|
مقالات رسالة الكلمة لؤي قاسم عباس حين هبط أبونا (ادم ) بفعل خطيئته – التي تحملنا وزرها – من جنة الفردوس إلى العالم السفلي، وبعد أن أحسَ بعظيم ذنبه وعظمة من عصاه، راحت دموعهُ تنهمر من عينيه وكأنها سيلٌ جارف قد حفر له اوديةً فشق طريقه في المنحدرات، ورغم غزارة ذلك الدمع الا انهُ لم يَكُنْ كافياً لتقُّبُلَ توبته ولم يكن الاحساسُ بالذنب يكفي لمحو خطيئته حتى تلقى من ربّهِ كلمات فغفر له بها ذنبه ومحا بها خطئيته، وايُ كانت تلك الكلمات، فهي كلمات، أرادَ الله منها ان يقول لبني البشر ان أعظمَ ما يُتَقَبَل َ من الإنسان هي كلماتٌ طيبات. في ذلك الوقت لم تكن الأرض تعجُ بالمشكلات السياسية والاقتصادية، ففي فضاءها متسعٌ لمن اراد ان يبتني بيتاً او يستثمر حقلاً، فكل ما ٍعلى الأرض وفضاءها وما تحت الثرى قد سخره الله لخدمةِ الإنسان، فلم تكن هناك أنظمة دكتاتورية تصادر الحقوق وتقمع الكلمة ولم يكن لمؤسسات الأمن والمخابرات قد وجدت لها طريقاً لتعلن عن دورها الرقابي على المجتمع، ولم يكن العالم آنذاك قد اخترع أجهزة للتنصت والاستماع لكل ما يخرج من الشفاه ولم تكن آذان الجدار تنقل الأخبار، وكان الكلام من ذهب والسكوت لا قيمة له، لم يكن هناك شرطي يقف على رأس كل إنسان - حتى صار عددهم أكثر من بني البشر - فاكتفت البشرية بالضمير رقيباً ورادعاً ومانعاً ومؤنباً ومؤدبا، وفي ظل تلك الملكيات المشاعة والحريات المباحة – الا ما حرم الله منها – يبرز وجهٌ اخرٌ للإنسان ذلك الوجه لا يمتلك اذاناً يستمع بها لصوت الحق ولا يمتلك الا عيناً واحدة ينظر من خلالها الى مصلحته الذاتية فحسب، وقلبه خالٍ من الضمير ليمتلأ محله حبَّ ( الانا ) فلا يكتفي بما أعطاه الله من النِعَمِ فيسعى جاهداً ليسلُبَ حق غيره بعينٍ ملؤها الغيرة والحسد. ولأن الحقَّ كان كلمةٌ فأن الباطل َكان حجرٌ يُفجرُ الرأس الذي حوى تلك الكلمة، وحين نُزَفَتْ أولُ قطرة دم من رأس قابيل صاحبَ ذلك النزفِ كلماتُ (لئن بسطتَ إلي يدك لتقتلني ما انا بباسطٍ يدي لأقتلك ) وسولت له نفسهُ قتلَ أخيه. ومنذ ذلك اليوم كان انتصار الحق بالكلمة، وانتصار الباطل بالقوة الغاشمة، كانت تلك الحادثة الموغلة في رحم التاريخ هي بداية للعمل الإرهابي الذي يستهدف الكلمة وهي البذرة الأولى لفكرة تأسيس المؤسسات الإرهابية التي تقمع وتصادر حريات الآخرين فكل من يقتل أخاه او يصادر كلمة ينتمي فكراً وعقيدة الى هذه المؤسسة الإرهابية التي أسسها ( هابيل ). وهنا يأتي الغراب ليعلمنا كيف نحترم رفات موتانا، لكننا لم نتعلم منه الا كيف نخفي معالم جريمتنا بين ذرات التراب. حين عاد هابيل الى أبيه أخبره بانه لا يعرف من أمر أخيه ( قابيل) شيئا او انهُ قد جرَّم الذئب بدم ِ أخيه كما جرَّم اخوةُ يوسف الذئب بقميص أخيهم. كانت تلك الحرب بين الأخويين هي حرب الكلمة والقوة المتغطرسة التي لا تستمع لمنطق الحكمة ولا تستجيب الا لرغبات النفوس والدوافع الذاتية بمثابة الحرب العالمية الأولى لعصور ما قبل الطوفان... ووجدت بذرة الشر التي زرعها ( هابيل ) طريقها في نفوس بني البشر واتت أُكُلُها وأينعت ثمارها. واستشاط الإله غضباًً لتلك الأفعال الدنيئة حينها بعث الرسل تحمل النُذر من عذابٍ اليم وتحذر من كارثة مدمرة تحيق بهم. حمل الرسل أمانة حمل تلك الكلمات الى بني البشر وتأبى ذرية هابيل الا ان تقابل تلك الكلمات بأستهزاء واستكبار واستهجان وتحل الكارثة بالأرض، لم ينجو من تلك الكارثة الا من أدرك نوح في سفينته ليبنوا من جديد عصرُ جديد. لم يمضي وقتٌ يسير حتى عاد بني البشر لما اعتادوا عليه فبذرة هابيل تنمو وتنمو و لا ينحسر نموها ولا يوقف زحفها شئ. وفي المقابل من ذلك فان كلمات قابيل تنمو في الصدور العامرة بحب الخير ولا يوقف نموها شئ. فحين يعم السلام يكون بفعل انتصار الكلمة وحين تأكل الحروب بني البشر فان ذلك بسبب انحسار دور الكلمة. فالحروب لا يدعو إليها سوى الجاهلون. أما صانعوا السلام فهم أصحاب الكلمة... وان من عظيم دور الكلمة إن الله لم يجعل أعظم الجهاد بفتوح البلدان وإنما بكلمة حق تصك مسامع الطغاة والجبابرة وأعظم الصدقات كلمات طيبات... وهل اعظم من تلك الحقيقة الراسخة وهي ان الكون كله كان مجرد كلمة في فم الله وما ان خرجت تلك الكلمة من فمه ونطق بـ( كُُن) فـ( كان ) ولولا تلك الكلمة ما كان للكون ان يكون...
|
| |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |