومات التشريعية ومعلومات التنمية، منشور على الرابط: http://www.tashreaat.com/view_studies2.asp?id=89&std_id=37

31ـ انظر الأستاذ عبد الباقي البكري والأستاذ زهير البشير، المدخل لدراسة القانون، المكتبة القانونيةـ بغداد، ص 213 ـ 215.

32 ـ منشور في موقع قضايا وإصدارات حقوق الإنسان على الرابط:

 http://qadaya.net/node/354

33ـ الحكم الصادر فى القضيـة رقـم 44 لسـنة 7 دستوريـة جلسة 7/5/1988، والمنشور فى الجريدة الرسمية (المصرية)رقم (21) لسنة 1988، أشار اليه د. يحيى الجمل، القضاء الدستوري في مصر– طبعة 2000، كتاب تنضيد الكتروني نشر البوابة القانونية ـ شركة الخدمات التشريعية ومعلومات التنمية.

34ـ انظر بهذا المعنى، د. علي حسين الخلف و د. سلطان الشاوي، المبادئ العامة، مصدر سابق، ص 242 ـ 243، وكذلك انظر: د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص655.

35ـ انظر بهذا الصدد، د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص 664 وما بعدها

36ـ انظر المادة (8) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.

37ـ لتفاصيل أكثر عن نظرية التعسف في استعمال الحق، انظر، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود، مصدر سابق. وانظر د. عبد المجيد الحكيم، الموجز في شرح القانون المدني، مصادر الالتزام، ص 512 وما بعدها.

38ـ محكمة النقض الفرنسية في 8 مايو سنة 1876 داللوز 1876- 1 – 259. أشار اليه، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق، مصدر سابق،  ص 144.

39ـ محكمة بروكسل في 20 مايو سنة 1877 باسيكريزي 1877 -2 – 193، . أشار اليه، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق، مصدر سابق،  ص 145.

40ـ محكمة باريس الاستئنافية داللوز 1920 -2 – 9 .أشار إليه، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق، مصدر سابق،  ص 149.

41ـ  أشار اليها، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق، مصدر سابق،  ص 127 -128 وص 132.

42ـ أشار اليها، المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق، مصدر سابق ص129

43ـ انظر بهذا المعنى المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق، مصدر سابق ص141.

44ـ منشور في موقع قضايا وإصدارات حقوق الإنسان على الرابط:

 http://qadaya.net/node/983 ،

 وللاطلاع على مزيد من الاحكام على الرابط:

 http://qadaya.net/ahkam

45ـ من وثائق اليونسكو منشور على الرابط:

 http://typo38.unesco.org/ar/unesco-home/unesco-themes/ci.html.

46ـ انظر، مكرم محمد احمد، لماذا فقدت عقوبة الحبس في جرائم النشر قدرتها على الردع؟، موقع كلية الحقوق ـ جامعة المنصورة، جمهورية مصر العربية، منشور على الرابط:

http://www.f-law.net/law/showthread.php?t=24241

*****

 المصادر العلمية:

ـ د. محمود نجيب حسني، أستاذ القانون الجنائي ورئيس جامعة القاهرة، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة.

ـ المستشار حسين عامر والمستشار عبد الرحيم عامر، التعسف في استعمال الحقوق وإلغاء العقود، الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ـ المحامي حمدي الأسيوطي، محام بالنقض، جرائم النشر والصحافة وحماية الصحفي، منشور على الرابط http://qadaya.net/node/532

ـ د. علي حسين الخلف و د. سلطان عبد القادر الشاوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، المكتبة القانونية، طبعة 2006.

ـ أ.د احمد عوض بلال، أستاذ القانون الجنائي، عميد كلية الحقوق، جامعة القاهرة، مبادئ قانون العقوبات المصري، القسم العام، دار النهضة العربية.

ـ، د. آدم وهيب النداوي، المرافعات المدنية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، كلية القانون، ط 2006،المكتبة القانونية ـ بغداد ،.

ـ  د. ثروت انيس الأسيوطي ، نشأة  المذاهب الفلسفية وتطورها ـ دراسة في سوسيولوجيا الفكر القانوني ـ مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، العدد الثاني ، السنة الثامنة ، يوليو 1966.

 ـ : صلاح الدين عبد الوهاب، الأصول العامة لعلم القانون ـ نظرية القانون.

ـ انظر الأستاذ عبد الباقي البكري والأستاذ زهير البشير، المدخل لدراسة القانون، المكتبة القانونيةـ بغداد.

ـ يحيى الجمل، القضاء الدستوري في مصر– طبعة 2000، كتاب تنضيد الكتروني نشر البوابة القانونية شركة الخدمات التشريعية ومعلومات التنمية.

ـ د. نعمان الخطيب، المذهب الاجتماعي وأثره على الحقوق والحريات العامة في كل من الدستورين الأردني والمصري، منشورات الدليل الالكتروني للقانون العربي.

ـ بيرم التونسي، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، الفن والمرأة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1976.

ـ د. محمد محيي الين عوض، العلانية في قانون العقوبات،1955.

ـ الأستاذ احمد أمين، شرح قانون العقوبات الأهلي.

ـ مكرم محمد احمد، لماذا فقدت عقوبة الحبس في جرائم النشر قدرتها على الردع؟، موقع كلية الحقوق ـ جامعة المنصورة، جمهورية مصر العربية، منشور على الرابط:

http://www.f-law.net/law/showthread.php?t=24241

ـ بطرس بطرس غالي، حقوق الإنسان والأمم المتحدة، صحيفة السياسة الدولية، منشور على الرابط:

http://www.siyassa.org.eg/asiyassa/Index.asp?CurFN=mkal1.htm&DID=9904

ـ مبادئ دستورية حرية التعبير،  موقع قضايا وإصدارات حقوق الإنسان على الرابط: http://qadaya.net/node/304

ـ المستشار سناء سيد خليل رئيس الاستئناف والمشرف على الإدارة العامة لشئون حقوق الإنسان بوزارة العدل ،مصر، النظام القانوني المصري ومبادئ حقوق الإنسان، مشروع بناء القدرات فى مجال حقوق الانسان برنامج الأمم المتحدة الانمائى،موقع البوابة القانونية، شركة خدمات المعلومات التشريعية ومعلومات التنمية، منشور على الرابط:

http://www.tashreaat.com/view_studies2.asp?id=89&std_id=37

6ـ منشورات  منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة،الرابط:

http://www.unesco.org/ar/worldpressfreedomday2009/press-freedom-day/final-declaration/

ـ رابط مؤتمر ثقافة حقوق الانسان: http://www.qatar-conferences.org/human.htm

ـ القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.

ـ قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org