|
مقالات رسالة الى فنان عراقي فاته قطار الثقافة! خلدون جاويد الصديق الفنان " س " تحاياي الطيبات اليك. وصلتني فكرتك النقية، شكرا ً انك تبَرّمْتَ وعاتبت او نلت من بعض منسقي جراحاتنا في باقة ورد لكيما يبيعوها في سوق عكاظ. فرحتُ لعزائك ايضا وشعرت اني لست الوحيد الذي فاتني قطار الثقافة، فأنت معي وآخرون، في عدم الحصول على تذكرة سفر الى منبر او آخر تشوبه او تشوبهما ملاحظات وآهات! أشد على يديك... لا تتأثر ياصاحبي، فنحن نمثل في هذه الدنيا دور الولد العاق والطير النافر – الطويرني - والمزاج السوداوي أحيانا ً وكما يقول الجواهري : تأمل الى عيني تجد خزرا بها ووجهي تشاهده عن الناس مزوَرّا الم ترتني من فرط شك ٍ وريبة أ ُري الناس حتى صاحبي نظرا شزرا. كلانا لم نكن بحاجة الى علاقات وجسور نذهب بموجبها الى الاعلام والتصدر في الصحافة باعتبارنا نمثل اسما لامعا وشخصا مرموقا.! او كرشا مندلقا عليه ثوب سويسري وربطة عنق ألِقة! فلا نيابة نهرع وراءها كما فعل الجواهري أيام الملكية او صك امتداح الرؤساء او امارة تذلل من اجلها المتنبي الذي دخل في مطب المدح حتى تقزز هو من ذاته بعد ان اكد لنا تمسحه كافوريا ً بهذه الطريقة : وأسود َ مشفره ُ نصفه... يقال له أنت بدر الدجى! المشكلة هنا انني لا اتفق مع فكرة اللقاء مع العديد من عشاق البهاء والمجد والشهرة والأضواء! ولو اردت لفعلت لولا الغثيان الذي يصيبني كلما رأيت كائنات مزيّفة او مبيّتة او موقوتة او غرضية وأعني بذلك المسؤولين وليس اصدقائي الأدباء الذين اقبل جباههم الشماء. ابارك تجمعاتهم الغراء لكن أتألم بسبب غيابي عنهم لا لذنب اقترفوه او جرم قمت به لكن لمجانفة المنسق لي ولك ولعديدين! اطلعت على جانب من حياة الآخرين وكان أغلبهم من فئران الفنادق النهمين الدسمين عشاق الدولارات والمآدب والمتزلفين لأقرب منظمة تدفع او احيانا البقاء في التنظيم للإستفادة منه اعلاميا ومعنويا! –خسة وقذارة -! وبقدر ماحدجت بعين الشزر والنقد فقدتُ الكثير من معارف واصدقاء وأحيانا أجد نفسي وحيدا كالذئب في صحراء العواصم، وبالمناسبة اقسم لك اني كتبت شيئا من هذا القبيل اريد ان اتممه في الأيام القادمة لكن لابأس بهذا المقطع لإطلاعك : حزين كألوان الغروب غريب ُ وباك ٍ كقرص الشمس حين يغيب ُ كذئب ٍ وحيد ٍ في الصحارى مضيّع ٍ بليل ٍ وهل يجدي عواؤه ُ ذيب ُ نجوم ٌ بأعلى الكون فوق تشرذمي وبدر ٌ بعيد في السما وقريب جليد ٌ وأمضي مثل برق ٍ مشر ّد ٍ وأجري وفي عيني دم ٌ ونحيب ُ كما الضوء أعدو في الظلام وفروَتي بياض ٌ ولكن في السواد تغيب ُ! كنت قد نأيت بنفسي عن الجلوس في غير اماكن الفقراء واصدقائي من الشحاذين البررة، ولأكثر من مرة قلت أن قلة من المال وكثرة من الروح هو المعنى السامي والمبهج للحياة. وكتبت أيضا في أكثر من مكان بيتا شعريا للإمام الساحر اللفظ علي بن ابي طالب القائل او المنسوب له : ان الأديب اذا زلّت به قدم ٌ يهوي الى فرش الديباج والسرر ِ على الأديب أن ينآى بنفسه عن التواصل مع اثنين : قائد حزبي معروف باتساخ سمعته السياسية اخلاقيا وتجاريا! يقوم بالبحث عن ريع وتبرعات وتصدر قضية المثقفين وهو غير جدير بالإئتمان على شرف دجاجة! : وزارة تتحدث بلغة المال أمام المبدع وتحاول ان تستخرده ماليا. وقديما قالوا لاتصادق اثنين الملك والبحر فأنت بجانب الأول صغير اذا غضب وأمام الثاني غريق اذا هاج.! ولعلك ياصديقي عرفت مغزى ما أقصد ولماذا ذكرت اثنين فقط من الأمثلة ومما يدور على الساحة من لغة المال! قال المثل الجميل " احنه وأهل المال ازعال " ولذا فأنا صعبٌ على الحب وعلى الصداقة وقد تركت ورائي من هم مهمون للغاية على مستوى الثقافة العراقية وهجرت صداقتهم لمجرد شعوري ان فلانا يترزق بقلمه او فلانا يعمل مع مليونير صدّامي صاحب جريدة شهيرة وفضائية شديدة اللهجة! او مَن هو مشكوك بنزاهته الثقافية او السياسية او ان اديبا تراثيا صاعدا يحلم ان يكون نضاله من اجل شراء فيلا في لندن تطل على بركة ساحرة. في قصيدة الجواهري عن ابي العلاء قال : على الحصير وكوز الماء يرفده وذهنه ورفوف تحمل الكتبا اقام بالضجة الدنيا وأقعدها شيخ اطل عليها مشفقا حدبا كما ان العمل وحده والجمهور وحده هو الذي يضعني في المقام المعتبر عبر الحاضر وفي الأزمان فلا يعنيني اني لا ادعى من قبل تاجر او شرطي الى مأدبة الشعراء والمثقفين مثلا. لاتتبرم ياصديقي : تعرف على سبيل المثال اني معجب بالنرويجي غوستاف فوغلاند ذلك الذي لم يبرح قصره لثلاثين عاما بل افنى حياته في لامتناهي صراع مع الحجر وكانت معه مجموعة مختارة من عمال ومساعدين قد اقسموا له نزولا عند طلبه بان لاينبسوا ببنت شفة عما يسهمون فيه. لقد ابدع فوغلاند اعجب ماشهده عالم الفن ويقال ان ما في حديقة فوغلاند في اوسلو لامثيل له في مدن العالم قاطبة. انها تضم عشرات التماثيل الباهية. لقد وهب هذا العبقري قصره والحديقة وما فيها الى مدينته اوسلو ويقال : " ان ما في هذه الحديقة يعادل مجمعا علميا واقعيا، بل اكاديمية للفنون الجميلة ويرى بعضهم ان مجموعة التماثيل هذه تؤلف موسوعة كاملة انسكلوبيديا في فن النحت. لقد كنت مغرما ولا ازال بمقولة مفادها : ضرورة مجاراة السلوك للفكر، والأّ فما قيمة ان اكون سارقا او تاجرا او لا اخلاقيا او كاذبا او دجالا وأنا اتبجح بالثقافة! من يثق بي ؟ اذا وثقوا الى حين فسوف تكتشفني الحقيقة لا مناضلا حقيقيا للدفاع عن المبادئ السامية للحياة بل عن التبرعات المُجْزية من المساكين والريع من الحكومات وبالتالي يكون الماسك بمالية الخزينة هو شوفير قطار الثقافة الذي لايهمه أي من الشخوص المتكدسين على بعضهم في الكابينات وسواء حضر فلان او لم يحضر او دعي ام لم يدع َ فهذا كله سقط متاع. عندما كتب هادي العلوي عن التاو ودعا الى التزام الصمت عندما تمر خيول الامبراطور وضرورة عدم تقديم الهدايا له او الاستخذاء امامه فقد قصد استاذي بذلك تلك المعاني المؤتلقة من ضرورة التعفف والامتناع عن تقديم الانحناءات للإمبراطور والمليك والوزير. واحيانا يقتضي الابتعاد عن التكريم لأن التكريم اموال تعطى ولأن المكرِّم ليس بالضرورة ارفع من المكرَّم أي تماما مثلما فعل الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر مع جائزة نوبل التي رفضها قائلا انا اكبر منها. اعمل ياصديقي بهيام ٍ وحدك، لا تطالب احدا أن يتذكرك، يكفي ان تحبك العناصر الأربعة في الطبيعة : الهواء والماء والنار والكلأ، وهل اكثر من هذا شرفا ورفعة. انه الشرف الذي ناله المعري والرصافي في نظر الشعوب والتاريخ وللعلم فان ّ على رأس من اعجب بهذين الطودين الزعيم العراقي النزيه عبد الكريم قاسم. لا تتأثر يا أيها الحبيب، ساحة العمل ماتزال عامرة بالجهل والتخلف، عليك ان تعلّم وان تطوّر أما الظلام فحدث ولا حرج، وهنا تكمن الشموع والدموع!.. هيا يا أيها الصديق الحبيب نقتطع مما نسد به رمقنا لشراء شمعة. صديقي الحبيب : للأسف لم اشاهد اللوحة التي رسمتها بشكل تجريدي والتي رفض ان يشتريها منك صاحب المخزن الذي اكتشف انها لم تحتو ِ على خروف ونخلة وبركة وقارب! بينما بذلت انت – كما قلت لي - مبالغ كبيرة في تحقيق قمة ابداعية من قممك. على اية حال كنت يومها حزينا حد الضحك، وقد قلت لك هذا هو حظنا في الحياة ولا تنسَ ان تطلق على اللوحة اسم كارمن في الشورجة! قبلات لذهنك النبيل، لأصابع يدك لألوانك وفرشاتك ماداموا جميعا يتوهجان بحب العراق والعراقيين. وأخيرا لاتنس أيضا أننا فسائل محبة صغيرة في غابة عراق العشق ولكن بالغرور فإننا لن نبلغ الجبال طولا! تلميذك المخلص : خلدون جاويد
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |