|
مقالات دراسة تحليلية تاريخية سياسية اجتماعية لقبسات من رسالات بلاد الرافدين وفريد حضارتها السمحاء (4) هلال آل فخرالدين مدرسة (الراي) أرى لزاما علي ان اطرح بحثا قصير مركزاحول مدرسة الرأي والقياس لكونه حدثا كبير خطير هز الامة ومل الدنيا وشغل الناس وتفاوتة حوله الردود تبعا للثقافة والموروث من النصوص وذلك لشديد التصاقها بالجانب الديني والعقائدي للامة ولبيان ابعاد الحوار العلمي المنطقي الهاديء حولها واراء واقوال المكفرين لها..
مدرسة الراي ومدرسة النصوص ان ظهور مدرسة الراي في العراق احدث هزة كبيرة في الوسط الديني للامة وكانت له تداعيات كثيرة على مستوى التشريع واتهم بالخرج عن جاده الصواب ومجانبة الحق لعدم اعتماده النصوص كما ظهرت له اصداء واسعة من الجدال العقائدي والصراع الفكري والمنحى التشريعي الفقهي لحد ظهور موجة التكفير ورمي الاخر واتباعه بالكفر من نفس محيط تلك المدرسة (مدرسة السقيفة)وروادها من أئمة المذاهب والعلماء فكان مبعث صراعات دموية أزهقة فيه المهج وطغت موجات التعديات في اقاليم الدولة الاسلامية وبالخصوص بلاد فرس وخراسان وما وراء النهر دون بلاد العراق التي كانت منبعها ومركزها ومصدرها فلم تحدث على ارضه عرك بالايدي ولم ينقلب الى سفك للدماء واتلاف الارواح.. ولعلي اوفق لنشر بحث حول بدايات التكفير في الامة الاسلامية ومدى التساهل في قذف الاخر به لمجرد الاختلاف في الراي ولهذا ارى لازاما ان اشيرا بتلخيص غير مخل حول ملابسات الموضوع ..ودور مدرسة اهل البيت في هذا المجال وبالخصوص الامام الصادق الاستاذ المؤسس لها وباعث علومها وناشر وناشر معارفها .. فقد كان امام مدرسة اهل الراي ابو حنيفة تلميذ عند الامام الصادق وله مقولتة المشهورة :(لولا السنتان لهلك النعمان )كتاب الاثار لابي يوسف والاثار للشيباني ومختصر التحفة الاثنى عشرية لمحمود شكري الالوسي ص8 الطبعة الاولى الهند .واذا لاحظنا اجواء القاء والاستدلال الذي جرى بين الامام الصادق وابي حنيفة قائما على الاحترام ومراعاة اسس البحث العلمي والنقاش الموضوعي وفق منطق الهدى وشفافية اهل التقى خاليا من القذف واللعن والتكفير والسباب انه محظ حوار علمي استدلالي فقهي وهذا ان ندل على شيء فانما يدل على سموا ورفعة اسلوب اهل البيت مع المخالف والموالف وهو منهم ليس بغريب لكونهم المبلغين لرسالة جدهم المصطفى (ص) وفيه درس للامة للارتقاء اليه والاخذبه هذا من جانب ومن جانب اخرى يتحتم على المتحاورين ان يعوا الية الحوار العلمي بالعقلانية وبالتي هي احسن بعيدا عن التشنج والتعصب اوسفسطة اولغوا الكلام .. وهنالابد ان نعطي نبذه عن نشأة مدرسة الراي واسسها وابعادها وظروفها وروادها وفي كنف من ترعرعت ..
اصول مدرسة الراي هناك خلاف حول الشخص الذي أرسى دعائم مدرسة الراي واشاد بنيانها هل هو إبراهيم النخعي أم حماد بن سليمان ؟ومن المؤرخين والرواة من يذهب الى ان الخليفة عمرابن الخطاب مؤسسها ومبتدعها ويقول احمد امين :وكان حامل لواء هذه المدرسة عمر ابن الخطاب وأشهر من سار على طريقته عبد الله بن مسعود في العراق فكان يتعشق عمر ويتعجب بارائه .وجاء في اعلام الموقعين لابن الجوزي ج1ص49و50 ان ابن مسعود كان لايكاد يخالف عمر في شيء من مذهبه ..!! وقد انطوى عهد عمر الى ابي موسى الاشعري على اشارات تحض على القياس عندما قال : الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مماليس في كتاب ولا سنة ثم اعرف الاشباه والامثال وقس الامور عند ذلك واعمد الى اشبهها بالحق..وهذا من اكبر دعائم القول بقدم الرأي عند الاخذين به وقال الشعبي :كان عبد الله لايقنت ولو قنت عمر لقنت عبد الله فجر الاسلام لاحمد امين ص240 قال ابو عمر الشيباني :كنت اجلس الى ابن مسعود حولا لايقول :قال رسول الله (ص) فإذا قالها استقلته الرعدة انظر فجر الاسلام ص240 أخذ أبو حنيفة عن حماد بن سليمان واخذ حماد عن إبراهيم النخعي وأخذ إبراهيم عن علقمة ابن قيس وعلقمة تلميذ ابن مسعود فكان إبراهيم لايعدل بقول عمر وابن مسعود وإذا اجتمعا كان قول عبد الله أعجب لانه كان الطف ومن هذا اشتهرت مدرسة الراي في العراق لان عبد الله بن مسعود كان قد أقام في الكوفة مدة من الزمن وكان يفتى الناس ويحدثهم فجر الاسلام ص240 وكذلك جاء في رسالة الانصاف لولي الله الدهلوي ودائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد وجدي ج3ص206 وإذا اردت أن تعلم حقيقة ذلك فلخص اقوال إبراهيم من كتاب الاثار لمحمد وجامع عبد الرزاق ومصنف ابي بكر بن ابي شيبة ثم قايسه بمذهبه تجده لايفارق تلك المحجة إلا في مواضع يسيرة وهو في تلك الموارد اليسيرة لايخرج عما ذهب اليه فقهاء الكوفة وفي ضوء هذا فقد اعلنت المدينة غضبها وجاهرت برفضها لمنطق القياس وردها على اهل الراي وبالاخص مدرسة الكوفة والعراق بصورة عامة فقالوا عنهم بعدم علمهم بالحديث الامر الذي ألجأهم الى التمسك بالراي والعمل بالقياس ..!! وقد صدرت عن الامام مالك -امام اهل الاثر- ألفاظا شديدة الغضب فقد قيل عنه أنه قال :إنزلوهم –اي العراقيين –منزلة أهل الكتاب لاتصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا امنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد / جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج2ص157 وكان مالك إذا نظر الى أصحاب الراي من العراقيين يقراء :(تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) وكان الامام مالك يسمي الكوفة :دار الضرب يعني تكذب وتضع الاحاديث وتخرجها كما تسك دار الضرب الدراهم وادنانير . وقال التابعي عطاء بن رباح لابي حنيفة :من أين انت ؟ قال:من أهل الكوفة قال:أنت من أهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ؟ /تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص331 وهذا كذلك تعميم في القياس علما بان ليس كل اهل الكوفة او اهل العراق على هذه الشاكلة من الاخذ بالراي وتعاطي القياس وفيهم المتمسك بالسنة والعاظ على الحديث بالنواجذ لايبغي عنه حولا ولا ياخذبغيره بدلا وقد اتسعة شهرة اصحاب الراي سريعا وعلا نجم روادها واستطاعت ان تكون بازاء مدرسة الحديث باصالتها وتاريخها وقدسيتها وشرعيتها لدعم السلطة لها ..علما بان ابو حنيفة كان ينتقي اصحابه ويختارهم فيتعاهدهم بالرعاية والعناية كختياره لابي يوسف وزفر بن الهذيل وومحمد بن الحسن الشيباني وتاثروبه غاية التاثر واصبحوا ركائز مدرسته والمتصدين لتطبيق مناهجها وبالخصوص منحاها في الراي والقياس والدفاع عنهما وكان ابو حنيفة يشجع تلامذته على الجدل والقياس ويتركهم يتبادلون الاراء والحجج حتى اصبحوا وجهان لعملة واحدة حتى قال وكيع الجراح لرجل –قال أخطاء ابو حنيفة - :كيف يقدر ابو حنيفة ان يخطيء ومعه مثل ابي يوسف وزفر في قياسهما ؟؟ /تاريخ بغداد للخطيب ج14ص247 وقد اورد اهل الحديث روايات عن رسول الله (ص) في ذم الراي منها : قوله (ص):(ان الله لاينزع العلم من الناس بعد إذ أعطاهموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم قبض العلماء بعلمهم فيبقى اناس جهال يستفتون لرايهم فيضلون ويضلون )/ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص413 والاخرقال (ص): (تفترق امتى على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برايهم يحرمون به ما احل الله و يحلون به به ما حرم الله ) نفس المصدر السابق ص414
اصل التسمية ان منشأ تسميتهم بأصحاب الرأي هو عنايتهم بتحصيل وجه القياس والمعنى المستنبط من الاحكام وبناء الحوادث عليها وربما يقدمون القياس الجلي على اخبار الاحاد
طعون في امام القياس فقد اشتدة موجة النقد والتحامل على ابي حنيفة ومدار اعتقاده حتى قالوا عنه :إنه استتيب من الكفر مرتين الانتقاء ص150 وقد حددوا كفره بالقران بايتين كما ورد عن شريك انه قال :كفر أبو حنيفة بايتين من كتاب الله تاريخ بغداد ج13ص372 وانه اذا جاء الحديث عن النبي (ص) يخالفه الى غيره انظر مختلف تاويل الحديث ص63 وقد خالف مائتي حديث عن رسول الله (ص) الانتقاء ص150 وجعلوا من وجود ابي حنيفة ضررا على الاسلام وبقاءه هدما للدين وفتكا بالمسلمين لانه يهدم الاسلام عروة عروة وانه اشر مولود ولد في الاسلام الانتقاء ص150 وقال الامام الشافعي :ماولد في الاسلام أشام من ابي حنيفة ...واضاف قائلا :نظرت في كتب اصحاب ابي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة خلاف كتاب الله والسنة وقال الامام الغزالي في المنخول في علم الاصول :فإما ابو حنيفة فقد قلب الشريعة ظهر لبطن وشوش مسالكها وغير نظامها واردف جميع قواعد الشرع باصل هدمبه شريعة محمد المصطفى ومن فعل شيئا من هذا مستحلا كفر ومن فعله غير مستحل فسق )واسهب كثير واطنب في الطعن فيه ورميه بالفسق والكفر حتى قال في المنخول (ان ابا حنيفة الكوفي يلحن في الكلام ولايعرف اللغة والنحو ولايعرف الاحاديث (كان يجهل الحديث الذي هو المصدر الثاني بعد القران عند الاسلام –لذا تراه يعمل بالقياس في حين ان اول من قاس ابليس وكتب جار الله الزمخشري في ربيع الابرار(قال يوسف بن اسباط رد ابو حنيفة على رسول الله اربعماية حديث او اكثر) وقال اشهر تلامذة ابي حنيفة قاضي القضاة ابويوسف :(لوادركني رسول الله لاخذ بكثير من قولي ) وقال العلامة ابن الجوزي الحنبلي في المنتظم عن ابي حنيفة :(اتفق الكل على الطعن فيه) وقد اورد الخطيب البغدادي وابن عبد البر اقوالا كثيرة اطلقها خصومه عليه وشاعت في اندية المجتمع ومحافل النس حتى سرة الى الاطياف والاحلام حيث كان لها سوق رائج في عصور التطاحن المذهبي
اعترافات امام مذهب الراي كما اشتهر عن ابي حنيفة انه قال :علمنا هذا الرأي وهو أحسن ما رأينا فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ولنا ما رأينا دائرة معارف وجدي ج4ص156 وجاء عن ابي حنيفة قوله لتلميذه ابي يوسف :ويحك يايعقوب ! لاتكتب كلما تسمع مني فإني أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد الاجتهاد والمجتهدون ص102 وقد اشتهر عن ابي حنيفة قوله :لايحل لمن يفتى من كتبي أن يفتي حتى يعلم من أين قلت الانتقاء لابن عبد البر ص145 وجاء عن ابي يوسف انه قال قبيل وفاته :كلما أفتيت به فقد رجعة عنه شيخ الامة لسيد الاهل ص138 ولعل لاجواء العراق وكثرة الثقافات وتحاور الفلسفات وتلاقح الحضارات ساعدة على الانفتاح والتساهل والاخذ باراء اهل الاهواء والبدع وان اغلب ائمة المدارس الفقهية والحديثية والفقهاء والقضاة كانوا من امم اعجمية غير عربية ذات باع طويل في الفكر والعلوم يذكر احمد امين ( ان حمله العلم في المله الاسلاميه اكثرهم من العجم سواء في العلوم الشرعيه او العلوم العقليه الا في القليل النادر . وان من كان منهم عربيا في نسبته فهو اعجمي في لغته ومرباه ومشيخته )احمد امين ضحى ص 208وبما ان هؤلاء الاعاجم كانو من (الموالى )وهم غير عرب ..وحيث ينظر اليهم على اساس من الدونيه والهجانة فارادوا الرفعة والخروج من بودقتهم فختاروا الوصولية والتمسوا التقرب والتزلف الى الامراء والحكام فلم يكن لهم غير التملق والتزلف الى السلاطين ولاستجابة لكل ما يطلبونه ويحلوا لهم الفتيا فيه بابتداع حيل او تلفيق اكاذيب وصناعة احاديث لكسب ودهم والحظوه لديهم ونيل عطاياهم ولاستعادة مكانتهم فصطفقت هاماتهم على اعتاب ابواب الخلفاء يستجدون صدقاتهم وفواضل نعمهم للفوز بمناصب القضاء ومراكز الدوله
مناظرة وتفنيد وقبول وتسليم .. فقد كان ولايزال البحث والنقاش في الامور الدينية والاصول العقائدية والمباحث الفقهيه ذات الابعاد الشديدة الحساسية والخطيرة المتعلقة بالقواعد والاصول مبعث خصام وتباعد ومدعاة طعون وتكفير ولكن الذي حصل بين الامام الصادق وابي جنيفة النعمان من حوار تناول بعدا رئيسيا في مذهب ابي حنيفة ومدارا اساسيا في منحاه الفقهي وهو (القياس) وما نتج عن ذالك الحوار من تفنيد وتسفيه لذلك الراي في قياسه للاحكام وابطال شرعية القياس كمنهج في اجراء الاحكام وتسليم الامام ابو حنيفة بنتائج تلك المناظرة ..وتأكيدا لما ذهبنا اليه اذ لم نخبر بان ماجرى وحدث بين الطرفين من استدلال وحجج وما توصلوا له من نتائج قد اثار حفيظة الاخر او شعورا بالاساءة وتفجر براكين الغضب لديه..هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الامام الصادق كل ما قاله لابي حنيفة هو من باب النصح والتحذير من الانزلاق في مهاوي الخطاء ومجانبة الصواب ومغبة الانقلاب على الاعقاب وسوء العاقبة ولم يسيء الى الاخر بطعن او تكفير او لعنه اوغيرها من اساليب الجامدين واصحاب الصدور الضيقة ممن يستسهلون التكفير ورمي الاخرين به جزافا طمعا في اغواء الرعاع والسبق بالتشهير .. وهنا اعرض لصورة ذلك المنهج العلمي في الاستدلال والاسلوب الخلقي الرفيع للنقاش واني اذ اعرض للمصادر السنية التي روة تلك الحادثة كما جاء في كتاب حلية الاولياء لابي نعيم ج3ص196 بسند عن عبد الله بن شبرمة قال دخلت انا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد فقال لابن ابي ليلى :من هذا معك ؟قال ابن ابي ليلى:هذا رجل له بصر ونفاذ في امر الدين قال:لعله يقيس الدين برايه ؟قال: نعم فقال جعفر لابي حنيفة :ما اسمك ؟قال :نعمان...ثم قال له :حدثني ابي عن جدي ان رسول الله قال:ان اول من قاس امر الدين برايه إبليس قال الله تعالى له :اسجد لادم فقال :( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) الاعراف 12 فمن قاس الدين برايه قرنه الله يوم القيامة بابليس لانه اتبعه بالقياس ثم قال جعفر :ايهما أعظم قتل النفس او الزنا ؟ قال ابو حنيفة :قتل النفس قال الصادق:فإن الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا اربعة قال الصادق :أيهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال ابو حنيفة :الصلاة قال الصادق :فما بال الحائض تقضي الصوم ولاتقضي الصلاة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك ؟ اتق الله ولاتقس برأيك وهو اشهر من روى مناقب ابي حنيفة وقد ذكرها الكردي في مناقب ابي حنيفة ج1ص208 والخوارزمي في المناقب ج1ص167و197 وقد حور الرواية تلك الشيخ ابي زهرة في كتابه الامام الصادق ص291 وخيانة للامانة العلمية تبعا للهوى والعصبية ويذكر ابن النديم في الفهرسة في ترجمة -هشام ابن الحكم -مؤمن الطاق :وكان حسن الاعتقاد والهدي حاذقا في صناعة الكلام سريع الخاطروالجواب وله مع ابي حنيفة مناضرات منها : لما مات جعفر الصادق قال ابو حنيفة لشيطان الطاق :قد مات إمامك ! قال :لكن إمامك لايموت إلا يوم القيامة يعني أبليس بهذا المستوى من المنطق والسلاسة من القول والين في الكلام كان حوار واستدلال اهل الهدى والعقلاء للوصول الى الحقيقة واصابة الهدف غاية يشد لها الرحال وبهذ الروحية العالية ومنطق الرسالة كان مستوى التلاقي والتحاب وانظر علل الشرائع ص86 ح1 ورواية الكليني وقد نهى الامام الصادق ابي حنيفة من استعمال القياس وقال له لاتقس فان أول من قاس إبليس حين قال:( خلقتني من نار وخلقته من طين ) فقاس مابين النار والطين ولو قاس نورية ادم بنورية النار لعرف فضل مابين النورين وصفاء احدهما .. فقد كان الحوار والنقاش وصنعة الكلام ولباقة المنطق وحذق السان واصابة الحقيقة هدف يرام وغاية يشد لها الرحال بهذه الروحية العالية ومنطق العلم كان مستوى التلاقي والتحاب..من غير ضجيج وزعيق وطعون وسباب مقذع وبذيء كلام فارغ لايغني ولايسمن من جوع الا شحن للاجواء وازدياد الاحتقان والاحتكاك وقد علم الامام الصادق صفات ابي حنيفة وذكائه وفطنته وقدراته فقد وجه اليه المسائل الت تتفق وما اشيع عنه في ذلك فقال له الامام :( يابا حنيفة ماتقول في محرم كسر رباعية ظبي ؟ قال :يابن رسول الله الله ما اعلم فيه ..فقال :انت تتداهى ولاتعلم ان الظبي لايكون له رباعية وهو ثني أبدا ) مراة الجنان ج1ص305 ووفيات الاعيان ج1ص212
الحيل الشرعية وكان الفقهاء على نمطين اثنين فمن سائر في ركاب السلطان لاحسا للقصاع ويطلق الباحث الاجتماعي الكبير الاستاذ علي الوردي على هذا الصنف من المعممين (وعاظ السلاطين) او مرتزقة المعممين والمعممين الجهلة حسب تعبير الامام محمد عبده لالتماسهم المعاذير لتبرير كل انتهاكاتهم لاحكام الشرع الحنيف وبما يبتدعونه من حيل شرعية في هذا السبيل ..والحيلة مأخوذة من الاحتيال وهي الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث وقد تستعمل بما فيه حكمة وفي العرف اللغوي تطلق على الاساليب الخفية التي توصل الى الغرض بحيث لايتوصل اليها الابالفطنة والذكاء وقد تتخذ للتوصل الى الممنوع منه شرعا او عقلا او عادة ويقصد بها الحيل التي تستحل بها المحارم واطلقها الفقهاء على المخارج من المضائق بوجه شرعي للمبتلي بحادثة دينية والحيلة ترتبط بالراي وحيث كانت مدرسة ابي حنيفة معروفة بالراي كما عرف بانه مؤسس الحيل وصاحب هذه الطريقة فقد عرفت هذه المدرسة بالحيل الشرعية وله كتاب منسوب اسمه (الحيل الشرعية) فقد اشتهر عن احمد بن حنبل انه قال :هذه الحيل التي وضعها ابو حنيفة واصحابه عمدوا الى السنن فاحتالوا في نقضها اتوا الى الذي حرام احتالوا فيه حتى احلوه / اعلام الموقعين لابن الجوزي ج3ص141 ويظهر من كلمة الامام احمد هذه انهم –اي اصحاب ابي حنيفة –استعملوا الحيل غير الجائزة والممنوعة شرعا وقد اهتم المذهب (الحنفي) من بين المذاهب بالحيل فقد الفوا كتبا في الحيل منسوب الى ابي يوسف الحيوان للجاحظ ج3ص11 وكذلك لمحمد لن الحسن الشيباني كتابا في الحيل رواه عنه معاصره احمد بن حفص البخاري كما الف احمد بن عمر الخاف احد قضاة الدولة كتابا في الحيل /اعلام الموقعين ج4ص13و14 قال يزيد بن هارون :لقد افتى اصحاب الحيل بما لو افتى به النصراني او اليهودي كان قبيحا / اعلام الموقعين ج3ص148 قال احمد بن زهير :كانت امرأة هنا بمرو أرادت ان تختلع من زوجها فابى زوجها عليها فقيل لها :لو ارتددت عن الاسلام لبنت منه ففعلت فذكر ذلك لعبد الله بن المبارك فقال :من وضع هذا الكتاب فهو كافر ومن سمع به فهو كافر ومن حمله من كورة الى كورة فهو كافرومن كان عنده فرضي به فهو كافر قيل له :يا ابا عبد الرحمالن :إن هذا الكتاب وضعه ابليس؟ قال:إبليس من الابالسة وقال النضر بن شميل في كتاب الحيل ثلاثمائة وعشرون او ثلاثون مسألة كلها كفر المنتظم لابن الجوزي ج10 ص248 ومنها :فلوا ان رجلا لف على ذكره حرير في شهر رمضان ثم جامع امرأته نهارا فلاقضاء عليه ولاكفاره والحيلة لمن اراد سقوط حد الزنا :ان يسكر ثم يزني والحيلة لمن اراد سقوط الحج عنه مع قدرته:ان يملك ماله لابنه عند خروج الركب فاذا ابعد استرد ماله والحيلة لمن اراد ان يفسخ نكاح امراته ويحرمها على نفسه على التابيد ان يطأ حماته او يقبله والحيلة لمن اراد يسقط عنه حد السرقة :ان يدعي ان المال ليس له وان له فيه شركة فيسقط عنه الحد بمجرد دعواه .. وقد دخل ابو حنيفة مع جماعة من الفقهاء على المنصور وان المنصور خص بو حنيفة من دونهم فقال له :انت صاحب حيل فالله شاهد عليك انك بايعتني صدقا من قلبك ؟ قال :الله يشهد علي حتى تقوم الساعة فقال: حسبك فلما خرج ابو حنيفة قال له اصحابه :حكمت على نفسك ببيعته حتى تقوم الساعة ؟ قال عنيت حتى تقوم الساعة من مجلسك إلى بوال او غائط او حاجة حتى يقوم من مجلسه ذلك انظر الانتقاء ص159 و161 ويذكر الخطيب البغدادي في تاريخه ج14 ص254 كان الخليفة الرشيد يقول لابي يوسف - قاضي القضاة وتلميذ الامام ابي حنيفة- في الاحوال التي تتطلب مخرجا:إذهب فاحتل ..وفي هذا الصدد يقول حجة الاسلام الغزالي في وصف هذا المنحى بانه من فتنة الدنيا في مساق قوله أن الفقيه في الزكاة ينظر ما يقطع به مطالبة السلطان حتى إذا امتنع عن أدائها فأخذها السلطان قهرا حكم بأنه برئت ذمته وحكي أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله لزوجته اخر الحول –السنه- ويستوهب مالها إسقاطا للزكاة فحكي ذلك لابي حنيفة فقال :ذلك من الفقه ويعقب الغزالي:صدق فإنه ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرته في الاخرة أعظم من كل جناية ومثل هذا هو العلم الضار انظر احياء علوم الدين ج1 ص32 ولذلك كان يحضى هو واضرابه بمقام رفيع في الدولة وتهب له الاموال الجليله انظر مروج الذهب للمسعودي ج3 340 ويروى عن ابن المبارك انه سئل :إيما أصدق ابو يوسف او محمد ابن الحسن الشيباني ؟ قال :لاتقل ايهما اصدق قل ايهما اكذب؟تاريخ بغداد ج14ص257 وسئل يزيد بن هارون :ما تقول في ابي يوسف ؟قال :لاتحل الرواية عنه انه كان يعطي اموال اليتامى مضاربة ويجعل الربح لنفسه تاريخ بغداد ج14 ص258 وقالوا :كان ابو حنيفة جهميا وكان محمد بن الحسن جهميا نفس المصدر ج14ص260 فقدبقى العراق وكرا يسمع فيه كل صوت من اصوات البحث والنظر والاستدلال حيث كانت بغداد كعبة المجد والحضارة تعج بالافكار والفلسفات والمعتقدات وقد تمازجت فيها الثقافات واختلطت الاعراق وتلاقحت الاراء اشبه ما يكون بالنحلة كلما كثر وتنوع رحيقها ندر شهدها ونتج عنه عسلا صافيا سائغا لذة للعلماء والعارفين اومثل نبات تركب من انواع شتى فغزر نتاجه وكبرة ثمره وطاب مذاقها وتبهر الناظرين رونقا وسحرا هكذا كانت شجرة الحضارة العراقية التي اصلها ثابت وفرعها في السماء قد تبرعم زهرها و فاح عطائه وانتشر اريجها يضوء مسكا وعطرا نديا عم الدنيا باسرها وغطة ضلالها الوارفة المغرب والمشرق في شموخ يطاول نوائب الاكوان وعوادي الازمان وفي صورة رائعة جميلة فريدة لم تسبق من قبل ..
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |