عميد
الأدب الكردي
في آواخر كانون الثاني عام 1977 احتفلت الاوساط الثقافية السوفيتية
بالذكرى الثمانين لميلاد الكاتب الكردي البارز عرب شمو وقد اقيمت لهذه
المناسبة حفلة تكريمية للكاتب في مدينة يريفان – عاصمة جمهورية
أرمينيا- القيت خلالها كلمات المؤسسات الثقافية والشخصيات العلمية
والادبية البارزة في الجمهورية واتحاد الكتاب السوفييت والتي اشادت
بالكاتب وانجازاته الابداعية ونشرت الصحف والمجلات المحلية والمركزية
مقالات تتحدث عن النشاط المتعدد الاوجه لهذه الشخصية الثقافية الكردية
البارزة. كما وجهت رئاسة اتحاد الكتاب السوفييت برقيةحارة ومطولة الى
الكاتب نشرت في صحيفة " ليتراتورنايا غازيتا " وهي الصحيفة المركزية
الناطقة بلسان الاتحاد، وتعد أهم وأشهر الصحف الادبية في العالم، وقد
تضمنت البرقية الأشادة بمؤلفاته القيمة ووصفته بمؤسس وعميد الادب
الكردي وواضع الابجدية اللاتينية للغة الكردية والشخصية الثقافية
والاجتماعية اللامعة وقد توجت هذه الاحتفالات بمنح الكاتب وساما"
رفيعا" من مجلس السوفيت الأعلى وكانت لهذه الاحتفالات صداها العميق في
نفوس المثقفين الكرد في كل مكان وقد نشر كاتب هذه السطور مقالة (تضمنت
اهم مراحل حياة الكاتب وابداعه مع بيبلوغرافيا كاملة بمؤلفاته في
مجالات الادب واللغة والاجتماع والاقتصاد والسياسة وترجمة النص الكامل
لبرقية اتحاد الكتاب السوفيت) فى مجلة(شمس كردستان)التى كانت
تصدرها(جمعية الثقافة الكردية فى بغداد انذاك)(1).
كانت هذه هي أجواء الاحتفال في عام 1977. أما في عام 1997 حيث مرت
الذكرى المئوية على ميلاد الكاتب وفي السنوات اللاحقة وخاصة بعد تفكك
الاتحاد السوفيتي فقد اضطر قسم كبير من كرد ماوراء القفقاس (جمهوريات
ارمينيا وآذربيجان وجورجيا) الى مغادرة مناطقهم التي عاشوا فيها على مر
العصور وبخاصة اقليم قرهباغ بسبب الحرب الطاحنة التي نشبت بين جمهوريتي
أرمينيا وآذربيجان للسيطرة علي هذا الأقليم والسياسة الشوفينية التي
اتبعتها تلك الجمهوريات ازاء الكرد واختفت تماما تلك الانجازات
الثقافية التي حققها الكرد خلال العشرينات من هذا القرن وانحسرالنشاط
الفكري والادبي والفني الكردي الى حد كبير ومازالت جريدة " ريا تازة "
اي " الطريق الجديد " تصارع من اجل البقاء ان لم تكن قد توقفت عن
الصدور الأن حيث ان اخبار ابناء جلد تنا فى ما وراء القفقاس تصلنا في
عصر الثورة المعلوماتية والاتصال الفوري بشق الأنفس وعلى اوقات متباعدة
عن طريق الاتصالات الشخصية خلال الزيارات المتبادلة واذا كانت الظروف
القاهرة للمثقفين الكرد في ماوراء القفقاس لم تسمح لهم بالاحتفال
بمئوية عرب شمو واستذكار مآثره وانجازاته الابداعية في الذكرى العشرين
لرحيله اوفى ذكرى يوم مولده ورحيله فأن عدم التفات الاوساط الثقافية
الكردية داخل كردستان الى احد ابرز المبدعين الكرد خلال القرن العشرين
له اكثر من دلالة، لعل في مقدمتها هذه الحواجز المصطنعة التي تجزأ ليس
الوطن الكردي فحسب، بل الثقافة الكردية أيضا". ومن عواقب هذه التجزئة
عدم اطلاع القراء الكرد في أحد أجواء كردستان على أدب وثقافة أشقائهم
في الاجزاء الاخرى وفي المهجر. لذا نجد ان نتاجات عرب شمو لم تنشر على
نطاق واسع حتى في كردستان العراق التي تطورت فيها الثقافة الكردية أكثر
من غيرها (2).
الراعي الكردي الذي قابل لينين
ولد عرب شمو في 23 كانون الثاني 1897 في قرية " سوسز " الواقعة في
مقاطعة (قارس) في كردستان تركيا --والتى احتلتها القوات الروسية لفترة
من الزمن-- وهو ينتمي الى أسرة أحد شيوخ الأيزيدية واسمه الحقيقي
الكامل (عرب شمس الدين شامل) ونظرا" للظروف القاسية التي كانت تمر بها
اسرته اضطر في صباه ان يعمل في عدة مهن مختلفة فقد بدأ حياته العملية
راعيا للماشية عند الاغوات الكرد والاثرياء الارمن والاتراك ثم عمل
كأجير في احد المعامل وبالرغم من كل ذلك استطاع ان ينال قسطا من
التعليم ويكمل الدراسة الاولية (التي لم تكن مقسمة الى مراحل ابتدائية
ومتوسطة وثانوية وما يزال نظام الصفوف ذات السنوات العش معمولا" به في
المدارس الروسية) واغلب الظن ان عرب شمو قد درس في احدى المدارس
الروسية في المنطقة حيث تعلم اللغة الروسية الى جانب اللغات الاخرى
التي كان يعرفها (الكردية، التركية، الارمنية، اليونانية) فقد كانت
(قارس) منطقة تتعايش فيها قوميات مختلفة وعمل عرب شمو لبعض الوقت
مترجما" لدى القوات الروسية في المنطقة خلال الحرب العالمية الاولى،
وخلال ذلك انضم الى احدى الخلايا البلشفية التي كانت متغلغلة داخل
الجيش القيصري، وبعد اشتراكه في احدى التظاهرات المعادية للنظام
القيصري القى القبض عليه مع قادة التظاهرة ولكن سرعان ما اطلق سراحه
حين تبين انه كردي وقال له احد الضباط الروس: - لايمكن للكردى ان يكون
بلشفيا-- وقد سرد الكاتب هذه الواقعة اكثر من مرة في رواياته واحاديثه
الصحفية، ولكن الضابط الروسي كان على خطأ بطبيعة الحال فلم تمض سوى
أشهر قليلة حتى اندلعت ثورة اكتوبر 1917 فأنتقل عرب شمو الى مدينة
ستافرو بول وانضم الى الجيش الاحمر واشترك في القتال ضد البيض وحلفائهم
من قوات التدخل الاجنبي، وقد ظل طوال حياته على ايمان راسخ بأن
الاشتراكية هي طريق الخلاص والسعادة لشعوب الارض، وهذا الايمان هو الذي
قاده الى الانضمام الى الحزب البلشفي في عام 1918، وكان بذلك اول
ماركسي كردي في صفوف هذا الحزب في تلك السنوات العصيبة التي كان فيها
مصير الثورة البلشفية مجهولا"، وبعد عودة السلام الى ربوع البلاد،
التحق عرب شمو بمعهد لازاريف للغات الشرقية في موسكو وتخرج فيه بتفوق
عام 1924 وخلال سنوات دراسته في العاصمة، اتيحت له فرصة اللقاء بقائد
الثورة فلاديمير لينين وكتب عن هذا اللقاء التأريخى فى مذكراته وكان
يشير الى ذلك فى احاديثه الخاصة بكل فخر واعتزاز احيانا ومن المعروف ان
عرب شمو قد تعرف خلال سنوات النضال قبيل اندلاع الثورة بالقائد الثوري
كيروف الذي ساعده في الالتحاق بمعهد لازاريف.
عاد عرب شمو بعد تخرجه الى يريفان في عام 1924 وسرعان ما اصبح لولب
النشاط المتعدد الجوانب بين الكرد وانيطت به مسؤولية متابعة الشؤون
الكردية لدى اللجنة المركزية للحزب البلشفي الارمني وقام بجولات كثيرة
الى القرى والنواحي الكردية في ارمينيا للتوعية السياسية والاجتماعية
والثقافية وفي غضون ذلك أسهم في إنشاء المدارس الكردية وتوفير
مستلزماتها ونادى بالقضاء على التخلف الموروث والأمية التى كانت سائدة
بين ابناء جلد ته وبتحرير المرأة الكردية وزجها في كافة ميادين العمل
والعلم والثقافة، وقد نشر سلسة مقالات عن نتائج نشاطه الميداني
ومشاهداته واقتراحاته بصدد تحسين وتطوير المجتمع الكردي في ما وراء
القفقاس (3). وهي مقالات تذكرنا بمقالات الكاتب المصري سلامة موسى الذي
كان يناضل من اجل استنهاض قومه للالتحاق بركب الامم المتقدمة، وفي خضم
هذا النشاط الميداني والتحريض الفكري لم ينس عرب شمو القيام بجولات
علمية لغرض جمع وتسجيل أبرز النتاجات الفولكلورية الكردية من ملاحم
شعرية وقصص وحكايات شعبية وأساطير والتي أصبحت معينا" لاينضب لابداعه
الادبي اللاحق (4) وقد ادرك هذا المبدع والمفكر الرائد ان التوعية
الثقافية الشاملة لابناء شعبه لاتقل أهمية عن العمل الابداعي حيث
استطاع ان يواءم بين النضال الثوري والأبداع الادبي وان يحقق ذلك
التناغم الرائع بين القيم الفكرية والجمالية التى امن بها وناضل من
اجلها طوال حياته المديدة وبين ابداعه الادبي والثقافي ولم يكن يجد فى
ذلك اى تناقض بل على العكس من ذلك تماما وهذا التناغم نجده لدى ابرز
المبدعين التقد ميين فى القرن العشرين مثل ناظم حكمت وبابلو نيرودا
وايليا اهرنبورغ ورسول حمزاتوف وعشرات الكتاب والأدباء الأخرين.
أول أبجدية لاتينية متكاملة للغة الكردية
كان عرب شمو اول مثقف بين كرد ماوراء القفقاس يحصل على شهادة عالية فقد
كانت الامية متفشية بينهم ولم تكن لديهم ابجدية كردية وبعد ثورة اكتوبر
1917 حين بوشر بتأسيس المدارس الكردية في أرمينيا، كان التدريس باللغة
الكردية والابجدية التي وضعها اللغوي الارمني (لازو) استنادا الى
الحروف الارمنية، ولكن هذه الابجدية كانت تشوه اللغة الكردية وتخلق
صعوبات كبيرة في التعليم، لأنها – اي ابجدية لازو – لم تكن تتفق واصوات
اللغة الكردية لذا فقد كلفت الحكومة الارمنية عرب شمو باعداد ابجدية
لاتينية للغة الكردية اسوة بالاقليات القومية الاخرى في مناطق ما وراء
القفقاس التي لم تكن لديها ابجدية وكتابة. وقد بذل عرب شمو جهودا"
مضنية ودؤوبة واضطر لدراسة أبجديات وقواعد اللغات ذات العلاقة باللغة
الكردية وبحلول ربيع عام 1929 كانت الابجدية الجديدة جاهزة وبعد حصول
موافقة المراجع العلمية المتخصصة ومباركة المستشرق البارز اوربيلى الذى
قدم عونا علميا كبيرا لعرب شامو بوشر بتطبيقها على الفور في مجالات
التعليم والثقافة والاعلام وكافة المجالات الاخرى وحين ارادت الحكومة
الارمنية اصدار جريدة كردية تنطق بأسمها وبتعبير أدق بأسم الحزب
البلشفي الارمني تم اختيار عرب شمو كأول رئيس تحرير لأول جريدة كوردية
في ماوراء القفقاس وهي جريدة " ريا تازة " أي " الطريق الجديد " وبعد
فترة وجيزة تم أنشاء اول معهد كردي لاعداد المعلمين في أرمينيا واصبح
عرب شمو اول عميد لهذا الصرح التربوي الهام الذي تخرج فيه مئات
المعلمين الكرد من كافة المناطق الكردية في ماوراء القفقاس. وقد اراد
عرب شمو ان يجرب الابجدية الجديدة ابداعيا" – على حد تعبيره – فكتب
اولى رواياته وهي " الراعي الكردي ".
الدراسات العلمية واللغوية
في عام 1933 التحق عرب شمو بمعهد الاستشراق في ليننغراد (بطرسبورغ)
لنيل شهادة الدكتوراه في قواعد اللغة الكردية. وقد انجز خلال سنى
دراسته العليا العديد من الدراسات اللغوية المهمة في حقل قواعد اللغة
الكردية، حيث كان اول من درس بعمق ووفق المناهج العلمية الحديثة في علم
اللغة ظاهرة الجنس (التذكير والتأنيث) في اللهجة الكرمانجية الشمالية
ويقول بأنه اكتشف هذه الظاهرة خلال قيامه باعداد الابجدية الكردية
الجديدة (1927-1929) على الرغم من انه كان يستخدمها في حياته اليومية
سواء داخل اسرته وبين ابناء جلدته الذين يتحدثون بهذه اللهجة، كما يرجع
الفضل اليه في دراسة الحرف الصائت والكسرة المختلسة، وله بحث مهم حول
الاضافة في اللغة الكردية، وقد نشر هذه الدراسات الثلاث بالاشتراك مع
زميليه تسوكرمان وكوردييف (5). وفي عام 1934 نشر اول دراسة علمية (حول
مسألة الاقطاع بين الكرد)(6) والتي اصبحت مرجعا" علميا" لكل من تناول
هذا الموضوع في السنوات اللاحقة وقد ترجمت هذه الدراسة الى اللغة
الكردية وظهرت في كتاب صدر في بغداد عام 1977. وكانت سنوات الثلاثينات
فترة مأساوية سوداء بالنسبة للشعوب السوفيتية وبخاصة لشعوب القفقاس
ومنها الشعب الكردي. فقد شهدت هذه الفترة اختفاء المكاسب الثقافية التي
حصل عليها الكرد خلال العشرينات والغاء المنطقة الادارية المعروفة بأسم
كردستان والتي تقع في أقليم قره باغ الفاصلة بين جمهوريتي أرمينيا
وآذربيجان. كما شهدت بداية حملات ترحيل الكرد الى مناطق آسيا الوسطى
وبتعبير أدق نساء وأطفال الكرد، لأن الرجال تم ترحيلهم على نحو منفصل
بالقطارات الى مناطق مجهولة.
سنوات الاعتقال والنفي ورحلة المعاناة والعطاء
في عام 1937 كان عرب شمو في اوج نشاطه العلمي والثقافي ويستعد للدفاع
عن رسالته لنيل شهادة الدكتوراه في اللغة الكردية حين تم اعتقاله ونفيه
الى سيبيريا –دون توجيه اى تهمة اليه- ويقول الكاتب الروسي الراحل
ايليا اهرنبورغ (1893 – 1967) في مذكراته الشهيرة " الناس والاعوام
والحياة " ان مصير الانسان في ظل حكم ستالين كان اشبه ببطاقة يانصيب
وليس بقطعة شطرنج.اي ان القمع كان عشوائيا" ويحدث لأتفه الاسباب وقد
زعم استاذ جامعى فى مقال له نشر فى اواخر السبعينات فى بغداد ان سبب
الاعتقال يرجع الى نشر الترجمة العربية لرواية " الراعي الكردي " في
لبنان ولكن هذا الزعم غير صحيح على الأطلاق لأن هذه الترجمة لم تظهر
الا في عام 1947 نقلا" عن اللغة الفرنسية اي الترجمة الفرنسية للرواية
في حين ان المؤلف اعتقل قبل ذلك بعشر سنوات، والاغرب من ذلك ما جاء فى
ذلك المقال من ان عرب شمو كان احد انصار المستشرق نيكولاي مار وان
ستالين كان اضطهد هذا المستشرق لكونه عالما" مستقل الرأي والتفكير وان
الاضطهاد قد شمل انصاره وتلاميذه ! ولكن الوقائع التاريخية الثابتة
المنشورة هي على النقيض من ذلك تماما لأن نيكولاي مار كان من اشد مؤيدي
سياسة ستالين كما ان نظريته اللغوية القائلة بمرحلية وطبقية اللغة هي
النظرية التى كانت السائدة في حقل علم اللغة طيلة فترة حكم ستالين
تقريبا" وكان نيكولاي مار يحظى بمكانة متميزة لدى ستالين وليس ادل على
ذلك من ان الطاغية قد منح مار شهادة عضوية الحزب بنفسه شخصيا" في
احتفال جرى في الكرملين لهذا الغرض وكانت تلك سابقة ذات مغزى لم تحدث
قط من قبل ولم تتكرر ابدا" فيما بعد مع اي عضو آخر في الحزب، وعمل
النظام كل ما من شأنه الترويج لنظرية مار وفرضها على المؤسسات والاوساط
العلمية ذات العلاقة كما احاط مار بكل مظاهر التكريم، لان هذه النظرية
كانت تخدم سياسة ستالين المرحلية في تصفية خصومه تحت ستار الصراع
الطبقي. وقد منح مار أمتيازات كبيرة، فقد كان يشغل عدة وظائف ادارية
وعلمية مهمة في آن واحد ويشرف على عدة لجان حكومية ذات الصلة بمجالات
اللغة والاستشراق، علما" بأن تخصصه الاصلي كان علم الآثار ! وقد اطلق
اسمه على المعهد اللغوي الذي كان يديره وهذا شرف لم يحظ به اي عالم آخر
على قيد الحياة. وتوفي نيكولاي مار في عام 1934 وهو في اوج مجده وظل
اسمه ونظريته (التي اثبت علماء اللغة الروس والاجانب بطلانها واضرارها)
فوق كل نقد حتى عام 1950 حين نشر ستالين سلسلة مقالات في جريدة
((البرافدا)) عن علم اللغة تراجع فيها عن آرائه السابقة القائلة بطبقية
اللغة ونفى ان تكون اللغة بناءا" فوقيا" مثل الثقافة والعادات
والتقاليد والقيم والاخلاق.
لذا فأن اعتقال عرب شمو لايمكن ان يكون بسبب مناصرته لنظرية مار التي
كانت النظرية الرسمية المعترف بها في تلك الفترة.
أمضى عرب شمو أفضل سنوات عمره في أصقاع سيبيريا الموحشة القاسية يعاني
الظلم والاضطهاد ويساق الى العمل القسري الشاق في المشروعات التي كانت
تنفذها الدولة بعرق ودماء المعتقلين، ولكن عرب شمو كان رجلا" من طراز
فريد، لايعرف اليأس ولا الاحباط وتمكن بعزيمته القوية وأرادته
الفولاذية ان يتغلب على كل معوقات الحياة وان يواصل الخلق والابداع في
اشد الظروف قساوة. وكان عقله وضميره مع شعبه المظلوم، فما ان اطلق
سراحه في عام 1957 حتى أسرع بالعودة الى يريفان وواصل نشاطه الثقافي
وتوالت أعماله الروائية ربما للتعويض عن كل السنوات الضائعة من عمره
الابداعي.
الفن الروائي في الادب الكردي
يعد عام 1930 البداية الحقيقية لولادة الرواية في الادب الكردي الحديث
ففي ذلك العام نشر عرب شمو روايته الاولى " الراعي الكردي " وهي بلا
ادنى ريب أول رواية كردية تتوافر فيها الشروط الفنية للرواية الحديثة
حسب المفهوم الغربي للرواية، ولا ريب انها رواية ناجحة وشيقة بكل
المعايير الفكرية والجمالية وقد لفتت الانظار بسرعة الى ولادة روائي
موهوب في ادب اقلية قومية كان النظام القيصري قد حرمها من نعمة التعليم
وفرص التطور. واكتسبت هذه الرواية شعبية كبيرة وحظيت باهتمام الكتاب
والقراء على حد سواء ليس في أرمينيا وحدها بل على مستوى البلاد
السوفيتية بأسرها وسرعان ما ترجمت الى اللغة الروسية وظهرت في كتاب
مستقل في عام 1931. وفي السنوات اللاحقة ترجمت الى عدد من لغات
الجمهوريات السوفيتية واللغات الأجنبية واصبح مؤلفها بين عشية وضحاها
كاتبا شهيرا" وفي السنة ذاتها اي في سنة 1930 نشر عرب شمو مسرحية تحت
عنوان " الراهب المزيف " وهي ايضا اول مسرحية في تاريخ الادب الكردي،
وعلى الرغم من كل هذه الحقائق والشواهد الثابتة فقد حاول بعض من ارخ
لظهور الرواية الكردية تجاهل انجازات الادب الكردي في ما وراء القفقاس
والتركيز على بعض المحاولات الروائية الساذجة التي لا ترقى باي حال من
الاحوال الى المستوىالفنى لرواية " الراعي الكردي " ومن هذه المحاولات
قصة (في حلمي) لجميل صائب والتي نشرت في عام 1925 على شكل حلقات في
جريدة " زيان " وهي اشبه ما تكون بريبورتاج صحفي وابعد ما تكون عن
النثر الفني القصصي والروائي. اما قصة " مسألة الضمير " للشاعر احمد
مختار الجاف التي كتبها في آواخر العشرينات من القرن العشرين فأنها لم
تنشر في حينها لاسباب مجهولة وظهرت في كتاب نشر لأول مرة في عام 1969،
لذا لم يكن لها تأثير على ظهور وتطور الرواية الكردية وهى لا ترقى الى
المستوى الفنى لرواية عرب شمو ولكن " مسألة الضمير " تظل مع ذلك رواية
قصيرة وقصة طويلة مشوقة لما فيها من لمحات ذكية وما تتسم به من طابع
السخرية والنقد اللاذع لمظاهر التخلف والجهل في المجتمع. ان المناقشات
حول بدايات الرواية الكردية لم تتوقف منذ حوالي (30) عاما" والى يومنا
هذا، وقد ادعى احد الروائيين الكرد من كردستان تركيا مؤخرا" بأنه كتب
اول رواية كردية باللهجة الكرمانجية الشمالية، في حين ان رواية "
الراعي الكردي " قد كتبت بهذه اللهجة قبل حوالي (80) عاما. وكانت ظروف
المجتمع الكردي في أرمينيا مهيئة لظهور هذا الفن وكان عرب شمو بحكم
اطلاعه على الادب الروسي وعلى الادب العالمي – عن طريق اللغة الروسية –
مهيئا" اكثر من غيره ليكون الرائد الاول الحقيقي للرواية الكردية ليس
لموهبته الفذة فحسب، بل لثقافته العميقة الواسعة ووعيه الفكري ونظرته
المنفتحة الى العالم.وفى عام 1936نشرعرب شموروايته الثانية(كرد الاكز)
وحين نقارنها ب(الراعىالكردى) نجد ان المؤلف قد نضج فكرا وتطور فنا
واكتملت ادواته التعبيرية ليصل الى المستوى الفنى والجمالى لأفضل
الروائيين الروس.اما روايته الثالثة(الفجر) فقد نشرت فور عودته من
المنفى ويبدو انه كتبها فى سنوات النفى والأعتقال فى سيبيريا ثم توالت
اعماله الروائية الكبيرة(طريق السعادة)عام1959 و(دمدم)عام1966 وروايات
عديدة اخرى.وقد لفتت هذه الروايات انظار القراء السوفيت والأجانب الى
ادب عرب شمو وعالمه الروائى المتميز،عالم الأنسان الكردى بكل سماته
وقيمه الروحية وخصائصه الأجتماعيةونضاله من اجل غد افضل
عرب شمو والادب العالمي
يمكننا القول – دون ان نخشى الوقوع في المبالغة – ان ادب عرب شمو قد
اصبح جزءا" حيا" من الادب العالمي. ولكن يتعين علينا اولا" ان نقدم
لمحة عن الادب العالمي حيث يعرف نقاد الادب في الغرب الادب العالمي
بأنه جماع الاعمال الادبية الرفيعة التي ابتدعتها البشرية اي جماع
النتاجات الادبية الرفيعة المستوى التى تصب في شرايين منظومة الادب
العالمي بطرق ووسائل شتى حيث ان السمات الفكرية والفنية لبعض النتاجات
الادبية تتجاوز الحدود الفاصلة بين الشعوب وتصل الى القراء في بلدان
الاخرى والجزء الاكبر من هذه النتاجات ينقل عن طريق الترجمة، وثمة
علاقة وثيقة بين الاتصالات الدولية الناشطة في ايامنا هذه وبين
الاهتمام الساخن بالقضايا النظرية للترجمة الفنية. ثمة نتاجات تصبح
جزءا" من الادب العالمي بعد فترة وجيزة من نشرها ونتاجات أخرى لا تصبح
كذلك الا فيما بعد واحيانا في زمن جد متأخر كما ان النفوذ السياسي
والقوة الاقتصادية واحيانا" عدد السكان ومدى انتشار اللغة هى امور لها
اكبر الاثر في تعريف ادب شعب ما ووصوله الى بقية انحاء العالم، وتحتل
آداب الشعوب الصغيرة واللغات قليلة الانتشارمواقع اسوأ بكثير من حيث
الاعتراف العالمي بها من آداب الشعوب الكبيرة واللغات واسعة الانتشار
لان آداب الشعوب الصغيرة لا تصل الى القراء في العالم واذا عرف العالم
شيئا" عنها فان ذلك يتم عن طريق الترجمة (7). ولكن الامر كان مختلفا"
في الاتحاد السوفيتي السابق فالنتاجات الادبية رفيعة المستوى لشعوب
الاتحاد واقلياته القومية كانت تترجم الى اللغة الروسية ومنها الى لغات
العالم. والكاتب السوفيتي بصرف النظر عن قوميته كان ينظر اليه ككاتب
سوفيتي وكل عمل ابداعي جيد يصدر في اي مكان من الاتحاد يصبح بعد فترة
قصيرة متاحا" لجمهور القراء في كافة الجمهوريات السوفيتية بعد ترجمته
الى اللغة الروسية والتي كانت اللغة المشتركة لشعوب الاتحاد وعلى هذا
النحو نرى ان جنكيز ايتماتوف ورسول حمزاتوف وعرب شمو، كانوا يكتبون
بلغات قليلة الانتشار وينتمون الى شعوب وقوميات صغيرة ولكن اعمالهم
المترجمة الى اللغة الروسية تصبح فور نشرها جزءا" من الادب السوفيتي ثم
تترجم الى العديد من لغات العالم.
و ليس ثمة ادنى شك ان عرب شمو اكثر الكتاب الكرد شهرة في العالم لان
نتاجاته ترجمت الى اهم لغات العالم (الانجليزية، الفرنسية، الالمانية،
الروسية) أضافة الى عدد من اللغات الشرقية (العربية، الارمنية،
الجورجية، الاذرية،... الخ) ولاريب ان سبب اقبال دور النشر الاجنبية
على ترجمة رواياته ونشرها يكمن في مستواها الرفيع فكرا" وفنا" ونجاحه
في خلق عالمه الروائي المتميز والذي بعكس نبض الحياة في المجتمع الكردي
باجوائه وشخوصه وسملته الروحية والطريق الى الادب العالمي يبدأ من
الابداع الادبي المحلى المتميز المعبر عن القيم الروحية المشتركة لشعوب
الارض.
ان الدور الذي نهض به عرب شمو في تأهيل الفن الروائي في الادب الكردي
دور ريادي وتأريخي كما ان رواياته تعد افضل ما كتب باللغة الكرديةمن
نثر فنى وطفرة كبرى في المضمون الفكري والمستوى الفني للرواية الكردية
ويكفي للدلالة على أهمية عرب شمو ومكانته الادبية الرفيعة ان نقلب
صفحات اية موسوعة ادبية شرقية كانت ام غربية حيث نجد فيها حتما شيئا"
عن سيرة حياته وابداعه وقد لانجد في تلك الموسوعات اسم اي كاتب وشاعر
كردي آخر ماعدا الشاعرين الخالدين احمدي خاني وكوران احيانا وبابا طاهر
الهمداني فى بعض الحالات النادرة.ولاتزال اعمال عرب شمو الروائية هى
الذ روة فى الأدب الروائى الكردى المدون باللغة الكردية تحديدا لأن ثمة
بعض الروائيين من اصل كردى ذاعت شهرتهم ربما اكثر من عرب شمو ولكنهم
يكتبون بلغات اخرى وليس باللغة الكردية.
الهوامش والملاحظات:
1--جودت هوشيار " ايها الرائد العظيم سلاما " مجلة " شمس كردستان "
العدد (45 – 46) آذار – نيسان 1977.
2-- لم تنشر من نتاجات عرب شمو الروائية في كردستان العراق سوى رواية
واحدة وهي رواية " دمدم " التاريخية.
3--نشر الكاتب عرب شمو مقالات عديدة في الصحف الصادرة في القفقاس خلال
تلك الفترة.
4--قام عرب شموبأعادة صياغة مجموعة من الحكايات الشعبية الكردية
وأعدادها للاطفال باللغة
الروسية ونشرت في كتاب انيق مزدان بلوحات فنية جميلة تصور حياة
الكرد وذلك عام 1967 في موسكو.
5-نشرت هذه الدراسات بالاشتراك مع تسوكرمان (ثلاث دراسات) وكوردييف
(دراسة واحدة).
6--حول مسألة الاقطاع بين الكرد – " قضايا المجتمعات ما قبل الرأسمالية
" ليننغراد، 1934، العدد 9-10 ص 134
ولعرب شمو دراسات اقتصادية اخرى نشرت في جريدة " فجر الشرق " ومجلتي "
الثورة والثقافة " و"
قضايا المجتمعات ما قبل الرأسمالية " وجميعها عن الحالة الاقتصادية
للكرد في ما وراء القفقاس
7--جودت هوشيار – الادب العالمي: مفهومه وقضاياه مجلة – " الأديب
المعاصر " الصادرة عن الأتحاد العام للكتاب و
الأدباء العراقيين، العدد 14 نيسان – تموز 1977 ص3