بحوث
مكانة العقل في الاسلام
دنيا الحداد
الحمدلله رب العالمين والصلاة
والسلام على مهدي الانام ماحي الظلام محمد بن عبدالله واله وسلم(وقل ربي زدني
علما )
ان الانسان تشرف على سائرمخلوقات
الله سبحانه وتعالى بعقله وقلبه فالعقل للعلم والادراك ،اما القلب فهوللرؤية
والحب .
فالعقل كمال والقلب جمال
انماينموالعقل ويزهربالتفكر، يتهذب القلب بالتذكرفلابدللانسان من فكروذكر .
يمكن لنا ان نلاحظ نقطة مهمة جدا ان الله سبحانه وتعالى جعل ثقل التركيزعلى
الانسان في نقل الرسالة الاسلامية ليس فقط لاحتوائه على العقل بل لاحتوائه نفحة
من روح الله .
فهذه تضيف قداسة اخرى الى ذلك
الكائن حيث كانت له درجة اكبر في ذلك السلم الحياتي واختلافه عن الكائنات
الاخرى حيث ان هذه النفحة الالهية لم تكن موجودة في الحيوان او النبات او
منتشرة في تلك الطبيعة الخلابة بكل ماتحمل من بهاء وجمال متحرك في الروح . مع
كل هذا يحتاج الانسان الى العقل ليخطط مسيرته على صفحة الواقع المشرقة .
ومع كل هذا يحتاج الانسان الى
العقل ليخطط مسيرته وهو يبحث في المجهول الذي يطمح الوصول اليه ، فهو سيحتاج
الى مرشد او منظم لتلك الحياة فكان ذلك المنظم هو (الدين )
يعرف المصطفوي في كتاب التحقيق :
العقل : على انه (عقل ) اصل
واحدمنقاس مطرد يدل عظمه على حبسة في الشيء اومايقارب الحبسة . من ذلك العقل
وهوالحابس عن ذميم القول والفعلعقل يعقل عقلا اذا عرف ماكان يجهله قبل
اوانزجرعما كان يفعله وجمعه عقول ورجل عاقل وقوم عقلاء وعاقلون ورجل عقول اذا
كان حسن الفهم واخرالعقل ،وماله
قال تعالى :(ولقدتركنا منها اية لقوم يعقلون ) 29/35
(كذلك نفصل الايات لقوم يعقلون )
30/28
تعريفات العقل عند بعض العلماء
العقل : هوعقال من الجهل والنفس مثل اخبث الدواب فأن لم تعقل حارت فالعقل عقال
من الجهل .
العقل : هي لفظة عربية مشتقة من المجردالثلاثي (عقل)
اما القرأن يعرف العقل
(هوالمعيارالاعلى ) الذي وردبصيغة الافعال المضارعة كما في قوله تعالى :
(لو كنا نسمع اونعقل ما كنا في اصحاب السعير )
اما في كتاب المفردات في غريب
القرأن يعرف الراغب الاصفهاني :
العقل : يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم ويقال للعلم الذي يستفيده الانسان
بتلك القوة عقل ولهذا قال امير المؤمنين(عليه السلام ) العقل عقلان مطبوع
ومسموع ولاينفع مسموع اذا لم يكن مطبوع كما لاينفع ضوء الشمس وضوء العين ممنوع
والى الاول اشار الرسول (ص) (ماخلق الله خلقااكرم عليه من العقل ) والى الثاني
اشار بقوله (ماكسب احد شيئاافضل من عقل يهديه الى هدى اويرده عن ردى ) وهذا
العقل هو المعني بقوله بسم الله الرحمن الحيم (ومايعقلها الا العالمون )
العنكبوت (43)
وكل موضع ذم الكفار فيه بعدم العقل فاشارة الى الثاني بسم الله الرحمن الرحيم
(صم بكم عمي فهم لايعقلون ) صدق الله العلي العظيم البقرة (171)
وكل موضع رفع التكليف عن العبد
لعدم العقل فاشارة الى الاول .
الخطبة النورانية :
لودققنا النظرفي خطبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها )
عند قولها ( الحمدلله على ماانعم وله الشكر على ماالهم والثناء بما قدم من عموم
نعم ابتداها وسبوغ الاء اسداها وتمام منن اولاها جم عن الاحصاء عددها )
ان هذه الكلمات النورانية تحتاج
من القاريء الكريم وقفة تأمل ، عن اي نعمة تتحدث هذه المقطوعة ؟عن عدة نعم
وهبها الله للانسان فمن جملة هذه النعم هواعطاءه العقل حيث ان اول النعم التي
ابتداها الله في تكوين الانسان فالعقل يعتير نعمة كبيرة من الله الى البشر
تستحق الحمدوالثناء والشكر الموصول لذلك الاله العظيم .
عند زيارة الامام الحسين (ع)
نبدأ بالسلام :
عليك ياوارث ادم صفوة الله فمن جملة الاسباب التي دعت الله ان يختارادم صفيا هو
احتوائه وتميزه بذلك العقل البشري لانه يحمل شيء كبير وأمانة مثقلة الاوهي (حمل
الامانة )
كما نلاحظ في الاية الكريمة اعتراف صريح على لسان القرأن الكريم في قوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحرورزقناهم
من الطيبات وفضلناهم على كثيرممن خلقنا تفضيلا ) الاسراء.
اعطاه العقل ليميز بين الحق
والباطل ، الخبيث من الطيب ، الخير من الشر، السعادة من الشقاء ان تمييز هذه
الامورطبعا بعد نزول ومجيء الاسلام ليسيرفي حياته ويؤمن طريقه في هذه الحياة
ويؤمن جسر الوصول الى الاخرة بشكل صحيح من خلا العقل فهذا دور العقل في الحياة
.
حيث يوضح العلامة السيد محمد الطباطبائي (قدس) في كتاب الميزان
عملية التكريم اين تكمن حيث يقول
ان المراد تخصيص الشيء بالعناية وتشريفه بما يختص كما ذكرنا سابقابما يوجد فيه
ولايوجد في غيره ، وبذلك يفترق عن التفضيل فان التكريم معنى نفسي وهو جعله
شريفا ذا كرامة في نفسه ، والتفضيل معنى اضافي وهو تخصيصه بزيادة العطاء
بالنسبة الى غيره مع اشتراكهما في اصل العطية ، والانسان يختص من بين الموجودات
الكونية بالعقل ويزيد على غيره في جميع الصفات والاحوال التي توجد بينها
والاعمال التي يأتي بها .
وبالجملة بنو ادم مكرمون بما خصهم
الله به من بين سائر الموجودات الكونية وهو الذي يمتازون به من غيرهم وهو العقل
الذي يعرفون به الحق من الباطل والخير من الشر والنافع من الضار كما اشرنا انفا
,
عن الرسول محمد (ص) في كتاب تحف العقول يصف لنا الحوارالذي دار بين الله سبحانه
وتعالى وبين العقل حيث يقول ان الله خلق العقل فقال له : اقبل فاقبل ثم قال له
ادبر فادبرفقال له وعزتي وجلالي ماخلقت خلقا اعظم منك ولااطوع منك بك ابدأ وبك
اعيد لك الثواب وعليك العقاب فطوبى لمن عقل وعلم .
وهذا الحديث يبين مكانة العقل في حياة الانسان ولذلك احترم الاسلام العقل الذي
بدونه لايمكن ان ندرك كل المعاني والمفاهيم فالعقل هو القوة المدركة من خلالها
يكون التمييز.
الطريقة الواهنة :
لما كان العقل يقع على عاتقه دوركبيرفي حياة الانسان وتحمل مسؤولية كبيرة في
تلك الحياة الدنيوية فمن خلاله نحاسب ومن خلاله نثاب جاد عليه ان يميز الخبيث
من الطيب ، الخطأ من الصواب لذلك عندما يريدالانسان ان يعبد الله ويكون مسلما
عليه ان يميز بعقله لاان يعبد ماعبد أباؤه كما جاء في قوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم ( واذا قيل لهم اتبعوا ماانزل الله قالوا نتبع ماالفينا
عليه اباءنا اولوا كانوا اباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون ) صدق الله العلي
العظيم (البقرة 170)
(يبين لنا السيد محمد حسين فضل الله (قدس) في كتابه مفاهيم اسلامية عامة .
ان القرأن يرفض ذلك كله بقوة فهو يريد ان يفتح عيونهم على ذهنية ابائهم وتخلفهم
وامكانية ابتعادهم عن الحق والهدى .
وان يواجهوا الموقف من خلال
قناعاتهم وتاملاتهم الخاصة بعيدا عن الشعور بقداسة الاباء والاجداد ) .
نلاحظ ان على الانسان عندما يصل مرحلة التكليف التي هي ومرحلة التمييز ان ينفصل
من ناحية فكرياعن المجتمع الذي يشمل كل من الاباء والاجداد والابناء وينفتح مع
ذلك العقل ليرى ماهو جديد في نفسه ويقرأ الرسالة الاسلامية بوعي بعد ان يقرأ
الحياة ايضا بوعي ليعتنقها عن قناعة وايمان .
لكن اثبات الشيء لاينفي ماعداه هذا لايعني ان كل( ماالفينا عليه أبائنا) هو سيء
وغير حسن ، فهناك الكثير مما هو حسن في (ماالفينا عليه أبائنا) وهنا نحتاج الى
العقل ايضا لكي نميز بين الحسن وغيره ،فنأخذ به ونترك ماسواه . ثابت عن الاباء
والاجداد فان كانت الطريقة جيدة فلابأس بها ان كانت توصلنا الى بر الامان وان
ترسو بالرسالة الى طريق معبد يكفل له المسيرفي معترك الحياة القاسية ان كان
لديه عقل يتدبر به .
الفرق بين الانسان والمخلوقات الاخرى :
نلاحظ ان هنالك فارق كبيربين
الانسان والمخلوقات الاخرى وذلك بتميزه بوجود العقل حيث اصبح اعلى درجة من سائر
المخلوقات الاخرى فبالعقل اصبحت لديه لغة الادراك والفهم ،فيما تدير بقية
الحيوانات حياتها ضمن نهج عام حددته لها الغرائز التي جبلت عليها التي تعادلت
في خط واحد الا ان خالقها هو الله سبحانه وتعالى .
العقل وشخصية الانسان :
ان المحتوى الداخلي مهم جدا لبناءشخصية الانسان حيث البدء بتلك الانطلاقة في
حياته فاذا كانت الشخصية تبنى فعلى حساب العقل مجمل ماينشأ تلك العمارة الرائعة
.
كما يقول الكاتب المسيحي سليمان كتانى في كتابه :
(فهو الذي يتم رصف الاساس لتقوم
عليه البناية اما متينة شاهقة تزخر بالون والجمال او
هزيلة باهتة تتغير ولاتثبت على حال لان العقل وليس سواه هو المعني في الانسان
هو الزبدة التي لايمكن ان يستحيل له سواها في تقلبه فوق اديم الارض وكأنه الخلا
صة الاخيرة في ابعد واحدة من سلسلة المصافي التي تمتد على طول خط الحياة)
ان الوزن بين عقل واخر دلالة
اكيدة على الفارق بالطاقة والكفاءة والقدرة على العمل والانتاج ولكن مع كل
رجحان في العقل تكون هناك زيادة في التكليف وحمل مسؤولية أكبر فالمسؤولية على
الطفل تسقط هنا بسبب صغرعقله أما في الصبا والشباب تكون موجودة ولدى البالغين
نجد فيها اكتساح عميق كما جاء في الاية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم (لايكلف
الله نفسا الاوسعها )صدق الله العلي العيم
نظرا لما يتريب عليه من مسؤولية كبيرة ومهمة صعبة الاختراق لانه هو الوحيد الذي
تقع عليه حرية الاختيار فاما عقل مهتدي بنور سماوي او قائد لهوى النفس واهواء
الاخرين وكيفية تفاعلها مع ماتحمل من افكار او مايترك من اثار قال تعالى بسم
الله الرحمن الرحيم (للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو ان
لهم مافي الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به اؤلئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم
وبئس المهاد ) صدق الله العلي العظيم
والعقل هوالرسول الباطني للانسان
يهدي ويرشد ويحرر من الافكار الخاطئة والمخاوف التي تواجهه والعقائد ان من
يتحررفانما يتحرر بذلك العقل حيث تفتح له ابواب الملكوت وهذا يعطينا معطيات جمى
من هذه المعطيات ان الامة المتحررة هي رهين بذلك العقل الذي قادها الى ذلك
التطور والانفتاح هي الامة المتحررة الامة المفكرة الامة العالمة التي تستخدم
عقلها وتنفتح على ذلك الواقع فالعقل امانة نحاسب عليها ادق الحساب .
العقيدة : هي ماينعقد عليه القلب
حقا اوغير حق والسبيل الى الحق هو العقل الذي يشرفنا الله به ويهيب الناس ان
يستعملوا عقولهم ليتوصلوا الى خلاص انفسهم من رحى الحياة التي طحنتهم في التيه
.
فاننا لو عدنا برحى الزمن التي دارتها الايام واجرينا موازنة بين عقلية هذه
الشخصيات كالامام الحسين عليه السلام والدكتوراحمد الوائلي والسيد الشيرازي
والشهيد الصدروبين يزيداللعين وهارون وطاغية العصر صدام لوجدنا الفارق كبير جدا
انها عقليات استطاعت ان تحررالحرية التي كانت معتقلة فينا عكس العقليات الاخرى
التي حاولت الانزواءفي ملذات الحياة
الرخيصة لاالثمينة .
انهاشخصيات لم تعمل على الصعيد الشخصي فحسب بل تعدته الى التحرك .
وخدمة المجتمع انهم كانودررا منثورة في كل بقاع المجتمع وهذا نتاج العقل فسلام
عليهم يوم ولدوا ويوم رحلوا ويوم يبعثون احياء وسلام على تلك الاقمار التي افلت
ونحن بحاجة اليها واعتقد ان مادام العقل متفتحا فانه سيحتاج دوما الى البحث
والسير بتلك العقول النيرة
اذن نحن يمكن ان نربح معركة الحياة اذا استخدمنا عقلنا بشكل افضل من وصايا
الرسول الاكرم محمد (ص) لامير المؤمنين علي عليه السلام
(انه لافقراشدمن الجهل ولامال اعود من العقل ولاعقل كالتدبير )
فالمرء بالعقل يكرم أو يهان .
|