|
مقالات عداء النخبة السياسية الحالية للثقافة في العراق خالد المعالي
هل تعاني النخبة السياسية في العراق من حالة فصام ازاء كلّ ما هو ثقافي؟ ونحن نعني هنا تلك النُخب التي تمسك بدفة الحكم اليوم، أو التي هي خارجه والأخرى التي تقاومه! فمنذ 9/4/2003 وحتى اليوم لم نجد لمسة ثقافية في أداء جميع الأطراف من هذه النخب السياسية المزعومة، لم نجد حتى لمسة ولو وهمية لكي تغازل اطناب العراقيين ومدحهم لذاتهم ولتاريخهم الثقافي –ربما عن حق، باعتبار أن بلدهم كان مهداً للحضارات- باعتبارهم من أكثر الشعوب قراءة باللغة العربية. فبعد مرور أكثر من عامين، ومع هذا الكم الهائل من المثقفين المزعومين، لا نجد من يستطيع أن يتحفنا اليوم بمجلة ثقافية تتوفر فيها ابسط الجوانب المهنية، رغم العديد من المجلات التي تصدر عن وزارة الثقافة أو عن مؤسسات رسمية وغير رسمية في العراق، أيضاً لا نجد كتاباً واحداً معقولاً يصدر ببغداد فيه ما يستحق القراءة ويعكس وضعاً معاشاً حقاً، للعراق الآن أو البارحة.. رغم زعيق الكتّاب والفنانين ومن لفّ لفهم عن الماضي والحاضر، عن قبول الآخر بالواقع والرفض لهذا الواقع، بل ما قرأناه مجرد فبركات مقيتة وأحاديث بلا رابط ولا معنى عن أثينا أو مالطا أو ما شابه.. هل هو العمى؟ الخوف؟ أو آلية صدام و"ثقافته" التي لم تعد تقتصر على الحيّز العراقي (باللاوعي) بل تعدته الى مثقفي بلدان عربية مختلفة؟ أردنا أن نقرأ الأعمال التي قيل بأنها كتبت سرّاً.. أردنا أن نرى بعض هذا القول وأن ذاك الأديب العراقي يعكس كابوسه اليومي أو كابوس ماضيه.. أردنا أن نرى من يصارح نفسه بما اقترفت يداه وقلمه وفمه لكي يصالحها.. أردنا أن نرى صحافة حيّة.. على الأقل بعض اشاراتها... لكننا لم نجد أية اشارة الى هذا، بل مزيداً من الغلو.. مزيداً من الخنوع والمسكنة.. تكالب على الوظائف والرواتب وحرباوية لاتجارى! وعلينا أن نقرّ بأن الأسوأ من النخب السياسية العراقية المختلفة التي ننتقد أداءها وافتقادها لما هو ثقافي، هم المثقفون العراقيون أنفسهم.. ولكن لنرَ كيف مارست النخب السياسية العداء لكل تعبير ثقافي في الداخل والخارج.. حتى ضمن الاطار الثقافي المحض، فعندما عيّن بسبب المحاصصة السياسية السيد مفيد الجزائري وزيراً للثقافة، أُعتبر الأمر، في حينه على الأقل، من قبل العديد من المثقفين بأنه أمر طبيعي، ذلك أن السيد مفيد الجزائري صحافي ومترجم وبالتالي فهو زميل مهنة. لكن الوزارة التي أدارها مُنحت ميزانية بسيطة، بالكاد تكفي، باعتبارها "وزارة تافهة" كما عبّر أخيراً بعض هذه النخب السياسية المزعومة، وكما هو واقع الحال السائد في ذهن النخب السياسية العراقية جميعها! بالطبع نحن لا نتحدث عن "المقاومة" المزعومة بشرف أو بدونه، فأداؤها الثقافي يعايشه العراقيون يومياً، وتبثه بعض القنوات التلفزيونية يومياً اشباعاً لرغبات دفينة في رؤية قطع الرؤوس والمقابر الجماعية، أصبحت اليوم صغيرة ومكشوفة.. لكي يكون تأثيرها الثقافي أمضّ. لكن القادم أعظم.. فما أن أُعلنت التشكيلة الحكومية الانتقالية الجديدة حتى سُلّمت وزارة الثقافة وحسب المحاصصة الطائفية هذه المرّة الى السيد نوري الراوي، وهو ضابط شرطة سابق وتاجر للعلف الحيواني.. وقد جاء هذا السيد الى الوزارة بمن يثق بهم، وبالطبع جاء بطاقمه الخاص من ضباط الشرطة السابقين، أي من منتسبي وزارة الداخلية.. وهذه حالة كان يحلم بها صدام حسين حتماً عام 1968، ونحن بالطبع لا نعلّق هنا على تعيين هذا الوزير ولا على طاقمه، بل اتركونا نعلّق على انجازاته، فهو لم يكتفِ بهذا الانجاز، بل أحال العديد من المدراء العامين على التقاعد، في خطوة غير قانونية بالطبع لأنهم لم يتجاوزا السن القانونية، ولكن المشكلة الكبرى ليست هنا، بل هي في الذين جاء بهم الوزير الحصيف، أي أن الأمر يتعلق برجال "ثقافته"، فأحدهم هو السيد عقيل ابراهيم المندلاوي، وهو اسم لا نعرف عنه شيئاً، وهذه ربما حسنة تحسب له، لكنه من "حزب الله" العراقي.. والثاني الذي انيطت به عملية إعادة الإعمار الروحي هو السيد ماجد أسد، فقد عيّن مديراً لدائرة الشؤون الثقافية، وماجد أسد اسم معروف ولديه خبرة طويلة في تخريب هذه الثقافة، فبالاضافة الى كونه كان يعمل رئيس تحرير للموسوعة الصغيرة التي كانت تصدر عن دار الشؤون الثقافية في زمن "صدام حسين"، كان مدبج مقالات مديح من طراز خاص.. أي أنه كان واحداً من كتبة صدام ومدّاحي أفعاله ولدينا هنا سرداً بما كتبه عن "أم المعارك" فقط، وهو يتجاوز الـ 43 مقالة، نذكر بعض عناوينها وهي تكفي للدلالة على مستوى هذا المدير العام الجديد في وزارة الثقافة العراقية..: أم المعارك بعد ألف عام (القاسية 1/6/1995)؛ أم المعارك الدرس الذي لا ينسى (القادسية 14/1/1996)؛ أم المعارك صوت الله فوق الأرض (القادسية 28/1/1996)؛ القائد صدام حسين.. المستقبل (القادسية 28/4/1996)؛ أمريكا تتحطم من الداخل (القادسية 29/6/1996)؛ مكرمات القائد في القلب (القادسية 3/8/1996)؛ من الميلاد الى الميلاد (الجمعورية 27/4/1997)؛ شباب القائد وتحديث الدولة (القادسية 23/5/1998) (انظر: معجم كتّاب وأدباء ومؤلفي أم المعارك الخالدة، 1990-1998، الجزء 7، ص 1971-1978) وجل فهمه للأدب لا يتعدى "تصوير واعٍ للنضال ودور جماهيرنا الشعبية وشعورها القومي، عبر نماذج ثورية جديدة.. تبشر بالغد العربي الموحد..."، فبعد أن سارع السيد ماجد أسد الى تأسيس حزبين سياسين في آن واحد هما: حزب الكلمة الحرّة و حزب الشعب الديمقراطي.. ها هو يستعيد دوره وكأن شيئاً لم يكن... في وزارة أصبحت لغتها اليوم: حاضر سيدي... الثقافة لا تصنعها الدولة بالتأكيد، ذلك أن من يصنعها هم المثقفون أنفسهم، الدولة يمكنها أن تساهم سلباً أو إيجاباً في انعاش طراز معين من الثقافة.. ذلك ان صناعة الثقافة يقوم بها المثقفون أنفسهم، بالتعاون مع مؤسسات حكومية وبشكل بالتعاون مع المؤسسات الأهلية، وهي نتاج تحوّل اجتماعي وشاهدة عليه، وهي منجزات فردية بالدرجة بالأولى... فأين هي المؤسسات الحكومية التي يمكن أن تساهم في هذا الأمر، أين هي المؤسسات الأهلية، اين هي دور النشر والمؤسسات الصحافية المستقلة التي يمكن أن تساهم في إعادة البناء الروحي للعراق اليوم؟
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |