|
مقالات حبيبتي في الأعظمية!!! مهند حبيب السماوي تصلني بين الفينة والأخرى أيميلات تحمل مضامين مختلفة كصدى بعد المقالات التي أنشرها, بعضها ينتقدني بأسلوب مؤدب أو وقح وأخرى تشكرني وتتفق معي وثالثة تطرح عليٌ تساؤلات ومشاكل يتعرض لها العراق, وكان من بين أغرب تلك الرسائل التي جاءتني في الفترة الأخيرة هي رسالة من شاب عراقي يُدعى جعفر شرح لي فيها مشكلته التي لم أتعرض لها من بين ما أطرحه من مشكلات وقضايا في بعض مقالاتي_ ولا أظن أن أحد غيري قد طرحها_ وهي مشكلة غريبة وجديدة تسللت إلى ساحة العراق الدامية بعد انتشار المد الطائفي في العراق ونشوب الحرب العلنية حيناً والسرية حيناً أخر بين أبناء الشعب الواحد. الشاب جعفر طبعاً أذن لي أن أنشر رسالته في العلن مضموناً لا حرفياً لعدم أمكانية ذلك فنياً وأخلاقياً, ومشكلته أو معضلته الكبرى _ كما سماها _ تتلخص في أنه شاب شيعي جامعي يسكن مدينة الكاظمية وهو لديه علاقة حب مع فتاة سنية جامعية أيضاً تسكن حي الأعظمية تُدعى آمنه!!! ومن المؤكد أن القارئ _ وبالخصوص العراقي _ سيعرف ما هي مشكلة جعفر وآمنه، وماهية أبعادها, وما يترتب عليها من نتائج أذ أن جعفر الشيعي كان يلتقي آمنه السنية في الجامعة قبل التخرج _ عندما لم يكن جعفر شيعي ولا آمنه سنية وأفهموا المعنى _ وكان بينهما أتفاق على الزواج بعد إن ينالا شهادتهما الجامعية. ولكن الآن وبعد أن تخرج الاثنان على أمل الزواج والارتباط بينهما شأنه شأن أي حب نظيف طاهر, لم يحصل ذلك بسبب أنغلاق بعض مناطق ومحافظات العراق على فئة وطائفة معينة سنية أو شيعية دون غيرها بسبب التهجير الطائفي التي حصل فيها بعد أثر تفجير مرقدي سامراء، فالبعض من السنة لا يدخل إلى مدينة الكاظمية خوفاً من التصفية المذهبية, مثلما الشيعي يخاف ويرفض بصورة قاطعة دخول حي الأعظمية لأنه حينها سوف لن يخرج منها على قدميه حياً!!! لا أخفي للقارئ العزيز دهشتي لهذه الرسالة الذي ربما سيشاركني معي فيها الدهشة والاستغراب, أذ أن جعفر الآن لا يلتقي مع آمنه، بل أن الأتصالات بينهما شبه منقطعة لأن شبكة الهاتف النقال في منطقة آمنه السنية هي أصلاً ضعيفة بسبب ضعف خدمات الشبكة حيث لا توجد حكومة عراقية تحاسبها فضلاً عن قطع الأرهابييون أحياناً لخطوطها وإسقاط الكثير من أبراجها بحيث أن خط الهاتف لاياتي في اليوم إلا بضعة دقائق معدودة لا تروي عطش محب عاشق يرى في سماع صوت حبيته في هذا الزمن ألإرهابي عزاء بسيط غير مجدي لغربته عن حبيبته التي مدت مساحات حزنه واغترابه إلى الوطن الكبير الغارق في وشاحه الأسود. ولا أعتقد مطلقاً أن ما طرحه جعفر يٌعد عقبة مزيفة وهمية أختلقها عقله بل هي مشكلة حقيقية واقعية ربما لها في عراق اليوم ألكثير من المصاديق بسبب ما يتعرض له هذا الشعب الرازح تحت وقر العذابات من مصائب وأرهاب وتصفيات طائفية ومليشياوية، مع العلم أن أهل كل من جعفر وآمنه مازالا بعد لم يتلوثا بأدران الطائفية المقيتة وقذراتها اللعينة التي أشعلت لهيبها ووقودها تنظيمات إرهابية ومليشيات عابثة لها مخطط خبيث وأجندة سوداء ظلامية. طبعاً لا داعي لتذكيركم أنه بالأمس القريب أحتضن أهالي الأعظمية غرقى جسر الأئمة وانتشلوا الكثير منهم من الغرق، حتى قدموا أنفسهم فداء لهؤلاء الشيعة القادمين لزيارة الأمام موسى الكاظم، وهنا يقفز الى ذهننا حالاً شخصية عثمان العبيدي الخالدة التي انقذ عشرات الغرقى حتى أرهقه التعب وغرق في نهر دجلة حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها جل في علاه. تصوروا معي سادتي القراء الأفاضل...هذه المشكلة... ونوعها!!! كيف يمكن حلها؟ كيف يتزوج جعفر آمنه؟ كيف يقوم أهله ووالدته بلقاء أهل الحبيبة من أجل التعارف؟ وهل يمكن للأعظمية أن تحتضن لقاء كل من أهل جعفر وأهل آمنه؟ وكيف سنأمن على الزفة ( وهي باللهجة العراقية موكب العرس) التي ستأتي إلى بيت في آمنه في الأعظمية؟ كيف سنأمن عليها من الانتحاريين الذي يفجرون أنفسهم مرات عديدة في مواكب الأعراس ومواكب الأفراح الجماهيرية كما حدث ذلك بعد فوز منتخب العراق الوطني على كوريا الجنوبية!!! كيف يسأل أب آمنه عن جعفر في منطقته ليعرف أخلاقه ويطمأن على من سوف يترك أبنته معه طيلة حياتها الباقية؟ لقد أنهى جعفر رسالته لي بهذا البيت الشعري الذي يدل على سوداوية مستقبلة وتشاؤمية نظرته تجاه مستقبل العراق عموماً ومشكلته خصوصاً...
بات أدنى من يد بيننا كأنما الكوكب في بعده!!!
وهو بيت شعر لأبي علاء المعري يصف فيه قرب جثه صاحبه منه مكانياً وبعدها عنها روحاً حيث الصديق ميت وفي عالم أخر، وهو عين وصفه لحاله حيث يفصل بين مكاني جعفر وآمنه نهر دجلة فقط الذي يمر بين الكاظمية والأعظمية, ولكن البعد بينهما كبير وكبير جداً كأنه الكوكب في بعده على حد تعبير الشاعر المعري. سيدي جعفر... سيدتي آمنه... لن أقول لكم شعراً!!! لن أجاملكما وأكذب عليكما وأقول أذهب أنت وأهلك إلى الأعظمية فلن يحدث لك شيء هنالك!!! ولن أكذب وأقول لا يوجد أحتقان سياسي وطائفي في العراق!!! لن أقول لكم أن هنالك خطة أمنية ستطهر المناطق من ألإرهاب والمليشيات!!! لن أقول لكما بأن عزاءكما الدستور العراقي الذي صوت الشعب العراقي له!!! لن أكذب وأقول أنه لا توجد مناطق شبه معزولة طائفياً!!! لن أكذب مثلما يكذب غيري حينما يتحدث عن المنجزات الكبرى والمكاسب العظمى التي تحققت في العراق بعد سقوط الطاغوت وينسى أن موت عراقي واحد يُعد خسارة كبرى ولو تحققت آلاف المكاسب الأخرى، فما بالك بهذه الأرواح التي ذهب منذ سقوط الطاغية وحتى الآن ولاحكومة ولا دولة ولا قوات أمنية قادرة على ردع القتله وإيقافهم عند حدهم. لن...ولن...ولن...أكذب عليك... سأقدم لك حل واحد... تخلى عن الأمور التقليدية وما تعارف عليه الناس في مجتمعنا العراقي أذ الظروف تغيرت وعلينا أن تغير إستراتيجيتك وتنظر إلى مصلحتك الشخصية مثلما ينظر الكثير من سياسي العراق إلى مصلحتهم الخاصة... مادمنا نعيش في العراق...الاستثناء....الشاذ...اللامعقول في كثير من الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها...أذن: التقي ياجعفر مع آمنه في الجامعة المستنصرية وأذهبا إلى أقرب محكمة وتزوجا وارجع بها إلى بيتك!!! وليسقط في حضيض القمامة وأدران السفالة الإرهابيون والميليشيات وكل من قتل الإنسان في داخل الإنسان وسحق الحب والسلام في أرض العراق المعذبة وباعه بأبخس الأثمان.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |