|
مقالات التاريخ في تلك المساحة من الجرح د. وليد سعيد البياتي المملكة المتحدة – لندن يتوهم الكثير من الباحثين والمؤرخين في أن فهم حركة التاريخ يتوقف على العوامل الاساسية الثلاثة: الحدث، الزمان والمكان، متجاهلين العوامل الانسانية، النفسية والعقائدية، فالتاريخ عبارة عن شبكة علاقات تركيبية لايمكن ادراك عواملها بشكل نهائي الا من خلال فحص، وادراك العلاقة بين اطرافها وصولا الى نتائج الحدث التاريخي، ولما كان الانسان هو اول من يتحمل نتائج الحدث التاريخي ابتداءا من هبوط آدم عليه السلام، مشكلا بذلك بداية العلاقة التاريخية بين الجنس الانساني والسماء، صاغت العقيدة السماوية تلك العلاقة على ضوء مفهوم ان الانسان هو من يصنع التاريخ، لكن الفكر الوضعي قلب المعادلة ليتمكن من تحقيق فكرة وصول الطغاة الى السلطة بأعتبارها حتمية تاريخية لايمكن الفكاك منها. وهكذا امتلأت عصور التاريخ بالطواغيت والفراعنة، فظهرت شخصيات مثل معاوية ويزيد مرورا ببني العباس ثم ليخرج علينا في حفنة طواغيت العصر الحديث احد نكرات التاريخ – صدام- في مرحلة غاب فيها الزمان عن وعيه، وتلبس التاريخ كفنا ملأته الثقوب لايخفي جراحا مازالت تشخب دما عبيطا، وتخرج الالام محشرجة حيث تمتليء الحناجر حسكا زرعها الطغاة يوم قلعوا نخل بلادي، سلاما لتلك المرأة العراقية، سلاما لمن ابكى صوتها نخل العراق حتى جرى دجلة بالدم، سلاما للبكر الطهور التي رج صوتها محراب العدل، سلاما لكلماتها سكاكينا تقطع لحم الجبروت، سلاما لك زينبية الصبر، فاطمية العقيدة، يامن هز صوتها بيداء الصمت فملأت ليل الطغاة كوابيسا، آه لو ادري من ايما حجارة صنعت قلوب الطواغيت، واي عفن حشيت به جماجمهم. ايها الباحث عن تاريخ وطني هاك جراحي تنبيك عن عصور القهر وكم السياط التي تعرفت على ظهري حتى مل من ظلمي الظلم، وقف على شفير الجرح المفغور هاوية بعمق الف عام من الانين، وهذا دجلة الذي مازال فتيا لم تشخه السنون مازال يرمي على ضفافه اجسادا فتية عشقوا تاريخ الحسين، ايها الباحث هاك التاريخ صوت بكر يدويى من قاع الجرح حيث الدماء المتخثرة تنبيك عن قهر الجالس في كرسيه يحمل كتابا يبرء الله من كف تمسكه، هو التاريخ قلم مداده دم ينزف من الف عام مازلنا نكتب به اسماء قتلانا، غريبة هي محاكمنا فالمظلومون كانوا يقفون في الاقفاص ساعات حفاة يحدقون في ضفدع تلبس ثوب قاض، ينق بما لايعقل، ثم يأتي الطواغيت ليستقروا على مقاعد كسيت بجلود المقهورين، اي نكتة بلهاء!! من اباح للقاضي ان يكون رؤوفا بيزيد العصر ذاك الذي حمل سكينا من الف ومارس عادة القتل كلعبة يتلهى بها لوقت الفراغ؟! وبعد: كيف لباحث أن يدرك ان التجوال في مساحة الجرح يعني ان نعيد ترتيب حلقات التاريخ لتصبح متناغمة مع ايقاع الانين، وليالي التحقيق في اقبية العهر، حيث البرد غير البرد والاجساد المتكومة على الاسمنت العاري تختزن نفوسا تأبى الانصياع لسياط الجلاد، التاريخ ليست حكايات كانت تلهينا بها الجدات قبل ساعة النوم، او اقاصيص لأقوام رحلوا، التاريخ امراة اغتصبها الطاغوت على فراش الحكم مازالت دماء بكارتها مدادا لاقلام المقهورين الفا. اعجب لمن يكتب التاريخ ثم لايدرك حجم الجرح الذي يقف على شفير فوهته، عجبا كيف يصم اذنيه عن صراخ اللحم المهروس تحت كعوب احذية طاغوت العصر. من اين يبتدأ تاريخ الانسانية؟ أمن عبقرية النبوة ام من قهر الانسان لاخيه الانسان؟ ألم يكن قابيل قد بدأ تاريخ القتل!! فيا ويح قابيل، لاشك ان تاريخ النبوة اعظم من تاريخ القهر، وان الانسانية تسير نحو غاية عليا، وهذه المرأة قد رفست بشهادتها صداما فألقته في هاوية وحملت اول مسحاة ملأى بالتراب وألقته عليه لتبتديء تاريخ دفنه، فسلاما لكلماتك التي فتحت الجراح لتتطهر من عفن الصمت، سلاما لكلماتك التي رفعت الغشاء عن ابصار المهزومين خوفا من فزاعة طيور لاتخيف قبّرة، سلاما لصوتك الذي هز سعف النخل من البصرة حتى اخرة نخلة في ارض السواد، سلاما لصوتك رددته جبال كساها الثلج فاشتعلت نارا بحرارة كلماتك ايتها الطاهرة، ها انت تعيدين كتابة التاريخ، ترسمين املا يركب جناح نسر، ها انت تعلمينا فهما آخر لحركة التاريخ، وأن الحق ينبع من وجع الجراح، ها انت تعلمينا كيف نمسك فرشاة نرسم بها زهرة تحمل لونا آخر غير لون الدم، ها انت تقولين لنا ان التاريخ يسكن في تلك المساحة من الجرح، يتجول في تلك المساحة من الجرح، ثم ينهض مطالبا بالحق في تلك المساحة من الجرح. لاجل صوتك سأعيد كتابة التاريخ ليعلم الطغاة اننا امة تطور امكانتها على وقع الانين، امة لاتخيفها اشباه الثيران المربوطة في ساقية، امة تاريخها آية سماوية، تاريخها قصيدة يكتبها شاعر يستظل تحت نخلة، لوحة ترسم على ضياء القمر وصوت عذراء تهز عرش الطاغية، هو التاريخ ما زال دجلة يغسل بامواجه شعر السيدة بغداد، ويصبغ بالطين الحري على كفها وشما، هو التاريخ مكتبة تحمل بين رفوفها عبقا عراقيا، كتبا ودواوين شعر لاتحصى. فسلاما ايتها المراة التاريخ الخارجة من تلك المساحة من الجرح، سلاما والف تحية. الرأي الآخر للدراسات - لندن
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |