|
مقالات دار السلاح عرض مسرحي عراقي في أوربا بلجيكا: من فرانك أولبريختس، ماختلد ﭭان دن كامپ دار السلام هو الاسم القديم لبغداد. دار السلاح اسم لا يختلف عن اسم المدينة الأصلي إلا بالحرف الأخير. رأس ميم السلام في الأعلى وساقه مستقيم هابط للأسفل. رأس حاء السلاح ممتد في الأفق واستدارة ساقه مرتّدة إلى الخلف. هذا هو كل الفرق بين الاسمين!!!...... ترعرعت مسرحية (دار السلاح) في أحضان الظرف العراقي الكارثي الراهن الذي وفر هجرة جماعية جديدة!! جموع العراقيين هاربة من كوابيس الحرب الأهلية. الفنانون العراقيون ليسوا استثناء من هذا الرحيل. ففي عصر الظلام، كما في عصر البعث الفاشيست، فأن المثقف هو العدو الأول للسلطة. وفي حرب يجهل الفنان قوانينها لا خيار له سوى الاختفاء من الساحة. أزل يحيى إدريس ممثل وموسيقي. باسم الطيب ممثل وكوريوغراف. علي كاظم تشكيلي وسينوﮔراف. مخلد راسم ممثل ودراماتورغ. أربعة عراقيين موهوبين قادمين من بغداد (دار السلام) إلى أوربا. جماعة زهرة الصبار المسرحية منحتهم سقفا وحائطا وبابا. في 20 آذار 2006 تمّ تقديمهم إلى المسرح والجمهور البلجيكي باعتبارهم هدية عراقية وكسبا للمسرح البلجيكي. مسرح الحرب، أو مقهى بغداد كانت مفتاح التعارف. مسرح عبر الإنترنت، أول تجربة عربية في هذا المجال الحيوي. إلى جانب ذلك منحت جماعة زهرة الصبار هؤلاء الفنانين فضاء وخبرات مسرحية معاصرة لمدة تسعة أشهر. خلقت لهم فرص لقاءات عميقة مع مختلف الفنانين البلجيك في شكل ورشات عمل، وسهّلت لهم الدخول في فضاءات للتواصل، للملاحظات والتدريب والإنتاج، وكانت النتيجة: دار السلاح. المسرحية مؤسسة على محورين: كونسپت جسدي اقترحه الفنانون فأخذ شكل عصب المسرحية أو العرض العام، وكونسپت حواري (نص مسرحية الراقص للشاعر العراقي صلاح حسن). هذا المشروع خضع للنقد والتقييم والتوجيه من قبل تانيا پوپه، ميا خرايپ وكارل ريدرز، ثلاثة من الفنانين اللامعين في الحياة المسرحية البلجيكية. في تلك المراحل انخلق فضاء للبحث سياقه السؤال التالي: من يؤثر بمن.. أو من يتأثر بمن؟ هل حقا إن العراقيين المدفونين في غياهب صدام حسين (متخلّفون)؟ هل حقا انهم جميعا عملاء لصدام حسين؟ هل حقا أنهم تلوّنوا جميعا بعد سقوط صدام وصاروا خدما في مؤسسات الاحتلال أو الإرهاب؟ أربعة فنانين عراقيين، غير مشغولين بالمسلسلات التلفزيونية الناشطة عربيا لإفراغ الساحة العراقية، قرروا البقاء في الجحيم البارد، أوربا، بعدما اعتقدوا انهم في جنة من الثلج. هؤلاء يعيشون ظروفا مرّت بها أجيال المهاجرين والمنفيين العراقيين المتعاقبة: لجوء.. كامپ.. انتظار.. تجاهل.. عدم اعتراف.. وقد أضيفت لهم صفة جديدة: العراقي الإكزوتيكي. بيد أن جذورهم، أحلامهم وكوابيسهم لا تغادر تلك البقعة الملعونة، دار السلام. وجد هؤلاء أنفسهم فجأة في لجج أوربا دون لغة (مسرحية؟) غربية يعتمدونها. وجدوا أنفسهم محاصرين بأعراف جماعية لا ينتمون لها. هكذا حدثت الصدمة، أو اليقظة وصارت جنين العمل المسرحي الحالي. أثناء ذلك ترحلوا بأحلامهم وكوابيسهم في برلين، حيث استضافهم المرحوم عوني كرومي في ورك شتات در كلتورن (23 أيار)، في سوق الثقافة البلجيكي (27 آب) حيث استضافهم مسرح المشاعل (القاعة السوداء)، في مسرح سَرِنگ (29 أيلول). وأخيرا في مركز الفنون العالمي: مونتي (17 ديسمبر). إبان الشهور التسعة تم تعميق الكونسپت الحركي وتمّت عملية توليف بين الحركة ونص مسرحية (الراقص) تحت إشراف وتوجيه ومنهج الفنان المعروف حازم كمال الدين. جاءت الفنانة البلجيكية اللامعة (تانيا پوپه) وبجعبتها التطورات المسرحية الأوربية التي غيبها نظام صدام: الشخصية الجسدية. (من التشخيص إلى التجريد. من الخيال إلى الفعل. من الفعل إلى الحركة)، تلتها الفنانة ميا خرايب الشهيرة بالتزامها الاشتراكي ومعاداتها للفاشية. كانت مهمة ميا تسليط الضوء على المحتوى والبناء الدراماتورغي والبحث عن مفاتيح مناسبة للوصول إلى المشاهد البلجيكي. وبعد ذلك جاء كارل ريدرز مؤسس ما يسمى اليوم البوتو الكلامي فلعب على مفردات البوتو لكي ترتدي سياقات الفعل والحكاية. عن طريق هذا البحث تركز العمل على العلاقة العضوية والارتباط أو اللا ارتباط بين النص والحركة، الجسد واللغة، الجسدية والعقلانية ليصل الحوار إلى المجابهة بين الثقافتين البلجيكية الغربية والعراقية الشرقية. ومع ذلك، أو ربما بسبب ذلك، تستطيع أن تشبّه هذا العرض بالمثل الشائع: القفز من الغصن إلى السطح.. في الترجمة للعربية تصبح (شي ما يشبه شي!!) نعم!! بهذه البساطة، وبهذه السخرية تتقدم عناصر العرض في (دار السلاح) لكي لا تستوفي شروط الترابط في العملية الفنية، ولا منهجية المعالجات الدرامية، لكي لا تسترشد بمناهج وتقنيات تتصادم مع بعضها، ولا بوحدة الأسلوب، أو وحدة السياق، ولا بعناصر تستكمل بعضها. إنها تعتمد التدمير العمدي لخط التوتر أو قوس التوتر!! هراء؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!! في بلاد ما بين النهرين تمّ تمريغ كل شيء بالوحل: القوانين والأعراف والتعاليم بما فيها قوانين الغاب!! فهل تريد أن تبحث الآن، كمثقف، عن أسلوب فني، عن مدرسة تمثيل، عن جماليات وتقنيات؟ لقد أحيلت هذه المفاهيم في بلاد العراق إلى ركام ومزابل. فالترابط المنطقي، هناك، موضوع عفا عليه الزمن. أقواس التوتر صارت سيوفا ومفخخات. كل الخطوط مقطعّة الأوصال. لا جوانيات ولا فوقانيات. البطانة هي السترة نفسها. لذلك، لا وحدة في هذا العمل إلا وحدة التشظي والصمت.. أما الجودة الفنية، فملامحها التقافز من كينونة إلى أخرى. تقافز يجعل العرض مخلصا للمثل الهولندي الساخر: القفز من الغصن إلى السطح. (شي ما يشبه شي!!) العرض مؤسس على الصمت، السكون.. والحركة. مؤسس على الزمن الخاص والمنغلق على كل فعل، لكل شخصية. هكذا لا تلتقي الأفعال في الزمان ولا في المكان. الزمان النسبي المنغلق على نفسه مصدر تهشّم اللقاء. فكل واحد يمشي في زمنه الخاص ولا يلتقي الآخر في زمن جماعي حتى ولو في سياق حدث واحد. وبهذا يصبح الفعل ورد الفعل مرتهنين للصمت، لـ اللا توازن واللا لقاء........ الزمان النسبي كما اقترب منه أتشتين هو محور العمل أو شخصيته الرئيسية أحيانا، أحيانا الفعل والدافع الداخلي هو الذي يصبح بطل المشهد، وأحيانا ميكانيزمات الأفعال الانعكاسية. الصمت غير موجود في العراق. حتى في أكثر اللحظات توسلا به. في العراق ثمة لحظات من توتر وانتظار لما سيحدث بشكل مفاجئ. إلى أي درجة تمكّن الفنان العراقي في هذا العرض أن يصبر على الصمت؟ هل استطاع أن يقتلع من نفسه فوضى بلاده العارمة ويرتكن للصمت؟ هذا المشروع الذي يحتاج الصمت كمعطى ضروري يحتاج كذلك إلى الوقفات. هذا العرض المسرحي يعتمد كذلك على مقاربة تشكيلية تستفيد من: تقنيات اللوحة الزيتية في أواخر القرون الوسطى. في أعمال الفنانين من القرون الوسطى تستطيع مختلف الطبقات، اللونية ـ الصوتية ـ النفسية ـ الحداثية ـ التقليدية أن تبني بعضها فوق بعض كمثل تلك اللوحات. لون عام تتركه حتى يجف ويأخذ صيغة ما على سطح اللوحة. بعد أن يجف يأتي لون آخر ليصنع موضوعا فوق الموضوع الأصلي ويترك الاثنان حتى الجفاف الذي يخلط صورة اللون القديم بحاضر اللون الجديد. ثم تأتي شخصية أو شجرة أو حركة فوق اللونين القديمين فتمسي اللوحة شيئا يشبه الرلييف. يجب علينا، إذا صحّ هذا التعبير، أن ننتظر جفاف اللون الزيتي الأول. ذلك الجفاف يحقق بشكل ما صورة. لكن تلك الصورة تتعرض للتلّون وإعادة الترتيب لتغير الهيئة بشكل جزئي أو لتدمير أجزاء منها عبر لون وطبقة لونية جديدة. بعد رسوخ تلك العملية تأتي طبقة ثالثة ورابعة..... هذا المشروع هو بحث في موضوع الحركة والنص. هل يمكن للاثنين أن يتعايشا بطريقة غير تسلطية ولا تشخيصية ولا تصويرية؟ وإذا كان هذا ممكنا هل بإمكان الجانب النصي أن يتحول إلى كيمياء حركي وبالعكس؟ في العملية الجسدية ثمة أشياء تلعب دورا ملتبسا يحتاج إلى قراءة تأويلية أو تفكيكية أو موسيقية أو تشكيلية... النص الجسدي شفرة تستطيع أن تقرأها عقلانيا أو حسيا أو حدسيا أو طقوسيا. كل الطرق مفتوحة بدون شروط مسبقة. خارج عروض الشعر: كونسبت حركي من أزل يحيى إدريس، باسم الطيب، حسن خيّون ومخلد راسم. فضاء طويل مفتوح وفارغ. خط افتراضي مستقيم. مسافات بين المجاهيل. بلاد لا أحد. شخصيات تدخل. تقف في صف واحد. تفرّ من الفضاء. أحلام غير متفق عليها تقود إلى هارموني، نشاز، وما بينهما. صفارة إنذار. مصوّر يؤرشف صورا. حقائق تغيب عنها الملامح. طبيب نفساني يتعرى. يكشف عن لا شيء. موسيقي يعزف. أصوات مؤسلبة. عاشق يتحدى الخط. أمل. صمت. الراقص: كونسپت لغوي من صلاح حسن. راقص يتابع دراساته في الخارج عن الرقص المعاصر. بعد عودته إلى الوطن يصطدم بأفكار متكلسة. دماؤه الجديدة التي تريد أن ترفد الحياة الفنية تعترضها الأعراف الرجعية، الشوفينية والقديمة. موضوعة الحركة الداخلية للجسد ودوافعها تصطدم بموضوعة الجسد باعتباره أداة تنفيذ. حرية التعبير والارتجال تصطدم بالعسكرتاريا المقوننة في الحركة والحركة باعتبارها زيا موحّدا . الراقص يرفض أن ينصاع للرقص تحت أصوات الطلقات واعتبارها موسيقى. الراقص يطرد من المؤسسة التي يعمل فيها، يعتقل، يعذب، يـ... يـ.... يـ..... بعد سقوط نظام صدام يعتقد الراقص أن بإمكانه الان أن يرفد وطنه بالمفاهيم الجديدة المعاصرة. لكنه سرعان ما يصطدم مرة أخرى بالعوائق القديمة وقد ارتدت لبوسا جديدا. هذا الاصطدام بالقديم الجديد يحول جسده إلى جسد معوّق. الراقص لا يستطيع حتى أن يغادر كرسي المعوقين!! مع ذلك يظل يرقص بما تبقى له من جسد وعزيمة.
السينوﮔرافيا يركّز علي كاظم على المثلث كموضوع للتوتر واللا توازن. المثلث هو القلق في حالة حركة ثابتة متوترة أو متوثّبة. ضلع المثلث الواحد، أي ضلع، يستطيع على الدوام أن يشترط الخطين (الضلعين) الآخرين أو واحد منهما رغم سكونه البريء ورغم إرادة أو أنف ذينك الخطين. الخط هو شخصية متسلّطة وأنانية وعدوانية ومسالمة ظاهريا. الخطان الآخران في المثلث يلعبان للأسف نفس الدور: لعبة السلطة والهيمنة.
دار السلاح إنتاج جماعة زهرة الصبار للمسرح إخراج: حازم كمال الدين خارج بحور الشعر، كونسپت حركي: أزل يحيى إدريس، باسم الطيب، حسن خيّون، مخلّد راسم الراقص، كونسپت حواري: صلاح حسن مدربون مساعدون: تانيا پوپه، كارل ريدرز، ميا خرايپ سينوﮔرافيا وتقنيات: علي كاظم إنتاج جماعة زهرة الصبار المسرحية بتعضيد من وزارة الثقافة البلجيكية ومقاطعة أنتورپ ومركز الفنون العالمي (مونتي).
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |