|
مقالات وأخيرا توقف لقلب الكبير عن الخفقان محمد علي محيي الدين وأخيرا رحلت الشاعرة الملائكية،رائدة الشعر الحديث،وسيدته،عن عمر ناهز (86) عاما وقد خلفت ورائها ذكرا عطرا لن تمحوه الأيام،وستبقى في ذاكرة الأجيال مثالا للمرأة الشاعرة التي كتبت أحاسيسها قطرات ندية،عطرت الأجواء القاحلة ،وأشاعت الدفء في النفوس،وسكبت مشاعرها مدادا على الورق،نقلت من خلاله معاناتها وآلامها،وعبرت عن لواعج الحب،وآلام الصبابة،والخيبة والفشل والقلق الذي تعانيه المرأة في شرقنا،ذي التقاليد الصارمة اتجاه الجنس الآخر،بما توارثه عن أجيال كانت ترى المرأة دون مستوى الرجل،فنالها ما نالها من الحيف والحرمان. ولدت الشاعرة في23/آب/1923 من أسرة بغدادية كبيرة،كان والدها الأستاذ صادق الملائكة من خيرة أساتذة العربية،تخرج على يديه الكثير من أدباء العراق،فألقى بضلاله عليها فكانت من المتفوقات بالنحو العربي بفضل الرعاية الخاصة لأبيها،وما هيئ لها من كتب أعانتها على التفوق والبروز،وكانت أمها (أم نزار الملائكة)من الشاعرات المعروفات صدر لها ديوان طبع في بغداد عام 1968 بعنوان(أنشودة المجد)حوا جزأ من شعرها،وهي من آل كبة العائلة البغدادية المعروفة بالعلم والأدب،وجدها الشاعر الكبير محمد حسن كبة،الذي ارتقى سلالم الاجتهاد الديني،فأتلف أكثر شعره،ولا زال الكثير منه مبثوث في الكتب التي تناولت عصره،وكان له مجلس كبير في بغداد،حاول من خلاله التقريب بين المذاهب الإسلامية،ودعا للتقارب بين الأديان في سماحة كان لها الأثر الكبير في التقارب الذي كان قائما بين المذاهب والأديان،قبل الزلزال الكبير الذي عصف بكل المرتكزات القائمة للتقارب والتعايش بين الأديان. وكان لأسرتها وضعها الاجتماعي المتميز،فهي أسرة غنية مترفة تمتلك الأراضي الواسعة،وتزاول التجارة،فكان لها طريقتها في التربية التي تختلف عن الأسر الأخرى،فكانت أسرة منفتحة لها توجهها الخاص بالتعامل مع المرأة ،ولا تتقيد بمتواضعات العصر في النظر الى المرأة كمخلوق من الدرجة الثانية،فكان للمرأة مكانها المميز بالاحترام الممزوج بالحرية النسبية،وآل الملائكة من أوائل الأسر التي دفعت بناتها للتعليم،فتصدرت نازك المواكب النسوية الداعية الى إشاعة المساواة بين الجنسين في المجتمع،والارتقاء بالمرأة لمستوى مقبول يكفل لها الحرية والكرامة،وكان لتوجه أسرتها الأدبي أثره في أن تكون دارهم محجة للأدباء والشعراء وسراة القوم،ناهيك عن الوافدين الى العراق من الأقطار الأخرى من الأدباء والشعراء والشخصيات العلمية،كما هو حال الأسر البغدادية المعروفة بمجالسها ومحافلها الأدبية التي كانت منتديات ثقافية ساهمت الى حد كبير في نشر الوعي والثقافة في الأوساط الاجتماعية المختلفة،فكان لنازك مرتادها في التشرب من الثقافة الحرة التقدمية،وقراءة المجلات والكتب العربية التي كانت تصدر آنذاك،وتدعو للانفتاح والحرية،ونشر الفكر التنويري الهادف لإشاعة الخير والمحبة في المجتمع.فتدرجت نازك في هذه الأسرة الأدبية،وحصلت على الشهادة الإعدادية عام1939،فانتسبت لدار المعلمين العالية(كلية التربية بعد ذاك)فدرست الأدب العربي وتخرجت فيها بامتياز عام1944،وشاركت في الحفلات والأماسي الأدبية التي كانت تقيمها الدار وهي طالبة فتلقي قصائدها في تلك المحافل وتنشرها في الصحف العراقية. وكانت نفسها الشاعرية الوثابة دافعها للدخول في معهد الفنون الجميلة لدراسة العزف على العود عام 1942 لولعها العجيب به،وحفظها الكثير من الأغاني،فتتلمذت على أستاذ العود محيي الدين حيدر،الذي تميز بطريقة مبتكرة فريدة في العراق،وله تلامذته الكثيرين الذين نهلوا من معارفه،وحذوا حذوه وصاغوا أعذب الألحان،وأنهت دراستها عام 1949،فكانت تعزف لنفسها،ولم تعزف للناس،وظلت العود نديمها حتى أواخر أيامها،ولا زالت أسرتها تحتفظ به. وكان لها طموحها في دراسة اللغات وتعلمها،فقد كانت نفسها التواقة للمعرفة تدفعها للاستزادة ودراسة الآداب الأجنبية،فدرست اللاتينية سنة1942 ،وازدادت تفقها فيها عند دراستها في جامعة برنستون الأميركية،وقرأت أجمل الشعر المكتوب بها،وحفظت ألكثير من نتاج شعرائها،ثم بدأت عام1949 بتعلم اللغة الفرنسية بنفسها دون الاستعانة بمعلم،يؤازرها في ذلك شقيقها نزار الملائكة،وظلت دائبة على دراستها لسنوات،ثم دخلت المعهد العراقي،وقرأت أشعار موليير والفونس دوديه،ولامارتين،وموبسان وغيرهم من كبار الشعراء،وجمعت الكثير من الكتب الأدبية والنقدية والشعرية لكبار المفكرين الفرنسيين،إضافة للأدب الانكليزي في دار المعلمين العالية،فاستمتعت بروائع شكسبير،وعنيت بقراءة شعر اللورد بايرون وشيلي وغيرهم من شعراء الانكليز،ودخلت دورة في المعهد البريطاني ببغداد عام1950 استعدادا للدراسة وأداء الامتحان في(كمبردج)ونجحت في الامتحان،ولكن سفرها الى أمريكا منعها من أكمال دراستها في الجامعة المذكورة،وفي جامعة برنستون كانت الفتاة الوحيدة بين الطلبة،لأن نظام الجامعة لا يسمح بدراسة الذكور فيها،مما أثار دهشة أدارة الجامعة،وفيها درست على كبار أساتذة النقد الأدبي،أمثال داونسر ووشوارتز،وغيرهم ممن كانت لهم الشهرة الواسعة في النقد ونشرت بحوثهم في أمهات المجلات الأميركية والدولية المعنية بالدراسات النقدية،وعندما عادت الى العراق عام1951 اتجهت الى كتابة النثر،فظهرت لها الكثير من المقالات النقدية في الصحف العراقية،وفي تلك الفترة نشطت في مجال المطالبة بحقوق المرأة،وألقت لهذا الغرض محاضرة قيمة في نادي الاتحاد النسائي ببغداد،عنوانها(المرأة بين السلبية والأخلاق)دعت فيها لتحرر المرأة من الجمود والتقوقع،وانتقدت الأوضاع السيئة التي تمر بها ،بسبب الانغلاق والتحجر والأفكار والمعتقدات البالية المتجذرة في مجتمعاتنا المتخلفة،فأثارت محاضرتها ضجة في الأوساط المحافظة،وأصبحت حديث المحافل البغدادية،نشرتها مجلة الآداب البيروتية التي كانت تنشر مقالاتها النقدية وقصائدها الشعرية. وكانت نقطة التحول في حياتها عندما مرضت والدتها عام1953 ،وأرسلت الى لندن للمعالجة من مرض السرطان،ورافقتها في سفرها الأخير الذي توفيت فيه بعد أجراء العملية في أحد مستشفيات لندن،مما جعلها تعيش حالة من الحزن والقلق النفسي ،لرؤيتها الساعات الخيرة لوالدتها وهي تعالج سكرات الموت،ولعدم من يقوم بمستلزمات الجنازة فتحملت تلك الأعباء،مما أضفى حالة من الحزن والكآبة على أنتاجها الأدبي وترك أثرا واضحا فيه،لذلك عندما عادت الى بغداد،كانت آثار الحزن والكآبة ظاهرة نافرة على محياها،فمرضت على أثرها،واضطرت لمراجعة طبيب نفسي لعلاج آثار الصدمة. ووافاها الحظ وهي في هذه الأزمة الخانقة فاختيرت عام1954 للسفر الى جامعة وسكونسن لدراسة الأدب المقارن،مما سهل لها الاطلاع على الآداب العالمية وخصوصا الفرنسي والانكليزي،وكتبت الكثير من الأبحاث باللغة الانكليزية،في مواضيع مختلفة استدعتها الدراسة،واستغرقت دراستها سنتين حصلت بعدها على الماجستير بتفوق،وقد عينت في كلية الآداب عام 1957 وبعد ثورة الرابع عشر من تموز/1958 شاركت في الحياة السياسية والأدبية بفاعلية،ولكنها اختلفت مع السلطة بعد ذلك،فسافرت الى لبنان عام 1959 حتى عام1960 وعادت الى الكلية ذاتها،وتزوجت من زميلها الدكتور عبد الهادي محبوبة ،ثم أسهمت مع زوجها في تأسيس جامعة البصرة سنة1964 وأصبح رئيسا للجامعة،وعملت في تدريس اللغة العربية في كلية الآداب،وأصبحت رئيسة قسم اللغة العربية،وانتدبت بعد ذلك للتدريس في جامعة الكويت. أصدرت عدة دواوين وكتب نقدية وأدبية،كان أولها ديوانها عاشقة الليل الصادر سنة1947،حوا في طياته الكثير من شعر الحب والصبابة والمعاناة،ظهرت فيه تجاربها المريرة وما تركته من الإحباط في نفسها القلقة،وتضمن شعرها العمودي وتحريتها الأولى في الشعر الحر،ثم من عاشقة الليل تحولت لشظايا ورماد الصادر عام1949 الذي أعلنت في مقدمته بيانها الأول عن الشعر الحديث،تجلى في هذا الديوان العاطفة المهزوزة والخيبة والانكسار والانهزام العاطفي،والهذيان والخواطر والانفعالات الحقيقية حول الموت والهزيمة والإخفاق في مسيرتها الدائبة نحو الحب،الذي عالجته بالسفر والابتعاد عن محيط الهزيمة،إلا أن ذلك لم يجدي نفعا في استرجاع أملها المفقود رغم المحطات الكثيرة التي حاولت من خلالها نسيان الفشل أو تناسيه،إلا أن الخيبة ظلت تراودها أنى سارت،فاستسلمت لقسوة الحياة لتكون (شظايا ورماد) تجوب بين الأساطير والخرافات تطاردها الأوهام والأشباح،وهي تعاني من الانسحاق وخيبة الأمل،لتصل الى (قراره الموج) عام1957 وتعيش (في شجرة القمر) عام 1968 لتصل الى ملحمتها الشعرية(مأساة الحياة وأغنية الإنسان) الصادر عام 1970،تلاها (ليغير البحر ألوانه) لتنصرف لمعالجة قضايا الشعر الحديث في كتابها(قضايا الشعر المعاصر) الذي تناولت فيه مسألة الشعر الحر أو الحديث ومساراته الأولى،ورياديتها له،حيث ذكرت أنها كتبت الشعر الحر عام 1932 وكانت نماذج أولى لم يقيض لها الظهور،وأصدرت كتب أدبية أخرى تناولت فيها الجوانب المختلفة للشعر الحديث،منها(التجزيئية في المجتمع العربي)و(والصومعة والشرفة الحمراء) و(سيكولوجية الشعر). صدرت عن نازك الكثير من الدراسات والبحوث والمقالات،وكتبت عنها الرسائل الجامعية ،تناولت شعرها وخصائصه الفنية، وآرائها النقدية،ورؤيتها للشعر الحديث،ورياديتها للسعر الحر،وهذه المسألة أخذت حيزا كبيرا من اهتمامات الدارسين،فقد ظهر ما يشبه الإجماع على ريادة المرحوم بدر شاكر السياب،وأنه أول من كتب القصيدة الجديدة،وذلك عندما نشر ديوانه شظايا ورماد عام 1947،وكانت نازك قد سبقته بنشر قصيدتها الكوليرا في ذات العام،حيث أعتبرها مؤرخي الشعر الحديث أول محاولة رأت النور،في الوقت الذي أشارت المرحومة الملائكة أنها كتبت الشعر الحر عام 1932 كما ورد في كتابها قضايا الشعر المعاصر،في الوقت الذي يرى البعض أن السياب هو الرائد الأول للشعر الحديث،لأن صدور ديوانه في ذات العام الذي نشرت فيه قصيدتها لا يعني أنها كتبت في العام ذاته،فقد تكون أسبق من قصيدتها،لا سيما انه حدد تاريخ نظمها سنة 1946،رغم أن نازك نشرت قصيدتها قبل صدور الديوان.وسواء أكانت هي الرائدة الأولى أو الثانية،فهي بلا شك رائدة الشعر النسوي في العراق،رغم وجود نضيرات لها كالدكتورة عاتكة وهبي الخزرجي،والدكتورة لميعة عباس عماره،وغيرهما،ممن قدمن القصائد الخالدة في ديوان الشعر العربي. لقد عالجت نازك في شعرها الكثير من القضايا،فقد تناولت هموم المجتمع والمرأة،وتوغلت في الرومانسية،فأغرقت في الوهم والأخيلة البعيدة عن التصور،وتأثرت بالشعراء الغربيين لاعتماد أولئك على المعنى دون اللفظ،والفكرة دون الشكل،لذلك ترى المعاني كثيفة مترابطة في أشعارها،فلا تفقد شيئا من بريقها ومعانيها عند ترجمتها الى اللغات الأخرى،بعكس الشعر العمودي الذي يعتمد الألفاظ ورنينها،والكلمات وقعقعتها، في الإثارة على حساب المعنى،مما جعل ترجمته تفقده الكثير من بهرجته التي تبهر السامع العربي. وفيما يلي بعض الصور الواردة في شعرها،التي اعتمدت فيها الأوهام والخرافات والأساطير،وصورت فيها الخيبة والفشل والهزيمة والموت والغربة والانغلاق،فقد تجلت الخيبة بأجل معانيها في قولها: ومن الأعماق تصاعد صوت مخنوق يهتف في حزن في جزع كيف ليت الجرح المظلوم الى الليل يبوح وعندما تلاشت أحلامها،وأصيبت بخيبة مريرة،تشبثت بالأوهام،فوجهت سهام سخطها للبشرية،ومجتمعاتها الحاوية للمتناقضات،الخالية من الأحاسيس: لا أريد العيش في وادي العبيد بين أموات وأن لم يدفنوا آدميون ولكن كالعبيد وضباع شرسة لا تؤمن وما برحت الخرافات والأوهام تسيطر على خيالها نتيجة الخيبة وفقدان الأمل،وضياع الآمال وتلاشيها جعلها تنظر في الجدران لتشاهد معلقاتها الخالية من الروح،فالأمل مجرد رؤيا ليس لها واقع: هو ذلك اللون العبوس في صورة فوق الجدار في وجه عصفور تحطم عشه فبكى وطار ونتيجة الإخفاق فيما صوره خيالها من صور لحياة،لم يتحقق فيها ما كانت تصبو إليه،في خوف من مواجهة الأحداث،والاصطدام بالحقائق،فتحاول الهروب منها باستحداث غشاوة تخفي الأشياء،ولكن ما رأته في مرآتها من صورة،جعلها تحطمها فتحيلها الى شظايا: الكيان الممسوخ ها أنا أمحوه كفاه هزأ بنـــــــــار أسايا ضربة من يدي تحطمت المرآة فوق الثرى فعادت شظايا ولخيبة الأمل والفشل في الحب،وانحسار الصور لفارس على جواد أبيض،ترى فيه شاعرا ندا لها،في دقة الأحاسيس،ورهافة المشاعر،كما يصوره خيالها الشاعري الحالم بصورة زاهية،فلا تجد الخلاص إلا بالرحيل رغم فداحة الكارثة،التي ولدت جرحا نازفا خلف لها حزنا دفينا وحزنا ذاتيا لا تمحوه الأيام: وداعا صحارى العويل فقد حان فجر السنين وآن لنا أن نجوب البحار مع الراحلين عطشنا كثيرا وكانت كؤوسك ملأى حنين ورغم ما ترأى لها من بارقة أمل،فأن انكسارها وفشلها وخيبتها جعلها تبدوا ضعيفة مهزوزة بعد أن تلاشت عواطفها وأحاسيسها وتمنياتها لتعود الأشباح من جديد تداعب ظلمة حياتها الكئيبة: أهكذا داست علينا الحياة لم تبق منا صدى لم تبق إلا الندم الأسودا وصوت واخيبتاه والموت بجلاله الرهيب،وصوره المخيفة المرعبة،وعالمه المجهول،كان يعيش في خيالها بعد التجربة المريرة لوفاة والدتها،وحضورها ساعاتها الخيرة وهي تصارع الموت،يضاف له ما في ديوان الشعر العربي صور سبق لها أن عاشت وقائعها في الصور الناطقة لشعراء العربية،ففي قصيدتها (يحكى أن صفارين) تصف الصراع بين الحياة والموت،ومأساة الوجود الخالدة،فالشقاء والتعب الذي يعانيه الحفارون وممارساتهما عملهما صيفا وشتاء،ليلا ونهارا،فهما قريبان من الموت في عملهما بعيدان في تصوراتهما،ورغم ذلك فهم يريدون الحياة: طالما حفرا في التراب حفرا في الضباب ربما في شجون الخريف طالما شوهدا يحفران يحفران يظلان في لهفة يحفران وهما الآن فوق الثرى ميتان ولكن الصورة المغايرة التي رسمها زميلها ورصيفها وشريكها في الريادة،تناولت جانبا آخر من هذه المأساة،فشاعر الحزن والألم السياب أستلهم من هذه المهنة صورة أخرى،فالحفار الذي يتعامل مع الموت،ويسعى بدأب لجني ثمار عمله،متمنيا الحرب ليكثر الموتى،ليكسب الوفير،فيصرفه على ملذاته في مواخير الليل،ودور البغاء،فيصرف ما يجنيه من الأموات،ليعيش بين الحياء عابثا لاهيا ،ولكن في النهاية يسترد ما دفع لغانيته التي توفيت،فاستحصل منها ما صرف عليها،يقول السياب في القسم الأخير: ماتت كما ماتوا وواراها كما وارى سواها واسترجعت كفاه من يدها المحطمة الدقيقة ما كان أعطاها وتظل أنوار المدينة وهي تلمع من بعيد ويظل حفار القبور ينأى عن القبر الجديد متعثر الخطوات يحلم باللقاء وبالخمر وقد أختلف السياب ونازك في طريقة التناول،فنازك مات حفاريها دون أن يقبضا الثمن،في الوقت الذي حصل حفار السياب على ما دفع من مال لدفينته الأخيرة. أن المجال الرحب لنازك يجعلنا في حيرة،فالإحاطة بجوانب تفكيرها من الصعوبة بمكان لحاجتها لدراسات كثيرة،وفي شعرها الكثير من الجوانب التي لم تستكشف بعد،عسى أن يتصدى لها دارسي الأدب لاستجلائها وكشف مغاليقها، فوراء وجهها الملائكي الكثير مما يستحق البحث والتحليل،وفي شعرها الجم من المشاعر التي تحتاج الى كفايات ترقى للمستوى الأدبي لنازك الملائكة. وأخيرا هاهي سيدة الشعر العربي ترحل عنا بصمت بعد أن غابت عن الأضواء لأعوام طويلة،فكانت وفاتها خير ذاكر لرجال الأدب ليقولوا فيها ما شاء لهم القول،ورغم تناسيها هذه السنين إلا أن الوقفة الخيرة لأدباء العراق تجعلنا لا نذكر قول الشاعر: لأم أموت فبعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي ستبقى السيدة الملائكية خالدة في ديوان الشعر العربي،وسيبقى شعرها معين لا ينضب للدارسين،ولعل ما سيكتب عنها يستجلي الكثير من الفواصل الغامضة والمهمة في حياتها،بعد أن رحلت وأصبحت في ذمة التاريخ.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |