|
مقالات
ما الذي يدعو حجازي للانتقاص من الثقافة العربية والشعر العراقي؟
سعد جاسم شاعر عراقي يعيش في كندا
منذ سنوات طويلة وأنا اتابع آراء الشاعر المصري(احمد عبد المعطي حجازي). وقد فكّرتُ اكثر من مرة التحاور معه والرد على آرائه التي يحاول في كثير منها الانتقاص من الثقافة العربية والشعر العراقي متمثلاً في شعرائه الرواد (السيّاب والبياتي والملائكة) وشعراء تياراته وتجاربه الآخرين وسعيه للنَيْل من مكانتهم الابداعية. وقد تأكد لي مثلما تأكدَ لعدد كبير من الادباء والمتلقين العرب، ان حجازي بأنتقاصاته هذه ينطلق من احساس بعقدة تشكّلت في ذاته المنتفخة لأن النقاد العرب الحقيقيين وفي كل اشتغالاتهم النقدية تحليلاً واستقراء وتأويلا وحتى تأرخة وتجييلا لم يذكروا (اسم) حجازي بوصفه واحداً من رواد الشعرية العربية، رغم كل محاولاته وطروحاته المتنفجة التي يجهر بها دائما لتأكيد اوهامه (الريادية). ولاندري من الذي اوهم حجازي او كيف سوغت له ذاته التفكير بامتلاك منجز شعري كبير يؤهله لحيازة ريادة شعرية. حيث انه ولانريد ان نبخسه قدرته الشعرية لايعدو ان يكون واحداً من الشعراء المصريين الجيدين لا أكثر ولا اقل... وهذا مااستطعنا التوصل اليه بعد قراءة متأملة وفاحصة لاعماله الشعرية وقصائده المتأخرة. ولا نجد حرجاً اذا قلنا انه لايرقى بشاعريته او منزلته الشعرية على (صلاح عبد الصبور أو امل دنقل أو جورج حنين) على اختلاف اصواتهم وتجاربهم التي اثبتت حضورها في الشعرية العربية. وكذلك فان حجازي؛ وهذه عقدة اخرى؛ كان ولايزال وفي معظم الحوارات التي اجريت معه دائم الجهر بعدم اعترافه واستساغته لقصيدة النثر العربية،منطلقاً بذلك من فهم ينطوي على ذائقة تقليدية، وهي ان هذه القصيدة مادامت تخلو من الاشتراطات والمعايير (الخليلية) فانها ليست من الشعر بشئ؟ وقبل فترة فاجأنا حجازي ومن خلال حوار معه (*) بمجموعة من الاراء التي لاتخلو في معظمها من نزعة اقصائية والغائية وهجائية تطفح بما يدعو للاستغراب والتعجب لما انطوت عليه من قصدية للاساءة والانتقاص من الثقافة العربية والشعر العراقي والواقع الثقافي في مصر والاجيال الجديدة وغير ذلك الكثير. وسنحاول هنا القاء الضوء على (البعض) من تلك الاراء التي من المؤكد انها كانت مثار انتباه وانزعاج العديد من الادباء والكتاب والمتلقين العرب. ومن هذه الاراء: لقد أجاب حجازي رداً على سؤال لمحاوره حول (موقع مصر على خريطة الشعر العربي) قائلاً: (لكي نجيب على هذا السؤال لابد ان نسأل ماهو موقع الشعر في العالم العربي، فعلى سبيل المثال العراق كانَ ينتج الشعر ‘ ولكن الان لايوجد شعراء... هناك بعض الاسماء ولكن ماذا يقدمون؟ فهناك فرق بين ماكان يُقدم في الخمسينيات مثل الجواهري وحسين مردان، وبين الشباب الجدد: نازك الملائكة والبياتي. وللاسف فلقد قتل الطغيانُ العربَ. ومايقال عن العراق يقال عن مصر فنحن شعب لايستخدم اللغة والتي تستخدم عادةً لادارة حوار ومادام الحوار والذي هو اساس الديمقراطية غير موجود فلن توجد لغة). لقد تعمدتُ أن انقل نص اجابة حجازي كاملاً.. وهنا أريد أن اتساءل عن العلاقة والرابط الموضوعي بين السؤال واجابته، حيث اننا علمنا ان المحاور كان قد طرح تساؤله حول موقع مصر على خريطة الشعر العربي، اليس كذلك؟ ولاادري ماهي مناسبة الحديث عن العراق؟ (فعلى سبيل المثال العراق) - كما ذكر حجازي - و (كان ينتج الشعر ولكن الآن لايوجد شعراء) و (هناك بعض الاسماء ولكن ماذا يقدمون؟) وهنا أريد ان اهمس متسائلاً في اذن (الأخ) حجازي وهو الذي (يدّعي) دائماً بأنه شاعر ورائد: ماهي العلاقة بين السؤال الواضح والمحدد الذي طرحه عليك المحاور، وهذا الكلام الهذياني الذي يفتقد الى ابسط شروط الوعي بالعملية الشعرية؟ وكذلك؛ فأن ماذهبت اليه يمكن لأي متلقٍ بسيط أن يستشعر من خلاله رغبتك بالانتقاص من شعرية وشعراء العراق.. ليس الاّ؟ا. وأعتقد انك اول من يعرف ماهو الفعل الابداعي الذي قام به الشعراء العراقيون من اجل تحديث الشعر العربي في بنيتيه التركيبية والرؤيوية. واذا انتقلنا الى اجابة حجازي حول وجهة نظره عن الواقع الثقافي في مصر فأننا سنلاحظ ان تلك الاجابة التي لخّصها بسطر واحد فانها هي (الاخرى) تدعو الى الاستغراب الذي اعتقد ان الكثيرين من الادباء والكتاب المصريين سوف لن يسكتوا على وجهة نظر ناسفة كهذه والتي فجّرها حجازي قائلاً: (لاتوجد في مصر ثقافة... بل توجد فقط وزارة ثقافة) واذا اردنا ان تُقلّبَ وجهة نظر حجازي هذه من خلال وجوه ومستويات عدة ثم نؤولها ونتفحصها، فسنرى في المحصلة النهائية انها ليست سوى(اطلاق) لايخلو من الغمط والتسفيه الذي لاغاية له سوى الانتقاص والسخرية من الثقافة المصرية العريقة والمهمة في ماضيها وراهنها الذي لايمكن لأي مثقف حقيقي ان يهمّش أو يتنكّر لمنجزها الابداعي بمختلف أجناسه وتياراته الادبية والفكرية والفنية. ونريد ان نذكّر حجازي أن الثقافة لا تصنعه(الانظمة) و (الوزارات).. بل ينتجها المثقفون الحقيقيون لا المثقفون الرسميون أو السلطويون أو (العائشون) على اوهام وامجاد الثورات الغابرة. وفي سياق اجابةٍ لحجازي عن رأيه في الادباء الجدد فقد قال: (الاجيال الجديدة في أسوأ حال.. فلا مدرسة أو منتدى أو اعلام أو اسرة فمن أين تتعلم...). وبعيداً عن ماينطوي عليه مثل هذا الكلام من سوداوية وما يختفي في طياته من تغييب للادوار والمهمات التربوية والثقافية التي تقف وراءها المدرسة بجميع مراحلها الدراسية والمنتديات الثقافية ووسائل الاعلام وكذلك الاسرة - بوصفها حاضنات وموجهات تساهم في بناء شخصية الفرد انسانياً وثقافياً - فاننا نلمس وبوضوح ان حجازي يعيش حالة من التعالي والنفور وعدم الاقتناع بالمنجز الابداعي للادباء الجدد.. وأذكر ان حجازي وفي السياق ذاته وفي حوار نُشرَ معه في ملحق (البيان الثقافي).. واجههُ محاوراه بسؤال حول تعاليه على الادباء الجدد وتعمده اغلاق الابواب في وجوههم.. فقد اجاب اجابة (التوائية) تعزف على وتر الموهبة واللاموهبة والقدرة الابداعية وغيابها لدى هذا الاديب الجديد أو ذاك.. وسنسوق هنا رأياً لواحد من الادباء المصريين الشبان هو: الشاعر فتحي عبد الله.. حيث يمكننا أن نستحصل من خلال رأيه على خلاصة - اعتقدها مهمة - لأنها توضح طبيعة فهم الادباء الادباء المصريين الجدد ورأيهم بالسيد حجازي وهو رأي أرى بأنه ينطلق ويعبّر عن رؤية نقدية واعية تسعى الى قول الحقيقة ازاء حجازي وليس الاساءة له أو الانتقاص منه.. حيث قال فتحي عبد الله وفي حوار نُشرَ معه في (الاهرام العربي - 2 تشرين الثاني - نوفمبر - 2000): (لاأحد يشكك في قيمة حجازي الشعرية، الاّ انّ مواصفات كثيرة وراء نجوميته، أهمها انهُ الابن البار لثورة تموز- يوليو- وشاعرها المُقدّم ، وحامل شعاراتها الاجتماعية والانسانية ، وماقدمه من نصوص لا تجعل منه شاعراً كبيراً وان كان متميزاً ، فقد أغلق تجربته مبكراً وانكفأ على الاغراض القديمة كالهجاء والرثاء التي تلعب ادواراً سياسية في الحقبة الراهنة.. لقد لعب أدواراً كثيرة بعيدة عن الشعر ، كلها تصبُّ في السياسي المباشر للحصول على مكانة تناسب طموحه الشخصي). ان الفاجع في أمر حجازي والذي يوجز تماماً ماهو عليه الآن هو جوابه حول سؤال: - هل انتَ راضٍ عن نفسك؟ فقد أجاب: (اشعر انني مقصّر وأشعر انني لم أقمْ بواجبي وأشعر انني استطيع ان أُقدّم أفضل مما قدمت و... لكن... نتيجة للظروف العامة والخاصة اتجهتُ الى كتابة المقالة الصحفية منذ - 15- عاماً.. ولو كانت ظروفي أفضل لتفرغت للشعر، وأشعر الآن أن الوقت قد ضاع، ومالم اصنعه منذ عشرين عاماً \لن استطيع أن أفعله خلال المرحلة القادمة). تُرى: أَليسَ هذا الكلام هو اعتراف واضح بالعجز والتقصير اللذين لاتشفع لهما عكازات ال (لكن) والظروف العامة والخاصة؟ ثم أليس هو الا تعبير عن انطفاء شعري لايمكن أن يشعل جذوته لا التفرغ للشعر ولا الشعر الذي ضاع مع ضياع الوقت - منذ عشرين عاما -؟ كما قال احمد عبد المعطي حجازي بعظمة لسانه، العاطل عن قول الشعر والناطق بما يشبه الكفر؟
ــــــــــــــــــــــــــ * نُشرَ الحوار في صحيفة الزمان.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |