|
مقالات المعادل البصري / الاجتماعي لتجربة هوليود الجديدة عبدالكريم يحيى الزيباري منذ القدم وحتى يومنا استوطنت الخرافة جميع أنحاء الأرض، وشنَّ الفلاسفة والحكماء عليها حرباً شعواء، بوصفها حكايات عجائز، ومن أسباب التخلف، لكنها ظلت محتفظة بحيويتها، وعادت مجتمعات ما بعد الحداثة إلى الإيمان بالخرافات والأساطير؟ فهل بسبب الخواء والفراغ الروحي؟ وهل غيّرت الحداثة وما بعدها من طبيعة غرائز الإنسان؟ وما هو دور العلم والثقافة في هذا التغيير؟ إذا كان الجواب نعم فلماذا لا زال يؤمن بالأساطير والخرافات؟ حتى أنَّ آخر حرب شنتها الولايات المتحدة كان على أساس خرافة الـهرمجدون التي ذكرها الرئيس بوش للرئيس شيراك وهو يحاول إقناعه بجدوى الحرب؟ هل أصبح الإنسان في سلوكياته وتصرفاته وتفكيره مبرمجاً بمؤثرات العلم والثقافة والقوانين كموجه ثلاثي الأبعاد لرغباته فيما يريد أن يقول أو يملك أو يفعل؟ هل تثور فيه غريزة الإنسان القديم ما قبل آلاف السنين عندما كان يأكل بفضل قوته ويأمن بحماية قوته ويهادن ويحب ويتوقف عند الحدود التي لا تسمح له قوته بتجاوزها؟ فهل يؤمن الإنسان بقوته وشجاعته كضرورة أم كمتعة؟ لماذا يحنُّ الإنسان المعاصر إلى الأساطير والخرافات؟ للإجابة سنحتاج إلى مجهر وتجربة ونتائج، ومجهرنا هو العقل الفاحص، وتجربتنا جاهزة ونتائجها معلومة للجميع، فلم قراصنة الكاريبي، -ملاحظة اعتذر لأصحاب الحق لأني اشتريت الفلم من الباعة المتجولين- هذا الفلم هو الدال التأكيدي على بقاء الفكر البشري متأرجحاً بين الأسطورة والخرافة، ورغم كثرة الدوال التأكيدية على ذاك التأرجح كالطب الخرافي، واعتماد الكثير من الشعوب على التعاويذ والأحاجي والطلاسم، ومعظم الأمراض تقاومها النفس البشرية بقوة الإيمان، وجميع التعاويذ تكاد تتفق في مضمونها، ففي تعويذة من مصر الفراعنة القديمة تقول(السلام عليك يا حورس... يا أيها الموجود في بلد المئات، يا حاد القرنين، يا بالغ الهدف، إني قصدتك لأمدح جمالك، ألا فلتقضِ على الشيطان الذي يتملك جسدي)وبالطبع فتعويذة كهذه تصلح لكلِّ الأمراض، لكن مرضاً عضوياً كالتهاب الزائدة الدودية لا تنفع معه إلا الجراحة، ولسِعَة الموضوع وتشعبه سأقتصر على الفلم الهوليودي، قراصنة الكاريبي 2006 من إخراج غور فيرغينيسكي وبطولة(جوني ديب 40 عاما/جاك سبارو)و(أورلاندو بلوم 29 عاماً/ويلي/بطل فلم سيد الخواتم بدور شقيق زعيم الجن الأشقر)والحسناء(كيرا نتالي 21عاماً)هذا الفلم ثالث فلم يتخطى حاجز المليار بعد الفلمين تيتانيك 1997 وعودة الملك/سيد الخواتم ج3/ 2003، ورغم أنَّ قراصنة الكاريبي ليس فيه قصة ولا فكرة ولا هدف ولا غاية، لكنَّه تخطَّى المليار، ليس فيه إلا المتعة فقط، لكنه يشترك مع عودة الملك بخرافاته، رغم أنَّ خرافات الكاريبي لا تكاد تتعدى الخرافتين: خرافة صندوق الرجل الميت للجزء الثاني، وخرافة الجزء الأول قراصنة الكاريبي، اللؤلوة السوداء. للنص السينمائي قراصنة الكاريبي عتبتان تُمثلان الشَرَكْ والفخ (العنوان الرئيسي والثانوي): الجزء الأول(قراصنةالكاريبي-أسطورة اللؤلؤة السوداء)والثاني(قراصنة الكاريبي-صندوق الرجل الميت)والعتبة الثانية، مصيدة لمن ينجو فخ العنوان الأول.ومن ثم تأتي: تقنية سرد، ولغة سيناريو لطيفة وأحداث مشوقة لثلاث قصص داخل فلم واحد يستغرق 100 دقيقة والوسيلة: صور متحركة لثلاث قصص تحكي عن ثلاث أبطال والقصص الثلاثة تسير بتوازٍ وتداخل وتشاكل وتتمركز حول أسطورة أو قصة تأسطرت حدثت في القرن الثامن عشر، حيث قاد الكابتن باربوسا تمردا ضد كابتن سفينة اللؤلؤة السوداء جاك سبارو وقام بمهاجمة إحدى المستعمرات البريطانية وهي بلدة بورت رويال وقام بخطف ابنة الحاكم إليزابيث التي أنقذها حبيبها ويلي، لكن الفلم يختلف عن القصة. يبدأ الفلم بمحاولة إليزابيث(كيرا نتالي)الهرب مع ويليام، لكن يلقى القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم ضد العرش ومساعدة رجل محكوم بالموت على الفرار وهو القرصان جاك سبارو فيقاطعهم ويل قائلاً الكابتن سبارو، ويُرْسَلْ ويل لجلب بوصلة القرصان جاك سبارك. 1- جاك سبارو(جوني ديب الذي قال النقاد إن الفلم كان سيفقد الكثير من نجاحه لولا براعة أدائه وكان غيابه عن بعض المشاهد يصيبها بالبطء والبرود) في الدقيقة الخامسة من بدء الفلم يلقى جاك سبارو في صندوق إلى البحر باعتباره ميتا بالإعدام، يأتي غراب يقف على الصندوق الخشبي ينقره فيطلق عليه سبارو النار ويخرج جوني ديب من التابوت، في الدقيقة 18 الأخطبوط الوحش يسحب سفينة القرصان إلى قاع المحيط، في مشهد طريف أكثر منه مرعباً، الكابتن القرصان الذي يبحث عن سفينته المفقودة، يعثر عليه ويل في الدقيقة 20 في جزيرة يقطنها قبيلة بدائية تنصبه عليها ملكاً وهو يتبختر بينهم كالخنثى ويتمايل بصورة مضحكة وطريفة، وعينان كحيلتان وقد رسم على خديه ستة عيون توزعت على وجنتيه بالتساوي، وتحريك يديه بكثرة وبدون اكتراث كعنكبوت واقف وبدا مستمتعاً وهو يؤدي دوره، ويلبس ملابسهم ويمسك بيده صولجان الملك، وشعر طويل ووجه متسخ وأسنان ذهبية وشارب خفيف وقبعة ممزقة من أثر الزمن وقلادة من الخرز، يتكلم بصورة غير واضحة وهو خائنٌ غدار ولا يؤتمن على شيء، ومن ثمَّ يأتيه أفراد القبيلة وقد ألقت القبض على صديقه ويلي وهو قد جاء ليبحث عنه ويصدم برؤيته ملكاً عليهم، ويتجاهله سبارو كي لا يثير البدائيين ضده، ويلقى القبض على سبارو وهو يحاول مساعدتهما على الفرار فيربط وسط عمود خشبي طويل يحمله ويهرب ويثبته ويثب بقفزة الزانا إلى الجانب الآخر، وينجح هو وأصدقائه في الهرب ليقع بقبضة بحارة اللؤلؤوة السوداء وكابتنهم باربوسا(وايني جونز) سباور هذا الرجل الغريب بعد أن سأله بحارته أين نتجه، فأخرج بوصلته ثمَّ بدأ يلَوِّح بكل الاتجاهات بيديه الاثنتين ورمى بالبوصلة، يقول عنه قراصنته في حوار يدور بينهم (-الكابتن يتكلم بغرابة-يبحر دون أن يعرف إلى أين يتجه). 2- الحسناء إليزابيث(كيرا نتالي)ابنة الحاكم الذي يريد أن يزوجها لقائد الجيش ليضمن ولائه وهي تحب ويلي(أورلاندو بلوم)فتهرب باحثة عنه وهي تحتفظ بقلادة فيها آخر قطعة ذهبية من الكنز الملعون الذي يبحث عنه الجميع وكان حبيبها ويلي وزميل طفولتها قد أهداها إياها. وبدا أداء بلوم بارداً بعض الشيء، وتألقت كيرا التي في الدقيقة 25 يساعدها أحدهم على الهرب لجلب بوصلة القرصان سبارو التي يحملها معه دوماً. 3- الكابتن باربوسا(جيفري راش) المتحول الأسطوري بفعل لعنة الكنز يتحولون إلى هياكل عظمية إذا تعرضوا إلى ضوء القمر، وهم يعتقدون أنَّ هناك كنزا وضع شؤمه عليهم والوسيلة الوحيدة لإبطال اللعنة هي إعادة آخر قطعة ذهبية من الكنز وقتل من يحملها. 4- المتلقي: (كعينة على مجتمعات ما بعد الحداثة التي تفتقد كل ما هو روحي وتحن إلى العالم الأسطوري والبدائي وإلى عالم الطفولة) مشاهد في دار عرض مظلمة يراقب أزياءا غريبة ومتقنة وطريفة ففي أحد المشاهد كان جاك يتحدث بجوار أحد ضباط البحرية الذي تراجع ممتعضاً إلى الوراء عندما رائحة فم أحد القراصنة ومشهد المبارزة بين ويلي وجاك سبارو وثالث فوق عجلة كبيرة ومتحركة واستخدام المخرج لتقنيات مرئية كبيرة ساهمت في إقناع المشاهد واستلاب انتباهه طيلة عرض الفلم، إضافة إلى المشاهد الحقيقية في التصوير الميداني. 5- المخرج: استفاد كثيراً من التطورات الهائلة في علم التصوير والمؤثرات الصوتية والخدع البصرية وعلم الميلتي ميديا بحيث أنتجت خيالاً يصعب تمييزه عن الواقع وهو ما يشتاق إليه إنسان ما بعد الحداثة، واستند المخرج على القشور وأهملَ الجوهر، ترك المركز وعمل بنصيحة التفكيكي دريدا وانشغل بالحركة محاولاً إنتاج واقع مزيف وفرضه على المتلقي السعيد بالمتعة البصرية، لكنه لم يعلم وهو يرفض التمركز أنَّه قد تمركز حول المسائل الفرعية الخاصة بالصورة والإيقاع وبنية الحركة وبؤرة الرؤية النفسية في محاولة إثارة الدهشة بإضافة الخرافي إلى الواقعي الأصلي ونبذ الاستمراري الثابت للإطار الزمكاني، مع جرعة من الغموض لإعطاء المشاهد فرصة إعادة ترتيب مشاهد متعاقبة لأحداث متناوبة غير متسلسلة بضابط منطقي، إذن كان تمركز المخرج على الغشتالت(نظرية الشكل)وعلى الخدع البصرية للإمساك بتلابيب المشاهد وعدم إفلاته. 6- الصورة: وهي العامل المشترك للعناصر الخمسة الآنفة الذكر، ناتجة عن اختيارين(المؤلف+ المخرج)وللأخير تأثير أكبر، فالمؤلف يروي الصورة بتقنية اللغة، والمخرج يروي الصورة بتقنية الصورة وكأنَّها حقيقي، فانتقالة مهندس الصورة والصوت بأمرة المخرج، هي انتقالة لنظرة المشاهد، الكاميرا/المشاهد/مضمون نظرة واحدة من شخصيات الفلم، وكمشهد المبارزة بين ويلي وسبارو والضابط على العجلة المتحركة، رغم إسرافه في اللامعقولية، إلا أنَّ المخرج نجح في إقناع المشاهد ولو لبرهة أنَّ ما يراه هو الحقيقة ولو نسبياً، وبسببٍ من عاملي الإثارة والتشويق فلا وقت للتفكير، من أجل أن لا يفوتنا شيء، وقامت الكاميرا باختزال عين المشاهد، وأحياناً تتماهى عين أحد شخصيات المبارزة في مضمون نظرة ضيقة وسريعة كملاحظة ويلي للقلادة التي يبحث عنها من العجلة وهي تدور، وكما في تماهي عين المشاهد في مشهد الحوار المرعب الذي دار بين سبارو وبين المتحول الأسطوري، أحدهما ينظر إلى الآخر، فللمشاهد عين هذا تارة وعين الآخر أخرى وعين الكاميرا ثالثة حين تتجه الكاميرا لتصوير حدث شمولي كغرق السفينة من بعيد، والصورة الأولى والثانية هي التي يعول عليها المخرج في خلق شعور لدى المشاهد كأنَّه يعيش مع تلك الشخصيات إذا لم يتصور نفسه أحدها، أو على أقل تقدير تعاطفه مع إحدى الشخصيات، فلمشهد المبارزة عدة مراحل، عثورهم على الصندوق، بدأ المبارزة على الساحل، اثنان يسرقان الصندوق، إليزابيث تلحق باللصين، تنتقل المبارزة إلى كنيسة مهدمة، يقرع جرس الكبير، يسمعه المتحولون فيهرعون نحو مصدر الصوت، تنتقل المبارزة إلى العجلة أي وهم فوق عجلة خشبية كبيرة تتدحرج، مراحل عديدة للمشهد، وكان للمخرج في تصوير هذا المشهد عدة خيارات: أولاً: كاميرا بعيدة خارج المشهد وغير منحازة إلى أحد من شخصيات المشهد. ثانياً: بعينيَّ واحدة فقط من الشخصيات. ثالثاً: على التوالي بين شخصيات المشهد، المتبارزون الثلاث، اليزابيث، اللصان، المتحولون. لكن المخرج استطاع أن يدمج بحركة سريعة وخفيفة لم يشعر بها المشاهد بين جميع الخيارات، في بدايته المشاهد، يراقب وهو على الحياد دون الانحياز، قد يضحك على حركات سبارو غير المكترث، قد يصادف المشهد هوىً في نفسه بسبب التطورات السريعة والمتلاحقة، قد يتعاطف مع إحدى الشخصيات فيشعر بنفس المشاعر التي يشعر بها من خوفٍ من السقوط وفرحٍ بالنجاة وغبطةٍ في غلبةِ الآخرين.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |