|
مقالات دموع على جسر الصرافية لؤي قاسم عباس شتّان ما بين اولئك الذين حطموا جدار برلين، ليبنوا على انقاضه جسور المحبة والوئام. وبين اولئك الذين حطموا جسر المحبة ليبنوا على انقاضه ثقافة العزل والافتراق. وشتان ما بين اممٍ توحدت وفيها الف سبب ٍ للاختلاف. وما بين امة اختلفت وفيها الف سببٍ للالتقاء. وشتّان ما بين كيان اختلف في اصوله فتوحدوا في كيان. وبين نسيج واحد له فرع ُ واصل واحد يريدون ان يجعلوا منه الف كيان. قتلوك يا سيد الجسور، فاحتضن رفاتك دجلة العظيم، وهاج في بكائه عليك، حتى تلاطمت أمواجه وعلا خريره بالنحيب، مدّ ذراعه اليك حين هويت وشبّك بعشره عليك، حتى استقر بك المقام في حجره وظمك اليه وانحنى باكياً يندبك صباحاً ومساء فمنذ ُ ستون عاماً خلت وانت تحتضن بذراعيك دجلة الخير،تلثم ُ بثغرك الباسم وجه دجلة في كل حين حتى بدا و كأنكما عاشقين , يعطرك دجلة بنسيمه وانت تمنح الوافدين عليك ذلك العطر النسيم، فلقد صرت رمزاً للوفاء حين ابيت ان تفارق دجلة ساعة الفراق وقبّلتَ ماءه في ساعة الاحتضار. كنت عاشقاً للناس وعاشقاً للعاشقين فكم احتضنت برقة شمائلك ووداعتك الاف الاف العاشقين فعلى مساندك الحديدية كم من الذكريات دونت وخطت احرفها بايادي الوالهين وقد ابيت ان تمحو تلك الذكريات رغم تقادم السنون وابى حديدك ان يصدأ لأن عليه خطت الذكريات. عيون المها تبكيك يا سيد الجسور، وقمرُ في بغداد مستودع اضحى خاسفاً لفقدك يا اروع الجسور، فلقد قتلوا فيك الذكريات، قتلوا فيك الثقافة كلها واعلنوا ثقافة الموت بموتك. قتلوك لانك شاهد على الانتماء قتلوا فيك وصال العاشقين ولكنهم خسئوا وخاب ظنهم فحبل المودة لا ينقطع والوصال يدوم ويدوم ويدوم... فواحزناه عليك يا جسر الاحبة وملهم الشعراء فكم من القوافي تحت ظل مشابك الحديدية قد نظمت. وكم من عازفٍ على وترٍ عليك راح يعزف اجمل لحن ٍ للعاشقين وكم من لوحةٍ ابدعت في الهام اصحابها بجمال سحرك الخلاب حتى مضت اناملهم تنساب على اللوح لترسم اروع صور للجمال وكم من فكر ٍ فيك تجدد فراح ينطق بالصواب. فوامصيبتاه لفقدك وامصيبتاه. فمن لاهل الكرخ والرصافة بعدك، واين يتنسمون ؟ وباي ظلٍ بعدك يستظلون ؟، بغداد واجمةٌ عليك ترتدي ثوب الحداد، القطار يبكي صديقه القديم، الامهات يذرفنّ الدموع،الشيوخ يجهشون في بكاء وعويل، الفتيات يخمشن لفقدك الخدود والشعور، الفتيان يدعون بالويل والثبور. اه ٌ لفقدك يا سيد الجسور. ابكيك يا أروع الجسور. أبكيك باعين ذارفات فلقد قتلوا فيك الذكريات. الف الف قدمٍ سابلة ٍ مرت عليك وقد كنت فيهم رقيقاً وعليهم شفيقا. ابكي عليك ذكرياتي فلقد سرنا انا وحبيتي على جانبيك ولا زالت اذكر عندما صرنا في منتصف الجسر طلبت مني حبيبتي ان اخرج درهمين واحدة لي والاخر لها واقفلت يداها وحدّثت الدرهم بامنياتها والقت به في نهر دجلة وفعلت مثلها حيث علقت بدرهمي امنياتي واستودعتها لدى دجلة حينها اخرجت قلمي وكتبت على دعامة الجسر الساندة عند منتصفه ( اكتفينا بشاهدين على حبنا الابدي دجلة والجسر الحديدي، فاشهدي يا دجلة الخير واشهد ايها الجسر انا عاشقين ) وخُيَّل َ الينا حينها اننا نسمع صوت دجلة وهي تقول :- ( نعم انا من الشاهدين ) ويعيد صداه الجسر :- ( وانا كذلك من الشاهدين ). لم تشاء حبيبتي حينها ان تخبرني بأمنياتها فقلت لها متوعداً :- سوف اسأل دجلة. فقالت بكل ثقة :- ان دجلة لا تفشي اسرار العاشقين. فقلت لها :- ان امنيتي ان لا نفترق ذات يوم. فصرخت حبيبتي في وجه دجلة غاضبة ٌ :- يا دجلة الم اعهدك بانكِ لا تفشين اسرار من يأتمنك على سره فلم بحت بسري اليه. حينها عرفت بان امنيتها كانت مثل امنيتي وضحكنا مثل طفليين معا ً وعدونا فسبقنا ظلّنا.، فلقد كان انحدار الجسر عند نهايته لا يسمح الا بالهرولة. ورغم ان جسر الصرافية كان واحداً من اطول الجسور في العالم الا انه بالنسبة لنا كان قصير جداً فلقد كنا نتمنى ان لا ينتهي وان امتاره الـ (450 ) قد عددتها الف خطوة لكنها كانت بالنسبة لنا عشر ُ خطوات او نيف عنها بقليل فلا يمل احدُ من السير عليه او التنزه فوقه فلقد كان منظر بغداد جميل بانوارها الزاهية فنور بغداد لا يحتاج الى تيار كهربائي، هي بغداد تزهو باهلها دوما. وكان اجمل منظر في ايام الخميس والجمع في اوقات الصيف حيث تجتمع العوائل اسفل الجسر وفوقه على الممر المخصص للسابلة والذي عرضه مترين على جانبي الجسر. وهناك سرٌ في الجسر لا اعرف مغزاه حتى هذه الساعة وهو اذا كان احدهم في هذا الجانب يتمنى ان يكون بالجانب الاخر، لماذا لاادري ؟! حينها يتوجب عليه ان ينزل من الجسر ليعود من الجانب الاخر. وهناك سحر مستودعٌ في هذا الجسر فعندما تكون عليه لا يعكر صفوك صوت (السيارات المائرة علية - رغم ان فيه فواصل ٌ حديدية - ) ربما يكون السبب بأن الجميع هائمون في سحر دجلة وهم يصغون الى خرير الماء اسفل الجسر فلا يبالى احد بصوت تلك السيارات واصوات المنبهات. ويزدان جمال الجسر اذا ما صادف زيارة خضر الياس من الجانب البعيد فهناك توقد الشموع وتوضع على خشبة او فلينة وتوضع في النهر لتسير مع النهر فيبدوا النهر من بعيد وكانه نشرة ضوئية جميلة واذا اردت ان تكمل متعتك فما عليك سوى ان تنحدر صوب الوزيرية الى ( كورنيش الاعظمية ) وما ادراك ما كورنيش الاعظمية. حين هوى الجسر فاضت دموعي ولم اتمالك نفسي من البكاء، حينها اتصلت بي حبيبتي تخبرني :- ها هو شاهد على حبنا قد مات. فقلت ُ لها :- ولنا في دجلة بقاء. واجهشت في البكاء وهي تعيد الكلام مرة اخرى :- قد مات فقلت لها :- لا لن يموت وسيبعث من جديد , وسنعيد كتابة ذكرياتنا عليه.
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |