|
مقالات مخلوق اسمه امرأه (2) .. أمي جواد السعيد / السويد
ماتت جدتي ولم تترك للموت سوى عظام نخرة أعطت كل ماعندها للحياة قاومت الفقر والبؤس وعسر الأيام ماتت وهي واقفة كأنها نخلة باسقة من جنوب العراق. وأمي التي آوت الى فراشها بعد عناء يوم طويل وعمل بدأ منذ ساعات النهار الأولى رقدت وهي تنوي القيام بنفس الدورالرتيب في البيت غدا، عيناها آخر من تغمض بعد أن تطمئن على الجميع، وكنت ذات ليلة أرقبها اذ لم أكن قد نمت بعد فأراها تأن من التعب وتتألم لفراق أبي الذي طال غيابه عنا لشهور وليس لها بد سوى الأنتظار وكانت المعاناة مستمرة , أمي المرأة الأمية التي لم تدخل المدرسة أو تتعلم علمتني أشياء كثيرة إنها تعرف الكثير وتحمل في ذهنها الكثير من المفاهيم فهي التي تحفظ الشهور العربية ومناسباتها المهمة ،مثلا تعرف يوم ولادة الزهراء عليها السلام ووفاتها وتحبها كثيرا ومنها تعلمت أن أحب الزهراء عليها السلام , تعلمت منها كيف أتخذ مكاني بين الرجال وتعلمت أن لا أكون خانعا في المواقف الصعبة تعلمت أن أحب الجميع وعلمتني أن لا أنادي شخصا يكبرني عمرا باسمه الصريح قبل أن أسبقه بكلمة أخوي فلان أو عمي فلان او خالي فلان حتى لو يكن خالي أو عمي فعلا وعرفت أن كل رجال القرية هم بمثابة عمي وخالي وأخي , علمتني كيف أنتصر للمظلوم وأقف معه وذات مرة قتل رجل في القرية لاينتمي لعشيرتنا التي كان مرتكب الجريمة ينتمي لها فكانت تزور زوجة المقتول تواسيها ورافقتها مرات عدة لألتقي أولاده وقلت لها ذات مره هؤلاء ليسوا من عشيرتنا فلم نزورهم فقالت يابني هؤلاء مظلومين انظر الى هذه الديار كيف خالية بعد الحادث؟ ومنها عرفت أن الظلم عمل قبيح يورث الخراب وعرفت أي قلب تمحله أمي, علمتني كيف أكون كريما اذ قسمت نصف البيت لعائلة لم تعرفهم شردتهم الحرب وقد نزحوا من مدينة الفاو أجل تناصفوا البيت معنا بلا مقابل، تعلمت منها كيف أكون مع ابن عمي الوحيد وأكون ظهيرا له أحمل السلاح معه وابن عمي هذا الذي كان يكبرني بخمسة عشر عاما أو أكثر كان راجح العقل يحسب للأمور عواقبها لا يقبل بالتجاوز يهابه الجميع وفعلا صار رئيس العشيرة أخيرا. ابنها هذا الذي نشأ في تلك القرية الفراتية نشأ متمردا على واقعه لايريد للأمور أن تبقى على حالها رفض الكثير من الأفكار حاربها بعنف , صارت تقلق عليه تهدأه تنصحه ولكنه يزداد بأسا كلما كبر سنة بعد أخرى يدخل الأعدادية تشتد الأزمة مع الواقع ويشتد قلقها عليها كتبه التي يقرأها ممنوعة وتعلم على الرغم من أميتها أنها كتب ممنوعة تخفيها عنه يجلب غيرها وعلى غفلة منه تضع كل الكتب في صندوق تلفه بالبلاستك وتدفنه في الحديقة وتردد ( الكاع ماتخون أمانتها) ووسط مهاترات الجلاوزة وعبيد السلطان يزادد الأبن تمردا عليهم وكانت تنبهه أن الأعتقالات قد اشتدت وسوف يصل الدور إليك، وتحتم الأقدار أن يبتعد هذا الأبن عنها على ظهر باخرة تمخر عباب البحر الى شرق آسيا ومع شدة الفراق والآلامه تذعن راضية وتصبر على ما جرى وكان ذلك ابتعادا عن الشر وحقنا لدمه الذي قد يسفك في القادسية اللعينة. أم كباقي الأمهات في جنوب العراق لا يفارقها الهم والحزن الذي صار سمة الجنوب حتى في الغناء ومناغاة الأطفال في المهد ،حزينة على فراق ابنها الذي ركب البحر ويطول غيابه وكلما يعود تستقبله بالدموع وتودعه بدموع أشد غزارة ولكنه في مأمن من شر القادسية وجلاوزة السلطة وهذا ما يسليها ويصبرها, ومرة يعود من رحلته التي طالت سنة فلم يجد أمه ،نعم أمي ناداني أبي لقد ماتت أمك وشعرت أني فقدت كل شئ ، وفي قلبي غصة اذ لم أرها بعد فالبيت مظلم موحش بدونها وأبي الحزين لم يعد يستأنس بشئ بعدها، عاشت معاناة مستمرة فلم تهنأ بعيش فمن فراق الزوج في أيام الصبا الى فراق الأبن عند الكبر وحتى الممات. أمي مخلوق اسمه امرأة شاركت جميع نساء القرية أحزانهن فكل من فقدت إبنها زوجها في الحرب وفي المعتقل والأعدامات هي شريكتها فلم أراها فرحة قط بل تتشح بالسواد دائما مواساة لهن منها وان لم تفقد ابنها ومشاركة منها للقرية التي خيم الحزن عليها. تتحدث مرات عن النساء اللواتي فقدن الأزواج والآباء والأخوة ومعاناتهن تبكي مثلهن بلوعة ومرارة وألم تحمل همومهن تسرع لمساعدتهن. أقول كم من أمرأة خلقت لتعذب على أيدي الطغاة؟ وكم من عفيفة من نساء العراق راحت تفترش الأرصفة طلبا للرزق يتصفح وجهها القريب والبعيد؟ وكم أم ماتت ألما وحرقة لا تعرف اين ابنها ؟ وكم من حرة عراقية شريفة دخل عليها أبناء الليل واختطفوا حاميها وراعيها؟ هل يتسامح التاريخ مع رجال البعث الباغي؟ وهل تنسى نساء الجنوب في العراق من أذلهن انتقاما وحنقا؟ فأين من نادوا بعودة الحقوق والأقتصاص من الظالمين الذين لازالوا يختطفون النساء والرجال؟ فاين أصحاب المؤتمرات وأصحاب الصحف الحرة من دعاة حقوق المرأة ؟ هل يتصور هؤلاء أن حقوق المرأة أن تمثل في البرلمان بثلة قليلة من النساء؟ أو بمقال في صحيفة؟ أو يطلب منها خلع حجابها تحررا ؟ حقوق المرأة ليس بهذا وذاك ياسادة، بل نريد حقوقا على أرض الواقع إجعلوا جزءأ من هذه المليارات التي نسمع بها ونراها على شاشات التلفاز لاداء حقوق أمهاتنا وأخواتنا اللواتي تضررن طيلة هذه العقود بعد أن شخن ولم ينعمن بشرب الماء العذب ولم يغتسلن تحت رشاش الماء وعدتم بهن الى أيام المصخنة والرحى والطهو على القصب وإنارة البطل وليس الفانوس ولم يستظلن تحت سقف وارف. يالله وللمرأة يالله وللمرأة هل من ناصرهل من مغيث!!!! ياحكومتنا الوطنية ياقادة أحزابنا كيف تغمض جفونكم وانتم ترون ما تعاني نساء العراق من اغتصاب وقتل وخطف؟ سوف نلتقي عند حكم عدل يوم لاتغني الدراهم عن مالكها شيئا (عفوا ماكو عدكم دراهم أكو دولارات).
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |