|
مقالات احتفاء بالشاعر يحيى السماوي: صرخة الشاعر وصخرته عباس حويجي العوفي يحمل الشاعر في خطوته كونا مستورا بقناع البراءة، لكنها البراءة الخطرة، بل أكثر البراءات خطورة، لأنها البراءة المفترى عليها، المرصودة، المفصودة الدم، المحكوم عليها مسبقا من قبل قيمومةالسلطات...وإذا كان الشاعر ملتزما بجذره الإجتماعي وهمّه الإنساني، يكون هذا الكون ملتصقا به، يصبح لون الهوية وصورة العالم وتاريخ المصير البشري ـ حين يشمخ هذا المصير قدرا واختيارا وكينونة. بدأ الشاعر يحيى السماوي خطوته الأولى، متزنّراً بالحب ٌ وأهوائه المضمخة بالعطر والهوى، وهو ما يزال فتى في مرحلة الدراسة الثانوية، وانتهى متلفعا بحب نخلة شهيدة ووطن قتيل، بعد اربعين سنة من حياة متقلبة وخوّانة وعنيفة... إنه قرين شعراء الحقيقة المعذبة حين يعبرون من عذاب الحب الى جحيم الوطن، ومن وجه الحبيبة الى أيقونة الأرض، ومن جموح الهوى الى عنفوان النضال، بنفس الطريقة التي يقفز فيها طفل من حضن أمه الى منكب أبيه. خلال سنوات المحنة، حين أصبح الحب لغما والوطن مشنقة، حمل الشاعر صخرة الوطن من منفى الى منفى...الى حيث يصبح الشعر طريقا للحقيقة، والصراخ ُ حجّة ً مرهونة ً بالعذاب والألم والغربة. في المنفى تحطمت الأسوار التي اخترعتها السياسة الشمولية...ولكن الغربة الطويلة خلقت هي الأخرى أسلاكها الشائكة وخضابها الأسود... فالشاعر يعيش الحرية ولا يحسّها... يمارسها حياتيا ولا ينفعل بها... يقتاتها ولا يتذوقها، لأنها حرية الغير... الحرية المؤجلة المعارة بلا ثمن، ولكن هذه الحرية، برغم ذلك، أعطت الشاعر نافذة واسعة الرؤية ِ وميدانا لإطلاق صرخته المجروحة ضدّ القهر والعزلة والموت. ولغة الشاعر هنا ليست عنوانا طوبوغرافيا للمشاعر، ولا بوصلة سيميائية للتواصل، وإنما، هي مدار هذه الصرخة وصداها. وعندما نقول لغة الشاعر، فلا نعني لغة الصناعة الشعرية التي بنت لنفسها بنية ً معمارية وحاشية تاريخية، ولا لغة الإنشاء النخبوية الهابطة من كل برقعتها البلاغية الجوفاء، بل لغة البوح الحميمية... لغة التواصل والمشاركة... لغة لا تضطر الى اختبار صدقها وتفسير دواخلها... لغة مرموزات جمعية ما تزال تبث علاقاتها وحواراتها... لغة تآلف وترابط بعيدة عن العزاء والمجانية والقناعات الكاذبة. لقد انسحب صوت الشاعر المعاصر من الشارع الى عتمة المجالس ومن ضجيج الحياة الى هدوء القاعات الرسمية ومن التجمعات الجماهيرية الى متون الكتب والمجلات في مساومة ٍ لتحجيم صوته وتشذيب صرخته وخنق دائرة إشعاعه... لكن الشاعر الحقيقي دائم البحث عن طرق ذكية للإفلات من طوق القيمومة السلطوية، وأحد هذه الطرق هو المنفى. إن منفى الشاعر هو اختيار إجباري... وهو المنفذ الوحيد للخلاص بعد أن قارع السلطة السوداء بالكلمة والموقف، ثم قارعها بالسلاح ؛ حيث كان الشاعر يحيى السماوي في طليعة ثوار الإنتفاضة الشعبانية المباركة... اننا إذ نقدم شاعرنا المقتدر شعرا ونضالا في أحد نصوصه الشعرية لا لكي ننصب أداة تعريف ٍ الشاعر ُ في غنى عنها، إنما لكي تحفر كلماته أثرها في وجدان المدينة وناسها، مثلما حفر الشاعر أثرها على جذع نخلة وعلى طين الفرات ـ نفس الطين الذي نقش فيه أجداده الوركاويون أبجديتهم وصرخاتهم...يقول من قصيدته " انا ارضى بالذي قل ودل " : أنا أرضى بالذي قلّ ودل ْ: خيمة ٌ في وطني دون وجل ْ خيمة ٌ أغسل باللثم ِ بها يدَ أمي كلما الصبح أطلْ ورغيف ٌ دافئ ٌ تخبزه " أمّ شيماء " وكأس من وشل ْ وحصير ٌ يُنبِضُ الخوصُ به عبقَ الأهوارِ فوحاَ وظللْ أزِفَ الحصدُ وما زلت على سفر ٍ بين قنوط... وأمل ْ لا الضحى ضاحك أحداقي ولا طمْأن َ الليل ُ فؤاداً ومقل ْ كذبَ التاريخ ُ ما زال على وطني للشرك " لاةٌ " و " هُبَلْ " وفتاوى للمرائينَ ترى قاتل َ الأطفال ِ والورد ِ بطل ْ تعِبت ْ من تعبي أشرعة ٌ كلما أنشرها الساحل ُ زل ْ ونأتْ عن سفني الريحُ سوى زفرات ٍ بردُها لفح ُ شعل ْ شيّعت مائدتي سمّارها وأنا شيّعت ُ أعنابا ً وطل ْ يا هلال العيد هل من خبر ٍ عن فراتين وسهل ٍ وجبل ْ ؟ مرّ عيدان ِ وعشرون وما زارني جار ٌ ولا الجور ارتحل ْ سيدي يا ناسك النخل ويا خاشع الطين ِ وصوفيّ القبل ْ وغدير العاشق الصبّ إذا أهرق العمر هياما َ وغزل ْ أنا أدري أنّ بي من شغف ٍ لبساتينك بعضا ً من خبل ْ نكث العشق بقلبي فكبا ربّ مجنون ٍ بليلاه عقل ْ سيدي، مولاي، فامنحني ولو زَبَدا ً منك وصحنا ً من غلل ْ ومن الأرض ِ ذراعا ً واحدا ً أنا أرضى بالذي قلّ ودل ْ
*** عباس حويجي العوفي ـ السماوة "من مشاركات الحفل التكريمي الذي اقامته كلية الاداب ـ جامعة القادسية احتفاء بالشاعر "
عن صحيفة " مرآة التربية "
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |