|
مقالات الحركة والتفاعل في رؤى شعرية فلسفية خلدون جاويد تنعكس بعض السمات الروحانية في قصائد عديدة تعنى بالحركة وبالتفاعل مع المستقبل، ويستل الشعر روح فكرة التعاقب أو التواصل وارتباط مايموت بما سوف يحيا محولا ً ذبول زهرة الى ايراق غابة وما هو زائل الى ماهو موجود ومولود مجددا وبذا تشي بعض القصائد بأريج الوريق وتعاقب النسغ الاّ ان ذلك يقف على قاعدة التوحيد التي يرى فيها الشابي في قصيدة ( قلب الام )على سبيل المثال اننا صور او اشباح لاهية يواريها الموت. وكذلك البسمات الحالمة تتألق وتزدهي حتى يطويها التراب، وحتى يراوح المشهد الجمالي للولادة دائما مع مشهد الموت في دورة مستمرة هي جدل الحياة في ترادفه ظاهرة من ظاهرة وحيث تتجاوز افراح مع فواجع الموت. وامنا الأرض لتحلم أن تغني نشيدها الاستذكاري للماضي البعيد لاهجة بسورة الأزل. ان الأرض بمن عليها حالمة بالعودة الى الأزل وحيث مسكنها القديم. وصحيح ان الحركة والسكون هما مفهومان فلسفيان جديران بدراسة موسعة لابد من التقديم لهما هنا فلسفيا الاّ ان تحاشي التعمق في ذلك مرده الى الحفاظ على التوازن بين الشعر والتماعاته بالمفاهيم وهو ديدن المحاولات البحثية في هذا الصدد. ويكتفى بالقول ان الافعال والمتغيرات لدى الانسان والحيوان والنبات والجماد هي في حالة حركة دائمة ومطلقة اذ كل شئ متحرك اما السكون فهو نسبي وكلاهما في تضافر متواتر لتكوين صورة الحياة. وتطبيقا لما ورد، يقول الشابي:
" وتظل ترقص للأسى، للهْو ِ أشباح الدهور حتى يواريها ضباب الموت في وادي الثبور وتظل تورق، ثم تزهر، ثم ينشرها الصباح للموت للشوك الممزق، للجداول، للرياح بسمات ثغر حالم، يفتر في سهو السرور وورود روض باسم، يصغي لألحان الطيور وتظل تخفق ثم تشدو، ثم يطويها التراب قبلٌ وأطيارٌ، تغرد للحياة، وللشباب ! وتظل تمشي في جوار الموت افراح الحياة ْ ويغرد الشحرور مابين الجماجم والرفاتْ والأرض حالمة: تغني بين أسراب النجوم انشودة الماضي البعيد وسورة الأزل القديم.
وعلى صعيد تفاعل الفكر !، وإعادة دورته في الأبدان، يتألم الشاعر ايليا أبو ماضي ( قصيدة الطلاسم ) مستفسرا عما خطر في لوحة نفسه اذ ما ان شعر بالطيف حتى غادره !، ان فكرا ً كالطيف قد خطر على ماء بئر أو في عمق دخيلته، ليذكرنا بالنفس التي نزلت من المكان الأرفع في قصيدة ابن سينا. نفسٌ ما ان سكنت زمنا حتى غادرت الى ملكوتها الأول. ان الشاعر المعبر عن غموض النفس او الفكر او العقل ليقف مع استفساراته الوجودية المتوجعة، حائرا ازاء احتمال تنقل هذا (الفكر- العقل) (الإدراك - الوعي - الحس) مابين نفس واخرى، وهل ياترى قد حل الفكر في نفوس اخرى قبل ان يحل في نفوسنا ؟. يقول أبو ماضي:
رب فكر لاح في لوحة نفسي وتجلى خلته مني ولكن لم يقم حتى تولى مثل طيف لاح في بئر قليلا واضمحلا كيف وافى ولماذا فر مني ؟ لست أدري.
أتراه سابحا في الارض من نفس لاخرى رابه منيَ أمر ٌ فأبى أن يستقرا أم تراه مر في نفسي كما أعبر جسرا هل رأته قبل نفسي غير نفسي ؟ لست أدري.
ويؤكد الشاعر عبد الوهاب البياتي، وفق هذا المنظور، ان اتحاد بذرة الأمس بروح الغد وتناسخها عبر الرماد، يستحيل نهوضا وأملا لحياة جديدة. انها مقاربة للتناسخ عبر مفهوم الأمل باستمرار الحياة الولود، وقد يبدو هذا الطرح مسرفا في احلامه الأ أنه حلم أصيل وقوي وحقيقي، انه هاجس مثل فعل الكلمة في الوعي والوعي في الحركة والحركة في التغيرات. ولاتغيير بلاحلم. وأدناه قصيدة البياتي " من كتابات بعض المحكومين بالاعدام بعد سقوط كومونة باريس ":
" كان الفراق الموت يأتي مع الفجر ليستخرج من صندوق هذا الجسد الجواهر والأمل المسافر وشعلة الحياة يأتي مع الجلاد يحمل ميراث عصور احرقت طغاتها صواعق الميلاد وقاهر الطبيعة الانسان فلتحملي اماه نعشي على فراشة البرق الى الحقول والغابات ولتنثريني في الضحى رماد في مدن الجوع وفي أزمنة العذاب والثورات اولد من خلال هذا العالم الواعد بالطوفان من جديد مع الملايين التي عذبها انتظارها الطويل من اجل أن تنهض فوق هذه المدينة الشهيدة كومونة جديدة. ".
ان هذا العالم الواعد بالمتغيرات هو ليس حنينا شاعريا مجردا بل حقيقة كامنة في طبيعة الحياة، وفي كل تفاصيلها المتجددة والمحفزة على التغير والتدفق نحو قيم جديدة تحل بمحل الاسلوب القديم والرؤى العابرة. ان أمل الشاعر ليس تفاؤلا ووهما بل انه يستند الى روح الحقيقة الحياتية المتفجرة. ان الثورة وكسر القواعد غير العادلة والتي لاتخدم بني الانسان هي الزائلة لامحالة، وهذا هو كنه ماقصده الشاعر واستهدفه شعر الحركة والتفاعل. ان الجلاد هو ذلك الخائب الذي اعتقد بامكانية مسطرة رؤآه وفرض مقاساتها على فئآت الشعب المختلفة بأن تسير جميعا وفق مبدأ واحد أو نهج لاثان ٍ له، واسلوب غير قابل للتحريك ووصفة لاتمس وصرح لايطال ورأي لايناقش وقانون لايتبدل. وازاء التحجر العقائدي، فأول من – يجب - أن يثور على الوصفة الجامدة هم الشبيبة التي لاتطيق الحياة مشهدا سكونيا جامدا يعنى فقط بالممنوعات والمحرمات المبالغ بها. وكم من مرة يعاد الدرس في ان الحركة والتفاعل امتداد لامتناه ٍ بينما ذوي الادمغة المؤدلجة أطلال وخرائب زائلة. ان الحركة والتفاعل منطوق كل مصنف ابداعي لايركن الى لون واحد من الفكر ولا الى نوع واحد من الاساليب. ولقد آن للشعر، وهوحجر الزاوية في بحثا هذا، ان يتخطى ابعاد التدجن لصالح حزب يملي الكتابة وفق منبر او ايديولوجيا او ابوية أو عمامة او دائرة ثقافة. وختاما، فشاعر الحركة والتفاعل هو القبطان وهو مالك البحر والسفينة وان صدق ابداعه كامن في نبل بوصلته. ان قصيدته التحررية هي شمس تضئ طريق الحضارة كل يوم.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |