ذاكرة المستقبل .. أم حسين الهوّاسة
جمعة اللامي
هو الأضبط الهواس فينا شجاعة،
وفيمن يعاديه الهجو المثقّلُ
(الكميت الأسدي)
الهواس: الأسدُ.
وكل جريّ، طلاب لحقه، آناء الليل وأطراف النهار: هواس، وانت هواس لأنك تمشي بثقل فوق الأرض اللينة.
وهي واثقة الخطوة، إذا مشت خطوة فخطوة، كالناقة الواثقة من نفسها. وذاك أيضاً هو الأسد، كما أسلفنا قبل قليل.
أما الكميت الأسدي، فهو الكميت وكفى.
ومَنْ يبتغي استزادة في معرفة هذا الشاعر النبيل، فما عليه سوى الكتابة الى حرة عربية، تعرف شخصية هذا الرجل وتاريخه. تلك هي: أم حسين.
نحن نسميها: الهواسة.
وقليل منا يعرفون اسمها. واسمها هذا: فاطمة. وقيل: كوثر. لكن الهواسة لقبها الذي صار مرادفاً لكل حرة عربية مسلمة في منطقتنا. بيد ان الهواسة هي أم حسين لا غيرها.
أم حسين، فاطمة، أو كوثر، أو الهواسة، شاعرة تعيش بين الناس، ويقف الناس بين يديها، فيأتي اليها الشعر مثل طفل صغير، فتأتزر بعباءتها، ثم تطلق “هلهولتها” العراقية الطويلة؛ وبعدها يتكلم الكميت باسمها، ويحل عليها ضيفاً المتنبي، ويجالسها سيف الدولة، ويجاورها الجواهري، كما جاور “ام عوف” اللامية في منطقة “علي الغربي” ذات سنة.
تقول: “جدي الكميت، وعمي سيف الدولة، وخالي المتنبي، وعمتي الخنساء، وأختي زينب، وأمي خديجة”.
سل أي عراقي عنها، وسيأتيك الجواب: “أووف. أم حسين”، كانت رايتنا في سنوات الحرب العراقية الإيرانية.
ولقد قفّ شعر جلدي، حينما ذكر أمامي أحد الأصدقاء، أن جنوداً شباباً جاءوا ب “حسين” ذات يوم، محمولاً داخل تابوت، فتقدمت منه “أم حسين”، وألقمته ثدييها، وهي تنادي: “شيّمْتُ بك الحسين، يا حسين؟”.
واليوم، اليوم نعم، ربما تكون أم حسين في ماليزيا.
ولقد رأيتها قبل أيام عند كورنيش الشارقة، تتوكأ على عصا، تشارك مجموعة من الشبان العراقيين والعرب فرحتهم بفوز فريقهم الوطني العراقي على فيتنام.
اليوم، ستطلق أم حسين “هلهولة” عراقية طويلة، سترددها كل عراقية حرة، وستدمع من أجلها عيون العراقيين كلهم، من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق حتى الغرب، من “الكميت” الى “حديثة”، ومن “علي الشرقي” الى “الكيلاني” ومن “هيم الزبير”، الى “التون كوبري”.
أم حسين، هويتها لسانها، وضميرها حب النبي وأهله وصحابته، ولسان حالها يقول اليوم، كما بالأمس، كما قبل قرون، كما حين صعد دم العراقيين حتى الركب:
هيهات منا الذلة.