|
مقالات عقلاء خارج دائرة الحكمة عقيلة آل حريز أشياء كثيرة في الكون تسير وفق نسق معين، وليس شرطاً أن يكون هذا النسق توافقياً تاماً إلى الحد الأفلاطوني، بل كثيراً ما ينتظم وفق اختلافات ظاهرة وواضحة جداً، وهذا الأمر لا يعتبر عيباً في بناء النسق أو تماسكه، فلا أحد يمكنه أن ينكر ضرورة الاختلاف لأنه مثمر بالطبع، فنحن عندما نختلف نبدأ بالتعرف على بعضنا البعض، وهنا قد تزورنا مناطق الألم جراء هذا الاختلاف الذي لا يصبح محل ترحيب دوماً، ليس لأننا متباينين فحسب، بل لأن الاختلاف من شأنه أن يوقفنا على هويتنا ويفرز طبيعة سلوكياتنا المتغايرة عن الآخرين، وهنا يبدأ الصدام الطبيعي. لكن ماذا إن تجاوز هذا الاختلاف حده المعقول، ماذا إن طغى عليه العناد، وماذا عن العقلاء إن دخلوا دائرته وتأطروا بإطاره، وهم ملاذ الكثيرين ومرجعيتهم، كما أنهم يشكلون الرموز في مجتمعهم والمحور الذي يلتف حوله الناس في أزماتهم؟، لمن يمكن أن نعود ولمن يمكن أن نلجأ حين يزورهم العناد ويعلوهم تسلط الرأي لمجرد تصادم مهما كان قد حصل بينهم وبين الآخرين؟ بحيث أن العناد أصبح هو المتحكم الأول في الموقف إلى حد أنه صار يشكل سلطان الضياع والمسيطر على ردود الأفعال حين لا يكون للعقل قرار ينطق، فتطرد العاطفة من باب القلوب وتندحر كل وجوه المعارضة النبيلة خارج دائرة الحكمة حين لا تجد لها مساحة ترتكز خطواتها عليها، من نخاطب إذاً إذا ساد الجهل كل مناطقنا وسفه كل الآراء وكسر كل الأشرعة فامتد بنا نحو طريق مسدود. من السهل أن تتحول إلى قائد عظيم فيلتف حولك الناس ويصفقوا لك ويهللوا، لكن من غير السهل أن تلتصق حكمة القيادة بك إن لم تعمل العقل فيها وتمرنها على ضرورة التحاور مع الأحداث من حولها، باستيعاب كل ما هو حولك وبالتالي تحليل الأمور بشكل سليم والتصرف حيالها بحكمة يقتضيها الموقف وتفرضها هوية التجربة. فإذا كان هؤلاء العقلاء وهم محور الالتفاف يهتزون في خللهم بسهولة كأطياف الجنون في عدم توازنهم إن واجهتهم صعوبة ما، فمن يمكنه أن يمسك بزمام الأمور ويقود مراكبنا لتبحر مجتازة بعض مشاكل الحياة في هدوء شبه متواصل! بالطبع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نظل محتفظين بآلية ثابتة لحياة هي من الأساس تغيرية منذ تكوينها، فنحن نحمل عدة تجارب وثقافات متباينة والتماثل التام شبه مستحيل، لكن إن كنت القيادة تعي دورها تستطيع امتصاص الأزمات، وبرأيي الاختلاف ليس مشكلة إن صانها العقلاء وقدروها كطبيعة بشرية، لكنه قد يصبح كارثة إن التزموا العناد وسلكوا بأمرهم فيه نحو طريق الجنون. ربما قد ترعبهم فكرة ما لا توافقهم، لكن التوافق وحده ليس قيدا، ليس شرطا، ليس قسرا على فلسفتهم، عليهم أن يدركوا وهم القادة بأن العالم يتغير ويتبدل كل يومولم يعد صوتهم وحده من يُسمع، فهناك هدير وريح وأتربة، وهناك موج مرتفع، كما هناك تجاذب وتوافق يسير كلاً منهما في شتى الاتجاهات. المشكلة الأعم هي عدم احتواءنا لوجهات النظر من حولنا، عدم تصورنا أن من يتقاطعون معنا أيا كان موقفنا منهم وموقفهم منا قد يكونون على حق، كذلك عدم الرغبة في الإصغاء حتى ولو بالصمت عن المجادلة لذا تسوء الأمور، وتبقى الحقيقة الأكيدة بأن من لا يسمع صوتا غير صوته يبقى عاجزاً إدارة فن الكلام. السؤال الآن هو، لمن نلوذ إن أضعنا هوية العقل وضاعت معالم الحقائق وسط نقاشات متلاطمة إن تخلى العقلاء عن القيام بدورهم؟.
|
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |