|
مقالات معزوفة الأوجاع...! د. مراد الصوادقي هل نحن نعيش في واقع نراه ونتلمسه, أم أننا نعيش في أوهام وهلوسات تتحرك على سطح الواقع الذي لا نراه ولا نعرفه بسبب ما ترعرع فوقه من التصورات والرؤى القائمة في نفوس الناظرين. هل نحن نبصر ونتبصر؟ أم أن كلا منا يمضي في مسيرة أيامه كالأعمى, بل ويدرك الحقيقة ويرى بوضوح أكثر منه ذلك الإنسان الكفيف. إن رؤية الأشياء لا تكون بالعين وإنما بالإبصار وسماعها لا يكون بالآذان بل بالإبصار! فهل نحن مبصرون؟ وهل نحن ندرك أم نستدرك؟ وهل نحن نسير على أرض من تراب وماء أم على أرض من أضاليل وأوهام؟ إن المشكلة الكبرى التي تواجه أية مجموعة بشرية في كيان اجتماعي, هي أنها تفقد القدرة على الرؤية الواضحة, ويصيبها التشوش الذي يقضي على سلامة تفاعلها مع المجاميع الأخرى التي عليها أن تتفاعل معها للوصول إلى غاية مشتركة ومفيدة للمجتمع. ويكون التشويش في الرؤية والإدراك مُنطلقا من الغضب والكراهية والانتماء الانفعالي إلى عقيدة المجموعة البشرية سواء كانت العقيدة دينا, مذهبا, حزبا وما إلى غير ذلك من معتقدات البشر الفكرية والمادية والنوعية. فالبشر الغاضب لا يرى بوضوح, لأن بصيرته قد امتلكها الغضب وصادرها بالكامل, فتحول إلى كتلة من نار جاهزة للإحراق والتحول إلى رماد مع غيرها من البشر الذي ستحرقه بلهيبها وأجيجها فتصنع بغيظها جحيم دمارها وهلاكها. والبشر المشحون بالكراهية كذلك يكون في حالة معزولة تماما عن الصواب في رأيه وفعله. وتكون سلوكياته عبارة عن سلسلة من الحماقات والصراعات الدامية القاسية التي لا تجلب سوى الشر عليه وعلى غيره. أما المنتمي بالعاطفة والانفعال إلى عقيدة أو دين أو فكر أو مذهب, فانه لا يرى عقيدته أو دينه ومذهبه وحزبه بعيون العقل الهادئ والإمعان الصادق والوعي السليم, وإنما بعاطفته التي تشوه ما انتمى إليه وتدمره تماما. فبرغم أن الدين عظيم وفيه مبادئ رائعة من أجل سعادة وسلامة البشرية في رحلة الحياة, لكن هذا المنتمي عاطفيا يكون من أشد أعداء دينه وأكثرهم إساءة إليه, لأنه التزم به عاطفيا وانفعاليا ولم يلتزم به فكريا ويراه بعين العقل المبصرة. إن الانتماءات العاطفية المنفعلة إلى الأديان والطوائف والمذاهب هي الأساس في توليد الغضب والكراهية وهي محور التفاعلات البشرية السالبة الشريرة, لأنها تطلق كل شياطين الشر من معاقلها لتتوحش وتفتك ببني البشر الآخر. وعلى سبيل المثال ترى المنتمي إلى دين ما بالولادة هو أقل تعبيرا عن دينه من الذي انتمى إلى ذلك الدين بعقله وبحثه ورؤيته وقناعته. فهذا يكون متدينا واعيا بعقيدة الدين ومبادئه ويعبر عنها في سلوكه وتفاعلاته اليومية ولا يكون مجرد منتمي إلى الدين بالهوية والعاطفة الغنية بالجهل. ولهذا نبغ فقهاء وعلماء لامعين في العالم يحدثونك عن الدين الذي انتموا إليه بعقل وفهم يتفوقون به على أهل الدين والذين يتحدثون بلغة كتبهم السماوية. فالانتماء العاطفي من أخطر مصائب الدنيا عندما يكون مرتبطا بدين أو مذهب أو عقيدة ما أو حزب ما وغيرها من المسميات التي تؤلفها مجموعات بشرية معينة. الانتماء العاطفي يمثل مرحلة من الحياة البشرية عندما يكون البشر في مراحل عمره الأولية خصوصا في السنوات الثلاثة الأولى من العمر, حيث يلتصق البشر بأمه أشد الالتصاق ولا يمكنه فصله عنها لأنه سيغضب وينفعل ويتمادى بالبكاء, وكذلك يخشى الغرباء ويصاب بالرعب الشديد منهم. هذه المرحلة من أعمارنا , لم نتخطاها بل نقلناها من الالتصاق العاطفي الحار بالأم إلى الحزب والعقيدة والدين أو المذهب, وقمنا بالتفاعل مع الآخر مثلما كنا في أعمارنا الأولية ونحن أبناء بضعة سنين. الانتماء الانفعالي إلى الأشياء مرحلة غير ناضجة, وانتكاس عاطفي يؤكد على أن العقل لازال في غيبوبة تامة. وللأسف الشديد تتحول الحياة البشرية إلى مآسي طاحنة عندما يغيب العقل ويتمكن الانفعال ويتسيد الغضب وتصنع الكراهية جحيماتها المروعة. إن خطر الانتماءات الانفعالية يكون أقوى وأشد عندما يتوفر لها البشر الجاهل المظلوم المعدوم الذي أصابته الأيام بقسوتها وشظف عيشها وحولته إلى كتل انفعالية متفجرة ذات قدرات هائلة على الانتماء العاطفي الشديد إلى الأشياء لدرجة تدميرها والقضاء على نفسه وعليها. إننا لكي نسعى إلى السلام والمحبة والسعادة, لابد لنا من وعي ومواجهة ثلاثية الدمار البشري المتألفة من الغضب والكراهية والانتماء الانفعالي. وأن نحاول تطهير نفوسنا منها, والارتقاء إلى عقلنا وعدم إهانته واحتقاره بتحويله إلى عبد ذليل لهذه العواطف والانفعالات السلبية المؤذية.
أوجاعنا يا إخوتي في ظلمنا لنفسنا وبعضنا وكلنا ما عندنا غير الأسى لجهلنا لا نرحم ونعمه في شرنا ونفخر بخرابها ودمارها لا نرعوي, في ظلمة كأننا
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |