|
مقالات التعليم في بلاد الرافدين .. تعليم فقير في بلاد الخيرات فيصل عبد الحسن / كاتب وصحافي عراقي يقيم في المغرب تقول التقارير أن نسبة الأمية في العالم العربي لا زالت مرتفعة جدا، فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك، هل هي سياسة التعليم الفاشلة، أم لا مبالاة الحكومات أم هو تخلف شعبي في كل قطر من الأقطار العربية عن فهم حقيقي لضرورة التعليم؟ ولكي نعرف حقيقة ما أبتلى به الوطن العربي في هذا الجانب المهم من حياتنا نرصد نسب الأمية في بعض البلدان العربية و لا بأس من التذكير ببعض الأرقام التي توضح كم هي مرتفعة نسبة الأمية في العالم العربي. فقد جاء في تقرير لليونسكو العام الماضي أن في 19 دولة عربية يوجد نحو ثمانية ملايين طفل لا يترددون على المدارس الابتدائية، وسجلت أعلى نسبة للأمية في العراق (61 %)، وفي مصر (42%)، وفي الأردن (12%) هذا بينما لا تتجاوز نسبة الأمية في أوروبا (3 %). ولي أن أوضح هنا أن للعراق كما نعرف ظروفه المعروفة من خلال حروبه الكثيرة وفترة الحصار الطويلة في التسعينات وظروف الاحتلال في 2003 وبالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها وزيرا التعليم اللذان تناوبا على وزارة التربية خلال العامين المنصرمين الدكتور عبد الفلاح السوداني 2004-2005 والوزير الجديد خضيرالخزاعي الذي تولى الوزارة قبل شهور قليلة ، فلا يزال الحال كما هو مع بعض التغيير الطفيف على أوضاع التعليم في العراق ، وأود أن أذكر أنه عندما أعدت الجامعة العربية في أكتوبر من العام الماضي تقريرها عن التنمية البشرية حالت ضغوط كثيرة دون الإعلان عنه لأن التقرير يكشف نسبة الارتفاع المزري في نسب الأمية على امتداد العالم العربي. ويرى بعض الباحثين أنه لا تقع مسئولية هذا الوضع على عاتق الأهالي أو الوضع الاقتصادي في كل بلد عربي على حدة، أو على السياسة التعليمية في كل بلد. لكن السبب الرئيسي في هذه الأمية المتفشية يعود بالدرجة الأساس إلى الأنظمة العربية الحاكمة بالأساس وهي تحكم دولا تفتقد لأي مشروع تنموي يستلزم في مفرداته التعليم. فمشاريع الدول العربية تنحصر عادة في المشاريع السهلة والسريعة الدخل كما في مجال السياحة، والخدمات، وبيع المواد الخام للخارج. أما ما يتعلق بنشر التعليم فهذا الأمر يتطلب أن تكون هناك حاجة لمحو الأمية، وليس في مشاريع الدول العربية كما يبدو للمتابعين في هذا الشأن أي احتياج حقيقي للتعليم، وحتى القدر المحدود من التعليم الذي يتم، يتم شكليا، وبطرق بدائية جدا تعتمد على النقل والقول الشفاهي والسماع وكلها طرق ترجع بالتعليم إلى بداياته التاريخية وقد وجد الكثير من الباحثين العرب أن خريجي الجامعات في مصر على سبيل المثال لا يحسنون كتابة خطاب صغير دون أخطاء. وأن اغلب مدراء المدارس في دول الخليج العربي يستعينون بأساتذة اللغة العربية في مدارسهم لكتابة كلمة قصيرة يلقونها في الاجتماعات أو المناسبات الوطنية معتمدين على أولئك الأساتذة المختصين بمادة اللغة العربية لتكون كلماتهم القصيرة من غير أخطاء لغوية أو نحوية أو أسلوبية وحتى إملائية في الكثير من الأحيان وكثيرا ما يقع أولئك الأساتذة المحترفون أنفسهم بأخطاء لغوية شنيعة تمر على الجميع من دون أن يكتشفها أحد لأنهم في وسط جاهل ينقل معلوماته الخاطئة إلى وسط اجهل منه وعندما يكون التعليم جزءا من خطة الدولة ومشروعها للنهوض، ستمحى الأمية بالتأكيد. أما عندما نؤسس لمجتمعات يربح الجهل فيها أكثر بمائة مرة مما يربح التعلم، فمن المنطقي أن يفكر كل شخص: هل للتعليم جدوى؟ فالناس، أو أغلب الناس، في العالم العربي لا يجدون قوت يومهم لذلك ظلوا يعتبرون لقمة الخبز أهم من التعلم، و طعام العائلة أهم من السؤال عن حل مسألة رياضية، ورغيف خبز أهم بكثير من شراء جريدة أو مجلة. وليس كراهية الحكومات للتعليم مزاجا بل أن هناك بعضا من السياسيين الذين يرون في الناس الأميين قطيعا يسهل سوسهم وقيادتهم إلى أي مكان وإلى أي عاقبة مزرية. ويعرفون أن أصعب الأشياء هو حكم أناس متعلمين يعرفون حقوقهم ويقرؤون عن حقوق الآخرين ويقارنون بين هذا وذاك ويطمحون أن تكون حياتهم مثل حياة الآخرين في المجتمعات المتقدمة وهذا بالتأكيد يرعب الحاكمين ويجعلهم يفكرون مائة مرة قبل أن يقدموا على القيام بخطوة حقيقية لنشر التعليم والقضاء على الأمية بشكل نهائي أي الوصول بالبلاد إلى نسبة أل 3 0/0 التي تعتبر عالميا بأنها نسبة خلو البلد من الأمية. والمعروف أن الإنسان الأمي سهل القياد، ومن السهل خداعه فهو على سبيل المثال يعتبر رؤية زعيم البلاد المباشرة تغني عن كل شيء وتصغر أمامها كل الواجبات والحقوق. في البلدان المتقدمة تحترم الكلمة كما يحترم الخبز معتبرة أن هذا يقود إلى ذاك وذاك يقود إلى هذا ولا انفصام بين الكلمة والخبز وأن الكلمة كانت هي الأولى في كل الأديان والتعاليم الراقية ولم يفضلها الخالق في الكثير من النصوص الدينية إلا لأنها الأصل وغيرها الفرع، منها يأتي الخير وبسببها تحيا الشعوب أو تهلك تسمو أو تنحط إلى أسوأ درك من التخلف والتأخر عن الركب العالمي وربما كانت هذه النسبة المرتفعة جدا من الأمية في العالم العربي مجرد زلزال تابع من توابع زلازل كل هذا الانهيار العام في الاقتصاد والسياسة والعلوم وكل ما يلي ذلك من تردي الأحوال العامة في أغلب مناحي الحياة. إنه وجه واضح من أوجه التخلف الذي يسود أوجه حياة دولنا العربية، لذلك إذا أردنا أن نعرف حلول أزماتنا وأسباب بلائنا علينا أن ننطلق من البداية، والبداية في معرفة مشكلة دولنا مع التعليم، لماذا لا يزال التعليم في دولنا متأخرا عن اللحاق بدول العالم المتقدمة وقبل ذلك لماذا الأمية في دولنا في تصاعد مستمر برغم ادعاءات الحكومات العربية المختلفة بمحاربة الأمية وفتح المزيد من مراكز محوها؟ وفي حقيقة الأمر هذا التصعيد في نسب الأمية يضاعف المشكلة ويزيد من صعوبات حلها على المدى القريب. ومعرفة من صاحب المصلحة في هذا التصعيد المرضي؟ ومن الذكريات المريرة التي رآها العراقيون في ظل سنوات الحصار الاقتصادي في العراق 1991-2003 أن الناس أخذوا يبيعون مكتباتهم الخاصة بأبخس الأثمان ليوفروا لأولادهم ما يقيم أودهم ليومين أو ثلاثة أيام من الخبز وبذلك تأكدت في أذهان الجميع مقولة مرضية متخلفة تقول أن رغيف الخبز أهم من كتاب في مكتبة وأن لو حدثت مجاعة ثانية كتلك التي حدثت في سنوات الحصار فإن أكياس القمح المخزونة في سراديب البيوت هي أفضل من مكتبة عامرة بالكتب يقول عن ذلك أحد الباحثين التربويين، أنه تفكير الجوع في بلدان تعاني من الجوع في كل شيء حتى في أكثر الأوقات شبعا ومعروفة عالميا بأنها بلاد الخيرات.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |