نغير الساعة فتتغير معها المواعيد والمواقيت وتتداعى الكثير من الأنماط الحياتية ليصبح التشوش والأرباك سمة بديلة ...خلال الأسبوع الأول من كل نيسان يصبح من الملحوظ وجود خلافات كبيرة بشان الوقت ويكون من المنطقي سماع عبارات مثل (قديم أم جديد ؟ ) للتعبير عن التوقيت الصيفي من الشتوي في صيغة تقترب من موضة الملابس وتبدلاتها تبعا لتغير المواسم وتقباتها. وبعيدا عن ذم الظاهرة أو مدحها يبقى السؤال عن جدوى هذه العملية قائما بقوة ....فهل ان تغيير الوقت سيقود الى الحفاظ على التوازن المرجو بين قطبي اليوم الواحد المتمثلين بالليل والنهار؟
وهل سيقود تغيير عقارب الساعة وأعادتها الى الوراء قليلا الى الانسجام المنشود بين الكفتين وتعديل المسار الكوني المحكوم بالمواسم والازمنة المسؤولة عن تقليل او زيادة الليل أو النهار .
هل أن تغيير الساعة الذي نجريه في شهر نيسان سيكفل حقا اعادة الاعتبار الى الليل الذي قد يسلبه نهار الصيف جزءا من طوله الذي افترضناه جدلا اثنا عشرة ساعة ؟
و هل نحن مجبرون على فعل ذلك ....ام ان ما نقوم به في الواقع خداع عصري استوردناه على علاته من الاخرين ؟
الساعات التي قسمنا اليها اليوم هي شيء ابتدعناه لنعرف اين نحن من الليل والنهار وامتداداتهما وتقسيماتهما ولنعرف أيضا كيف ننجز أعمالنا وارتباطاتنا المعاشيه والحياتية في اكبر قدر من الضبط والتنظيم .فالوقت وساعاته مخترع انساني اما الايام وجريانها الازلي وتبدد الظلمه بالنور والنور بالظلمة وتقدم العمر الذي يزداد كلما ازدادت المرات التي تحدث فيها تلك المبادلات بين الليل والنهار فهو محكوم بازلية المسيرة لكرة الارض وقوانين الكون الذي لانفهم منها الا اشباه حقائق على الاغلب. الزمن كما عرفناه وورثنا تصنيفاته الكلاسيكية المتعارف عليها هو ثابت نتغير نحن بموجبه فتكبر أعمارنا كلما ابتعدنا بدورات المواسم عن تاريخ محدد هو ساعة الولادة... ومن هذا الفهم المبسط لالية الشيخوخة الانسانية تتساوق شيخوخة الاشياء والكائنات من حولنا بل مسيرة العنصر البشري باجمعه ....فالاجيال التي لم يكفل طوفان نوح او غيره من الكوارث الفادحة القضاء المبرم عليها سجلت وراثة المفاهيم الفكرية والتاريخية وطريقة التسجيل الرائعة للحوادث من منظور الزمان كثابت نتغير نحن وحوادثنا في ضوئه ....
فرضية الثبات الزمني لايمكن لها ان تدحض طالما اننا نتقدم في العمر ونشيخ كلما استمر سعي الارض في ترنحها الطويل حول الشمس، والعبث بهذا المفهوم قد يطيح باعمارنا وبجملة السجلات البشرية التي نقيد بواسطتها كل مانعرف من حقائق يومية ...ميلادنا ..ابراجنا ...سنوات دراستنا ... محطات قلوبنا ....سنين خدمتنا في الوظيفة ...وكل شيء....
المقياس الزمني الثابت الذي نتغير حوله صار حلقة الوصل الوحيدة التي لابد لنا من الأمساك بها لفهم الوجود الانساني على الارض واستمرار هذا الوجود ...ولهذا يبدو من قبيل العبث أن ننخرط في لعبة تغيير الوقت بما يتماشى مع جداولنا اليومية بدون ان نقع ضحية للحرج الناشيء عن معقولية هذا التغيير من عدمه ....اليس من الاجدى والانفع والاسهل ايضا ان نبتعد عن هذا الخوض الساذج في تغيير العقارب المعدنية لساعاتنا مما يقود الى الكثير من الارباك والحيرة وربما اللاجدوى ونقوم بدلا عن كل ذلك بتغيير مواقيت الاعمال التي نقوم بها في ضوء ما نطيق وما لانطيق من حر أوبرد تبعا لتقلبات الليل والنهار ولعبة المواسم وغزل الشمس المبرح الذي لانحبذه من نيسان فصاعدا ...
المؤسف حقا اننا لم نفعل ايا من ذلك واتجهنا نحو الوقت لنعيد تفصيله بحمق كما لوكان خرقة بالية ...
لعبة تغيير الوقت مرتين في العام ليست اكثر من محاولة للخديعة سوف لن تنطلي ابدا على النواميس الكونية وان الضحية الوحيدة لها هو العقل الانساني الذي لايمكنه ان يجني شيئا من محاولاته المستأسدة للتفوق على قوانين المواسم طالما انه فضل التلاعب بعقارب الساعة في حين أنه يمارس لعبة النعامة دافنا راسه في رمال التوقيتين خوفا من الدوام في هجير حزيران.