|
مقالات المرأة ذلك المخلوق البديع، هو كل المجتمع (2) المرأة في المفهوم الاسلامي زهير الزبيدي / بابل في الحلقة الأولى عرضنا بايجاز، أسس المفاهيم الغربية عن المرأة ودوافعها، ثم التعاطي معها على خلفية تداعيات الحرب العالمية الأولى والثانية. وما سبقه من فراغ قيمي سطحي، توارثه المجتمع الغربي من إفرازات سيطرة الكنيسة على المجتمع، ما أوجد بعد ذلك، حالة من الطلاق البائن للدين، من قبل المجتمع والقيمين عليه، وبالتالي تأثير هذا كله على العائلة التي تكوّن المرأة نواتها الحساسة، ومن هنا بدأ التنظير الحديث للمجتمع وفق الرؤى التي ولدتها تلك الأحداث، وارتباطاتها العضوية، بظهور الصناعة والمال. ما دفع القيمين على المجتمع من النخب المثقفة، أن تبادر لرسم الطريق الجديد للمرأة الجديدة، وتودع كل الموروث السطحي للعائلة والمجتمع عموما، وخلق واقع جديد، يتناسب تناسبا مصلحيا مع رجال المال والسياسة الحديثة على حساب المجتمع، فحولوا المجتمع محيطا ببغاويا، يردد ما يقوله الساسة الذين يحققون له الحياة الأفضل، وفق غرائزهم الشهوانية للحياة وان على حساب الأخر البشري. وبيّنا كيف أن الغرب، يسلب المرأة حقها في اختيارها لحياتها، عبر التنظير المزدوج غير المتكافئ وغيرالمتوازن، بين ما يحتاجه الانسان للضروريات اليومية، وما يصبو اليه من أحلام مستقبلية نحو التكامل الإنساني السليم حيث قال الإمام علي عليه السلام في هذا المجال{ لاتقصروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم}. وراح كذلك يمارس مع المجتمع، اسلوب الضغط التنظيري، لفلسفة غير واقعية، ترتبط إرتباطا وثيقا بأهداف إقتصادية بحتة، تجعل من الفرد في خدمة الاقتصاد، وليس الاقتصاد في خدمة المجتمع، ومن هنا أيضا نرى أن المرأة تحت مسمى المساوات تحولت الى سلعة بل صارت أداة لترويج السلعة، حيث نجد صورتها بالشكل المغري لجلب أنظار الرجال للتبضع وإن كانت السلعة بائرة، أو عندما تكون السلعة كذلك. ثم حول المجتمع الى آلة مسيّرة، توضع ظمن ماكنة المال الضخمة، في صياغات حداثوية، مرتهنة لافكار لها أهداف معينة، وسيلتها الفرد، ومحيطها المجتمع، ومحركها المال والرفاه الموعود، السالب بشكل غير مباشر، للإرادة في اختيار الفكر المناسب للفطرة الانسانية. فأعطتها الحرية المطلقة لان تمارس كل ما تحتاجه على أساس الحاجة، أو ما تراه غريبا لابد من أن تجربه، قد يتماشى مع شهوتها المفضلة وان على حساب المجتمع، هكذا أفهموهم معنى الحرية. أما المفهوم الإسلامي للإنسان ـ المرأة المكون الأهم فيه ـ يأتي من إقرار الخالق له، من خلال نصوص ثابتة، أقرتها السماء، تتفرع منها دراسات تحررها العقول المتربية بفكر السماء، والمتشبعة بفهم الآخر من حيث الجعل المعنوي، والجعل التكويني الفسلجي، الذي يتماهى مع الحاجة الضرورية للفرد، ومن خلال المعايشة للمجتمع والعارفة بجزئيات أموره، وفق رؤية سماوية لمصلحة الانسان. حيث يرى الشارع المقدس، أن الله خالق كل مخلوقاته هو أدرى بضروراتها. لهذا فعقيدة الإسلام راسخة، لاتحمل ازدواجية في الفكر،انما هو فكر تكاملي بحلقات ترتبط ببعضها بشكل عضوي، وفقدان كل حلقة من حلقاته يضعف الكل. فهي تساوي بين الجميع من حيث موقع الفرد المناسب في مفاصل المجتمع المتكافل ، والمتكامل اختصاصيا كل حسب مقدرته على الأداء والإبداع ورغبته فيه. فالإسلام لايفرق بين الجنسين، ولايساوي بينهما، بل تأتي المساوات من حيث الجعل التكويني للفرد الذكر والفرد الأنثى، بحيث لايحمّل الواحد فوق طاقته للمهمة التي خلق من أجلها، ولا يناط به مهمة هو غير كوفئ لها، لهذا جاء تكاملي تخصصي بالشأن المناط به. فلو تأملنا في الآية الكريمة من كتابه المجيد: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} يقول السيد العلامة الطبآطبائي{ قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم» إلى قوله: «و نساء» يريد دعوتهم إلى تقوى ربهم في أمر أنفسهم و هم ناس متحدون في الحقيقة الإنسانية من غير اختلاف فيها بين الرجل منهم و المرأة و الصغير و الكبير و العاجز و القوي حتى لا يجحف الرجل منهم بالمرأة و لا يظلم كبيرهم الصغير في مجتمعهم الذي هداهم الله إليه لتتميم سعادتهم و الأحكام و القوانين المعمولة بينهم التي ألهمهم إياها لتسهيل طريق حياتهم، و حفظ وجودهم و بقائهم فرادى و مجتمعين} لذا جاء الإسلام ليوحد بينهم، والاتحاد أرقى من المساوات وأكثر عدلا، ويكون أكثر أمانا عندما يلهمهم أحكامهم وقوانينهم التي منحهم المقدرة على استنباطها من الخطوط العريضة التي رسمها لهم وفق سنة كونية متحدة بالخلق، وخاضعة لقانون الزوجية من الذرة المتناهية بالصغر الى الكون المتناهي بالكبر. وأعتبر أن هذه القوانين هي سر سعادتهم وحفظ وجودهم فرادى ومجتمعين ، وليس كما يريد الآخر متساوين الا أنهم متفرقين خاضعين لقانون المال والمادة، التي قد تؤدي الى سعادة البعض وشقاء القسم الأكبر من البشر. ومعنى قوله سبحانه وتعالى {«و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام»} يقول السيد الطباطبائي بعد أن وضح البعد اللغوي في المعنى قال :{و كيف كان فهذا الشطر من الكلام بمنزلة التقييد بعد الإطلاق و التضييق بعد التوسعة بالنسبة إلى الشطر السابق عليه أعني قوله: يا أيها الناس اتقوا إلى قوله: و نساء، فإن محصل معنى الشطر الأول: أن اتقوا الله من جهة ربوبيته لكم، و من جهة خلقه و جعله إياكم - معاشر أفراد الإنسان - من سنخ واحد محفوظ فيكم و مادة محفوظة متكثرة بتكثركم، و ذلك هو النوعية الجوهرية الإنسانية، و محصل معنى هذا الشطر: أن اتقوا الله من جهة عظمته و عزته عندكم و ذلك من شئون الربوبية و فروعها و اتقوا الوحدة الرحمية التي خلقها بينكم و الرحم شعبة من شعب الوحدة و السنخية السارية بين أفراد الإنسان.} انظروا كيف يؤكد الباري جلة قدرته على الوحدة الرحمية التي خلقها الله بينكم واعتبر الرحم شعبة من شعب الوحدة السنخية السارية بين الأفراد، بينما نرى الغرب يضرب بقوة الى تفتيت هذه الوحدة لتحويل المجتمع الى عبيد دون أن يشعروا وهم يلهثون خلف الذات لاشباعها بالغريزة الشهوانية لذا نرى الأبوين تقتلهما الوحدة عندما يهرموا ينزحون الى الحيوانات الأليفة لتربيتها لكسر الوحدة. ونرى كذلك ارتفاع نسبة الكآبة بينهم وأحيانا ما تنتهي الى الجنون لان العزلة تقتلهم وفقدان الرحم بينهم يحيلهم الى أفراد غرباء على المجتمع الذي يعيشون فيه فتذب حكوماتهم بعد أن ابتزتهم في شبابهم تنشأ لهم دور رعاية المسنين لكن هم يغفلون أن الإنسان عند الكبر لو وفرت له كل زينة الدنيا لايرتاح بقدر ما يجد من أنجبهم وتبع عليهم وهم يرعوه ويسامروه لانهم من سنخ واحد وتربطهما وشائج لاتوجد الا عند الأقربين. لقد كرم الله الإنسان أن ميزه عن باقي مخلوقاته ومنحه المودة والرحمة، حيث يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم {و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة: - الروم 2} وهنا يقول السيد الطبائي في تفسيره الميزان في تفسير القرآن{و ظاهر الجملة أعني قوله: و خلق منها زوجها أنها بيان لكون زوجها من نوعها بالتماثل و أن هؤلاء الأفراد المبثوثين مرجعهم جميعا إلى فردين متماثلين متشابهين فلفظة من نشوئية و الآية في مساق قوله تعالى: و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة: - الروم 2} أنظر كيف يؤكد لنا القرآن مسألة التماثل بالخلق والتشابه به وليس التساوي فمعنى التساوي بعيد كل البعد عن التماثل الخلقي ولكي يفرق الله الانسان عن باقي مخلوقاته فألهمه الهام تكويني المودة والرحمة وهنا يفسر لنا العلامة الطباطبائي المعنى فيقول {و أما قوله: و خلق منها زوجها فقد قال الراغب: يقال لكل واحد من القرينين من الذكر و الأنثى في الحيوانات المتزاوجة: زوج، و لكل قرينين فيها و في غيرها: زوج كالخف و النعل، و لكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا: زوج، إلى أن قال: و زوجه لغة رديئة، انتهى} وتكريما للإنسان وتمييزا له عن باقي خلقه قال سبحانه وتعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة: - الروم 2} فـ (الزوج ) يشمل بمعناه باقي المخلوقات بما فيها الإنسان، الا أن الإنسان ميزه الله بالمودة والرحمة، التي يريد أصحاب رأي المساوات بقتلها فيهم، وهيهات لهم ذلك، فهي جزء لايتجزء من تكوين الإنسان الجعلي. إنما يفرق الاسلام بين دوريهما في الحياة من حيث أنهما خلفائه في الأرض فقال{إني جاعل في الأرض خليفة الآية: «البقرة: 31»}
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |