بحوث

قائد مكة الهاشمي .. الزبير بن عبد المطلب بن هاشم

 

الدكتور السيد علاء الجوادي

مقدمة

كتبت عن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم قبل اكثر من سنتين ونشرته في احد المنتديات التي تعنى بانساب السادة الاشراف. وقد تطرقت كذلك لهذه الشخصية الفذة في كتابي "ملامح دولة مكة قبل الاسلام"، لما لهذا الهاشمي من دور كبير في تشيد اركان عناصر الخير في المجتمع المكي وبث القيم الاخلاقية التي كانت بمثابة الاسس لما بعدهافيه.

 

وكان هذا الرجل الكبير امتدادا لابائه واجدادة سادة قريش قصي وعبد مناف وهاشم وعبد المطلب في بناء وتطوير المجتمع العربي قبل الاسلام، مما ساهم بشكل كبير في اعداد النفوس والعقول في تقبل الدعوة الاسلامية فيما بعد. وللاسف الشديد نكاد ان نجد ان اسم هذا الرجل التاريخي الكبير مجهولا عند الكثيرين بل وشبه مجهول حتى عند المطلعين. من هذا المنطلق كان اهتمامي بهذه الشخصية المهمة في التاريخ العربي قبل الاسلام.

وانبه القارئ العزيز ان احد المتطفلين ويدعي ان اسمه علي ابراهيم قد اغرم بسرقة قصائدي وبحوثي لذا اقتضى التنويه فقد يسطو على هذا البحث كما سطا على غيره من نتاجاتي او نتاجات غير...واعتذ من قارئ على هذا الاستطراد ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 

من هو زبير هاشم؟؟

هو صفحة من صفحات المجد التليد وقائد مكة الهاشمي بعد ابيه عبد المطلب، ذلك أبو الطاهر الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مَعَدّ بن عدنان، القرشي. وهو أحد أولاد عبد المطلب الكبار.

من مفاخر قريش والهاشميين وعموم العرب وهو قمة من قمم المعالي في مجال المجد. شخصيته تحتاج الى دراسة واعية. لانه يشكل حلقة من حلقات تطور المجتمع العربي والمكي قبل الاسلام.

اخلاق وتوجهات هذا الرجل الهاشمي الكريم متطابقة مع اخلاقيات وتوجهات عائلته الهاشمية فهو من اسسها الراسخة واعمدتها الشامخة. ويسعدني ان اجمع بعضا من المعلومات من هنا وهناك حوله لعلي استطيع ان اقدم صورة للقارئ العزيز عن مجال لم يطرق كثيرا.  

وكان للزبير بن عبد المطلب دور قيادي في مكة وهو امتداد لدور ابائه واجداده الكرام. فتشير الاخبار ان الرفادة والسقاية انتقلت إلى هاشم بن عبد مناف من أبيه عبد مناف، وكان هاشم أول من سن الرحلتين، الشتاء والصيف، وتولى الرفادة والسقاية بعده أخوه المطلب، ثم تحولت لابن أخيه عبد المطلب بن هاشم، الذي أصبحت له المسؤوليات الدينية والسياسية فحاز الرئاسة، وبعد عبد المطلب، تولاها ابنه الزبير بن عبد المطلب فترة قصيرة ثم تحولت لاخيه " أبو طالب"، فتنازل أبو طالب عن السقاية لأخيه العباس. 

حرب الفجار

قال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله  صلى الله عليه وعلى اله وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة فيما حدثني أبو عبيدة النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء  هاجت حرب الفجار بين قريش، ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان. وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة أتجيرها على كنانة؟ قال نعم وعلى الخلق فخرج فيها عروة بن الرحال، وخرج البراض يطلب غفلته حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام فلذلك سمي الفجار. وقال البراض في ذلك:

وداهية تهم الناس قبلي

شددت لها بني بكر  ضلوعي

هدمت بها بيوت بني كلاب

وأرضعت الموالي بالضروع

رفعت له بذي طلال كفي

فخر يميد كالجذع الصريع 

وقال لبيد بن مالك بن جعفر بن كلاب:

أبلغ إن عرضت بني كلاب

وعامر والخطوب لها موالي

وبلغ إن عرضت بني نمير

وأخوال القتيل بني هلال

بأن الوافد الرحال أمسى

مقيما عند تيمن ذي طلالا 

وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام. قال ابن هشام: فأتى آت قريشا، فقال إن البراض قد قتل عروة، وهم في الشهر الحرام بعكاظ فارتحلوا، وهوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فأتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم، فأمسكت عنهم هوازن، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما، والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم.

وشهد رسول الله  صلى الله عليه وعلى اله وسلم بعض أيامهم أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله  صلى الله عليه وعلى اله وسلم  كنت أنبل على أعمامي أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.

قال ابن إسحاق: هاجت حرب الفجار ورسول الله  صلى الله عليه وعلى اله وسلم  ابن عشرين سنة وإنما سمي يوم الفجار بما استحل هذان الحيان كنانة وقيس عيلان فيه المحارم بينهم. وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس.  

قاد الزبير بني هاشم بن عبد مناف وبني المطلب بن عبد مناف في يوم شَمْطَةَ مِن أيام الفِجَار، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم يومئذٍ، وهو اليوم الوحيد من أيام الفجار التي شهدها بنو هاشم وبنو المطلب، وهو آخر أيام الفجار، وفيه انتصرت قريش، وكانت بقية أيام الفجار أيام ظلم وعدوان واستحلال للشهر الحرام، فلم يشهده الهاشميون.

حرب الفجار سلسلة حروب استحلت فيها الأشهر الحرم فوقع القتال فيها على خلاف العرف الذي كان مستقراً بين القبائل العربية وقد استمرت عشر سنين. اولاها كانت بين كنانة وهوازن وثانيتها كانت بين قريش وكنانة والثالثة كانت بين كنانة وبني نضر بن معاوية.

بينما كانت الأخيرة بين قريش وكنانة من جهة وبين هوازن من جهة اخرى، وحدثت في العام الخامس والعشرين قبل المبعث النبوي الشريف.

 

حلف الفضول

ومن مأثر الزبير هي مساهمته الفاعلة في انشاء حلف الفضول. وهو دليل على نقاء واصالة الهاشميين وسعيهم في نشر الفضيلة والحق والعدل. كان للزبير بن عبد المطلب دور مهم في انشاء " حلف الفضول". جاء هذا الحلف في اعقاب مرحلة دامية تسمى حرب الفجار

 

 لقد ادت هذه الحرب الى ضعف قريش وتزعزع مكانتها كما ادى الى ظهور ممارسات ياباها الخلق القويم ولا تتناسب مع حماة بيت الله العتيق وحرمه الامن. وكادت جهود قصي "مجمع قريش " وابنائه عبد مناف ثم هاشم ثم عبد المطلب في بناء مجتمع متحضر يتسارع نحو تشكيل دولة راسخة في مكة عاصمة بلاد العرب تذهب هباءا. 

كان الزبير بن عبد المطلب يفكر كثيرا فيما الت اليه الامور ويبحث عن الحلول العملية الناجعة لعلاج الموقف. وقد توصل الزبير بن عبد المطلب في ان الحل يكمن بالوحدة لاهل الخير في المدينة وفق المبادئ الكريمة والمثل الرفيعة وانطلقت في عقله فكرة الاجتماع لهذه النخبة. وكان الوقت المناسب هو الذي تحتاجه هذه الافكار لتتحول الى واقع ملموس. 

وجاء الوقت المناسب, فحسبما يذكر الاخباريون ان السبب المباشر لحلف الفضول هو أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل فحبس عنه حقه فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف: عبد الدار ومخزوماً و جمحاً و سهماً وعدي بن كعب فأبوا أن يعينوه على العاص بن وائل وزبروه أي انتهروه، فلما رأى الزبيدي الشر، صعد على أبي قيس " جبل بمكة " عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فنادى بأعلى صوته:

ومحرم أشعث لم يقض عمرته

يا للرجال وبين الحجر والحجر

إن الحرام لمن تمت كرامته

ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

 وهبت الكرامة الهاشمية موصلة بالنخوة العربية فقام الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مترك … الى اخر قوله.

وكانت هذه هي الشرارة.... واجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار رجل ثري ونبيل من كبار رجالات قريش وهو عبد الله بن جدعان التيمي فصنع لهم طعاماً فتعاقدوا وتعاهدوا على:

” لنكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه مابل بحر صوفة، وفي التآسي في المعاش"

فسمت قريش ذلك الحلف " حلف الفضول ".

 يحدثنا التاريخ ان أول من نادى بهذا الحلف الزبير ابن سيد مكة " عبد المطلب " والذي رعاه وتحمس له عبد الله بن جدعان أكثر القرشيين غنى وثروة. أما عبد الله بن جدعان الذي عقد حلف الفضول كان يهمه استتباب الأمور في مكة حفاظاً على مكانتها بين العرب وحفاظا على المصالح المالية والتجارية للمجتمع.

ولقد أدرك سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم الأهمية البالغة، والأثر الناجع لحلف الفضول لذلك قال:

 شهدت في دار ابن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت

 وفي رواية أخرى:

ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم ولو دعيت به لأجبت.

قال الزبيرُ بن عبد المطلب شعرا عن حلف الفضول:

حَلَفْتُ لَنَعْقِدَنْ حِلْفَاً عَلَيْهِمْ

وإنْ كُنَّا جَمِيْعاً أهْلَ دارِ

نُسَمِّيه الفُضُولَ إذا عقَدْنا

يَعِزُّ بهِ الغَرِيْبُ لَدَى الجوارِ

ويَعْلَمُ مَن حَوَالي البيتِ أنَّا

أباةُ الضَّيْمِ نَهْجُرُ كلَّ عَارِ

 

وقال الزبير عن حلف الفضول كذلك:

إنَّ الفُضُوْلَ تَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا

ألاَّ يُقِيْمَ بِبَطْنِ مَكَّةَ ظَالِمُ

أَمْرٌ عَلَيْهِ تَعَاهَدُوا، وَتَوَاثَقُوا

فَالجَارُ، وَالمُعْتَّرُ، فِيْهِمْ سَاْلِمُ

 

ومن اعمال حلف الفضول الخيرة ما يذكره الإخباريون:

أن رجلاً من خثعم قدم مكة حاجاً أو معتمراً ومعه ابنة يقال لها " القتول " من أوضأ نساء العالمين فاغتصبها منه " نبيه بن الحجاج " وغيبها عنه، فقال الخثعمي من يعديني على هذا الرجل؟

فقيل له: عليك بـحلف الفضول

فوقف عند الكعبة ونادى: " يا لحلف الفضول "

 فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب وقد انتضوا سيوفهم يقولون: جاءك الغوث فما لك؟

فقال: إن نبيهاً ظلمني في بنتي وانتزعها مني قسراً

فساروا معه حتى وقفوا على باب داره فخرج إليهم. فقالوا له: أخرج الجارية ويحك قد علمت من نحن وما تعاقدنا عليه.

فقال: أفعل ولكن متعوني بها الليلة.

فقالوا: والله ولا شخبة بقحة أي برهة وجيزة فأخرجها إليهم.

 

في هذه الواقعة تمكن " حلف الفضول " من تطبق مبادئه فانتصروا لرجل خثعمي من العامة، وردوا إليه ابنته الحسناء رغم أن مغتصبها كان من وجوه قريش وكبرائها.

ذلك هو الدور الكبير الذي أداه " حلف الفضول " الذي كان أول من نادى به الزبير ابن سيد مكة عبد المطلب. وكان هذا الحلف من النفحات الهاشمية ومن أعظم مكارم الأخلاق والنخوة و من مناقب أهل الخير الذين كانوا على حنيفية إبراهيم عليه السلام.

وكان لهذا الحلف صدى في احقاق الحق وقد بقيت أثاره بعد الإسلام حتى نادى به الحسين بن علي عليه السلام حين وقعت بينه وبين الوليد بن عتبه بن أبي سفيان والي المدينة منازعة في مال كان بينهما وقد تداعت أطراف الحلف لنصرة الحسين مما أضطر الوليد إلى إنصافه.

 

ايلاف قريش

في قريش أحلاف ثلاثة هي:

*الحمس،

* والحبش،

* والإيلاف،

أما الإيلاف فهو مخصوص به آل عبد مناف ولا سيما آل هاشم والمطلب ابني عبد مناف، وأما الحُمْسُ فهو لعامة قريش ولكل من ولدته قريش من جهة النساء، فكل أولئك يقال لهم حمس، أما الحبش أو أحابيش قريش فيراد به أحلاف قريش، فكل قبيلة تدخل مع قريش في حلف يقال لها أحابيش قريش. كان الإيلاف لآل عبد مناف، فكانوا أتجر قريش، وهم الذين أخذوا الإيلاف لقريش من ملوك الأرض، وبهم انتعشت قريش، فكان غيرهم من قريش يحسدونهم، ويزداد حسدهم لبني هاشم بن عبد مناف، إذ كانوا هو المحسودون، فبينما الزبير بن عبد المطلب في تجارة له في اليمن، وجد الناس شعراً على دار الندوة يقول صاحبه:

ألهىَ قصيَّاً عن المجدِ الأساطير

ورَشْوةً كما تُرْشى السفاسيرُ ُ

وأكلهم اللحمَ غَضَّاً لا خليطَ له

وقولهم أتتْ عِيْرٌ مضتْ عِيْرُ

 

فعرفوا أنه من شعر عبد الله بن الزبعرى السهمي، وكان آل قصي قد منعوه يوماً من أن يحضر أمراً يخصهم في دار الندوة، فأسلمه بنو سهم لبني قصي خوفاً من هجاء الزبير بن عبد المطلب، لأنه كان شاعراً مفلقاً، شديد العارضة. فأراد بنو قصي أن يقطعوا منه لسانه، وأسلموه لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس، غير أن حمزة بن عبد المطلب أجاره وكساه، فأمسكوا حتى يقدم الزبيرُ بن عبد المطلب من اليمن، فلما قدم الزبيرُ وأُخبِر، فقال الزبير بن عبد المطلب في هذه المناسبة بل الملابسة:

1. ولولا الحُبْشُ، لمْ يلْبَسْ رجالٌ
2.ثيابُهم شِمالٌ، أوْ عَبَاءٌ،
3.ولكنَّا خُلِقْنا إذ خُلِقْنا،
4.وكأسٌ لو تُبينُ لهم كلاماً
5.تُبِيْنُ لنا القَذَى إنْ كان فيها
6.اهنتُ لشربها نفسي ومالي
7.ويَقْطَعُ نَخْوَةَ المُخْتَال عنَّا،
8.بِكَفِّ مُجذِّبٍ، لا عيبَ فيه
9.ولستُ كَمَنْ يُمِيْتُ الغيظ همَّاً،
10.وإنَّا نُطْعِمُ الأضيافَ قِدماً
11.وغيَّر بطن مكَّة كل يومٍ
12.إذا ما أُوْقِدَتْ نارٌ لحربٍ
13.نُقِيمُ لِواءنا فيها كأنَّا
 

 

ثِيَابَ أعِزَّةٍ، حتى يموتوا
بها دَنَسٌ، كما دَنِسَ الحَمِيْتُ
لنا الحَبَرَاتُ، والمِسْكُ الفَتِيْتُ
لَقَالَتْ: إنَّما لهم سُبِيْتُ
رصِينُ الحلمِ يشربُها هَبِيتُ
فآبوا حامدين بما رُزِيْتُ
رِقاقُ الحَدِّ ضرْبَتُه صُمُوتُ
إذا لقيَ الكريهةَ يَسْتَميتُ
ولكنَّي أُجيبُ إذا دُعِيْتُ
إذا ما هَزَّ من سَنَةٍ مقيتُ
عَبَاهِلةٌ كأنهم اللصُوتُ
تهز الناس جمحتها صليتُ
أسودٌ في العرينِ لها نبيتُ

يقصد الزبير بن عبد المطلب أن الله نصر قريشاً يوم الفيل بسبب دعوات أبيه عبد المطلب وبسبب إيلاف قريش كما ذكر الله في سورة قريش.  

من مناقبه الهاشمية

عزة النفس والحفاظ على العهود واغاثة الملهوف وتحدي الظالمين والدفاع عن المستضعفين واباء الضيم من الصفات التي شهد بها التاريخ لبني هاشم. وقد تحلى بهذه الصفات عم الرسول وعم علي بن ابي طالب واخو الحمزة وابي طالب والعباس وابن عبد المطلب وحفيد هاشم تحلى بها فتى هاشم الزبير بن عبد المطلب. وتحتفظ بطون الكتب بمناقب هذا الرجل الكريم وتذكرها باحرف من نور. وسنذكر في بحثنا هذا جوانب منها.

 كان حربُ بن أمية بن عبد شمس لم يلق أحداً من رؤساء قريش في عَقَبَةٍ ولا مَضِيقٍ إلاَّ تقدَّمه حتى يجوزه، فلقيه يوماً رجلٌ من تميم من أبناء حاجب بن زرارة في عقبة فتقدمه التميمي، فتنحنح حربٌ وقال: أنا حربُ بن أمية !.

فتنحنح التميميُّ ولم يلتفت إليه وجازه...

فغضب حربٌ ورفع صوته وقال له: لاها الله، موعدك مكة.

فبقي التميمي دهراً ثم أراد دخول مكة لمتجره، فقال: من يجيرني من حرب بن أمية؟ فقيل له: عبد المطلب...

فأتى ليلاً إلى دار الزبير بن عبد المطلب فدقَّ بابه...

فقال الزبير لأخيه الغيداق: قد جاءنا رجل إما طالب قِرى، وإما مستجير، وقد أجبناه إلى ما يريد، ثم خرج الزبير إليه...

فقال التميمي:

لاقيتُ حَرباً في الثنيةِ مُقبلاً
فدعا بصوتٍ واكتنى ليروعني
فتركته خلفي وجُزْتُ امامه
فمضى يهددني ويمنع مكة
فتركته كَالكلبِ ينبحُ ظِلَّهُ
ليثاً هزبراً يُستجارُ بِعِزِهِ
وحلفتُ بالبيتِ العتيقِ وحَجِّهِ
إنَّ الزبيرَ لمانعي مِن خوفه
إنَّ الزبيرَ لمانعي بمهندٍ

 

والصبح أبلج ضوءه للساري
ودعا بدعوته يريد فخاري
وكذاك كنتُ أكونُ في الأسفارِ
ألاَّ أحلَّ بها بدار قرارِ
وأتيتُ قِرْمَ معالم وفِخار
رَحْبُ المباءةِ مُكرِماً للجارِ
وبزمزمَ والحِجْرِ والأستارِ
ما كبَّر الحجاجُ في الأمصار
صافي الحديدةِ، صارمٍ بتَّارِ

لقد هزت هذه الاريحية من التميمي اعماق النخوة عند الزبير بن عبد المطلب فقال: تقدّم فإنا لا نتقدّم من نُجيره...

فتقدم التميمي فدخل المسجد، فرآه حرب فقام إليه فلطمه، فحمل عليه الزبير بالسيف فولى هارباً يعدو حتى دخل دار عبد المطلب...

فقال حرب لعبد المطلب: أجرني من الزبير...

فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس، فبقي تحتها ساعة...

ثم قال له: أخرج.

قال: وكيف أخرج وعلى الباب تسعة من ولدك قد احتبوا بسيوفهم؟

فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن، له طرتان خضراوان، فخرج عليهم فعلموا أنه قد أجاره عبد المطلب فتفرقوا عنه.  

وكان الزبير يابى قرارات الظالمين الجائرة التي تهين الانسان. ويقبل التحدي لا سيما تحدي من يريد ان يفرض سيادته او مظاهر سيادته على الناس من غير حق او يريد ان يتعالى على الناس ويهينهم...فقد روي أنه قدم من إحدى الرحلتين اللتين لقريش، فبينا رأسه في حِجْرِ وليدة له وهي تدري لمُته إذ قالت: ألم يرعك الخبر؟

قال: وما ذاك؟

قالت: زعم سعيد بن العاص أنه ليس لأبطحي أن يعتم يوم عمته،

فقال: والله لقد كان عندي ذا حِجَى وقدر، وقد فاض عندي القطر.

وانتزع لمته من يدها، وقال لجاريته: عليَّ بعمامتي الطولى.

فأتي بها فَلاثَها على رأسه، وألقى طرفها قدامه،

وقال: عليَّ بِفَرَسِي. فأتي بها، فاستوى على ظهرها، ومرَّ يخرق الوادي كأنه لهيب عرفج...

فلقيه سهيل بن عمرو فقال: بأبي أنت وأمي يا أبا الطاهر !، ما لي أراك متغير الوجه؟

 قال: أو لم يبلغك الخبر؟ هذا سعيد بن العاص يزعم أنه ليس لأبطحي أن يعتمَّ يوم عمته. ولم؟ ؛ فوالله لطولنا عليهم أظهر من وضح النهار، وقمر التمام، ونجم الساري، والآن تنتثل كنانتنا، فتعجِمُ قريشٌ عِيدانها، فتعرف بازل عامنا وثنياته.

فقال له سهيل: رفقاً، بأبي أنت وأمي، فإنه ابن عمك، ولن يعيبك شأوُه، ولن يقصر عنه طولك.

وبلغ سعيداً الخبر فارتحل ناقته وأغرز رحله، ولجأ إلى الطائف،

فقيل له: أتريد الجلاء؟

فقال: إني رأيت الجلاء خيراً من الفناء، ومضى قصده.  

وكرر التاريخ وما يزال هذه الهمة الهاشمية القعساء في تحدي الظلمين والمستهترين ومدعي الامجاد الوهمية على ضعفاء الناس...

 ومن معالم شخصيته غيرته الشديدة على الكعبة باعتبارها رمزا لعقيدته وامته وقومه. وتروي كتب الاخبار انه في زمانه سُرِقَ غزال الكعبة، الغزال الذي أهداه عبد المطلب للكعبة يوم احتفر بئر زمزم، فكان من أشد قريش غضباً له.

ولكن مع كل هذه الصفات فانه كان من أظراف فتيان قريش.  

الزبير في بيت اهله

الزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهو عم شقيق لابيه وهؤلاء الاشقاء هم: الزبير وعبد الله و أبو طالب واسمه عبد مناف. وام عبد الله وابو طالب والزبير هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وكان الزبير يكنى بابنه الطاهر. وتكني الزبير بالطاهر يشير الى حبه للطهارة والنزاهة. وتيمنا بذلك سمى رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ابنه الطاهر. 

كان عبد المطلب قد بعث ابنه الزبير إلى يثرب ليمرِّض أخاه عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله، فمكث عنده حتى حضر وفاته ودفنه.

وكان الزبير محبا لابن اخيه اليتيم محمدا وكان يرقصه صلى الله عليه واله وسلم وهو صغير ويقول له:

.محمدُ بنُ عبدمِ
عِشتَ بعيشٍ أنعمِ
لا زلتَ في عيشِ عمِ
 ودَوْلَةٍ ومَغْنَمِ
في فرع عزٍّ أسنمِ
يُغْنِيكَ عنْ كُلِّ عَمِ
وعشتَ حتى تهْرُمِ
مكرمٍ معظّمِ
 دامَ سَجِيسَ الأزْلمِ.

وكأنه يستشرف المستقبل وليس ذلك ببعيد فان امر مستقبل النبي الاكرم كان من الامور المعروفة عند البيت الهاشمي الكريم. وابن عبدم زاد الميم كما تزاد في ابن فيقال ابنم وسجيس الأزلم أي أبد الدهر.

ان الشعر الذي نسبه السهيلي إلى الزبير بن عبد المطلب يفصح عن أمنيته في أن يواصل الطفل المبارك اليتيم مسيرة المجد الذي بدأها أجداده وذلك في إنشاده له وهو يرقصه " عشت بعيش أنعم في دولة ومغنم.

 

كما أن الزبير بن عبدالمطلب فعل الشيء نفسه مع العباس بن عبدالمطلب جد العباسيين فقد أجلسه في حجره وأخذ يداعبه ويرقصه ويقول:

إن أخي عباس عـف ذو كرم

فيه عن العوراء إن قيلت صمم

يرتاح للمجد ويــوفي بالذمم

وينحر الكوماء في اليوم البشم

أكرم بأعراقك مـن خال وعم

ومن معالم حبه للنبي الكريم ان النبي صلوات الله عليه وعلى اهل بيته الاطهار، سافر مع عمه هذا إلى اليمن وهو صغير قبل البعثة.  

والزبير بن عبدالمطلب لم يكن يداعب الصغار وحدهم بل كان يداعب الصغيرات، وكان يتمنى لهن مستقبلاً طيباً، فقد روى القالي في أماليه أن الزبير بن عبدالمطلب رقص ابنته أم الحكم وأسمعها أبياتاً شعرية تنم عن عاطفة الأبوة الحانية المشفقة على أبنائها، فهو معجب بابنته وجمالها، وهو يرى أن هذا الجمال سيكون مطمحاً للرجال الأكفاء، فماذا يريد بعلها أكثر مما فيها؟ يقول:

يا حبذا أم الحـكم

كأنها ريــم أحم

يا بعلها مـاذا يشم

ساهم فيـها فسهم

قال الزبير بن عبد المطلب يزفن اي يرقص اخاه ضِرار بن عبد المطلب:

ظني بِمَيَّاسٍ ضِرَارٍ خيرُ ظَنّْ
 أنْ يَشترِي الحَمْدَ ويُغْلِي بالثمنْ
يَنْحرُ للأضيافِ رَبَّاتِ السِّمَنْ
 يضربُ الكبشَ إذا البأسُ أَرْجَحَنْ

أشرفُ مِن ذِي يَزَن وذِي جَدَنْ

 وقال الزبيرُ بن عبد المطلب وهو يُزَفِّن إحدى بناته. زفن اي ارقص والزفين نوع من انواع الرقص

إنَّ ابنتي لِحُرَّةٍ ذاتِ حَسَبْ

2.لا تمنعُ النارَ ولا فضلَ الحطبْ 

قال الزبير بن عبد المطلب يزفن ضباعة:

يَا حبَّذا ضُبَاعَةْ

مكَرَّمةٌ مُطَاعَةْ

لا تسْرِقُ البِضَاعَةْ

لا تَعْرِفُ الخَلاعَةْ

 قال الزبيرُ بن عبد المطلب يزفن ابنته ولعلها أم الحكم بنت الزبير.:

إنَّ ابنتي بَيْضَاءَ مِن بِيْضٍ زُهَرْ

كأنَّها بَيْضَة دِعْصٍ في وكرْ

تُعْجِبُ مَنْ طَافَ بِأَرْكَانِ الحَجَرْ 

دخلتْ على الزبير بن عبد المطلب جارية له يقال لها أم مغيث. فقالت: مدحتَ ولدك وبني أخيك، ولم تمدح ابني مغيثاً !. فقال الزبير: عليّ به، عجليه. فجاءت به. فقال مرتجزا:

وإنَّ ظنِّي بِمُغِيْثٍ إنْ كَبُرْ

أنْ يَسْرِقَ الحجّ إذا الحجُّ كَثرْ

وَيُوقِرُ الأَعْيَارَ مِن قَرْفِ الشَّجَرْ

ويَأْمُرُ العَبْدَ بِلَيْل يَغْتَذِرْ

مِيرَاثَ شَيْخٍ عاشَ دَهْراً غيرَ حُرّْ

والغَذِيرة: دقيق يُحْلب عليه لبن ثم يُحْمى بالرَّضْف.  

وكن الزبير مليئا بالاحاسيس والعواطف وكان يبكي أولاده، يرثي الذين ماتوا صغاراً، أو ربما هم إخوته، وكان رحيماً بالأطفال، مشفقاً عليهم، متودداً إليهم، كثيراً ما يُزفنهم. واولاده هم: حجل، وقرة، والطاهر، هم بنو الزبير، وكان للزبير أخ يقال حجلٌ أيضاً. فقال:

1.تَذَكَّرْتُ مَا شَفَّنِيْ، إنَّما
2.وَيَمْنَعُهُ النَّوْمَ حتى يُقال:
3.فَلو أنَّ حَجْلاً وأعْمامَهُ،
4.ولكنَّ غُوْلاً أهابَتْ بِهمْ،
5.فلا يبعد القومُ إذَ ودّعوا
6.نِجاءَ رَبِيعٍ له وابِلُ،

 

يُهَيِّجُ ما شَفَّهُ الذَّاكِرُ
به سَقَمٌ، باطِنٌ، ظاهِرُ
شُهُوْدٌ، وَقُرَّةُ، والطَّاهِرُ
وفيهم لِمُضْطَهَدٍ ناصرُ
وأسْقَى قُبُورَهمُ الماطرُ
له خَضِرٌ، ولهُ زاهِرُ

 

وكان الزبير بن عبد المطلب وفيا ومحبا لاصدقائه. ومن نماذج ذلك انه كان له صديق اسمه عُمَيْلَة بن السباق بن عبد الدار بن قصي القرشي نديماً للزبير بن عبد المطلب، وأكثر الناس مجالسةً له، وكان الزبير به معجباً، فقاله يمدحه:

1.وأسْحَم مِن راحِ العراق مُمَلَّءٍ
2.صَبَحْتُ به طَلْقاً يُراحُ إلى النَّدَى
3. ضعيفاً بحَثِّ الكأسِ قَبْضُ بنانِه

 

 

مُحيطٌ عليه الخَيْشُ جَلْدٌ مَرَائرُهْ
إذا ما انتشى لم تَحْتَضِرْهُ مَفاقِرهْ
كَلِيلاً على وجه النَّدِيْمِ أظافِرُهْ

 

 الزبير الشاعر

كان الزبير شاعراً مُفْلِقاً، شديد العارضة، مُقْذِعُ الهجاء، وشعره من أحسن شعر القرشيين وأشدّه قوة، لأنه دخله شيء من شعر أخوال أبيه الأوس والخزرج أهل يثرب، ولم يصلنا هجاءه المقذع. وشعره حجازي حضري، ليس بالصعب الوعِر كأشعار الأعراب، ولا باللين الركيك الذي لا قيمة له كأشعار المولدين. وشعره في الحكمة، والحماسة، وفي تزفين أطفال أهل بيته.

 

قال ابن سلام: "وأجمع الناس على أن الزبير بن عبد المطلب شاعر. والحاصلُ من شعره قليل. كما كان الشعراء ينزلون عليه إذا قدموا مكة، وزعم ابن قتيبة في الشعر والشعراء وتبعه البغدادي من بعده في الخزانة أن الزبير كان ينزل عنده الخُلعاء. ولم يَصْدُقا، بل كان عفيفاً، لا يجالس إلا أهل الفضل، وهذا واضحٌ من شعره، وبينٌ من سيرته، وهذا شأن كل آل هاشم غير أبي لهب، إلا ما كان من جليسه حنظلة بن الشرقي المعروف بأبي الطمحان، وهو مخضرم، أدرك الإسلام، قالوا عنه: خبيث الدين جيد الشعر.

ونعتقد ان امثال هذه الروايات هي من الدعاية المضادة لبني هاشم التي كان يسود بها القراطيس اعدائهم. وهم نفسهم الذين حولوا مؤمن قريش ابا طالب عليه السلام الى مشرك كافر لا لشيء الا لانه كان ابا لعلي بن ابي طالب.

 

فكر الزبير من خلال شعره

سنرجع في تناول هذا العنوان الى ديوان الزبير بن عبد المطلب الذي جمعه وخرجه وشرح معاني الاستاذ الحسين بن حيدر محبوب الهاشمي سنة 1431ﻫـ وقد قام هذا الرجل بعمل علمي وادبي يشكر عليه لذلك اقتضت الامانة العلمية وتثمين جهده الطيب الاشارة اليه. فكتابه سيكون المصدر لدراسة شعر الزبير ومنه نستطيع ان نلم ونشير الى جوانب من فكره.

 لقد كان الزبير حكيما وعميق التفكير وقد تناول في شعره بعضا من الحكم والنصائح الاخلاقية ومن ذلك قوله حسب رواية أنساب الأشراف 2/285:

 

1. لَعَمْرُكَ إنَّ البُغْضَ يَنْفَعُ أهلَهُ
2.إذَا مَا جَفَوْتَ المرءَ ذَا الْوِدِّ، فَاعْتَذِرْ
3.وإني لماضٍ في الكريهةِ مَقْدَمِي
4.وأغفرُ عَوْرَاءَ الكَرِيْمِ، وإنْ بَدَتْ

 

 

لأَنْفَعُ مِمَّنْ وِدُّهُ لا يُقْرِّبُ
إليه، وَحَدِّثْه بأنَّك مُعْتِبُ
إذا خَامَ مِن ذاك اللئيمُ المؤَنِبُ
مغمسةٌ مِنْه إليَّ، ونَيْرَبُ

 

 

خامَ الرجل الرَّجُل خَيْماً وخَيَمَاناً أي خاف وهاب وجبن وحاد عن المخوِّف وانكسر وجنح إلى غيره. ومغمسة: صعبة من الغماس، يقال: أتى بأمر مغمس مكبوس ملتوٍ لا يعرف جنته. والنَّيْرَبُ: الشَّرُّ والنَّمِيمةُ.

 ونسب ابن منظور لسان العرب مادة قوت للزبير بن عبد المطلب:

وَذِي ضَغْنٍ، كَفَفْتُ النفسَ عنه،

وكنتُ على مَساءَتِهِ مُقِيتَا

 مقيتاً، يعني أنه مقتدر على أن يسيء إليه كما أساء، ولكنه كفَّ نفسه عنه وهو قادر.

 قال الزبير بن عبد المطلب في الحكمة كذلك:

1.لَقَدْ تَرْجُوْ فيَعْسُرُ مَا تُرَجِّيْ
2. وما تَدْرِي أَفِي الأَمْرِ المُرَجَّى،
3. لَوَ أَنَّ الأَمْرَ مُقْبِلُهُ جَلِيٌّ
4. إذا ما العَقْلُ لم يُعْقَدْ بقَلْبٍ،
5. ولَيْسَ الفَقْرُ مِن إِقْلالِ مالٍ،
6. صَغِيرُ القَوْمِ في التَّأْدِيبِ يُرْجَى،
7. تُصِيبُ الخَيْرَ مِمَّنْ تَزْدَرِيهِ،
8. مَتَى تُطْفِي كَبِيرَ الشَّرِّ يُطْفَى
9. كَمالُ المَرْءِ حُسْنُ الدِّينِ مِنْهُ،
10. إذا لَمْ تَدْرِ ما الإِنْسانُ فانْظُرْ،

 

عليكَ، ويَنْجَحُ الأَمْرُ العَسِيرُ
أَمِ الأَمْرِ الذِي تَخْشَى، السُّرُورُ
، كمُدْبِرهِ، لَما عَيَّ البَصِيرُ
فَليْسَ يَجِيءُ بالعَقْلِ الدُّهُورُ
ولَكِنْ أَحْمَقُ القَوْمِ الفَقِيرُ
ولا يُرْجَى على الأَدَبِ الكَبِيرُ
ويُخْلِفُ ظَنَّكَ الرَّجُلُ الطَّرِيرُ
وإنْ أَوْقَدْتَهُ كَبُرَ الصَّغِيرُ
ويَنْقُصُهُ، وإنْ كَمَلَ، الفُجُورُ
مَنِ الخِدْنُ المُفاوِضُ والوَزِيرُ

 

وقال الزبير بن عبد المطلب في الحكمة ايضا:

1.إذا كنتَ في حاجةٍ مُرْسِلاً،
2.وإنّ بابُ أمرٍ عليكَ التَوَى،
3.ولا تنطق الدهرَ في مَجْلِسٍ
4.ونُصَّ الحديثَ إلى أهله
5.وذو الحقِّ لا تنقصنْ حَقَّهُ
6.وإنْ ناصحٌ منك يوماً نأى
7.وكم مِن فتىً عازبٍ عقلُهُ
8.وآخرَ تحسبُهُ جاهلاً

 

فأرسِلْ حكيماً، ولا تُوصِهِ
فشاوِرْ لَبِيْباً، ولا تَعْصِهِ
حَدِيثاً، إذا أنتَ لمْ تُحْصِهِ
فإنَّ الوثيقةَ في نَصِّهِ
فإنَّ القطيعةَ في نقْصِهِ
فلا تنْأَ عنه، ولا تُقْصِهِ
وقد تعْجَبُ العينُ مِن شخْصِهِ
ويأتيك بالأمرِ من فِصِّهِ

وقد نسبها البحتريُّ لعبد الله بن معاوية بن جعفر، كما نُسبت إلى صالح بن عبد القدوس، والزبير سابق عليهما.

 

الزبير الحنيفي المؤمن

وأخبر الزبير بن عبد المطلب أن ظالماً كان بمكة قد مات فقال: بأي عقوبة كان موته؟!

فقيل له: حتف أنفه.

فقال: وإن فلابد من يوم ينصف الله فيه المظلومين.

 

وفي هذا دليل على إقراره وايمانه بالبعث والنشور. وذلك من تأثير أبيه عبد المطلب الذي كان أستاذ الحنيفية في زمانه.

أما تسمية النبي صلوات الله عليه واله، ابنه بـالطاهر إذ كان يكنى الزبير بأبي الطاهر دليل على إعجابه بعمه وتقديراً له لعقده " حلف الفضول الزبير ذاك الرجل الذي فيه مسحة واضحة من  دين ابراهيم الحنيفية  ولديه شعور بأهمية مواصلة المسيرة التي بدأها آباؤه.

 

اعتزازه بقومه لانهم حملة دين الله

وحسب ديوان الزبير بن عبد المطلب للاستاذ الحسين بن حيدر محبوب الهاشمي ان الزبير بن عبد المطلب نقلا عن السيرة النبوية لابن هشام 1/215 انه قال:

1.عَجِبْتُ لَمَّا تَصَوَّبتِ العُقابُ
2.وقد كانت يكون لها كَشِيْشُ
3.إذا قُمْنا إلى التأسيس شَدَّتْ
4.فلمَّا أن خَشِيْنا الؤِّجْزَ جاءت
5.فَضَمَّتْها إليها ثم خلَّتْ
6.فقمنا حاشِدينَ إلى بناءٍ
7.غَدَاةَ نُرَفِّعُ التأسيسَ منه
8.أعَزَّ بِه المليكُ بني لُؤيٍّ
9.وقد حَشَدَتْ هناكَ بنو عَدِيٍّ
10.فَبوَّأنا المليكُ بذاكَ عِزَّاً

 

إلى الثعبانِ وهي لها اضطرابُ
وأحياناً يكونُ لها وثابُ
تُهَيِّبنُا البناءَ وقد تُهابُ
عُقَابٌ تَتْلَئِبُّ لها انصبابُ
لنا البنيانَ ليس له حجابُ
لنا منه القواعِدُ والتُرابُ
وليس على مُسَوِّينا ثيابُ
فليسَ لأصله منهم ذَهابُ
ومُرَّةُ قد تقدَّمها كِلابُ
وعند الله يُلْتَمَسُ الثوابُ

 

وقد قالها عندما همتْ قريش ببناء الكعبة في الجاهلية قبل البعثة، فمنعها وجود حيَّة عظيمة كانت في الجب الذي في بطنان الكعبة حيث كنز الكعبة وخزينها، فهابت قريش بنيانها، فسلَّط الله على الحيَّةِ عُقَاباً اختطفها وطار بها. والوَجْزُ: السريعُ الحَرَكَةِ، والمُتْلَئِبُّ المُسْتَقِيمُ. والزبير إنما يقصد أن الكعبة التي يسونها ليست مكسوة وقت بناءهم لها، ولا يعني أن لا ثياب تستر سوءاتهم. وبها يلحظ بصورة واضحة مدى اعتزازه بقومه بني لؤي ولكن هذا الاعتزاز نابع من ارتباطهم بدين الله وطلبهم ثوابه.

 

وقال الزبير بن عبد المطلب مفتخرا ببني هاشم وانهم خير بيوتات قريش:

1.إنَّ القبائلَ مِن قُرَيشٍ كلها،
2.وتَرى لَنَا فَضْلاً عَلى سادَاتِها،

 

لَيَرَوْنَ أنَّا هَامُ أَهْلَ الأبْطَحِ
فضلَ المَنارِ على الطريقِ الأوْضحِ

 

وقال الزبير بن عبد المطلب مفتخرا بآل عبد مناف وانهم خير آل قصي

1.تَرمِي بنو عبدِ مَنَافٍ، إذا
2.لا أسدٌ تُسْلِمُني، لاَ، وَلاَ
3.ولا بنو الحارثِ إنْ مَرَّ بي
4.يَا أيُّها الشَّاتِمُ قَوْمِي ولا
5.إنِّي لهمْ جَارٌ لَئِنْ أنتَ لمْ
 

 

أُظْلَمُ، مِنْ حَوْلِيَ بِالجَنْدَلِ
تَيْمٌ، ولا زُهْرةُ، لِلْنَّيْطَلِ
يومٌ مِن الأيَّامِ لاَ يَنْجَلِي
حَقَّ له عندهمُ، أقْبِلِ
تُقْصِر عَن الباطلِ أو تَعْدِلِ
 

 

وقال الزبير بن عبد المطلب في الفخر بأخلاق بني هاشم

1.يا أيُّها السَّائِلُ عَن مجدِنَا،
2.فيْنَا مُنَاخُ الضَّيفِ، والمجتدين
3.ونحنُ مَأوَى كلَ ذِي خَلَّةٍ،
4.وملجأ الخائِف إنْ ألقَحَتْ
5.ونحن إنْ جاءتْ تَهُزُّ القَنَا،
6.بكرٌ رَددنا جمعَها خائباً

 

اَرْبَعْ، تَنَبَّأ، أيُّها السَّائلُ
مِنَّا، وفِينا الحكم الفاضِلُ
كلّ حداه الزمنُ المَاحِلُ
حَربٌ بِأطْرافِ القَنَا نازِلُ
يتْبعها الجنّانُ والحائلُ
وقدحها من سَهْمِه نَاصِلُ
 

 

ويقول في مدح آل قصي وانهم خير قريش

1.لقد علمتْ قريشُ أنَّ بيتي
2.وإنَّا نحنُ أكرمها جُدوداً
3.وإنا نحنُ أوَّل مَنْ تَبَنَّى
4.وإنَّا نُطعمُ الأضيافَ قِدَماً
5.وإنَّا نحن أسقينا رواء
6.وإن بمجدنا فخرتْ لؤيٌّ
7.وَإِنَّ القِرْمَ مِنْ سَلَفِي قُصَيٍّ

 

بحيث يكون فضل في نظامِ
وأصبرها على القُحمِ العظامِ
بمكتنا البيوتَ مع الحمامِ
إذا لمْ يزج رسل في سوامِ
حجيجَ البيت مِن ثبج الجمامِ
جميعاً بين زمزم والمقامِ
أبونا هاشم وبه نُسامِي

 

ومن ذلك اشادته بأخلاق بني هاشم قال الزبير بن عبد المطلب:

1.يا دارَ زينبَ بِالعلياءِ مِن شرب
2.إنِّي امرؤ شَيْبَة المحمودِ والدُه
3.إنِّي إذا راعَ مالي لا أُكَلِّفُهُ
4.ولا أدبّ إذا ما الليلُ غيَّبني
5.ولا أقِيْمُ بِأرضٍ لا أَشُدُّ بها

 

 

حييتُها وَاقِفَاً فِيْهَا فَلَمْ تَجِبِ
بذّ الرجال بحلٍ غير مُؤْتَشَبِ
إلا الغُزَاةَ، وإلا الرَّكْضَ في السُّرَبِ
إلى الكنائِنِ أو جاراتي اللزبِ
صَوتْي إذا ما اعْتَرَتْنِي سَوْرَةُ الغضبِ

 

 

ويريد ان يقول الزبير في هذه القصيدة.ان ابوه شيبة المحمود اي شيبة الحمد، وهو عبد المطلب بن هاشم شريف وليس بمؤتشب والمؤتشب هو غير صريح النسب، أو يراد به المغمور الئيم النَّجْر.

 

ان هذا الحديث عن بني هاشم ومناقبهم ودورهم في المجتمع واعدائهم كان من ارهاصات الكثير من الاحداث الضخمة التي وقعت لاحقا، وكان لها امتدادات. واستمرت لقرون وقرون بل انها ما زالت تطل كالفتنة المدمرة بقرنيها فتبث طائفية واحقادا جاهلية على كل خير يريد الخلاص لامته ويريد لها ان تعيش كريمة بين الناس.

 

وفاته

وكأن الزبير بن عبد المطلب كان عالما بدنو اجله وهو شأن الانسان المرهف الحس والذي لنقاء روحه يكتشف المجهول القادم. فاخذ الزبير يرثي نفسه قبل موته. جاء في حماسة القرشي الجعبي، شرح نهج البلاغة 8/165 ان الزبير بن عبد المطلب قال يرثي نفسه:

يَا لَيْتَ شِعْرِيْ إِذَا مَا حُمَّتِي وَقَعَتْ

ماذا تقول ابنتي في النَّوحِ تَنْعاني

تَنْعِي أباً كان مَعْروف الدِّفاع عن ال

ـمَوْلَى المضافِ وَفَكَّاكَاً عَن العَاني

وَنِعْمَ صَاحِبُ عانٍ كانَ رَافِده

إذا تَضَجَّع عنه العاجزُ الواني

 

وقد مات الزبير قبل البعثة المحمدية لذلك فانه لم يدرك الاسلام. وان عاش حياته مثالا من امثلة الكرامة والشهامة والاستقامة.

 

اولاده وبناته

ولد الزبير بن عبد المطلب عددا من الاولاد هم:

1- الطاهر؛

2- وحجل؛

3- وقرة؛

4- وعبد الله.

 

عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب الهاشمي

وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم وأمه عاتكة بنت أبي وهب المخزومية.

ولا يعلم له رواية. وكان موصوفا بالشجاعة والفروسية.

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كان له نحو من ثلاثين سنة.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن عمارة، عن أبي الحويرث، قال: أول من قتل يوم أجنادين بطريق، برز يدعو إلى البراز، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، فاختلفا ضربات، ثم قتله عبد الله، ثم برز آخر، فضربه عبد الله على عاتقه، وقال: خذها وأنا ابن عبد المطلب، فأثبته، وقطع سيفه الدرع، وأشرع في منكبه، ثم ولى الرومي منهزما.

وعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: لا أصبر، فلما اختلطت السيوف، وجد في ربضة وحوله عشرة من الروم قتلى وهو مقتولا، وقائم السيف في يده قد غري وإن في وجهه لثلاثين ضربة.

 

قال الواقدي: فحدثت بهذا الزبير بن سعيد النوفلي، فقال: سمعت شيوخنا يقولون: لما انهزمت الروم يومئذ، انطلق الفضل بن عباس في مائة نحوا من ميل، فوجد عبد الله مقتولا في عشرة من الروم قد قتلهم، فقبروه.

قال الواقدي: وأجنادين كانت يوم الاثنين لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. رضوان الله على هذا البطل الهاشمي المغوار

 

ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب

زوجها رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم المقداد بن عمر بن ثعلبة بن بهراء وكان حليفا للأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه وكان يقال له المقداد بن الأسود فولدت ضباعة للمقداد عبد الله وكريمة وقتل عبد الله يوم الجمل. وأطعم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ضباعة بنت الزبير في خيبر أربعين وسقا

 

أم الحكم بنت الزبير بن عبد المطلب

تزوجها ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فولدت محمدا وعبد الله وعباسا والحارث وعبد شمس وعبد المطلب وأمية رجلا وأروى الكبرى وأطعم رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم

 

صفية بنت الزبير بن عبد المطلب

أطعمها رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم في خيبر أربعين وسقا

 

أم الزبير بنت الزبير بن عبد المطلب

أطعمها رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم في خيبر أربعين وسقا

وأمهن عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم

 

وفي ذخائر العقبى في الباب الرابع من أبواب أولاد الاعمام جاء حول الزبير وذريته:

في ذكر أولاد الزبير بن عبد المطلب وجملتهم ثلاثة عبد الله وابنتان أم الحكم ويقال أم حكيم وضباعة. وفيه فصلان:

الفصل الاول في ذكر عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب القرشى الهاشمي

أمه عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية.

أدرك الاسلام وأسلم وثبت مع النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يوم حنين فيمن ثبت يومئذ. ذكره الدار قطني.

وقتل يوم أجنادين في خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنه الجراح فمات.

وذكر الواقدي ان أول قتيل قتل من الروم بطريق معلم برز ودعا إلى البراز فبرز إليه عبد الله ولم يتعرض لسلبه ثم برز آخر يدعو إلى البراز فبرز إليه فاقتتلا الزبير بن عبد المطلب بالرمحين ساعة ثم صارا إلى السيفين فضربه عبد الله على عاتقه وهو يقول خذها وانا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع إلى منكبه ثم ولى الرومي منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص ان لا يبارز فقال عبد الله إنى والله ما أجدني أصبر فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضا وجد في ربضه من الروم عشرة حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكانت سنه نحوا من ثلاثين سنة وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم يقول له ابن عمى وحبى ومنهم من يقول كان يقول ابن أمي.

الفصل الثاني في ذكر بنتى الزبير بن عبد المطلب ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهى التى أمرها رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم بالاشتراط في الحج وكانت تحت المقداد بن الاسود.

وأم الحكم وكانت زوجة لابن عمها ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.

 

هذا هو الزبير بن عبد المطلب صورة ناصعة لرجل حنيفي مومن

موحدا لله

 محبا لابن اخيه محمد

ويرى به املا للمستقبل

ومؤمنا بالبعث والنشور

وعاملا لصالح الاعمال.

 

وبالاجمال نستطيع من استقراء اليسير من سيرته المروية لنا ان نراه احد المؤمنين بالحنيفية التي امتاز بها معظم الهاشميين.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@brob.org