الاعلام العراقي الذي
عانى من هيمنة السلطات المتعاقبة واصبح مسيساً ومؤدلجاً وتكاد تعرف
مسبقاً ما ستقوله كل اذاعة وما ستكتبه كل جريدة بمعرفتك لاصحابها.
وهذه التركة الثقيلة والموروث القادم من النظام السابق والذي دجن بعض
الاعلاميين على اسلوب وواقع الطاعة العمياء والانجرار والالتزام بضوابط
تحددهم في الرؤى والأفكار. بحيث امسى قلم الاعلامي العراقي لا يقوى على
الكتابة إلا بعد أن يعرف الضوابط والحدود المسموح التحرك من خلالها
ويسعى الاعلامي جاهداً في تلبية تلك الضوابط وحذراً من أن ينزلق ويكتب
واقع يراه بوضوح.
وبعد أن دخل العراق بعهد جديد يسعى الى الديمقراطية والتعددية وحرية
الرأي وحرية الاعلام بقت تلك الاقلام تتخبط في اجواء لم تعتد عليها
محاولة الانسلاخ من ذلك الواقع والولادة من جديد لعهد جديد، فمن استطاع
ان يتحرر بدأ يكتب بمصداقية وشفافية، ومن لم يستطع ذلك بدأ يبحث عن
هيكلية لضوابط جديدة مشابهة لما تعود عليها وبذلك يخرج من شرنقة ويدخل
بأخرى لا يستوحش فيها.
لذا دخلت بعض تلك الوسائل الاعلامية والاقلام في تلك الهيكليات الجديدة
في بنائها والقديمة في اسلوبها واصبحت احد اعمدة تلك التكتلات
والتجمعات الحزبية تميل حيث تميل تلك الهياكل وتعود حيث تعود تلك
الهياكل.
ومن خلال ما مر بنا نرى ان واقع الاعلام هو بين اعلام جريء شفاف افرزته
المرحلة الراهنة وبين اعلام تقوقع في خنادق الاحزاب والكتل السياسية
بكل اتجاهاتها وافكارها، وبين اعلام يبكي على اطلال ماض لا يعود.
فمراكز الاحزاب والكتل السياسية لها واجهاتها الاعلامية المدافعة
والمنحازة لانتماءاتها السياسية وما احوج تلك الوسائل الاعلامية في أن
ترى مسيرة نشاطها من خلال مراقبتها لتعي مدى مصداقيتها وعكسها للواقع
الذي يحتاجه الشارع والجمهور.
والاعلام يشهد سعياً حثيثاً لاثبات وجوده بعد تلك الفترة المظلمة مما
جعله يتحرك بخطوات متزلزلة مرتكزاً على ارضية هشة بسبب عدم وجود
الكفاءة العلمية والعملية والخبرة لتلك المؤسسات الاعلامية التي فتحت
ابوابها بعد الصحوة مقدمة نشاطاً اعلامياً ركيكاً يفتقد الأسس العلمية
بالاضافة الى المصداقية والحيادية.
وكان من انعكاسات تلك المؤسسات الاعلامية على المثقف العراقي خيبة
الأمل والتخوف من مشاركة تلك المؤسسات الاعلامية في كتابة تاريخ
المرحلة الراهنة والتي تحتاج الى اقلام حرة كفوءة جريئة منصفة.