|
مقالات توسل بالنبي فعفا عنه وألبسه بردته آمنة عامر الكفيشي أسرته: كعب بن زهير بن أبي سلمى، ولد في غطفان من قبيلة مزينة، قبيلة أمه كبشة، ونشأ في بيتٍ توفرت له القرائح الشعرية، تشهد بذلك آثار أحد عشر شاعراً من نسل أبي سلمى جد كعب. تلقن كعب الشعر عن أبيه مثله مثل أخيه بجير، وكان زهير يحفظهم الشعر ومنه شعره ويقولون عن كعب أنه كان يخرج به أبوه إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً أو شطراً ويطلب أن يجيزه تمريناُ ودرّبه، كما أن كعباً كان في عصر ما قبل الإسلام شاعراً معروفاً أكثر من الحطيأة. حاول زهير أن ينظم الشعر منذ حداثته فردعه أبوه، مخافة أن يتسفّل ويأتي بالضعيف فيشوّه مجد الأسرة، ومازال يهذّب لسانه ويجهّز شاعريته برواية الشعر حتى استقام له النظم.
· موجز عن سيرته الذاتية: كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد الفحول المخضرمين ومادح النبي الأمين، كان كعب قد بلغ من الشعر والشهرة حظاً مرموقاً حين دعا نبيَّ الله إلى الإسلام، وإذا اسلم أخوه بجير وبّخه واستحثه على الرجوع عن دينٍ لم يكن عليه أحد من أبائه، فهجاه كعب ثم هجا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسمع النبي شعره فتوعده وأهدر دمه، فهام كعب يترامى على القبائل أن تجيره فلم يجيره أحد، فنصحه أخوه بالمجيء إلى النبي مسلماً تائباً، فرجع بعد أن ضاقت الأرض في وجهه، وأتى المدينة وبدأ بأبي بكر ودخل المسجد وتوسل به إلى الرسول فأقبل به عليه وآمن وأنشد قصيدته المشهورة (بانت سعاد)، فعفا عنه النبي، وخلع عليه بردته فسميت قصيدته بـ (البردة). ثم حسن إسلامه وأخذ يصدر شعره عن مواعظ وحكم باهتداء من القرآن الكريم وظهرت المعاني الإسلامية في شعره من أن الله هو رازق لعباده وغير ذلك. قال الفاخوري حول البردة: ((ما زالت البردة في أهله حتى اشتراها معاوية منهم، وتوارثها الخلفاء الأمويون فالعباسيون حتى آلت مع الخلافة إلى بني عثمان)). قال الهاشمي أيضاً حول ما آلت إليه بردة النبي عليه الصلاة والسلام: ((بقيت في أهل بيته حتى باعوها لمعاوية بعشرين ألف درهم، ثم بيعت للمنصور العباسي بأربعين ألفاً)). وبذلك وضح أثر الإسلام الذي يدعو إلى الصفح الجميل والابتعاد عن التوعد والتهديد.
· سنة وفاته: مات شاعر الإسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى نحو سنة 662م / 24هـ.
· لقطات من حياته: 1ـ منع كعب من قول الشعر: قال حماد الرواية : تحرك كعبٌ وهو يتكلم بالشعر فكان زهير ينهاه مخافة أن يكون لم يستحكم شعره، فيروى له ما لا خيرٌ فيه ، فكان يَضرِبه في ذلك .فكلما ضربه تزيد فيه، فطال عليه ذلك فأخذه فحبسه فقال: والذي أحلف به، لا تتكلم ببيت شعرٍ إلا ضربتك ضرباً ينكّلك عن ذلك. فمكث محبوساً عدّة أيام. ثم أخبر أنه يتكلم به. فدعاه فضربه ضربا شديداً ثم أطلقه وسرّحه في بهمه وهو غلَيِّم صغير. فانطلق فرعى، ثم راح عشية وهو يرتجز: كأنما أحدو ببهمي عيرا *** من القرى موقرة شعيرا فخرج إليه زهير وهو غضبان. فدعا بناقته فكفلها بكسائه، ثم قعد عليها حتى انتهى إلى ابنه كعب. فأخذ بيده فأردفه خلفه. فقال زهير حين برز إلى الحي: إني لتعديني على الهمِّ جَسرةٌ *** تَخُبُّ بوصَّالٍ صرُومٍ وتُعنِقُ ثم ضرب كعباً وقال له: أجز يا لُكَعُ. فقال كعب: كبُنيانَةِ القَرئِيِّ موضِعُ رَحلها *** وآثارُ نِسعيها من الدَفِّ أبلَقُ فأخذ زهير بيد ابنه كعب ثم قال له: قد أذنت لك في الشعر يا بني.
2ـ الرسائل الشعرية بين كعب وأخيه: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قتل رجالاً بمكة، ممن كان يهجوه ويؤذيه، وأن من بقي من شعراء قريش، قد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك في نفسك حاجة، فطِر إلى رسول الله، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً، وإن أنت لم تفعل فانجُ إلى نجائك من الأرض؛ وكان كعب قد قال: ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً *** فهل كل فيما قلت ويحك هل لكا؟ فبيّن لنا إن كنت لست بفاعلِ *** على أيّ شيء غير ذلك دَلَّكا على خُلُقٍ لم أُلفِ يوما أبا له *** عليه وما تُلفِى علَيهِ أبا لَكا فإن أنتَ لم تفعل فلستُ بآسفٍ *** ولا قائل إمَّا عَثرتَ: لعَاً لكا سقاكَ بِها المَأمونُ كأسا روِيَّةً *** فأنهَلكَ المأمونُ منها وعَلَّكا
ويروى (المأمور) وبعث بها إلى بُجير، فلما أتت بُجيراً كره أن يكتمها على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأنشده إياها، فقال الرسول لما سمع (سقاك بها المأمون): صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون. ثم قال بجير لكعب: مَن مُبلِغ كعبا فهل لكَ في التي *** تلوم عليها باطلا وهيَ أحزَمُ إلى الله (لا العُزَّى ولا اللاتِ)وحده فتنجو إذا كان النَّجاء وتَسلمُ لَدَى يَومِ لا ينجُو وليس بمُفلِتٍ *** من النَّاس إلا طاهرُ القَلب مُسلِم فدينُ زُهير وهو لا شيءَ دينُه *** ودين أبي سُلمى عليَّ مُحرَّمُ
3ـ قدوم كعب على الرسول وقصيدته اللامية: لما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه، وأرجف به من كان في حاضره من عدُوَه، فقالوا: هو مقتول. فلما يجد من شيء بُدّا، خرج حتى قَدِم المدينة، فنزل على رجل كانت بينَهُ وبينه معرفة، فغدا به إلى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام الصبح، فصلى مع رسول الله، ثم أشار له إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال: هذا رسول الله، فقم إليه فاستأمِنهُ. فقام كعب إلى رسول الله، حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وكان رسول الله لا يعرفه، فقال: يا رسول الله، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمِنَ منك تائباً مسلماً، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: نعم؛ قال: أنا يا رسول الله كعب بن زهير. ويروى: أنه وثب عليه رجل من الأنصار، فقال، يا رسول الله، دعني وعدوَّ الله أضرِب عنقه؛ فقال رسول الله: دعه عنك، فإنه قد جاء تائباً، نازعاً عما كان عليه. فستأذن كعب النبي و قال قصيدته المشهورة بـ(البردة).
· قراءة مختصرة عن أشهر آثاره: لكعب ديوان غير مطبوع، ليس فيه، إذا استثنينا قصيدة (بانت سعاد) إلا المقطوعات القصيرة التي نُظمت في الأغراض المعروفة من مديح وغزل وهجاء ورثاء وما إلى ذلك. أما أجود شعر له بالاتفاق فهو قصيدته (بانت سعاد) التي تدعى أيضاً (البردة) والتي تعد من المشوبات، وهي لامية من البحر البسيط لا تتجاوز 58 بيتاً وقد صار لتلك القصيدة شهرة واسعة، وتناولها العلماء بالشرح والتفسير، كما تناولها الشعراء فشطّروها وخمّسوها وعارضوها. أما أقسام القصيدة، فهي تقسم إلى ثلاثة أقسام: 1ـ توطئه غزلية على عادة الشعراء الأقدمين (من البيت 1 إلى 12). 2ـ وصف الناقة التي تبلغ بالشاعر إلى المحبوبة (من البيت 13 إلى 33). 3ـ اعتذار ومدح للنبي محمد والمهاجرين (من البيت 34 إلى 58). أما الذين شرحوها فكثيرون منهم ابن دريد، والتبريزي، وابن هشام، والباجوري، وقد طبعت مراراً في الشرق وفي أوربة، تارة على حدة وتارة في مجامع أدبية. فطبعت في لندن سنة 1748م، ثم في ليبسيك سنة 1871م، ثم في برلين سنة 1890م، ثم في باريس وقسطنطينة سنة 1904م؛ وطبعت في بيروت سنة 1931م. وترجمت إلى لغات كثيرة منها اللاتينية، والفرنسية، والألمانية، والانكليزية، والايطالية.
· أبيات من (البردة): بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ *** متيمُ إثرها، لم يُفدَ، مكبولُ وما سعادُ غداةَ البين، إذ رحلوا *** إلا أغَنُّ غضيضُ الطَّرفِ مكحولُ هيفاءُ مقبلة عجزاء مدبرة *** لا يشتكى قصر منها ولا طول * * * * * كل ابن أنثى وإن طالت سلامته *** يوما على آلة حدباء محمول نبئت أن رسول الله أوعدني *** والعفو عند رسول الله مأمول مهلا هداك الذي أعطاك نافلة *** القرآن فيها مواعيظ وتفضيل لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم *** أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويلُ إن الرسول لنور يستضاء به *** مهندٌ من سيوف الله مسلولُ في عصبة من قريش قال قائلهم *** ببطن مكة لما اسلموا زولوا زالوا فما زال أنكاس ولا كشف *** عند اللقاء ولا ميل معازيل لا يقع الطعن إلا في نحورهم *** وما لهم عن حياض الموت تهليلُ
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |