|
مقالات اوراق رياض البكري خلدون جاويد صديقي الشهيد رياض البكري، ها إني اضع – الارشيف - لفافة الأوراق أمامي مرة اخرى وشعور بتأنيب ينتابني اذ يجب ان اسرع باشهاره قصائد َ وخواطر ومقالات ٍ على الملأ، لا لن انساك أبدا صديقا غاليا واستاذا فخما، المواضيع كثيرة التي تحت يدي، ولقد قمت بقراءة أكثر الصفحات وضوحا، واذا بها قصة او خاطرة، تبدو هكذا ! فهل هي رموز ما، ولمن موجهة، ومَن شخوصها، ايكون جميلا نشرها أم لا، هل ستُبكي أحدا ما، امرأة او صديقا ما، لا أعلم،،، اعلم انني في زيارتي لبغداد في نوفمبر 2003 استلمت حزمة من اوراق من اصدقائنا الطيبين الاوفياء، وكلهم عاجزون عن نشر المواد في كتاب، وها انا احاول بذات الوقت نشر المواد في المواقع، والى أن يتاح ترتيب الأمر لابد ان يظهر كتاب جميل عليه صورتك واسمك، وفي ثناياه تجربتك الملتهبة في الكفاح المسلح، وسواء ً كانت موضوعية أم لا، فأنت ورفاقك الأعزاء جديرون بتقييمها، من طرفي انا ذلك المعجب بل انا ذلك التلميذ، وعساي أقوى ان اقدم أقصى ما أستطيع عليه لإظهار أعز ما تركه انسان رائع وشاعر كبير كان بالامكان ان يضيف الى ارث شعبه العراقي النبيل كنزا آخر لكنوزه الغالية في الحرية والمحبة والجمال. ادناه سطورك الغالية حسبما كتبتها أنت ولم أتدخل فيها سوى اني قمت بطباعتها ليس الاّ :
تشبث بذكرى الأيام الغابرة رياض البكري بالرغم من انه كان آخر لقاء بينهما وأول لقاء ايضا.. فقد آثر الاّ أن يكاشفها حبه.. ويطارحها غرامه، وكان متيقنا ً مثلما هو متيقن من حبه لها انها هي الاخرى تحبه...ومن كل ماقرر ان يقول لها... واجمل التعابير التي أعدها لهذا اللقاء الجميل.. ماساعدته شجاعته الاّ على الاعتذار.. من ان حبهما سينقطع عند هذا الحد وانهما سيفترقان الى غير ما رجعة.. وحتى انه لم يجرؤ على لفظة عبارة صريحة في الحب.. فهي والحق يقال قد أعانته كثيرا في محنته هذه.. فاوجدت له المخارج الضرورية من كل مئآزق حديثه المشتت.. وخلال مايقارب الساعتين وفي لجة ذلك الفرح الذي غمره من قدميه حتى اعلى رأسه، كان يكتشف كلما مرت لحظة من ذلك اللقاء ( العمر) الذي حظي به ان هذه المخلوقة تشاركه الكثير مما يفكر به ومايعانيه. وفي حين كانت تسحقه فكرة افتراقه عنها كان يحس( يحس او كلمة اخرى غير واضحة.. ) ويشهد على ذلك صمته المفاجئ بين وقت وآخر انه لن يحظى بشبيهتها على الإطلاق.. وانها هي وحدها الانسانة التي يمكن ان يحبها حدّ الموت.. ولهذا السبب كانت تراوده رغبة البكاء في السيارة التي اخذته بعيدا والى الابد عن اجمل حب في حياته. لقد عبثت بقلبه أي عبث وهي تسأله عن الحل الذي يفكر به لهذا الحب الطفل.. وكطفل لا حول له بادلها ذات السؤآل قبل أن يجيبها ولكنها لاتشابهه جهله في هذه الامور فهي تحتفظ بمثل تلك الاجوبة لنفسها فقط وتكتفي باشارة مبهمة تتركه معلقا ً بين الارض والسماء وها هو معلّق على صليب الشوق الذي لاينتهي، انه يتذكرها الآن تماما وكما لو انها لم تمت أبدا... ولشد ما أحزنه وقتها ذلك المنديل الذي كان يخفي خصلات شعرها الكستنائي فلم يبق من ذكرى له في القلب سوى اغنية لفيروز تتحاشاها جميع الاذاعات بسبب جمالها. حين كان تسير هادئة ثقيلة مثل جبل... بل وأخف من فراشة صغيرة... معلقا كان هو بجناحها.. الى أية جنة اسطورية تذهب به هذه المخلوقة الرائعة.. انها تبادله الحب مثل بساطتها.. ورغم فقر البيت الذي نشأت فيه... فانها لم تكن اقل غنى في ثقتها بالنفس، واعتزازها بتلك الثقة لم تكن اقل غنى من اية اميرة اسطورية اخرى او حتى اية دوقة ايطالية. وكم احس بضعفه امامها مثلما يرتجف العبد في حضرة سيده حين ألقت بكومة من الدبابيس الى قلبه... ترى بأية نتيجة خرجت من هذا اللقاء – نعم بأية نتيجة.. اذا كانا متحابين... متلهفين احدهما لرؤية الآخر... فهذا مالم يعد عليه غبار منذ أيام المصادفات الاولى... على سطح الدار ومن النافذة.. وفي الطريق المؤدي الى المعسكر.. ولكنه لماذا سيفترق عنها... فليسكت لئلا تتسرب هذه الأسئلة المرتعشة الى سمع صديقه الوحيد... آخر ماتبقى له من ذكريات الماضي فهذا يفخر ببلاهته في القضايا العاطفية... ويرى في ارتباك هذا العاشق انحرافا ثوريا.. وقد تقرر أن يرحلا غدا.. لسبب هام... ولكن الأنكى والأشد تحطيما ً للقلب من كل هذا... هو ذلك الموعد الذي اتفقنا عليه قبل الرحيل بساعات من أجل ان يتبادلا شيئين اشبه بتعزية لهذا الافتراق المميت... صورتها بصدرية المدرسة... وعنوانه في وطنه الآخر.. حيث سيعاود من جديد سخرية التسكع اللآمتناهي على ارصفته المهجورة.. لقد ذهب ذلك الموعد..ذهب مع الريح.. مثل ورقة خريف يابسة.. ولم يلتقيا ودار محرك السيارة.. واذا به فجأة ومعه صديقه في الحجرة ( ادناه كلمات غير واضحة) وسط --- الصحراء الفاصلة بين الاقليمين.. كل شئ تبدد الآن.. وانتهى وانقطعت آخر خيوط الرجاء المتبقية، فقد حال بينه وبين تشبثه بآخر قشه.. جدار اسمنتي ضخم.. اسمه تقاليد العائلة.. فحين تمنع البنت من الذهاب الى مكان ما.. فانها تقف بين خيارين... الالتزام بالمركزية الديموقراطية.. وهذا مايفخر به المجتمع القديم أي فخر... او عبور ذلك الجدار الاسمنتي... وهذا ماتترتب عليه أسوء النتائج.. وذلك اليوم الواحد.. ألم يكن بوسع هذا الابله ان يبقاه مثل سائر الايام المتبددة الاخرى الم يكن بوسعه خرق الاتفاقية المعقودة مع الحجرة... فلنؤجل سفرنا الى غد...ولكن لم َ كل هذا التعلق باهداب شئ.. لاطائل تحته.. انها صفقة خاسرة.. ومع انه يرغب الى حد ما أفلام المجازفات الثورية واتفق له ذات يوم ان يركض مع فوضوي آخر فوق عربات قطار ينطلق بسرعة 80 كيلو مترا في الساعة الواحدة، وافلت اكثر من مرة من يد القانون وشرطة المباحث السرية.. ولكنه مع كل هذا لم يجازف هذه المرة.. اية مبادئ تحكم هذه اللآاستقرارات ودون ان يلجأ الى الكبريتة اشعل سيجارة اخرى من نار السيجارة السابقة.. واخذ نفسا ً عميقا.. " يالي من احمق.. ولماذا افكر الآن اذن بتكرار الفاجعة السابقة " ورغم اعتقاده شبه الجازم بأن ذلك الحب لم يقدر له ان يتكرر.. وانه كان فلته، فحتى صوم ( د ) لشهر رمضان لم يكن سوى مراعاة لمشاعر العائلة لا اكثر.. وهي أيضا تثور في اعماقها على التقاليد القديمة ويذكر انها كانت تسميها شرقية ومتأخرة.. ولشدة ماشاع في ملامهحا الحزن المتكلم حين بادلها مزحة صغيرة بأن اسمها يدل على الغنج.. أي غنج هذا.. غنج التشريد وضياع الوطن.. أم وكالة الغوث.. أم المجازر.. فأخوها الأكبر يعاني من شلل في ساقه لسبب ثوري.. ومعظم افراد الاسرة مرتبطون بشكل او آخر بالمقاومة.. وهي لم يُسمح لها بالانتساب الى الجامعة.. وقد لا تجد لها نصيبا ايضا في مزاولة التعليم. انسانة هكذا يهمها.. بل يلح عليها ان تبادلك حديثا حول وضع المقاومة ومصيرها.. و...و.. الخ من حيثيات المسألة... انسانة هكذا تضيع لأنك مرتبط باتفاقية سفر... يالقساوة الأيام. وهي أيضا..وكيف لا.. كانت مثله تماما تملأ لفيروز في قلبها متسعا ً من الحب وكيف لا.. وهذه النبية الخجولة تذكرها.. بمهد الطفولة وأيام الوطن الاولى.. وكانت بيسان...وبيسان موطن العائلة نفحا فيروزيا لايختلف اثنان من الفلسطينيين على حبه المفرط. وليس مدهشا ً ان تتناقل الأنباء الآتية من هناك بعد مايقارب نصف العام على ذلك اللقاء ان وحوشا تتقمص أشكالا بشرية.. وحوش بكل ما حري بهذه اللفظة أن تعنيه.. قد داهموا بيت (د) أكثر من مرة..وانهم ( اسرتها ) عرضة لاستفزاز السلطات متى شاءت. وحتى تلك الرسالة... لم يقدر لها أن تصل... بسبب ضخامة ( الظرف الموضوعي ) والصغر المفرط للاشياء الذاتية.. أما الرسالة الثانية فكان من المستحيل أن تصل... لأن الظرف الموضوعي كان أشد وأقسى... وانه لم يعد أمام هذه الصعوبات العامة..من تناول شئ خاص البتة. وهو يتذكر جيدا ً رغم الثلاثة أعوام المنقضية والتي هدر نصفها تقريبا ً متنقلا بين الرقم 26 و 14و29 وأخيرا 40 وتعرف وجوها عديدة وعاشر قوما مختلفين، وحتى مارس لعبة حب مسلية وظريفة الى حد ما فلقد داهمته ذات يوم وقبل ان يقع في قبضتهم واحدة من بنات المدينة النحيفات، ولقد خيل لنفسه أول الأمر انها ربما كانت هي.. هي بعينيها وشعرها... والحزن الذي يوحي به هدوءها وبساطتها معا... ولكن ليست هي بالتأكيد ف " د " ليست مغرية رغم انها رائعة.. وليست سهلة رغم انها تفيض بساطة وهي ليست كذلك ملساء الحديث رغم رقتها المتناهية... ولكن على اية حال فجميع تلك المشاهدات او حتى المطارحات العاطفية كانت "اخس ؟ : الكلمة غير واضحة " من ان تكون حبا وابعد من ان تكون معبرة عن الصدق وخارجة من الاعماق.. ولعلها في احسن حال كانت طرق مسلية للذكرى... وتشبثات يائسة بالماضي الميت. ولكم قضى من الوقت متجولا في محطة السيارات القادمة من مدينتها متشبثا متفحصا وجوه الركاب..وربما سأل احدهم بكلمات واضحة : - قل لي بربك هل رأيت " د " او سمعت شيئا ً عنها. فبعينيه سأل كل شئ.. حتى ضجره كل شئ.. " الكلمات اعلاه غير واضحة ".. لقد استحالت جميع أحلامه بهذه المخلوقة التي ظهرت واختفت في حياته فجأة.. استحالت الى مايشبه الاسطورة " أبعد ؟.. الكلمة غير واضحة "ثلاثة اعوام من الجهل المطبق والفراق الذي لا أمل " في حد له يجوز الا من لدنك : الكلمات غير واضحة " الخسران او حتى مجرد التفكير بأن ثمة قضية حب في البال.. بهذه اللوعة اليائسة افرغ شيطان الرفض المتربص به ".... كلمة غير واضحة " السلبية هذه.. وفي نفسه قال كما لو كان رجلا مهذبا ً ثقيل الظل : - حقا ً اني هاوي اساطير واذا كانت في تلك المأساة المغرية ثمة درس ثمين له.. افلا ينبغي على مثل من يتلقى ذلك الدرس ان يكف عن ممارسة اللعبة الجديدة وان يكون صارما مع عواطفه المكبوتة حد المقاومة.. فمن جديد تكاد تتكرر تلك الحماقة في حياته... وانه يكاد ان يصارح سيده الفعلي المتزمت بأنه يريد ان يفعل ذلك... ياصديقي " س " ان مدينة النذور القديمة لم تعد تتسع لأمثالك...بهذه اللهجة التي هي على منتهى العطف والأسى واجهه الانسان العملي الملتصق بجميع ذراته بقشرة هذا الواقع والذي لما يزل يدور بانتظام حول قطبه الثابت صديقه واستاذه " م ". ان " س " الذي تكسر زجاج عواطفه الثورية على صخرة قوانين لا طائل تحتها.. وسرحت افكاره مع نسيم الحرية البارد.. يفتش الآن بحماس شعري عن " زهرة الغائط " ويلوك دونما ان يعير انتباها لوخز المنبه السمبثاوي ابعد العبارات عن ان تحظى باحترامه فيما مضى.. فماذا جرى.. لقد اقفلت المدينة ابوابها.. وكف المرفأ عن ان يستقبل السفن التائهة.. ولن نحترم بعد الآن قصيدة بلا قافية.. وحتى تلك البقية المتبقية من تشبثه ب " د " قد حسمتها الايام الراهنة.. فهو مقيد من كل اطرافه بسلسلة اخرى.. ومثل نهر لم يختر طريقه بعد.. ولم يدرك مصبه النهائي.. ليتعثر س في مدارات أيامه.. فماذا يضيع..والى اين يسير. اول كانون ثاني 1974.
* اعدم الشاعر العراقي الشهيد رياض كمال الدين البكري في آب 1978 في بغداد وسلمت جثته الى اهله ودفن في النجف لا كما اشير الى انه قتل في بيروت، والمعلومات قليلة في هذا الصدد. عمل الشاعر في صفوف الجبهات الفلسطينية وتنقل بين لبنان والاردن وسواهما.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |