|
مقالات ما أحلى الرجوع إليه كوثر الكفيشي (عضوة في منظمة بنت الرافدين) / بابل ذلك قنديل ((ستي))... سمير ليالي الأنس قرب مواقد الأمس القريب. رحلت ((ستي)) ...رحلت يا عزيزتي ... إلى ديار كلها أنوار وقناديل وتركت قنديلها العتيق معلقا فوق العتبة... جف الزيت وارتحلت أسراب الفراشات، تلك التي كانت تحوم حول السراج لتنهل من قبسه وهجا ونوراً ... وتموت... غاض الفتيل... وانطفأ القنديل... وما عادت الأيام كالأيام يا كوثر أفل النور وحل الديجور...وما عادت الناس كالناس يا كوثر. غير أنه لم ينطفئ قنديل ((ستي)) لإنتفاء الحاجة إليه، ففي أزمنة العتم التي نحيا ما أحلى الرجوع إليه. كلمات نطقت بها شفاه ابنة خالتي وهي تحدثني عن جدتي التي ماتت دون أن تراني ودون أن أراها، جدتي التي رحلت مع أسراب النوارس ولم يبق منها إلا بعض الريش الدال على وجودها، رحلت جدتي مع رحيل أحلامي وأمانيي، آمالي التي تبخرت مع تبخر الماء في صيف عراقي الحار. ها أنا بالأمس القريب كنت قد أعددت العدة وأحزمت الحقائب وتركت الغربة لأعود للوطن، لأعود وأقف على شرفات مدينة آبائي وأجدادي، عدت لأشمر عن ساعدي لبناء الطرق والجسور والشوارع، ولكن... يا للحسرة وصلتُ..... وغادرتْ عدتُ....... و رحلتْ ....نعم وصلت إلى الوطن بعد غربة الطفولة والمراهقة لتغادرني الأمنيات. عدت على البيت لترحل جدتي وتخلف لي أجمل ميراث هل تعلمون ما هو؟ لا تستعجلوا ..... ولا تستغربوا..... ولا تضحكوا لقد خلفت جدتي وراءها الكثير وبما أني كنت حفيدتها الكبرى كان لي الخيار والإختيار فأخذت بدوري أطبق أناية البشر فاستحوذت على حصة الأسد ... فأخذت من الميراث ... قنديل جدتي .... هذا القنديل الذي تضعه الشعوب الأخرى ضمن تراثها العتيق يضعه شعبي العريق في كل جزء من غرف بيته العربي الكبير. هذا القنديل الذي كنت أراه في الأفلام القديمة وكنت أتساءل: يا ترى ألم تصبهم الكآبة في ظل كل هذه العتمة؟!! غير أني اليوم في ظل هذا القنديل بت أكتب كتاباتي، وفي ظل هذا القنديل بت أستوحي من بنات أفكاري كل أشعاري، وفي ظل هذا القنديل بت أنور عتمة لياليي، وفي ظل هذا القنديل أكمل حياتي، وفي ظل هذا القنديل أبارك عهدي ـ عهد الديمقراطية والحرية ـ . وها أنا اليوم في ظل هذا العهد الجديد لم أترك قنديل جدتي معلقاً فوق العتبة اكتفاءً واستغناءً عنه، ففي عهدي هذا عهد الأطماع الشخصية، وعهد الأمريكانية، وعهد القوات المتعددة الجنسية، وعهد الطائفية، وعهد التصفية الجسدية والفكرية، وعهد المطالبة بالفيدرالية، وعهد نسيان الخلق المغلوب، وها نحن في عهد فساد الإدارات والمؤسسات العامة، وفي عهد نهاية قرن الواحد والعشرين، وعصر النيت والكومبيوتر والعولمة، أصبح عراقنا وأصبحت ليالينا بأمس الحاجة إلى مثل هذا القنديل. فبوركت يا ((ستي)) ورحمك الله وتغمدك في فسيح جنانه على ما تركته لي من إرث في بلد الأزمات، في البلد الخالي من الغاز والماء والكهرباء، وليضيء الله ظلمة قبرك بنوره فلا أظنه وحاشا أن يظلمك بالظلام مرتين.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |