الموروث
الشعبي الفلسطيني بين الأصالة والمعاصرة
حاتم عبد الهادي السيد
عضو اتحاد كتاب مصر
مصر- شمال سيناء - العريش - ص ب 68
hala2004nora@yahoo.com
( البكرجِ اللي انتصب رنت
فناجينه )
"مثل فلسطينى"
يحكون في بلادنا ’يحكون في
شجن
عن صاحبي الذي مضى وعاد في كفن
كان اسمه ،لا تذكروا اسمه
خلوه في قلوبنا ،لا تدعوا الكلمة
تضيع في الهواء كالرماد
خلوه جرحاً زا عقا لا يعرف الضماد
طريقه إليه
" محمود درويش "
ربما كان من الأجدر بنا ونحن نتباحث في الموروث الشعبي الفلسطيني أن نبتدأ
بأبيات من قصيدة " وعاد في كفن " للشاعر الفلسطيني " محمود درويش " حتى يمكن
لنا أن نوصل الماضي بالحاضر ونستشرف لآفاق المستقبل للأمة الفلسطينية المناضلة
.
وإذا كان الاحتلال الإسرائيلي الآن يحاول طمس الهوية والتراث الخالد للشعب
الفلسطيني وذلك بمحاولاته الخبيثة لضم " جيل داود " ضمن التراث اليهودي في
خريطة الأمم المتحدة فإننا لذلك ندرك مدى أهمية البحث في الموروث الشعبي لدولة
فلسطين المحتلة’ وذلك في محاولة منا لإظهار الهوية للفلسطينيين ، ولإظهار تراث
قيم تزور حالياً من أجل تثبيت دعائم الصهيونية العالمية .
وأزعم أن البحث في الموروث الفلسطيني لابد وان يتناول قضية الأصالة والمعاصرة
كنتاج حتمي تقضيه الضرورة الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للحالة
التي أصبحت عليها الدولة لفلسطينية الآن .
فقد ذكر أصحاب فهارس المدن ( ومعادن البلدان ) بعض الأساطير والآثار الخاصة
بالمدن الفلسطينية ففي ( الفهرست .. الخريطة التاريخية للمالك الإسلامية ) أورد
المؤلف أن " الرملة " موجود بها الجامع الأبيض ، ومدفون داخله ثلثمائة من
الأنبياء والصديقين ، كما أن مدينة ( طبرية ) يوجد بها قبر النبي شعيب وقبر
ابتنة زوج الكليم موسى ، وقبر ينسب إلى نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام
بجامعها المعروف " جامع الأنبياء " ويقال أن في القرب منها جب يوسف كما أن "
عسقلان " يوجد بظاهرها وادي النمل .
أما مدينة ( يافا ) وكما يورد " فؤاد إبراهيم عباس " ( 1) ـ فيقال أن الذي
أسسها هو يافث بن نوح ، ولكن المرجح أن اسمها " فينيقيا ومعناه ( الجميلة ) "
ويقال أنها أسست قبل الطوفان { Garroting : the story of jericho , Condon 1940
}
ولما غزا بنوا إسرائيل فلسطين سنة 1400 ق.م بقيت يافا تقاومهم ولم يأخذوها عنوة
إلا بعد أن ضعف سلطان الفراعنة ، وتقاسم بنوا إسرائيل البلاد ، وقيل أن "
عشتروت " الإلهة عبدت في يافا وكانت على شكل امرأة نصفها الأسفل من السمك ،
واعتبرت أنها راعية للصيادين كما كان يجاور معبدها بركة مقدسة في يافا تحفظ بها
الأسماك .
ويرى ( تولكوفسكي ) صاحب كتاب تاريخ يافا :
} s. Toikowsky : the gateway of pqiestine . Ahistory of taffa Condon 1942 {
أن البضة ( موقع ينخفض في شمال شرقي يافا تتجمع فيه الأمطار ) وهو موقع تلك
البركة المقدسة ، كما أننا نجد أثراً من عبادة الإله داجون dagon في اسم قرية "
بيت دجم " المجاورة لمدينة يافا .
كما يورد لنا فؤاد إبراهيم عباس في كتابه العادات والتقاليد في الموروث الشعبي
الفلسطيني بعضاً مما أورده القاضي مجير الدين الحنبلي في كتابه الأنس الجليل
بتاريخ القدس والجليل بعضاً من الأساطير الفلسطينية وأغلبها عن بيت المقدس
ومقدساتها، ومن ذلك أن سفينة نوح عليه السلام طافت بالبيت الحرام الذي بمكة
المكرمة أسبوعاً كاملاً كما طافت ببيت المقدس أسبوعاً كاملاً قبل أن تستوي على
الجودي في مدينة الموصل بالعراق ، كما يضيف بأن السفينة لما بلغت بيت المقدس
نطقت بإذن الله وقالت : يا نوح هذا بيت المقدس الذي يسكنه الأنبياء من أبنائك ،
كما نقل صاحب الأنس الجليل بأنه يوجد عند باب التوبة طلسماً مكتوباً على لوح في
حائط مسجد القدس فلا تقرب الأفاعي والحيات من ذلك المكان لوجود الطلسم وإذا
وجدت حية فمن المؤكد أنها غير سامة ، ويقال : أن الرخ وهو الطير الأسطوري كان
قد خلق من وادٍ من أودية بيت المقدس حتى سلط الله عليه طيوراً جارحة كثيرة
فأبادته هو ونسله 0
ومعلوم أن فلسطين تشتهر بالزراعة ، ولعل أول ثورة زراعية ابتدأت في مدينة أريحا
في الألف السادس قبل الميلاد ـ كما يقول ج برونوفسكي (2) : تلك المدينة
الفلسطينية التي تحكي قصة الاستقرار البشري منذ العصر النيوليش neolithictimes
( 8 : 5 آلاف سنة قبل الميلاد ) وهي مرحلة الانتقال الثقافي في عصر الجمع
والالتقاط والصيد إلى مرحلة الاستقرار وانتاج المزروعات الغذائية وصناعة الطعام
0
ومما يورده لنا " سليم عرفات المبيض " (3) في كتابه " الحصيدة في التراث الشعبي
الفلسطيني : أن عالم الآثار الأمريكي رو برت براد وود " قد أورد بأن سكان أريحا
زرعوا الحبوب ودجنوا الحيوانات ، كما تغزل بها الوزير الفرعوني " سنوهي " في
قصته الشهيرة عندما قدم للبلاد في القرن العشرين قبل الميلاد 1961 ق.م يقول :
كان فيها الشعير والقمح وماشية من جميع الأنواع ولا يحصرها العد (4)
ولعل الهدف من اورادنا مثل هذه المقتطفات أن ند لل على أصالة فلسطين كأرض ملك
للفلسطينين ، وليست أرضاً للمعاد كما يذكر أصحاب برتوكولات حكماء صهيون ، وعلى
رأسهم تيودورد هرتزل ، ولقد انتشرت الأغاني الشعبية التي تعبر عن الطموحات
السياسية وتفصح عن الأحوال الاقتصادية التي مارسها البريطانيون بالأظافر
الصهيونية ، ومنذ أن سافر الحاج / أمين الحسيني ـ رحمه الله ـ رئيس المجلس
الإسلامي الأعلى بفلسطين وقائد كفاحها ومفتي ديارها المقدسة ، حيث سافر إلى
برلين سنة 1941 ليقابل " هتلر " لمطالبته بمنع تدفق هجرة اليهود الألمان
لفلسطين ، وفي هذا المقام أنشد الشاعر أمين الخلاص قصيدته الشعبية الشهيرة ،
ذاكراً الرحلة ومند داً بالممارسات الصهيونية لليهود والألمان يقول (5) :
بابوري رايح وبابوري جاي وأنا اللي قاعد وحدي حزين
بابوري رايح على برليـن جايب لي هدية من الحاج أمين
الله يجيبه على فلسطيـن وإحنـا منـه ممنونيـن
يا حاج أمين شوف ها الحالة مـن بعـد القمـح أكلنا نخالـة
تعالى وهدي هـا الحالـة وإحنـا منـك ممنونيـن
يا حاج أمين شوف ها العيشة مـن بعد القمح أكلنا جريشـة
تعالى وهدي هـا العيشـة وإحنـا منـك ممنونيـن
وانطلقت الأمثال الشعبية رافضة جباية الضرائب على الأراضي ، بل ودعى الفلاحون
إلى الإضراب عن زراعة القمح ومن الأمثلة الفلسطينية التي قيلت في ذلك : (5)
ـ " زوان بلدنا ولا قمح الصليبي أو " الغريب " 0
ـ شعيرنا ولا قمح غيرنا 0
فهم يفضلون مرارة " الزوان " على قمح الغرباء وذلك في محاولة منهم لرفض
الامبريالية البريطانية المتعسفة والمؤيدة لاستلاب الصهيوني للأرض ، وما صاحبها
من وعد بلفور ، ثم الانتداب البريطاني فكان التحدي الشعبي للفلاحين : فانطلقت
الأمثلة الشعبية لتندد بالضرائب ومنها :
ـ " ضريبة ما يتدفع مال ويركو ما عليك "
وهذا المثل يقال لتشجيع كل فرد يرفض دفع الضرائب ، و( مال الويركو ) ضريبة
عثمانية فرضت عام 1886م على أصحاب الأملاك في فلسطين ، فقد دأبت الحكومة
البريطانية على استيراد الدقيق الأبيض وطرحه في أسواق فلسطين لضرب الانتاج
المحلي وكان الشعب مستيقظاً فرفض مثل هذه الممارسات ورفض الزراعة في مشرق بئر
السبع بحجة وجود " المشاش " ـ الأرض المالحة ـ وذلك لأن جباة الأعشار ـ الضرائب
ـ كانوا يأخذون باقي المحصول فقال شاعرهم :
الحمد لله وراية الله علينا شـاش اللي حكم بالعدل مع زارعيين لمشاش
رفرف عليها الزرعي وطار وشاش نقاه عفير ما خلا ولا حبة تطلـع
وريحة رواحهم من الكبد كمان تطلع حسبم للمعدود لقوا عليهم زيادة تطلـع
ومن عادات أهل فلسطين أنهم كانوا ينصرون أخوانهم في القرى المجاورة وتسمى تلك
العـادة " الفزعة الجماعية " (6) حتى يشاركونهم في النضال الجماعي ضد العصابات
الصهيونية والمغيرين ، كما كانوا يشتركون في بناء المنازل ومن أهازيجهم في هذا
الاحتفال :
يا دار لا تخافيـش واحنا حماتك وسورك
بالدم الأحمر لنحميك مـن كل وبش يزورك
وإذا كنا قد أشرنا بداية بأنه من المفيد أن ندرس الموروث الشعبي الفلسطيني في
صورة معاصرة فإننا ولابد أن نعرج على بعض الأناشيد القومية التي تدعو إلى
المطالبة بالاستقلال وبناء الدولة العربية الإسلامية والدعوة لاستقلال الأمة
العربية ووحدتها ومن هذه الأناشيد الوطنية التي كان يرددها أبناء الشعب في
فلسطين وكما يوردها فؤاد إبراهيم عباس قول شاعرهم :
شبوا على الخصم اللدود إلى متى أنتم ينـام
قوموا إلى الموت الزؤام وامشوا له مشي الأسود
وقولهم :
نحن خواضو غمار الموت كشافو المحن
نبذل الأرواح تفديهـا لإحيـاء الوطـن
هل سوى الأرواح للأوطان في الدنيا ثمن
وقولهم :
ياليوث الوغى خصمنا قد طغى
فلنمت كلنـا في سبيل الوطن
وقولهم :
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمـن إلى مصر فتطوان
فلا أحـد يفرقنـا لنا ديـن يوحدنـا
لسان الضاد يجمعنا بقحطـان وعدنـان
وبدو فلسطين يحيون حياة تكاد تنسق وحياة البدو في شبه الجزيرة العربية ، وبادية
سيناء ، فهم يلبسون العقال والعباءة والكوفية ، ويلبسون الثياب المصنوعة من صوف
وبر الجمال والماعز ، كما تلبس النساء الثوب البدوي المحلي المصنوع من أنواع
النسيج المحلي ، كما يلبسون غطاءاً للرأس ( المنديل أبو سفريته ) والشرشف شتاء
.
كما يسكنون الخيام وبيوت الشعر ويسهرون بالليل للتسامر ويرقصون الدبكة ويعملون
بالزراعة ، ويأكلون من عرق أيديهم ومن أشهر أكلاتهم الفتة والمجدرة والبصارة
والشواطي والعجة وغيرها ، ويشربون اللبن ( الرايب ) ، ويذبحون الشياه والخراف
كما يغرمون بأكل الحلوى ، ويصفون المربى ويشربون العصائر .
وتشتهر المرأة الفلسطينية بالجمال ، وتتحلى بالثياب الزاهية ، ولقد استغل
اليهود جمال اللبس الفلسطيني فسرقوا صناعته وادعوا أنه من إسرائيل (7) .
كما يتداوون بالأعشاب البرية ، وبالكي ولقد ظهر منهم أطباء شعبيون متخصصون في
جميع الأمراض الجسمية والعصبية والنفسية .
ولقد ظهر أيضاً في فلسطين تصوف ومتصوفون وشعراء ومن أشهر المتصوفة " رابعة
العدوية " التي ابتدعت الحب الإلهي في مذهب التصوف الإسلامي ، ولقاءها مع ذي "
النون المصري " ذكره السراج القاري في كتابه مصارع العشاقة ونقله عن الزبيري في
كتابه اتحاف السادة المتقين "
كما يتبرك الفلسطينيون بالأولياء والشيوخ المبروكين ويحب الرجل الفلسطيني كثرة
الإنجاب ، ولعل الدافع إلى ذلك سياسي في المقام الأول وهدفه إكثار عدد الذرية
لإعمار الأرض ، وجلب المنفعة للوالدين ، والذود عن الأوطان ، لذا حاربت
الصهيونية العالمية ظاهرة الإنجاب في فلسطين ، وسعت إلى الحد من الإنجاب بكافة
الطرق ، وما الانتفاضة الفلسطينية وسقوط الشهداء الفلسطينيين من الأطفال إلا
دليلاً دامغاً على الوطنية الساعية لعودة الأرض السلبية لتحقيق الأمن والأمن ،
وليعلو السلام أشجار الزيتون ، ومن المعلوم أن شجرة الزيتون يحترمها
الفلسطينيون ويسمونها " شجرة النور " فيصفون العريس ليلة زفافه بالزيتونة
المضيئة وفي هذا قال شاعرهم :
عريسنا ها الزيتونة والزيت ينقط منه
وعريسنـا واحـد يـارب كتـر منه
ولعل كثرة المزارع والبيارات في فلسطين قد أدت إلى دوام عمر الانتفاضة ، وتنبه
اليهود لذلك فسعوا إلى قلع أشجار الزيتون والبرتقال والليمون والسيطرة على
المياه لإخضاع الأهالي لهم ، ولقد أحدثوا بذلك كارثة سيكلوجية واجتماعية
واقتصادية وسياسية ونفسية ، مما حدا بالفلسطينين لنفض الكبت عن كاهلهم والغضب
العام ، فكان زاد الانتفاضة زاداً ثقافياً وتراثياً تربى على كره اليهود
وأفعالهم المكارثية عبر العصور الظلامية التي مرت وتمر بها فلسطين إلى الآن 0
وبعد : فالدارس للموروث الشعبي الفلسطيني لابد وأن يتكأ على معين التراث القديم
لفلسطين ويربطه بالصورة الحالية لحياة شعبه ، فلا ينفصل الحاضر عن الماضي ، ولا
مستقبل بدون الاعتبار من المآسي السابقة ، فلا يعقل أن ننسى الصراع الحضاري بين
اليهود والعرب على مر الأجيال وما فلسطين إلا البؤرة التي قد تغلغل داخل
أوصالها الخبثاء ، فأصبحوا كسرطان ينهش في الجسد ، بينما كل يوم تجدد الشرايين
الدماء بالشهداء ، عسى أن يأتي يوم لتنتصر الإرادة ويخرج الغرباء مندحرين من كل
الأراضي العربية المحتلة في لبنان وسوريا مثلما خرجوا قبلاً من سيناء المصرية
وطابا ، وهم وان انتشروا الآن على منابت النيل في أفريقيا " يهود الفلاشا "
فإنما ليحققوا حلماً واهياً لامتداد حضارة زائفة لهم ، ومصطنعة ، تمتد حدودها
من الفرات إلى النيل ، لذا كان البحث في الموروث الفلسطيني ضرورة تقتضيها
اللحظة الراهنة لتدلل أن عرب فلسطين أبناء الأرض الأصلاء ، هم الأحق بأرضهم
وخيراتها ، فلا دراسة لموروث حضاري قديم دون ربطه بمعاصرة آنية ، خاصة وأن
الصراع العربي الإسرائيلي قائم وقديم فلا حديث عن موروث ثقافي دون التعرض
للأحداث الاجتماعية والسياسية والثقافية المتمثلة في الموروث الشعبي حتى يمكن
لنا أن نقف على لحمة الحقيقة ، وكبد الأشياء ، وعظمة الجداد الذين خلفوا تراثاً
وطنياً وثقافة ضاربة في الأصالة وتستشرف لحداثة آتية .
ذلك كان هدف أساسٍ في دراسة الموروث الشعبي لعرب فلسطين العظماء 0
هوامـش :
1ـ فؤاد إبراهيم عباس ، العادات والتقاليد في الموروث الشعبي الفلسطيني ، مؤسسة
العروبة للنشر 1989م 0
2ـ ح . برونوفسكي ، ارتقاء الحضارة ، ترجمة د . موفق شخاشيرو ، عالم المعرفة
1981م .
3ـ سليم عرفات المبيض ، الحصيدة في التراث الشعبي الفلسطيني ، الهيئة المصرية
للكتاب 1990م
4ـ د . أحمد فخري ، دراسات في تاريخ الشرق القديم ، الأنجلو المصرية ، 1984م 0
5ـ علي الخليلي ، أغاني العمل والعمال بفلسطين ، منشورات صلاح الدين ، القدس ،
وانظر في هذا سليم عرفات ، مرجع سابق ، 158 : 159 0
6ـ فؤاد إبراهيم عباس ، مرجع سابق 51 : 75 0
المراجع الأجنبية :
1 ) Garroting : the story of jericho , Condon 1940
2 ) s. Toikowsky : the gateway of pqiestine . Ahistory of taffa Condon 1942