|
مقالات إغتيال آخر الكلمات جواد جبار الحجاج ليلة أخرى من ليالي بغداد..رائحة الدم المختلط بالأشلاء ..دموع الثكالى والأيتام الممزوجة بعواء الكلاب الآدمية وهي تقيم طقوس مجوسية للموت ..آلام متجددة وآمال تُنحر لبسطاء حلموا بالحياة ..راح يتطلع من نافذته نحو المدينة الغارقة في ضياعها ..قال لأبن أخيه والقريب من نفسه الفتى الذي لم يفارقه منذ عودته من المهجر (( لقدجعلوها كما أرادوا مدينة للأشباح لا يسلموها الاّ رمادا))لماذا يفعلون ذلك ؟ ببراءة سأل عمه الغارق بهمومه هذه الليلة اكثر من المعتاد ((هكذا هم الطغاة ياولدي يحتكرون الحياة والموت امّا أن تكون الدنيا لهم أو الموت لغيرهم )) بروح الدعابة التي لا تفارقة راح يتبادل مع حرسه الخاص بعض شؤون الحياة بروح لم يتخلى عنها في أصعب الظروف ..كان الجميع يشعر معه بألفة ..في تلك الليلة لم ينم.. فّكر بأجتماع الغد ..(ياله من امتحان عسير ..مايؤلمني ان الجميع يبحث عن انتصار وهمي لطائفته وقوميته المفترض ان يمثلوا العراق ..الذي يفترض ان اكون انا رئيسه ..هم أرادوا ذلك أرادوا ان تستمر تلك المعادلة المشوهة .. يريدونا ان نسقط بعيون أنفسنا قبل عيون شعبنا )حدّث نفسه بأسى.. أمسك بقلمه ..من جديد هربت الكلمات .. من جديد انتابته حمى الذكريات البعيدة رحل الى الهوير معقل الصبا موطن أحلامه الصغيرة ..تذكر وجه أمه وشاي العصاري ..الجلسات الهانئة مع أصدقاءه ورفاق دربه وجهاده فيما بعد ..تذكر وجوه أخوته وكل أناسه ..تذكر ذلك القلق المشوب بالخوف والأعتزاز بالذات وهو ينفذ اول واجب يكلف به لنشر الدعوة ...مع كل هذه الصور كان وجه أبيه الحاج عثمان بتقاطيعه السمحة .. بسيماء الصالحين المرتسمة عليه ..ذلك الوجه الذي كان رحاله كلما ضاقت به المحن .. هو الذي تعلم منه ان كل انسان لديه رسالة قد يؤديها قد تكون بلحظة وقد تستوعب كل الحياة ..(( لكنني تعبت ياحاج ...تعبت ))قال ذلك مع نفسه بينما راح يمسح دمعة جاهد كثيرا في منعها ..لا زال ليل بغداد .. يزداد حلكة .. لا زالت كلاب الموت تعبث بالحياة .. فتح التلفاز شاهد العشرات الفضائيات أشبه بالفوضى .. تنشر السموم هنا وهناك بقصد وبدونه تمارس قتلا للروح على الهواء .. كم تمنى لو يوافقه الآخرون لوضع حد لهذه العبث الأعلامي كرر(( لاحول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم )) لازال ليل بغداد يزداد حلكة لازالت كلاب الموت المسعورة تعوي .. لازال المجهول عنوان الأشياء ..ذاكرته التي أتعبته عادت من جديد هذه المرة أخذته الى المعتقل حيث رفاقه في تذكر تلك الأرواح الكبيرة التي قتلت جلاديها..ترى هل أنصفنا من تبقى منهم ؟ هل أعطينا لعوائل الشهداء ما يستحقون ؟ ليس لدينا عذر ..لقد خذلناهم بقوة .. الفجر يوشك أن يرسل أولى خيوطه..أصوات المآذن تفزع المجرمين .. الله أكبر يبدد صداها عتمة الليل ويسكت عواء الكلاب ..أحس بخيوط أمل تتسلل إلى زوايا روحه تنيرها .. لا زال ذكر الله يرتفع .. لازال هناك هابيل يعلن وجوده رغما عن حقد قابيل .. ..قبل ان يشرع بالصلاة راح يوقظ الجميع وأولهم أبن أخيه الذي يرى فيه صورة أبيه الذي قتله النظام ظلما .. تأمل الوجه المتعب قبل أوانه ..قال في نفسه( ما كان أن يكون هنا ).. كانت علاقتهما اكبر بكثير من علاقة عم بأبن أخيه منذ عودته ملتصق به يرقب أنفاسه ..بعد أن أديا صلاة الفجر راح يتأمل صبح بغداد الذي لم يختلف كثيرا عن ليلها (بعد أسبوعين على الأكثر سينتهي كل شيء سأتقيأ هذا الزيف الذي أجبرت أن أكون فيه .. سأعود لك أيتها البصرة الحبيبة سأعود إلى كتبي .. سأعود إليك ياأمي سأرتمي كالطفل في أحضانك ستمنحينني الدفء الذي حرمت منه ..هي أيام وأتخلص من هذا النفاق الذي أتنفسه ) أحس بارتياح سرعان ما زال..بعد إفطار بسيط كالمعتاد دخل مكتبه وراح يعد أوراقه ..أجرى بعض الاتصالات الهامة ..حاول الاتصال بالبصرة ..قبل أن يتحرك الموكب تفقد الجميع من أفراد الحماية بدعابته الذي ظل محتفظا بها رغم اغتراب الروح الذي يعيشه .. ..في الطريق رأى الخوف الذي يسكن أرواح الناس رغم الإصرار على مواصلة الحياة .. أصوات أنفجارات لا تهدأ .. طوابير من العمال المنتشرين في الساحات يتسولون لقمتهم ولو تغمست بدماءهم ..تحت وطأة الإحساس بثقل المهمة .. راح ينصب محكمة مستعجلة للذات ..ترى أي عذر يقبله هؤلاء المساكين ونحن من خذلناهم هل يعقل أن نستبدل الأكفان ببدلات أنيقة ..وأقلامنا التي كتبت معاناة أمير المؤمنين هل يُعقل أن تتحول إلى بنادق تحرس وربما تقتل ! أيعقل أن يتحول المجاهدين في سبيل الله إلى نخبة دنيوية حاكمة ؟ماالفارق بين طاغية يشهر السيف وآخر يستتر بالقلم ؟. ترى هل سلكنا الطريق الخطأ..هل كان بالإمكان أفضل مما كان .. أيهما كان الأصح .. الانتظار على التل والاكتفاء بالمراقة وربما تفويت الفرصة .. أو الولوج إلى الساحة واقتحام المجهول ..دوامة أفكاره تدور به من جديد بقوة فوق استطاعته ... الموكب يتحرك بصعوبة ..التفاتة منه أخيرة إلى وجه ابن أخيه ..طيران حربي على غير المعتاد كغربان الموت ....سيارة الموت تقترب ..بن ملجم الذي أراح أمير المؤمنين من غدر أمته وخذلانها .. يعود كل يوم ليريح أصحاب الضمائر المعذبة يعطيهم الخلاص ..على الهواء ..خبر عاجل .. مقتل رئيس مجلس الحكم في العراق عز الدين سليم وعدد من مرافقيه .. ..كعادتهم أستنكر رفاق الدرب ..أدان الأصدقاء ..رقص الأعداء رقصة الموت الشهيرة ..وفُجع الطيبون ..ولاذ المحرومون بصمتهم .. الباحثون عن الحقيقة هم الحائرون دوما ..لكنهم وجدوا في درج مكتبه وهم يبحثون ورقة كان حبرها لم يجف بعد كدمائه كتب فيها..(جازفنا في مجلس الحكم بأرواحنا و سمعتنا لكي نحقق مصالح العراقيين ..في مرحلة حساسة )بعد رحيله .. كتب أحد تلامذته ..ربما كان كتاب لم تقرأ أجمل فصوله بعد ..أو حلماً لم نفق منه بعد..وربما دربا لم تنته محطاته ..
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |