|
مقالات كل الطرق تؤدي إلى آسيا د. عبدالله المدني باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية في عام 1959 طرحت مفوضية الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي و الاجتماعي في آسيا فكرة ربط جنوب و شرق و وسط آسيا بشبكة من الطرق البرية السريعة على مراحل زمنية بهدف تعزيز التعاون و التبادل الاقتصادي و حركة انتقال الأفراد و البضائع في المنطقة. و منذ ذلك الحين شهدت كل دولة على حدة مشاريع مختلفة لتحسين و تطوير شبكات طرقها الداخلية بمساعدة المنظمات و البنوك الإقليمية و الدولية، غير أن ربط هذه الشبكات ببعضها عبر الحدود تأخر طويلا بسبب الحروب و النزاعات الداخلية و الإقليمية من جهة و انخفاض أو انقطاع المساعدات الدولية من جهة أخرى. وفي عام 1992 بعثت الفكرة مجددا لتناقش بإسهاب على مدى عقد من الزمن وصولا إلى صياغتها في شكل اتفاقية في نوفمبر 2003 . و تهدف الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ في يوليو 2004 إكمال ما يصل طوله الإجمالي إلى 140 ألف كيلومتر من الطرق السريعة العابرة أو الرابطة بين العواصم السياسية أو الموانيء التجارية أو المنتجعات السياحية لأثنتين و ثلاثين دولة آسيوية في موعد لا يتجاوز عام 2010 ، لتصبح عملية الانتقال برا من طوكيو إلى استانبول مثلا أسهل من أي وقت مضى في التاريخ، و لتنتهي إلى الأبد مشاكل العديد من الدول غير المطلة على البحار. و هكذا فان ما كان حلما من أحلام الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو و آخرون كثر بات الآن اقرب إلى الواقع. هذا على الرغم من بعض التحليلات المتشائمة التي تتوقع تأخر المشروع أو تجميده لأسباب مالية أو فنية. فعلى الرغم من أن 85 بالمئة من الطرق الداخلة في الشبكة منجزة و جاهزة كنتيجة لمشاريع المواصلات و النقل القطرية و لا تحتاج إلا إلى مدها عبر الحدود أو ربطها ببعضها، فان هناك حاجة إلى أكثر من 18 بليون دولار للإنفاق على بناء النسبة المتبقية من الطرق ( معظمها في دولة متخلفة على هذا الصعيد مثل أفغانستان و منغوليا) أو لتطوير ما هو موجود منها لتتطابق مع المواصفات العالمية إن لجهة الاتساع أو الشكل أو الخدمات المتوفرة على جانبيها . و هذا بطبيعة الحال مبلغ ضخم قد لا تستطيع مفوضية الأمم المتحدة تدبيره بيسر من خلال المؤسسات المانحة مثل البنك الدولي و بنك التنمية الآسيوي و مصرف اليابان للتعاون الدولي. إلى ذلك تبرز مشكلة الحاجة السريعة إلى عقد اتفاقيات ثنائية أو جماعية بين الدول المعنية حول شروط دخول المركبات الاجنبية و معايير الحمولة و السير و الإجراءات الجمركية على الحدود وغير ذلك من القضايا التي قد تأخذ زمنا طويلا قبل استكمالها. على أن ما يوحي بالتفاؤل هو أن خطط إقامة شبكات طرق سريعة عبر آسيا تجرى على قدم وساق في منطقتين آسيويتين محوريتين و مهمتين اقتصاديا هما الهند و جنوب شرق آسيا، و بما يساهم إلى حد كبير في إنجاز الحلم الأكبر. فالمشروع الآسيوي الضخم لربط دول حوض نهر الميكونغ و إقليم يونان الصيني الجنوبي بشبكة من الطرق السريعة الحديثة بطول 1500 كيلومتر، و الذي انطلق في عام 1999 بتمويل و إشراف فني من بنك التنمية الآسيوي جار تنفيذه و يتوقع الانتهاء منه في عام 2008 ، رغم كل الصعوبات الفنية و اللوجستية التي واجهت المشروع كنتيجة لمروره في مناطق مزدحمة بشريا مثل مدينتي هوشي منه الفيتنامية (سايغون سابقا) و فنوم بنه الكمبودية و بالتالي الحاجة إلى استملاك أراض خاصة ودفع تعويضات كبيرة لأصحابها أو تهجير القاطنين عليها إلى أماكن ملائمة أخرى بعد مساومات شاقة. و ينتظر أن تكون لهذا المشروع وقت الانتهاء منه آثار هائلة ستغير حتما من طبيعة الجغرافيا الاقتصادية للمنطقة بأسرها. فهو لن يساهم فقط في التكامل الاقتصادي ما بين فيتنام و لاوس وتايلاند و بورما و في مضاعفة حجم المبادلات التجارية و تنشيط حركة السياحة، بل سيجلب معه ضروبا من التنمية في صورة استثمارات في البنى التحتية على جانبي الطريق، و بما سيخلق حالة من الانتعاش و النمو و الحركة في مختلف القطاعات. بل أن شيئا من هذا بات ملموسا حتى قبل إكمال المشروع بصورة نهائية، بدليل ما يجري حاليا في منطقة " لاو باو " الفيتنامية. ففي الأخيرة وصل عدد المؤسسات المستثمرة في قطاعات الغابات والمناجم و السياحة إلى 60 شركة و بالتالي تزايدت فرص العمل و تحسين مستويات المعيشة أمام مئات الآلاف من القاطنين في المنطقة، كنتيجة للانتهاء من قسم من أعمال ربط الأجزاء الشمالية الشرقية من تايلاند بميناء ومنتجع دانانغ الفيتنامي عبر جنوب لاوس الغني بالموارد الطبيعية ووسط فيتنام الغني بالمعادن. وبربط هذه الشبكة من الطرق السريعة ذات المواصفات العالمية في دول حوض الميكونغ بالطرق الحديثة الموجودة في ماليزيا و سنغافورة أولا، ثم ربطها ثانيا بشبكة الطرق السريعة في الصين، ومدها غربا نحو ولاية آسام الهندية حيث باشرت الحكومة بتحويل عاصمة الولاية " غواهاتي " إلى مركز إقليمي لتجارتها البرية المتنامية مع دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية و التي وصلت إلى حدود 25 بليون دولار في العام الماضي، يتوقع أن تزدهر حركة النقل و التجارة البرية و الاستثمارات بصورة غير مسبوقة في تاريخ آسيا. ويشار في هذا السياق إلى أن الصين تملك حاليا شبكة من الطرق السريعة الجاهزة بطول 11 ألف كيلومتر، وأخرى تحت التنفيذ بطول 15 مليون كيلومتر، تربطان ما بين 130 مدينة من مدنها، علما بأن نسبة كبيرة من طرق الشبكتين تم بناؤها من قبل شركات مقاولات محلية خاصة مقابل تحصيل أصحابها لرسوم مرور المركبات لمدة عشر سنوات أو أكثر. أما الهند فقد بدأت منذ عام 1999 مشروعا هو الأضخم من نوعه على مستوى أقطار آسيا لربط مدنها الرئيسية في الجنوب والشمال و الشرق و الغرب و الوسط بشبكة من الطرق السريعة التي تتجاوز أطوالها الإجمالية 13 ألف كيلومتر ، على أن يتم ربط هذه الشبكة لاحقا بمثيلاتها في تايلاند و ماليزيا و سنغافورة عبر بورما، و ذلك ضمن سياسة "التوجه شرقا" التي بدأتها الحكومة السابقة، و استعدادا لتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة ما بين الهند و دول آسيان. و جملة القول أن أقطار آسيا التي حسمت خياراتها نهائيا لصالح التعاون الاقتصادي كسبيل امثل نحو الرخاء و التنمية، ستصل قريبا إلى وضع يكون بمقدور أي فرد من أبنائها أن يقود مركبته صباحا من هوشي منه أو فنوم بنه مثلا ليصل في وقت الغداء إلى بانكوك و ينام ليلته في رانغون أو كوالالمبور و يمضي يومه التالي في كلكتا أو نيودلهي.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |