|
مقالات التصحُّر الشعري في القرن الخامس الهجري نضير الخزرجي / إعلامي وباحث عراقي من الثابت ان الرجال الأكفاء يصنعون المواقف المشهودة، وان المواقف بدورها تصقل فيهم الموهبة وتشحذ فيهم الكفاءة، ولذلك يظهر صبر الرجال عند الشدائد وتخور عزائم الكثيرين، فهناك ملازمة بين الرجال والمواقف، فقد يعرف الموقف بالرجل أو يعرف الرجل بالموقف، فإذا قالوا الصبر قالوا أيوب وإذا قالوا أيوب قالوا الصبر. وفي حقل الأدب فان الملازمة قائمة، فإذا قالوا أشعر عرب الجاهلية قالوا امرئ القيس وإذا ذكر امرئ القيس ذكر معه تفوقه في حلبة الشعر، كما هناك ملازمة بين الشاعر ونوع الغرض الشعري، فيقال حكميات المتنبي وخمريات أبي نؤاس ولزوميات المعري وروميات أبي فراس الحمداني، وهكذا دواليك، فالشعر والشاعرية ليست صناعة قابلة للتعليم يتقنها كل متعلم، فهي موهبة وقابلية ذاتية، تصقلها الحافظة والقراءات الكثيرة والمتنوعة للشعر والشعراء. ولأن الشعر شعور وأحاسيس وإرهاصات قبل ان تكون قوافي منظومة، فان الزمن يترك أثره على النتاج الشعري، كما يترك أثره على الأغراض الشعرية، ويترك أثره على الشاعر نفسه في السلب والإيجاب، ولذلك يأتي الحديث عن شعر العصر الذهبي وشعر العصور المظلمة، ولكل عصر شعراؤه ونتاجاته الأدبية. المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي، في كتابه المعنون "ديوان القرن الخامس" الصادر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 440 صفحة من القطع الوزيري، يتلمس العثرات والمطبات التي وقع فيها نظم الشعر في القرن الخامس الهجري في الفترة (15/8/1010-21/8/1107م)، بخاصة وان هذا القرن شهد ضعفا شديدا للدولة الإسلامية وتهميشا واضحا لدور الأسرة العباسية بسبب ضعف سلاطين بني العباس وسيطرة الأعاجم والمماليك على الحكم، ونشوء دول وانفصال أخرى عن مركز العاصمة في العراق، من هنا فان الشعر بعامة والشعر الحسيني بخاصة أصابه الجدب، وحسب الشيخ الكرباسي: "وهذه الظاهرة لا اختصاص لها بالشعر الحسيني بل عمّ الشعر كله حيث لم تبرز خلال هذا القرن شخصيات أدبية رفيعة المستوى إلا ما ندر، كما لم يبلغ الشعر حد النصاب المطلوب، والسبب في ذلك يعود إلى ان الدولة العباسية كانت في منتهى الضعف وقد تمزقت دولتهم إلى عدد من الدويلات، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أًصبح الحاكم العباسي ألعوبة بيد البويهيين الفرس ثم السلاجقة الأتراك حيث استعان الحاكم العباسي بهم على البويهيين فلم يقم للشعر العربي قائمة بين الفرس والترك".
التصحُّر الشعري ويذهب المصنف إلى التأكيد على حقيقة انه: "لولا التزام بعض سلاطين البويهيين من أتباع مدرسة أهل البيت (ع) بنشر تراث أهل البيت (ع) والترويج له عبر النثر والشعر العربيين وبروز شعراء من بلدانهم كالصاحب (ت 385 هـ) ومهيار (ت 428 هـ) وأمثالهما لبان الإنكسار على جبين الشعر في خضم الصراعات السياسية من جانب والطائفية من جهة أخرى في مختلف أرجاء الدولة العباسية". وحتى نعرف واقع الحال في نهايات العصر العباسي يقول المؤرخ اللبناني عمر فروخ (1906-1987م) في تاريخ الأدب العربي:3/38: "لم يكن التنازع دائرا بين المذاهب الفاطمية وحدها ولا بين الشيعة وأهل السنة فحسب ولكن أتباع المذاهب السنية أيضا كانوا في نزاع شديد جدا إلى حد الاقتتال في الشوارع، كان الحنابلة متشددين جدا في مسائل العبادة ولا يكتفون بظاهر أمر الناس بل يحاولون النفوذ إلى حقيقة أمرهم فإذا رأوا رجلا يسير مع امرأة أو مع صبي تصدوا له وسألوه عن صلته بتلك المرأة أو بذلك الصبي، ولكن الأحناف كانوا يرون أن الإسلام لا يجيز للمسلم أن يعترض المسلم في الأمور التي هي بينه وبين نفسه أو بينه وبين الله، من اجل ذلك كان الحنابلة والحنفية يتنازعون علنا ويقتتلون"، وهذا الواقع الذي كانت عليه الدولة العباسية والعاصمة بغداد، هو ما عليه العراق الآن، حيث تتعرض مساجد وحسينيات السنة والشيعة إلى هجمات من قبل جماعات تكفيرية لا ترى الحق إلا معها وتطعن في دين الآخرين، فلذلك أقدمت على تدمير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء في 22/2/2006، كما أقدمت على ضرب مرقد إمام المتصوفة عبد القادر الكيلاني في بغداد في 28/5/2007م. ويخلص فروخ في تاريخه:3/41، من كل هذه الأوضاع المزرية التي مر بها المسلمون، ويؤيده في ذلك الكرباسي، أن: "بلغ الشعر خاصة منتهى قوته قبل أن يطل القرن الخمس للهجرة وإذا نحن استثنينا الشريف الرضي (ت 406هـ) وأبا العلاء المعري (ت 449 هـ) وهما من نتاج القرن الهجري الرابع لم نجد في القرون التالية للقرن الرابع من يبلغ في ابتكار الأغراض والمعاني وفي صحة اللغة ومتانة الأسلوب ولا في استشراف الآفاق الإنسانية والعقلية من نقرنه بالمتنبي (ت 354 هـ) والبحتري (ت 286 هـ) وابن الرومي (ت 283 هـ) وأبي نؤاس (ت 198 هـ)". ولذلك فان عموم الأدب وخصوص الشعر في القرن الخامس الهجري مدان لأدباء وشعراء القرن الرابع وما قبله، فأدباء هذا القرن بشكل عام كانوا مقلِّدة وندر عندهم الاجتهاد، وكان من آثار التقليد، كما يؤكد الدكتور الكرباسي، أن: "الشحّة الأدبية ألقت بظلالها على القرن السادس حيث أن التراث الأدبي والتركة الشعرية انتهت في القرن الخامس، وبدأت آثار العقم تظهر بعد منتصف القرن الخامس". وزحف التصحر الأدبي على عموم الشعر. ويبدي المصنف استغرابه كون الشعر بعامة والحسيني بخاصة أجدب حتى في الدول التي خارج سيطرة الدولة العباسية والتي تنتمي إلى مدرسة أهل البيت (ع) مثل الدولة الفاطمية في القاهرة (297-567 هـ) والدولة العمارية في طرابلس الشام (462-502 هـ) والدولة الألموتية في ألموت بإيران (483-654 هـ) والدولة المرداسية في حلب (414-472 هـ) والدولة المزيدية في الحلة (403-545 هـ)، والدولة الدنابلية الكردية وعاصمتها پاي بكردستان العراق على مقربة من الموصل (قبل 387-908 هـ). ويعتقد ان الشعر الحسيني تعرض للاغتيال الأدبي بخاصة في الدولة الفاطمية التي كانت تحتفل بذكرى استشهاد الامام الحسين (ع) في عاشوراء، وذكرى ميلاده (ع) في شعبان، وذكرى ورود رأس الامام الحسين (ع) الى القاهرة، والاحتفال بذكرى ميلاد السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع) فضلا عن احتفالات ميلاد النبي الأكرم محمد (ص)، فلا يعقل مع كل هذه المناسبات التي كان ملوك الدولة الفاطمية يستقبلون فيها الشعراء والأدباء، يقل فيها الأدب الحسيني! ولا يخفى أن للدولة الأيوبية الدور الكبير في ضياع آداب وثقافة وعلوم الدولة الفاطمية، حيث ان القائد الأيوبي سعيد بن يوسف التكريتي الشهير بصلاح الدين (532-589 هـ) حين استولى على القاهرة في العام 559 هـ أباد مكتبة دار العلم القاهرية التي أنشئت في العام 395 هـ، وفيها خزائن كتب الدولة الفاطمية إذ كانت مكتبة القصر الفاطمي لوحدها تضم 601 ألف كتاب، وانتقاما من الدولة الفاطمية ومن آثارها العلمية جعل جلود الكتب نعالا وأحذية للعبيد والإماء! واستمر في بيع محتوياتها لنحو عشر سنوات. كما كان للصليبيين الدور الكبير في ضياع آداب وثقافة وعلوم الدولة العمارية، حيث أحرقوا في العام 502 هـ كل الكتب التي بلغت خلال حكم بني عمار نحو ثلاثة ملايين ومنها دار العلم الطرابلسية التي أنشأها أمين الدولة العماري في العام 457 هـ.
دموع ودماء تكاد تكون كلمتا الدموع والدماء القاسم المشترك في الكثير من القصائد التي نظمها أصحابها في تخليد النهضة الحسينية التي سقى الإمام الحسين (ع) تربتها بدمائه الزكية، وتتابع الأهلون والمحبون على رعايتها بالدماء القانية والدموع الساجمة، لكن الشاعر الذي يمثل كتلة شعور لحظة نظمه وتفجر عيون القوافي، تتداخل عنده المفردات فتستحيل الدموع دما عبيطاً تتماهى مع الدماء التي أريقت في عرصات كربلاء يوم العاشر من المحرم عام 61 هـ، فهو يبكي المأساة دماً لا دموعاً، حيث تعجز الدموع عن وصف الحالة التي فيها الشاعر ومن يتمثل قول الشاعر من محبي أهل البيت (ع)، فيصيرها دموعا حمراء تواكب المأساة وتواسي الهامات السامقة التي تقطعت أوداجها على مذبح الحق والحرية، وتقدم بعض الدَين في رقاب الناس تجاه وصية النبي محمد (ص) في أهل بيته التي قيدها رب العزة في القرآن الكريم في سورة الشورى:23، وألزم بها عباده: "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى". من هنا فان الفقيه الشاعر علي بن الحسين المرتضى (ت 436 هـ)، ينشد في قصيدة تحت عنوان "وهل لي سلوان" من الطويل: ألا إنَّ يومَ الطف أدمى محاجراً ** وأدوى قلوبا ما لهنَّ دواءُ وإنَّ مصيباتِ الزمانِ كثيرةٌ ** ورُبَّ مصابٍ ليس فيه عزاءُ ثم يقول: فيا لائما في دمعتي أو مفنِّداً ** على لوعتي واللّومُ منه عناءُ فما لكَ منِّي اليومَ إلا تلهُّفٌ ** وما لكَ إلا زَفرةٌ وبكاءُ إلى ان يصل موضع الشاهد: دعوا قلبيَ المحزونَ فيكم يُهيجُهُ ** صباحٌ على أخراكُمُ ومساءُ فليس دموعي من جفوني وإنما ** تقاطّرنَ من قلبي فهُنَّ دماءُ وقوله من بحر الطويل تحت عنوان "يا له من موتور" ومطلعها: خليليَّ من شهر المحرَّمِ غالني ** مصابٌ له عينايَ أسبَلَتا دما وذكَّت رقاب المسلمين لأجله ** وهدَّ قوى الإسلام قصراً وهَدَّما ويذهب الحزن بالشريف المرتضى إلى عض الأنامل حتى تقطر بالدم، فلا يكتفي بدمع العين دما من قلبه مواساة لدماء الحسين (ع)، ولهذا يقول من مجزوء الرمل تحت عنوان "ستُرد القروض"، في قصيدة ومطلعها: يا خليلي ومُعيني ** كلما رُمتُ النهوضا داوِ دائي أو فَعُدني ** مع عُوّادي مريضا إلى أن يقول: قد أتي من يوم عاشو ** راء ما كان بغيضا دع نشيجي فيه يعلو ** ودموعي أن تفيضا وبناني قد خُضِبنَ الدَّمَ من سِنِّي عضيضا ويصل الحزن والوجد بأخيه الشريف الرضي محمد بن الحسين (ت 406 هـ) الى الحد الذي يرى ان واقعة الطف بكربلاء تجري لها قطرات الدمع النابعة من سويداء القلب وثمرته لا من سواقي العيون، ولذلك ينشد من الكامل في 58 بيتا تحت عنوان "لوعة عاشوراء": هذي المنازلُ بالغميم فَنادِها ** واسكُب سَخِيَّ العينِ بعدَ جَمادها إن كان دَينٌ للمعالم فاقضِهِ ** أو مُهجةٌ عندَ الطُّلُولِ فّفادِها الى ان يصل موضع الشاهد: بالطفِّ حيثُ غدا مُراقُ دمائها ** ومُناخُ أينُقِها ليوم جِلادها القَفرُ مِن أرواقها والطَّيرُ مِن ** طُرّاقها والوحشُ من عُوّادها تجري لها حَبَبُ الدموع وإنما ** حَبُّ القلوب يَكُنَّ من أمدادها يا يوم عاشوراءَ كم لك لوعةٌ ** تترقَّصُ الأحشاءُ مِن إيقادها ويرى مهيار بن مرزويه الديلمي (ت 428 هـ) أن خدوده مهما سفح عليها الدموع، فانه سيظل عاجزا عن الوفاء للنبي محمد (ص) في أهل بيته (ع)، يقول في قصيدة بعنوان "بعزكم أختال" من الخفيف، ومطلعها: في الظباء الغادين أمس غزال ** قال عنه ما لا يقول الخيال الى أن يقول: لهفَ نفسي يا آلَ طه عليكم ** لهفةً كَسبُها جوىً وخَبالُ وقليل لكم ضُلوعي تهتزُّ مع الوجدِ أو دُموعي تُذالُ وكيف لا تبكي الدموع دما بعد ان بكت السماء دماً، يقول ابن جبر المصري (ت 478 هـ) في قصيدة من الكامل تحت عنوان "برئ من ظالميهم" ومطلعها: يا دار غادرني جديد بلاك ** رثّ الجديد فهل رثيت لذاك إلى ان يصل إلى الشاهد: وإذا ذكرتُ مُصابَكم قال الأسى ** لجفوني اجتنبي لذيذَ كَراكِ وابكي قتيلا بالطفوف لأجله ** بكتِ السماءُ دماً فحقَّ بُكاكِ
صورتان متضادتان بين واقعة الطف ومعركة بدر مسافة زمنية طويلة، وبين حادثة السقيفة وحادثة عاشوراء تبتعد الأمكنة والأزمنة، وبين نهر الفرات وعين الكوثر فاصلة السماء عن الأرض وفاصلة الدنيا عن الآخرة، وبين الجاهلية والإسلام فاصلة عقيدية، بيد ان هذه الصورة التي تبدو متناقضة ومتباعدة، تتداخل فيما بينها، وتبدو الواحدة منها مرآة للثانية أو انعكاسا سلوكيا لها، يموسقها الشاعر على أوتار قوافيه، فيوقظ اللحن ما حبس في الأضلاع، فتسبح النفس في فضاءات يحمل بساطها ملاك طاهر أو عفريت قاهر. من هنا فان الشاعر ينقلك بين الصورتين يقترب منها وتقترب معه، فتجد ان معركة بدر بين مدرسة الجاهلية ومدرسة الإسلام، عادت لتتكرر بعد ستة عقود وباسلام سلطوي شعاره الحسد ودثاره الحقد، يستنطق لحظة كربلاء بثارات بدر وحنين. ويقفز مهيار الديلمي من إطار الصورة لينشد قصيدة ارتجالية من مجزوء الرمل تحت عنوان "غضب الله لخطب"، ومطلعها: يا ابنة القوم تراك ** بالغ قتلي رضاك إلى أن يرثي الحسين (ع): أظهرت أحقادُ بدرٍ ** فيه رَنّات البواكي كُلُّ ذاكي الحقدِ أو يخـ ** ـضِبُ أعراف المذاكي ويعود مهيار الديلمي في مقارنة شعرية بين حدثين غيَرا مسار التاريخ، فينشد من المتقارب تحت عنوان "مَن طرّق يومك": أضاليل ساقت مصاب الحسين ** وما قبل ذاك وما قد تلا أمية لابسةٌ عارها ** وإن خفيَ الثأرُ أو حُصّلا فيومُ السَّقيفةِ يا بنَ النبيَّ ** طرَّق يومّك في كربلا وغَصبَ أبيكَ على حقَّه ** وأمَّك حسَّنَ أن تُقتلا وينشد عبد الله بن محمد الخفاجي (ت 466 هـ) في مقطوعة من الكامل تحت عنوان "خلائق بدرية" يهجو بها الأمويين ويستعظم اعتداءهم على حرمات الإسلام بقتلهم سيد شباب أهل الجنة: يا أمّّةً وفي أفواهها الـ ** ـقُرآنُ فيه ضلالُها ورشادُها أَعَلى المنابر تُعلنون بسبِّه وبسيفِهِ نُصبت لكم أعوادها تلك الخلائق بينكم بدريَّةٌ ** قُتل الحسين وما خبت أحقادها فالشاعر هنا يربط بين بدر وكربلاء، فالأولى قتل الإمام علي (ع) فيها رؤوس الجاهلية من قريش، وفي الثانية جاء حفيد هذه الرؤوس الخاوية ليقتل الإمام الحسين (ع) بثارات بدر. ومن الصور المتقابلة قول الشريف المرتضى من السريع في قصيدة من 46 بيتا تحت عنوان "تهتم عن الحق" يرثي الإمام الحسين (ع)، ومطلعها: أما ترى الرَّبعَ الذي أقفرا ** عراه من رَيبِ البِلى ما عرا ثم يضيف: حلأتُمُ بالطَّفِّ قوما عن المـ ** ـاء فَحُلِّئتُم بهِ الكَوثرا فإن لقوا ثَمَّ بِكُم مُنكَراً ** فسوف تَلقونَ بهم مُنكَرا في ساعةٍ يَحكُمُ في أمرها جَدُّهُمُ العَدلَ كما أُمّرا ففي طف كربلاء منع جيش يزيد بن معاوية الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه عن ماء الفرات فقضى شهيدا عطشا، ومن يقدم على هذه الجريمة يلقى مثلها يوم حشر حيث يمنع من تناول ماء الكوثر. ومن الصور المتقابلة قول علي بن منصور (ق 5) في وصف واقعة كربلاء: أباد الأكرمين بني عليٍّ ** يزيدٌ والدَّعي إلى سُميّة شفيعٌ في المعادِ لنا أبوهُم ** ويشفعُ في المعادِ لهم أمَيّة والبيت الأخير قراءة شعرية للحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة (ت 57 هـ) عن رسول الله محمد (ص): (الشفعاء خمسة: القرآن والرّحم والأمانة ونبيكم وأهل بيت نبيكم).
سفينة النجاة في الحديث المتواتر عن النبي محمد (ص): (ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك)، وقد طار الحديث في الآفاق، فأخذه الشعراء وشيدوا على أعمدته بناء قصائدهم، فهذا شاعر المعرة أبو العلاء احمد بن عبد الله المعري (ت 449 هـ)، ينشد بيتين من مجزوء الكامل تحت عنوان "من عليا قريش" يقابل فيها قصيدة لأهل قزوين في مصاب الحسين (ع) وفيها: رأس ابن بنت محمد ووصيه ** للمسلمين على قناة يرفع فأنشأ المعري: مسَحَ الرسولُ جَبينَه ** فلَه بريقٌ في الخُدودِ أبواه مِن عَليا قُرَيـ ** ـشِ وجدُّه خيرُ الجُدودِ والمعري صاحب القصيدة المشهورة من الخفيف تحت عنوان "شاهدان"، ومطلعها: علّلاني فإنَّ بيض الأماني ** فنيت والظلام ليس بفان ثم يضيف: وعلى الدَّهر من دماء الشهيدَيـ ** عليٍ ونجله شاهدانِ فهما في أواخرِ الليلِ فجرا ** نِ وفي أولياته شفقانِ إلى أن يقول: وبهم فضَّل المليكُ بني حواء حتى سَمَوا على الحَيَوان شُرِّفوا بالشِّراف والسُّمرُ عيدا ** نٌ إذا لم يُزَنَّ بالخِرصانِ وينشد زيد بن سهل المرزكي (ت 450 هـ) وهو يتنقل بين مراقد أهل بيت النبي (ص)، فيقول من الكامل تحت عنوان "حفر": حُفَرٌ بطيبةَ والغريّ وكربلا ** وبطوس َ والزورا وسامراءَ ما جئتُهُم في كُربةٍ إلا انجلت ** وتبدّلّ الضراءُ بالسراءِ قومٌ بهم غُفِرت خطيئةُ آدم ** وجَرت سفينة نوح فوق الماءِ فطيبة إشارة إلى مراقد الأئمة في مقبرة البقيع في المدينة المنورة وهم: الحسن بن علي المجتبى (ت 50 هـ)، علي بن الحسين السجاد (ت 95 هـ)، محمد بن علي الباقر (ت 114 هـ)، وجعفر بن محمد الصادق (ت 148 هـ). والغري إشارة إلى مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) (ت 40 هـ) في النجف الأشرف. وكربلاء إشارة إلى مرقد الإمام الحسين بن علي (ع). وطوس إشارة إلى مرقد الإمام علي بن موسى الرضا (ت 203 هـ) في خراسان. والزورا إشارة إلى مرقد الإمامين موسى بن جعفر الكاظم (183 هـ) وحفيده محمد بن علي الجواد (ت 220 هـ) في الكاظمية من بغداد. وسامراء إشارة إلى مرقد الإمامين علي بن محمد الهادي (ت 254 هـ) والحسن بن علي العسكري (ت 260 هـ)، ويستوحي مروان بن محمد السروجي (ت 460 هـ) من قول النبي محمد (ص): (حب آل محمد جواز على الصراط) وقوله (ص): (أثبتكم على الصراط أشدكم حباً لأهل بيتي)، فينشد من الطويل تحت عنوان "حب العترة" في مقطوعة ومطلعها: عليك بتقوى الله ما عشت إنه ** لك الفوز من نار تقاد بأغلال إلى أن يقول: وحبُّ عليٍّ والبتولِ ونسلها ** طريقٌ إلى الجنّات والمنزلِ العالي وهذا الحب الذي قال فيه النبي محمد (ص): (ألا ومن مات على حبّ آل محمد يُزف إلى الجنة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها)، التقط أبو القاسم حسين بن علي المغربي (ت 418 هـ) معناه، وانشد حين لجأ إلى مشهد الإمام الحسين (ع)، من الطويل تحت عنوان "مِجنَبة آل محمد": تحصَّنتُ من كيدِ العدُوَّ وآله ** بِمِجنَبَةٍ مِن حُبِّ آل محمدِ ودون يدِ الجبار مِن أن تنالَني ** جواشِنُ أمنٍ صُنتُها بالتهَجُّدِ
عمل متميز استأثر ديوان القرن الخامس الهجري بواحد وثلاثين شاعرا، ولكن المبرزين منهم ممن يصنف نتاجهم الأدبي في عيون الشعر العربي، عدهم المحقق الكرباسي في خاتمة الكتاب أربعة وهم على الترتيب: الشريف الرضي وله في الديوان تسع قصائد، والشريف المرتضى وله سبع عشرة قصيدة، وأبو العلاء المعري وله من القصائد والمقطوعات أربع، ومهيار الديلمي وله ثمان قصائد. وعد نجم الدين أبو الحسن علي العمري (348-459 هـ) في المجدي في الأنساب: 126: "الشريف الرضي أشعر قريش إلى وقته.. وانه متقدم على أخيه المرتضى"، فيما قال المصنف في الشريف المرتضى: "وأما الشريف المرتضى فانه مضافا على حيازته الرقم القياسي في مجال الشعر الحسيني حيث بلغت قصائده سبعة عشر وكلها من الطوال وإحداها جاوزت المئة بيت، فقد نظم اثنتين منهما على قافية الضاد والطاء واللتان قلما ينظم الشعراء فيهما لعدم وفور المادة اللغوية فيهما. ولا تخلو قصائده من التعبير الرائع..". وأما المعري فقد: "عرفه الأدباء والعلماء بالذكاء الخارق ووصفوه بأنه نسيج وحده بالعربية، وعرفوه بأنه إمام الأدب والأمور العقلية والنقلية فلا يقبل منه إلا الأروع الأبدع، وتكمن أهمية شعره في دقة الوصف رغم انه كان مكفوفا..". وأما الديلمي فرغم قلة قصائده في النهضة الحسينية مقارنة بديوانه في ثلاثة أجزاء: "إلا إنها من بديع الشعر، والأجمل فيه انه فارسي المولد والمنشأ وحديث عهد بالعربية وبالإسلام ويصل به الأدب والعقيدة إلى هذا الحد من الرفعة بحيث يعد في مصاف البارزين من شعراء العرب والعقيدة، ولا شك ان الفضل في ذلك يعود إلى الشريف الرضي الذي أسلم على يديه عام 394 هـ وتتلمذ عليه بعد ما ورد بغداد مهاجرا واكتسب منه خبرة في اختيار اللفظ والمعنى معاً فانطلق ينظم في آل الرسول (ص) الجواهر والدرر ويخصص جانبا من شعره في ريحانة الرسول (ص)" الإمام الحسين (ع). وكما هو دأبه أفرد المصنف مجموعة فهارس في 32 حقلا يكون الباحث والدارس والقارئ بمسيس الحاجة إليها، وضم إلى الديوان قراءة نقدية لأستاذ التاريخ الإسلامي ودراسات الشرق الأوسط في جامعة أدنبره الاسكتلندية (Edinburgh University)، الاسكتلندي، وكبير الباحثين في معهد المهدي في برمنجهام البريطانية (Al-Mahdi Institute Birmingham) البروفيسور أي كي آي هوارد (I.K.A. Howard)، الذي أقر ان الجهد الذي يبذله العلامة محمد صادق الكرباسي في بيان الأدب الحسيني: "مهمة مشرّفة ذات أهمية كبيرة، وتميز ملحوظ"، وذلك: "عندما تكتمل دائرة المعارف الحسينية سيكون في متناول أيدينا كل ما كُتب عن الإمام الحسين باللغة العربية، على اختلاف أنماطه ودرجته من حيث الأهمية". وفي قراءته للديوان وجد الدكتور هوارد: "ان ديوان القرن الخامس الهجري – حوالي القرن الحادي عشر الميلادي – يتميز فيه الشطر الأعظم من الشعر بكونه شعر رثاء"، وعبر عن سعادته للجهد المبذول في دائرة المعارف الحسينية التي صدر منها حتى الآن 34 مجلدا وهنأ الدكتور محمد صادق الكرباسي: "على هذا العمل العظيم، وأحبذ مطالعته للقارئ والباحث". الرأي الآخر للدراسات – لندن
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |